اطبع هذه الصفحة


تحت راية ملك

 

تركي العبدلي


إن الحديث عن عالم الملائكة أو عالم الجن والشياطين حديث شيق لأن النفس البشرية تستشرف وتتطلع لمعرفة الغيب ، غير أن حديثنا سيكون عن علاقة واتصال المسلم بهذين العالمين من جهة تسابقهما على هدايته من طرف وإغوائه من الطرف آخر .

فالملائكة عالم نوراني، عالم لا تجول في ناديه المعصية ، عالم طاهر مبارك طيب لا يحب إلا الطيب و من منازلهم المساجد وروضات الذكر.

والشياطين عالم مظلم خبيث ووحل للمعصية ومنازلهم الأماكن الخبيثة والبعيدة عن ذكر الله.

ومن المعروف أن الإنسان يتأثر تأثرا بالغا بمن يجالس ويخالط بقدر مجالسته ومخالطته له ، والمرء على دين خليله ، ومع كل إنسان ملك وشيطان وهما في سباق فالملك يدعوه إلى الخير والشيطان يدعوه ويزين له المعصية ، وعلى الإنسان أن يختار أحد النجدين ويسلكه.

ونريد أن نقيم مقارنة بسيطة بين ذلك الإنسان المتدين الملتزم بالشريعة الربانية ، والذي ينصر الملك الموكل به ، وترافقه الملائكة أينما حل وارتحل حتى تأثر بنورها وانتفع بدعائها وصار من الأولياء المقربين ، وبين ذلك الإنسان المفرط المتسيب البعيد عن الأوامر الربانية والأذكار القرآنية حتى صار أنسه مع شيطانه وفرحه متعلق بهواه، فتخللت قلبه ظلمات الشياطين وانتفخت أوداجه بشرورها ، و الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :(ما منكم أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي ولكن الله أعانني عليه حتى أسلم فلا يأمرني إلا بخير)(1) .

(1) إذا قام الإنسان في الصباح استفتح المؤمن الملتزم بالسنة بذكر الله فصاحبَه ملك يكلؤه من الشيطان وظلماته، وأما المفرط فيستفتح بغناء أو بسُباب أهله فتغشته ظلمات الشيطان: (فإذا انتبه من منامه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك: (افتح بخير ويقول الشيطان) افتح بشر فإن هو قال: الحمد الله الذي رد إلى نفسي بعد موتها ولم يمتها في منامها الحمد الله الذي يمسك السموات السبع أن تقع على الأرض إلا بإذنه طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه)(2) .

(2) فإذا خرج من بيته ابتدره ملك وشيطان ينتظرانه كل منهما يحمل راية، فإذا خرج في طاعة الله وذكر الله تنحي الشيطان خائبا وانطلق المؤمن تحت راية الملك ولا يزال تحتها حتى يعود إلى بيته فيالها من عزة وكرامة، وأما إن خرج في معصية الله ونسي ذكره تنحي الملك وافتخر الشيطان ونفض رايته فوق رأس المفرِّط فلا يأمره إلا بشر:(ما من خارج يخرج ـ يعني من بيته ـ إلا ببابه رايتان راية بيد ملك وراية بيد شيطان فإن خرج لما يجب الله عز وجل اتبعه الملك برايته فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته)(3).

(3) المؤمن الذي تحت راية الملك إذا ركب سيارته فلا يستمع فيها إلا خيرا، وأما المفرِّط إذا ركب سيارته استمع للاغاني الماجنة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس)(4) فإذا كانت الملائكة لا تصحب صاحب الجرس فما بالكم بصاحب المعازف والغناء؟!.

(4) المؤمن في مجلسه لا يقول إلا خيرا فتظل الملائكة تحفه، وأما المفرِّط فيمدح نفسه بما ليس فيها، ويتقرب إلى صحبه بالكذب في غالب حاله، فتهرب منه الملائكة وتخلو الساحة للشياطين: (إذا كذب العبد كذبة تباعد منه الملك مسيرة ميل من نتن ما جاء به)(5).


(5) والمؤمن إذا رجع بيته ذكر اسم الله وسلم على أهله فحضرت الملائكة وتنحى الشيطان:(إذا دخل الرجل بيته فذكر الله….قال الشيطان لا مبيت لكم)(6) وأما المفرُط إذا دخل بيته ولم يذكر الله وغنى وطرب فقد آوى إلى بيته الشيطان وفي الحديث:(..وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت…)(7) أي يكون الشيطان ضيفاً عليه تلك الليلة.

(6) والمؤمن الملتزم بالسنة إذا قدم له الطعام ذكر أسم الله عليه وأكل فيقول الشيطان لرفقته :(لا مبيت لكم ولا عشاء)(8) وأما المفرِّط بالسنة الذي ترك البسملة فيقول الشيطان لرفقائه:(أدركتم المبيت والعشاء). (9)

(7) الملتزم بالسنة يتوضأ قبل نومه:(من بات طاهرا بات في شعاره ـ أي ثوبه ـ ملك فلم يستيقظ إلا قال الملك اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرا)(10) وما المفرِّط فينام على غير طهارة بل قد ينام وهو جنب وفي الأثر:(ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ)(11).فإذا آوى الملتزم بالسنة إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان كما جاء في الأثر:(إذا أوى الرجل إلى فراشه أتاه ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان اختم بشر فإن ذكر الله ثم نام باتت الملائكة تكلؤه )(12) وأما المفرُط فينسى ذكر الله ويختم بشر.

فهذه مختصر قصة صراع الخير والشر على الإنسان، فإن كان ما ذكرناه هو الصراع الخارجي على الإنسان فبقي حديث يبين حقيقة الصراع الداخلي بين الفريقين على قلب الإنسان .

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (إن للشيطان لمة وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ قوله تعالى:(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا)(13) فمن يرافق الملائكة ـ تلك المخلوقات النورانية والتي لم تتلوث بمعصية ، تلك المخلوقات الطاهرة والتي مذ أن يصبح وهو تحت رايتهم في ذهابه وإيابه يحفُونه في الليل والنهار، ويبات وهم يحرسونه وليس ذلك فحسب بل ويبات في ثوبه ملك من شدة حبهم له ـ أجدر بأن يتعوذ من وسوسة الشيطان لضعف كيده عليه طول اليوم، بينما من هو رفيق للشيطان أسير هواه، لا يمشي إلا تحت رايته، فهو أقرب أن يتبع الشيطان في لمته فيهلكه كما هلك، والمرء على دين خليلة.

تركي العبدلي
Turky60@hotmail.com

------------------------------------------
1- مسلم 4- 2167
2- حسنه ابن حجر في نتائج الأفكار.
3- المسند قال أحمد شاكر إسناده صحيح .
4- مسلم 3-1672
5- قال الترمذي حسن غريب راجع تهذيب التهذيب 6/308 وضعفه آخرون .
6- مسلم 3- 1598
7- المرجع السابق
8- المرجع السابق
9- المرجع السابق
10- صحيح ابن حبان 3- 328 وفي السلسلة الصحيحة للألباني الحديث رقم 2539 .
11- حسنه الألباني في صحيح أبي داود 4180 ، مشكاة المصابيح 442، آداب الزفاف 22 .
12- حسنه ابن حجر في الأمالي الحلبية 1-25 ونتائج الأفكار 3-78 .
13- رواه أحمد وقال شعيب محقق المسند إسناده صحيح موقوفا وله حكم الرفع ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2988 وفي المشكاة .

 

منوعات الفوائد