اطبع هذه الصفحة


وَقَفَ السّائِلْ ..!!

عبدالله بن محمد آل بوعينين


الحمدلله الذي أعطى ومنع , وقبض وبسط ورفع , سُبحانه جلّ شأنه تقدّست أسماؤه علت صفاته جلّ مقامه .. وصلى الإله على النبي المُجتبى والحبيب المُصطفى صلوات الله وسلامه عليه .

مَنْ نظر إلى المال علم وفهم أن المال كُلّه لله , فالله أعطاه للبشرية لمن شاء من عباده لا لقرب يُعطيه ولالفضل يمنحه , فالله يقول ((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ )) ويقول ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .

وهذا المال هو ابتلاءٌ يبتلي الله به العبد , فإن أعطاه المال ابتلاه بزكاته وإخراجه والتصدق به والإنفاق لماثبت عن رسول الله لماخرّجه الترمذي أبو عيسى في سُننه قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال اخبرنا الاسود بن عامرقال حدثنا ابو بكر بن عياش عن الاعمش عن سعيد بن عبد الله بن جريج عن ابي برزة الاسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((‏ لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن عمره فيما افناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه وعن جسمه فيما ابلاه ))

وأما منعه فهو إبتلاء فالعبد يتمنى أن يتنعّم في هذه الدنيا , ورسول الله كان يخشى على أصحابه من المال ودخول الدنيا , ففي كثرة المال يُفتح بابٌ من أبواب الدنيا ..خرّج البُخاري في صحيحه قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة قال ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي كان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ....... قال((فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم ))

اعلم _ رحمني الله وإياك _ : أن نظرة الغني للفقير لابُدّ أن تكون نظرة ليس فيها تكبر ولاتضجّر من سؤاله , وكم اتذكر كلاماً جميلاً قاله أسد المنابر وخطيب مصر الشيخ عبدالحميد كشك – رحمه الباري - إذ قال : ( واعلموا أن المرء مُبتلى ومعافى فإذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا الله العافية ) أهـ .

ومما يكثر في هذا الزمان كثرة السؤال وطلب المال وكُلٌ على حسب نيّته , وأحياناً في بيت من بيوت الله .. فنتعجّب ممن يزجر وينهى السائل أن يسأل والله جلّ في عُلاه قال في كتابه الكريم ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ )) قال قتادة : يعني رد المسكين برحمة ولين . أهـ

وقال صاحبُ الجلالين : تزْجُره لفقره . أهـ

وقال الطبري : وأما من سألك من ذي حاجة فلاتنهره , ولكن اطعمه واقض له حاجته . أهـ

خرّج البُخاري في صحيحه قال حدثنا حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا ابو اسامة عن بريد عن ابي بردة عن ابي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان اذا اتاه السائل او صاحب الحاجة قال ((اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان رسوله ما شاء ‏ ))

وهذا ابراهيم بن أدهم يقول : نعم القوم السّؤّال يحملون زادنا إلى الآخرة . أهـ

ويقول إبراهيم النخعي : السائل بريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء ؟ . أهـ

_ هُناك من ظنّ ان السائل في المسجد يُزجَر لعظمة المسجد واستشهادهم بدليل ماخرّجه أبو عيسى الترمذي في سُننه قال حدثنا الحسن بن علي الخلال قال حدثنا عارم قال حدثنا عبد العزيز بن محمد قال اخبرنا يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(( اذا رايتم من يبيع او يبتاع في المسجد فقولوا لا اربح الله تجارتك واذا رايتم من ينشد فيه ضالة فقولوا لا رد الله عليك )) قال ابو عيسى حديث ابي هريرة حديث حسن غريب ‏.‏

وهذا الحديثُ لايعد مانعاً لزجر السائل في المسجد لعدة أوجه :

الوجه الأول / أن الواضح من الحديث أنه قصد البيع والشراء , وقد قال أبوعيسى بعد تخريج حديثه (والعمل على هذا عند بعض اهل العلم كرهوا البيع والشراء في المسجد ‏.‏ وهو قول احمد واسحاق ‏.‏ وقد رخص بعض اهل العلم في البيع والشراء في المسجد ‏ ) أهـ

وسؤال الحاجة لايُعد شراء , ولايُعد بيعاً .

الوجه الثاني / أن النقل لايتعارضان إما هُناك خصوص وعُموم , وإما أن يكون ناسخ ومنسوخ , وإما لاناسخ ولامنسوخ لكن الفهم يختلف وعلى هذا فالله يقول ( وأما السائل فلاتنهر ) وهو عُموم السؤال لعلم أو لحاجة أو لغيره , لكن وضح من الحديث في قول ( لا أربح الله تجارتك ) أن التجارة إنما هو شراء أو بيع بحصول منفعة من منفعة .

الوجه الثالث / من نظر إلى حال الصحابة في زمن رسول الله وجد أن هُناك في المسجد من هُم من أهل الصفّة ومكانهم معلوم معروف فلم ينهاهم رسول الله , ولم يزجرهم ولم يكن هذا مانعاً لهم .

اللهم اغفر وارحم أنت الأعز الأكرم , ربنا استعملنا في طاعتك , واجعلنا في هُداك , واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم .
 

قاله وكتبه
عبدالله بن محمد آل بوعينين
 

منوعات الفوائد