الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله
وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين،
وعلى آله وصحبه الطيبين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد ابتليت بالاطلاع على رسالة صغيرة الحجم عظيمة الضرر عنوانها : ( وفاة
المسيح بن مريم والمراد من نزوله ) ، وعلى غلافها صورة مزعومة لقبر عيسى عليه
السلام في سري نغر بكشمير الهند ، من نشر الجماعة الإسلامية الأحمدية
العالمية ( القاديانية ) .
والحق أنه لم يكن بي حاجة إلى الرد على شيء من مؤلفات هذه الفرقة المارقة
لانكشاف أمرها، وسقوط شبهها ؛ لولا أن كتبها ورسائلها تنتشر في بعض البلاد،
ويخشى أن يتأثر بها أحدٌ ممن ضعفت صلتهم بالعلم الشرعي.
وقد رغب بعض الأحبة في إجراء القلم ببيان ضلالهم وإفكهم في هذه الرسالة .
فاستعنت بالله تعالى على ذلك، وهو المسئول أن يرفع منار الحق وينصر أهله وأن
ينكس أعلام أهل الضلال ويخمد نيرانهم ويقي المسلمين شرهم .
وقبل
افتتاح الرد يجدر التنبيه على أن هذه الفرقة الأحمدية ( القاديانية ) فرقة
ضالة كافرة بإجماع علماء المسلمين، وقد صدرت بذلك فتاوى متعددة من عدد من
المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، ومنها : المجمع الفقهي التابع
لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر
الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، هذا عدا ما صدر من
فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها .
وإذا كان الأمر كذلك فإن من الواجب عدم الالتفات إلى شيء من مؤلفاتهم أو
الاشتغال بها، بل الواجب إتلافها والتحذير منها ومن أهلها؛ حماية لحياض الدين
، وقياما بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تمهيد :
إن مما يسعى إليه الأحمدية جهدهم
إثبات أن النبي الكريم عيسى عليه الصلاة والسلام قد مات، ولهم في ذلك غرض
سيء؛ وهو أنه إذا تم إيهام ذلك فإنه سيسهل عليهم ادعاء أن الأحاديث التي وردت
بنزوله عليه السلام المقصود بها بعثة المتنبىء القادياني الكذاب، كما أن
المهدي المنتظر إنما هو عيسى بن مريم، فيتحصل من هذا وذاك أن القادياني هو
عيسى بن مريم والمهدي المنتظر أيضاً .
وقد صرحت الرسالة المشار إليها بذلك إذ جاء فيها ص6: ( فالمراد من نزول عيسى
بن مريم بعثة رجل آخر من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم يشبه عيسى بن مريم
في صفاته وأعماله وحالاته، وقد ظهر هذا الموعود في قاديان الهند باسم: ميرزا
غلام أحمد ... إماماً مهدياً وجعله الله مثيل المسيح عيسى بن مريم عليه
السلام ، فكان هو المسيح الموعود والإمام المهدي للأمة المحمدية الذي وعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعثته قائلا: ( لا المهدي [كذا، والصواب :
مهدي] إلا عيسى ) ابن ماجه، كتاب الفتن ) اهـ .
قلت:
إن من الضلال البيِّن والخطأ الواضح اعتقاد أن عيسى عليه السلام هو المهدي
المنتظر، والحديث المذكور لا يصح، بل هو حديث منكر، حكم بنكارته جمع من
الأئمة، منهم النسائي والذهبي والألباني، وضعفه الحاكم والبيهقي والقرطبي
وابن تيمية، بل حكم بوضعه الصغاني. انظر: منهاج السنة 8/256، والصواعق
المحرقة للهيتمي 2/476، والسلسلة الضعيفة (77)
ويحسن قبل مناقشة القاديانية في هذا الموضوع التقديم بذكر شيء من عقيدة
المسلمين قاطبة فيما يتعلق برفع عيسى عليه السلام ونزوله .
فأقول :
يعتقد المسلمون بما تضمنته الآيات والأحاديث المتواترة بأن المسيح عيسى عليه
السلام رفعه الله تعالى إلى السماء، وأنه باقٍ حياً فيها إلى قرب قيام
الساعة، إذ سينزل إلى الأرض فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويحكم
بالشريعة المحمدية، ثم يموت – عليه السلام – كسائر البشر .
وممن نقل الإجماع على ذلك ابن عطية رحمه الله (ت542هـ) إذ قال في تفسيره
المحرر الوجيز3/143: ( أجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى
في السماء حي، وأنه سينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل
الدجال ويفيض العدل وتظهر به الملة – ملة محمد صلى الله عليه وسلم – ويحج
البيت ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة وقيل أربعين سنة ).
ويقول السفاريني (ت 1188هـ) في كتابه لوامع الأنوار 2/94-95 : ( فقد أجمعت
الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة
والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم
بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء ).
ويقول العظيم أبادي في كتابه عون المعبود 11/457 : ( تواترت الأخبار عن النبي
صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء بجسده
العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ) .
وكلام أهل العلم في هذا مستفيض، ولولا خشية الإطالة ورغبتي أن تكون هذه
الرسالة وجيزة المحتوى لحشدت من تلك النقولات الشيء الكثير .
ويراجع للأهمية كتابا: التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال
والمسيح للشوكاني، و: التصريح بما تواتر في نزول المسيح، لمحمد أنور شاه
الكشميري .
أما عن إفك القاديانية في هذه
الرسالة؛ فإن خلاصتها: مقدمتان ونتيجة.
أما المقدمة الأولى:
فهي أن عيسى عليه السلام قد مات، وأن رفعه بجسده حياً خرافةً لا حقيقة لها.
وأما المقدمة الثانية:
فهي أن الأحاديث الواردة في نزوله عليه السلام ليست على ظاهرها، بل هي مؤولة.
أما النتيجة:
فهي أن المراد من نزوله: خروج مثيله وشبيهه، وذلك هو ميرزا غلام أحمد
القادياني.
وقد حشدوا لكلا المقدمتين جملة من الشبه التي يكفي أدنى تأمل فيها في كشف
زيفها وبطلانها.
وسوف أعرض – بحول الله – بإيجاز شديد لما تضمنته تلك الرسالة من ضلال وتلبيس،
وعلى الله التكلان .
الرد التفصيلي
جاء
في الرسالة ص1: ( إن سنة الله العامة الشاملة لجميع بني آدم أن يعيشوا في
الأرض، فكيف خرج عيسى بن مريم من هذه السنة المستمرة كما يزعم البعض ).
والجواب:
إن الذي شاء هذه السنة وأوجدها قادرٌ على أن يستثنى منها من شاء، ولا معقب
لحكمه ولا راد لقضائه.
وهل بقاء عيسى عليه السلام حيا في السماء بأعجب من ولادته من أم بلا أب؟ أليس
في هذا مخالفة للسنة الكونية كما تزعمون؟ وكل جواب تجيبون به على هذا الإيراد
هو جوابنا عليكم في قولكم .
جاء في الرسالة ص1-2 : الاستدلال
بقوله تعالى :( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) على أن جميع
الأنبياء قد توفوا؛ باعتبار أن معنى (خلا): مات، وأن أبا بكر رضي الله عنه
استدل بهذه الآية على موت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن جميع الأنبياء
قبله قد ماتوا , وأجمع الصحابة على موته وعلى موت جميع الأنبياء قبله .
والجواب:
لو سُلِّم بأن معنى (خلا) في الآية : مات، فقد دلت الأدلة على تخصيص عيسى
عليه السلام من هذا الحكم، بمعنى أنهم قد ماتوا إلا عيسى عليه السلام،
والتخصيص بدليل منفصل مقبول عند أهل العلم، خاصة وأن كلمة الرسل في هذا
السياق ليست نصاً في العموم، هذا إن كانوا يفهمون معنى العموم أو التخصيص.
ثم من نقل إجماع الصحابة على موت جميع الأنبياء بمن فيهم عيسى عليه السلام؟
وهل هذا إلا محض الافتراء والكذب؟
جاء في الرسالة ص1: ( وأما القول بأن
عيسى بن مريم عليه السلام رُفع إلى السماء حياً، وجلس عن يمين الله، وسينزل
من السماء بجسده المادي في آخر الزمان مع الملائكة بكل قوة ويغلب الناس فهو
في الحقيقة تصور باطل مأخوذ من عقيدة النصارى وليس بثابت من القرآن الكريم )
.
والجواب:
إن القول برفع عيسى عليه السلام حيا ونزوله من السماء بجسده في آخر الزمان
حقٌ نطق به القرآن والسنة، وسيأتي بيان ذلك فيما يأتي إن شاء الله .
وأما قولهم: وجلس عن يمين الله ... إلخ فهذا ليس من قول المسلمين، فلا يلزمون
به .
جاء في الرسالة ص1 : ( ولقد أبطل الله
هذه العقيدة في قوله عز وجل: ( ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم
إليهم لا يرجعون ) أي الموتى لا يرجعون إلى هذه الدنيا أبدا، فكيف يرجع عيسى
بن مريم خلافا لما قال الله؟).
والجواب:
أولا: إن هذه الآية تخاطب الكفار بالاتعاظ بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين
للرسل كيف لم يكن لهم إلى الدنيا كرة ولا رجعة، هذا معنى الآية.
ثانيا: الآية تتحدث عن الموتى، والمسلمون يقولون إن عيسى عليه السلام حي لم
يمت، فالدليل ليس في محل النزاع؛ فسقط الاستدلال.
ثالثا: أن الله تعالى إذا شاء إرجاع من مات إلى الحياة مرة أخرى فإنه يكون،
ولا يعجزه شيء سبحانه.
ألم يسمع هؤلاء ما أخبر الله به في كتابه من إحياء عيسى عليه السلام الموتى
بإذن الله ( وأحيي الموتى بإذن الله ) ؟ بل أعظم من ذلك أنه كان يخلق من
الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله؟ أو أنهم لا يؤمنون بذلك؟
وفي قصة البقرة في سورة البقرة: ( فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى
ويريكم آياته لعلكم تعقلون )، وقصة إبراهيم عليه السلام: ( وإذ قال إبراهيم
رب أرني كيف تحيي الموتى ) الآيات، وغير ذلك كثير .
وهذا الجواب على سبيل التنزل في الجدال، وإلا فعيسى عليه السلام لم يمت كما
تقرر آنفا .
جاء في الرسالة ص1 : ( لو كان من
الممكن رجوع نبي من الأنبياء إلى هذه الدنيا لكان نبينا محمد المصطفى صلى
الله عليه وسلم أولى وأجدر بأن يرسل مرة ثانية؛ لكماله وفضائله وتفوقه على
سائر الأنبياء عليهم السلام ).
والجواب:
أولا: هذه الشبهة مغالطة مكشوفة؛ لأن الكلام ليس في رجوع نبي بعد موته، وإنما
في نزوله وهو حي إلى الأرض؛ فسقطت الشبهة من أصلها.
ثانيا: لا يلزم من أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء
أن يثبت له جميع ما يقع لإخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الدلائل
والبراهين – التي تسمى: المعجزات - وإلا فطرد كلامهم يلزم منه عدم صحة ما جاء
في القرآن من أن عيسى عليه السلام كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى
بإذن الله؛ لأن ذلك لم يقع لنبينا عليه الصلاة والسلام، ومثل ذلك يقال عن عصا
موسى عليه السلام وغيرها من آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكل جواب
لهم على هذا الإيراد هو جوابنا عليهم في شبهتهم .
ثالثا: أن فيما قدره الله سبحانه من رفع عيسى حيا ثم نزوله في آخر الزمان
حكما عظيمة، منها: الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه عليه الصلاة والسلام،
وأنه هو الذي يقتلهم ويقتل الدجال معهم .
جاء في الرسالة ص2 إيراد شبهة لإنكار
رفع عيسى عليه السلام، وهي قولهم: ( لقد رُفع عيسى بنفس الطريقة التي رُفع
بها الأنبياء الآخرون، فقد قال الله عز وجل في شأن إدريس عليه السلام : (
ورفعناه مكانا عليا )، ونفس المعنى لرفع عيسى عليه السلام في الآية الكريمة:
( إني متوفيك ورافعك إلي )، فليس هنالك ذكر للفظ السماء، وكلما تدل عليه هذه
العبارة أن الله سوف يفشل خطة اليهود بقتل عيسى عليه السلام على الصليب
ليثبتوا أنه - والعياذ بالله – ملعون من الله، وسوف يرفع درجته ويجعله من
المقربين، ورفعت روحه كما رفعت أرواح الأنبياء الآخرين ) .
والجواب:
أولا : أن لأهل العلم بالتفسير أقوالا عدة في تفسير قوله تعالى عن إدريس: (
ورفعناه مكانا عليا )، فمن أهل العلم من قال: إن الله عز وجل رفعه حيا إلى
السماء ومات بها، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما من السلف، فعلى هذا
تكون الآية دليلا عليهم لا لهم.
وقيل: المقصود رفعه في الجنة، والجنة – ولا شك – سيدخلها بجسده وروحه، وذكر
الفعل الماضي لا يشكل على هذا؛ إذ هو من باب تأكيد الوقوع، كقوله تعالى: (
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً )، وقوله: ( وتلك الجنة التي
أورثتموها بما كنتم تعملون ).
وعلى هذا فلا يستقيم الاستدلال .
ثانيا: لو سُلِّم بأن المراد من الآية رفع الدرجات والمنزلة في حق إدريس عليه
السلام فلا يلزم أن يكون ذلك مدلول الآيات الواردة في عيسى عليه السلام؛
لأنها صريحة في رفع الجسد والروح معا، لما يأتي:
أ- أن الله تعالى قيد هذا الرفع بأنه إليه حيث قال: ( ورافعك إلي )، وقال: (
بل رفعه الله إليه )، ومن المتقرر في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أن الله
تعالى في العلو، فيكون رفعه عليه السلام إلى السماء، بخلاف الرفع في حق إدريس
عليه السلام فإنه مطلق: ( ورفعناه مكانا عليا )، ويدرك الفرق بين الأسلوبين
كل من شم للغة العربية رائحة.
ب- أنه لو سُلِّم بأن الآية تحتمل معنى رفع المنزلة والمكانة؛ فإن الأحاديث
الواردة في هذا الموضوع صريحة المعنى وقاطعة الدلالة على أن الرفع كان للروح
والجسد معا، وكذا النزول آخر الزمان.
ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن
ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير) البخاري 4/134
ومسلم 1/135 .
وفي صحيح مسلم 4/2253 أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( ... إذ بعث الله المسيح
بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين [ أي ثوبين
مصبوغين ] واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه
جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات، ونَفَسه ينتهي حيث
ينتهي طرفه، فيطلبه [ أي يطلب الدجال ] حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي
عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة
).
والأحاديث في هذا بالعشرات، فهل يُقال بعد ذلك إن هذا الرفع كان للروح فقط؟
ولو كان المقصود برفع عيسى رفع روحه كما جاء في الرسالة فما هي الميزة لعيسى
عليه السلام؟ إذ سائر المؤمنين إذا قُبضت أرواحهم عُرج بها إلا السماء !
ج- أن قوله تعالى: ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم، وإن الذين اختلفوا
فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه
الله إليه ) دليل واضح كالشمس على ما تقرر آنفا مما يؤمن به المؤمنون قاطبة؛
فقوله تعالى: ( بل رفعه الله إليه ) يدل على أن رفعه كان للبدن والروح ؛ إذ
لو أريد موته لقيل: وما قتلوه وما صلبوه بل مات، وهذا واضح تمام الوضوح لمن
تأمل، وكان ذا بصيرة وحسن قصد .
جاء في الرسالة ص2: ( كما أن النبي
صلى الله عليه وسلم رآه ليلة المعراج في الموتى مع يحي عليه السلام ).
والجواب:
كون النبي صلى الله عليه وسلم رآه في السماء مع يحي على أي شيء يدل؟
وما المانع أن يكون حيا بجسده وروحه في السماء وسائر الأنبياء بأرواحهم؟ وهل
تقاس هذه الأمور الغيبية على الأمور المشاهدة؟
إن على المؤمن الذي آمن بالله ربا وبالنبي صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام
دينا أن يؤمن ويُسلِّم بكل ما جاء في الوحي الشريف دون الدخول بعقله فيما لا
يدرك.
وإلا فيلزم القاديانيين أن يكذبوا بالمعراج من أصله؛ إذ كيف عُرج بالنبي صلى
الله عليه وسلم إلى السماء وسلّم على الأنبياء وخاطبهم وهو حي وهم أموات؟
فكما يقولون في هذا فليقولوا في ذاك .
جاء في الرسالة ص2: ذكر ما حصل في
واقعة الصلب، وخلاصة ماذُكر: أن عيسى عليه السلام لم يُرفع حيا، ولم يُلق
شبهه على أحد، وإنما عُلق على الصليب بضع ساعات، ولما أُنزل كان في حالة
إغماء شديد حتى خُيل إليهم أنه قد مات، ثم بعد واقعة الصلب هاجر من فلسطين
إلى البلاد الشرقية: العراق وإيران وأفغانستان وكشمير والهند، وعاش عشرين
ومائة سنة.
هكذا ذكرت الرسالة ! وكأن كاتب هذه
القصة قد حضرها، أو بُعث إليه من قبره من حضرها ففصَّل له خبرها !
ولا يخفى على العقلاء أن الدعاوى أمرها سهل، وأن كلا يستطيع أن يدعي ما يشاء،
لكن الشأن في ثبوت هذه الدعوى بدليل مقنع، وإلا فإنه لا قيمة لها عند من
يحترم عقله.
وهذه القصة المزعومة، وتلك التفاصيل التي أوردوها ليس من طريق للعلم بها إلا
الوحي .
وإنني أدعوا القاديانيين جميعا أن يبحثوا في كتب السنة جميعها عشر سنين، وإن
شاؤوا معها أخرى وثالثة ورابعة حتى يأتوا بنص صحيح عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه يسرد القصة مثل سردهم.
وإن كان خيرا لهم وأقوم أن يعودوا إلى جادة الحق والرشد، ويعلموا أنه لن
ينجيهم من عذاب الله إلا صدق الإيمان وصحة الاتباع، والبراءة من هذا الدين
المعوج الساقط، الذي تمجه العقول وتأباه الفِطر، والله الهادي.
جاء في الرسالة ص3-4: ( واعلموا أن
القرآن المجيد لا يسمح لأحد أن يصعد إلى السماء بجسده ثم ينزل منها، ألا
تعلمون أن الكفار طالبوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرقى في السماء وينزل
عليهم كتابا يقرؤنه دليلا على أنه صعد إلى السماء، فرد الله عليهم: ( قل
سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا )، فلو كان الصعود إلى السماء بالجسد ممكنا
لبشر لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأجدر أن يصعد إلى السماء أمام أعين
الكفار ليؤمنوا به، فالأمر الذي لم يجز لأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم
كيف جاز لعيسى بن مريم عليه السلام ...).
والجواب:
أقول وبالله التوفيق: إن هذه الفئة
المارقة لا تفتأ تتشبث بأي شبهة استدلال حتى ولو كانت في الوهن كبيت
العنكبوت، لكنها في الواقع شاهدة على ضلالهم وانحرافهم، ومن ذلك هذا
الاستدلال الساقط الذي يظهر ضعفه ووهاؤه لكل ذي عينين، وسوف أذكر شيئا من ذلك
فيما يأتي:
أولا: لقد ادعوا أن القرآن لا يسمح لأحد أن يصعد إلى السماء بجسده ثم ينزل
منها؛ فيقال لهم:
ماذا تقولون في معراج النبي صلى الله عليه وسلم، أليس صعودا إلى السماء ثم
نزولا منه؟ وجماهير المسلمين على أن ذلك كان بجسده وروحه. هل سيسلمون بذلك
كحال المسلمين فتنقطع حجتهم؟ أم سيبادرون بالإنكار والتأويل – كعادتهم –
فينكشف أمرهم للمسلمين أكثر؟!
ثانيا: أن الدعوى أعم من الدليل فلا يستقيم الاستدلال؛ بمعنى أنه إذا سُلم أن
الآية تدل على الامتناع فإنها واردة في شأن أمرين: صعود إلى السماء مع تنزيل
كتاب يُقرأ، والبحث ههنا في قضية واحدة، وهي الصعود، فلا يلزم أن يكون ذلك
ممتنعا.
ثالثا: هل عدم الاستجابة يدل على امتناع تحقق المطلوب؟ لا شك أن كل مسلم
سيجيب بالنفي؛ فإن الله تعالى لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير من
الموجودات والمعدومات.
يوضح ذلك أن النبي قال: ( سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا )، ولم يقل: وهل
يمكن أن يقع ذلك؟ أو نحوه، بل إن قوله ذلك يدل على أن المطلوب أمر لا يمتنع
وقوعه، وإنما الأمر لله سبحانه الفعال لما يريد، إن شاء أجاب إلى ما سألوا،
وإن شاء لم يجب، وما هو إلا رسول يبلغ رسالات الله وينصح لهم.
رابعا: إن كان يمتنع – كما يزعمون – الصعود إلى السماء فليمتنع أيضا ما ورد
في السياق نفسه: ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، أو تكون
لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ) إلى أن قال: ( أو ترقى في
السماء ) الآيات، فليقولوا باستحالة تفجير الينابيع من الأرض، وأن القرآن
يمنع من ذلك، وليكونوا ضحكة العقلاء.
أولا يعلمون أن موسى عليه السلام ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة
عينا، وأعظم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نبع الماء من بين أصابعه
عليه الصلاة والسلام، فإذا أمكن ذلك فلماذا لا يمكن الصعود إلى السماء؟!
جاء في الرسالة ص4: أن عقيدة وفاة
عيسى تمسك بها صلحاء الأمة وكبراء علمائها.
وعددوا منهم أربعة عشر اسما فقط، ولا أدري عن بقية علماء الأمة، ما موقفهم من
هذه القضية في نظر القاديانيين؟ وما موقفهم من العلماء الكثر الذين نقلوا
إجماع العلماء على رفع عيسى ونزوله من السماء؟
وهؤلاء المذكورون سأورد ما يتعلق بهم فيما يأتي:
أولا:
لقد نسبوا هذه العقيدة لابن عباس رضي الله عنهما؛ استنادا لتفسيره قوله
تعالى: ( متوفيك ) أي: مميتك .
والجواب عن هذه الشبهة باختصار:
أن مراده رضي الله عنه: وفاته آخر الزمان بعد نزوله، يؤكد هذا ما أخرجه إسحاق
بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في هذه الآية : ( رافعك ثم متوفيك في آخر
الزمان )، انظر: الدر المنثور 2/36.
وابن عباس رضي الله عنهما هو الذي يفسر كلامه، وليس بحاجة إلى القاديانيين
ليحملوا كلامه حسب أهوائهم .
وعلى هذا فإن في الآية تقديما وتأخيرا؛ أي: رافعك إلي ومتوفيك بعد ذلك.
وتقديم التوفي على الرفع في الذكر لا يقتضي التقدم في الزمن؛ لأن الصحيح أن
العطف بالواو لا يقتضي الترتيب.
وتتميما للفائدة أذكر أن لأهل العلم في تفسير الآية أقوالا أخرى، منها:
أن التوفي بمعنى القبض، وليس الوفاة المعروفة.
ومنها أن الوفاة هنا بمعنى النوم، أي رفعه الله وهو في حالة النوم، والنوم
يسمى وفاة، كما قال تعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في
منامها )، وقال: ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) .
ثانيا:
جاء في الرسالة ص4 أن الإمام مالكا رحمه الله قال: ( مات عيسى )، وأحالوا إلى
الشيخ علامة طاهر، بحار الأنوار . هكذا!
وهذا من أسمج الكذب وأقبحه، ينقلون عن هذا الإمام الجليل هذه الكلمة في هذا
الموضوع الخطير من كتاب لا يعرف لدى المالكية ولا غيرهم، فأين كلامه في
الموطأ والمدونة؟ وأين كلامه في مصنفات تلاميذه وأتباع مذهبه؟
ثم إنني قلت: لعلهم يقصدون كتاب: مجمع بحار الأنوار لمحمد بن طاهر الفتني،
وبعد بحث في مظان الموضوع فيه تبين أنه ليس فيه نقل عن الإمام مالك بن أنس في
هذا الموضوع، وإنما فيه تقرير مؤلفه عقيدة المسلمين في رفع عيسى ونزوله،
وإجابة عما يُتوهم من معارضة ذلك لقوله تعالى: ( إني متوفيك ورافعك إلي )،
انظر 5/91 من الكتاب المشار إليه .
ثالثا:
زعمت الرسالة ص4 أن الفخر الرازي يرى
هذا الرأي أيضا، ونقلوا عنه ما يأتي: ( قال الإمام الرازي في تفسير الآية: (
يا عيسى إني متوفيك: أي إني مُنهٍ أجلك، ورافعك أي رافع مرتبتك ورافع روحك
إلي ... ثم يقول: ( واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله تعالى: (
ورافعك إلي ) هو رفع الدرجة والمنقبة لا المكان والجهة، كما أن الفوقية في
هذه الآية ليست بالمكان بل بالدرجة والمكانة ) تفسير الفخر الرازي ) .
والجواب عن ذلك ما يأتي:
أ- أن العبارة الأولى المنقولة هي من
جملة كذبهم الكثير؛ إذ لا وجود لها البتة ! والتفسير موجود ونسخه منتشرة.
وإذا كان كثير من المشركين والكفار يأنفون من الكذب لأنه في معيار القيم
والأخلاق غايةُ السفول؛ فإن القاديانيين لا يزالون يرتكسون في حمأته المرة
تلو الأخرى، والحمد لله الذي فضحهم بأقلامهم، وسيأتي ما يفضحهم أكثر .
ب- أن الرازي أورد في تفسير الآية أوجها عديدة فيها التصريح بأن عيسى عليه
السلام رُفع إلى السماء بجسده، وأنه حي فيها حتى ينزل إلى الأرض.
بل إنه في أحد تلك الأوجه نقل الآتي: ( ولما علم أن من الناس من يخطر بباله
أن الذي رفعه الله هو روحه لا جسده ذكر هذا الكلام ليدل على أنه عليه السلام
رُفع بتمامه إلى السماء بروحه وبجسده ) فماذا سيقول القاديانيون بعد هذا
الكلام؟!
أما العبارة الثانية التي نقلوها فإنها موجودة في آخر ذاك الموضع، وهذه عادة
أهل الانحراف والهوى يأخذون من الكلام ما يوافق أهواءهم ويغطون ما سواه.
إن الناظر في كلام الرازي يلحظ أنه قرر عقيدة المسلمين المعروفة بكلام طويل،
ثم عقب بهذه العبارة، وتوجيه ذلك عندي أن له محملين:
الأول: أن كلامه هنا عن علو الله تعالى، إذ الرازي ينفي علو الله تعالى على
طريقة الجهمية، فيكون تعليقه على كلمة ( إلي ) في الآية، وليس مقصوده ما
يتعلق بعيسى عليه السلام لأنه قد مضى الحديث عنه، وقد قرر عقيدته في ذلك بكل
وضوح، ومن ذلك قوله: ( وقد ثبت الدليل أنه حي، وورد الخبرعن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه سينزل ويقتل الدجال، ثم إنه تعالى يتوفاه بعد ذلك ) 8/60 .
الثاني: أن يقال: إنه لا يرى أن هذه الآية تدل على رفع عيسى إلى السماء –
فرارا من الإلزام بإثبات علو الله سبحانه – وإن كان يرى أن أدلة أخرى تدل على
ذلك، وعدم الدليل المعين لا يعني عدم المدلول، إذ قد يثبت بدليل آخر، ويشهد
لصحة هذا التوجيه كلامه المنقول آنفا. والنتيجة أن الرازي يعتقد رفع عيسى
ونزوله، فليس في كلامه للقاديانيين مستمسك .
رابعا:
جاء في ص4-5 نسبة هذه العقيدة لابن
حزم يرحمه الله، وأنه يرى أن عيسى قد مات، وأحالوا إلى كتابه الفِصَل عند
كلامه عن المسيحية.
ولا أدري هل هؤلاء يكتبون لأناس لا عقول لهم ولا أبصار، أو أنهم لا يفهمون ما
يقرؤن؟ فالكتاب مشهور، ولم يذكر فيه مؤلفه كلمة واحدة مما نسبوه إليه، بل على
العكس من ذلك فإنه يقرر رفع عيسى عليه السلام شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين،
انظر: الفصل 2/206-228.
ألا فليتفضلوا ببيان هذا الكلام المزعوم عنه نصا، مع الإحالة إلى الجزء
والصفحة، وإلا فليشهدوا على أنفسهم – وليشهد المسلمون أيضا – أنهم من
الكاذبين، ولعنة الله على الكاذبين.
خامسا:
أحالوا في ص5 هذا الهراء إلى الألوسي
رحمه الله، وصدق رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذ قال: ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، وإن العجب لا ينقضي من
تمادي هؤلاء الضالين في الكذب دون حياء، فالألوسي رحمه الله يقرر عقيدة
المسلمين في هذه القضية، واسمع كلامه في تفسيره روح المعاني3/179: ( والصحيح
كما قاله القرطبي أن الله تعالى رفعه من غير وفاة ولا نوم، وهو اختيار الطبري
والرواية الصحيحة عن ابن عباس ).
هذا وقد أحالوا إلى آخرين من مفكري العصر الحديث، أشك في نسبة ما ذكروا
إليهم، وقد جُرب على القاديانيين الكذب الكثير، ولا حاجة إلى بذل الجهد في
تتبع ذلك؛ لأنه لو ثبتت صحة ما نسبوا إليهم فإنهم ليسوا من الأئمة الذين
يُرجع إليهم في مثل هذه القضايا، وهكذا طريقة أهل الأهواء إذا أعيتهم الحيل
ذهبوا يبحثون في ركام الزلات وعند خاملي الذِّكر لعلهم يجدون عندهم ما يسند
بناءهم المتهدم.
وإني سائل سؤالا أدع إجابته للقاديانيين وحدهم: إن بعض من سميتم وزعمتم أنهم
قائلون بموت المسيح عليه السلام قد أدركوا زمن القادياني المتنبئ الكذاب،
فماذا كان رأيهم فيه؟ هل كانوا يرونه المسيح والمهدي كما تزعمون؟ أم كانوا
يرونه كذابا ضالا كافرا؟ وليتذكروا أنهم وصفوهم بأنهم من علماء الأمة ! أجزم
أنهم يعلمون الجواب علم اليقين.
جاء في الرسالة ص6 : ( واعلموا أن
أكثر الأحاديث الواردة في شأن الدجال ونزول المسيح ابن مريم وعلامات ظهوره
إنما هي كشوف ورؤى للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن تحمل على ظاهرها،
وأكثرها تتطلب التأويل، ولفظ ( ابن مريم ) الوارد في الحديث إنما هو اسم وصفي
أُطلق على رجل تقي مؤمن، كما استعمل اسم ( امرأة فرعون ) و( مريم بنت عمران )
وصفا لكل مؤمن في القرآن المجيد ) .
أقول:
إنني لا أرى أن اجتراء هؤلاء على افتراء الكذب على الله أمرا غريبا؛ فالشيء
من معدنه لا يُستغرب، وإنما العجب من عقول القطعان الجاهلة التي أسلست قيادها
لهؤلاء الضالين، وتلقت هذا الإفك بالقبول، وصدق الله: ( ومن يرد الله فتنته
فلن تملك له من الله شيئا ) .
إن مجرد نقل هذا الكلام كاف في إفساده.
لو سُلم جدلا أن أكثر الأحاديث الواردة في هذا الموضوع إنما هي كشوف ورؤى؛
أليست رؤى الأنبياء وحي؟ أو أنهم لا يؤمنون بذلك؟! وماذا عن القليل - الذي هو
سوى الأكثر - ما حاله عندهم؟
وإذا كان أكثر الأحاديث يتطلب التأويل، فكيف سيصنعون بأقلها؟
لقد اتضح لأهل الإيمان أن النصوص الشرعية أصبحت نهبا عند هؤلاء النوكى؛
فيحورون ويؤولون، ويصرفون ويبدلون كما يشاؤون؛ فابن مريم في الحديث ليس النبي
المعروف، وامرأة فرعون ومريم بنت عمران وصف لكل مؤمن !
وعلى هذه القاعدة التي يُصرف بها عن معناه كل ما لا يوافق الأهواء يمكن أن
يقال: إن النصوص الواردة في الصلاة ليس المقصود بها الصلاة المعروفة وإنما
شيء آخر، وكذا نصوص الزكاة والصوم، أما الحج فليس على ظاهره، ونصوص المعاد لا
يراد بها حقيقتها، بل النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يُراد بكل النصوص
التي ورد فيها ذكر اسمه ذاته الشريفة، وإنما يراد ببعضها رجل صالح من أمته !
.. وهكذا أصبح الإسلام وأدلته ألعوبة بأيدي القاديانية الأحمدية، فقاتلهم
الله أنى يؤفكون .
ثم جاء في خلاصة تلك الرسالة
المتهافتة ص6: ) فالمراد من نزول عيسى بن مريم بعثة رجل آخر من أمة المصطفى
صلى الله عليه وسلم يشبه عيسى بن مريم في صفاته وأعماله وحالاته، وقد ظهر هذا
الموعود في قاديان الهند باسم ميرزا غلام أحمد إماما مهديا، وجعله الله مثيل
المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فكان هو المسيح الموعود والإمام المهدي
للأمة المحمدية ... ) إلى آخر ذاك الهراء .
ولا أظن أني بحاجة إلى رد هذا الكلام
الساقط، وقد بين كثير من العلماء كذب هذا الأفاك الأثيم في دعواه، وكذب
أتباعه من بعده، ومن تلك المؤلفات الحسنة كتاب: القاديانية للشيخ إحسان إلهي
ظهير رحمه الله .
لكني سأذكر باختصار لمن هو مرتاب في أمره: لقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله
علي وسلم بأوصاف عيسى عليه السلام عند نزوله، فهل انطبق منها حرف واحد على
كذاب قاديان؟ هل نزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين ملَكين؟ هل مات كل
كافر وَجد ريح نَفَسه؟ هل قتل الدجال؟ هل كسر الصليب؟ هل كان حاكما عادلا؟ هل
قتل الخنزير؟ هل جمع الناس على دين واحد هو دين الإسلام؟ هل كثر المال في
عهده؟ هل وقعت الأمنة في الأرض؟ هل حج بعد نزوله؟ هل هل ... أسئلة كثيرة
أطرحها لمن كان فيه أدنى مسكة من عقل أو جذوة من إيمان.
وإلى هنا انتهى ما أردت التعليق عليه باختصار، وإن كان التتبع التام لما في
الرسالة يحتاج إلى بسط أكثر، ولعل في هذه العجالة ما تحصل به الكفاية.
اللهم إنا نسألك الهداية والسداد، والثبات في الأمر، وأن تنور بصائرنا وتشرح
صدورنا، كما نسألك أن تعجل بهلاك أعداء الدين، الضالين المضلين، وتريح
المسلمين من شرهم، وأن تجعل دائرة السوء عليهم، إنك على كل شيء قدير، وإني
ربي على صراط المستقيم.
والحمد لله رب العالمين .
وكتبه
أبو محمد صالح بن عبد العزيز السندي
المحاضر بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية