اطبع هذه الصفحة


د. طه جابر العلواني خلل في منهجية التفكير والاستدلال

بقلم: أ بسّام جرّار
باحث ومفكر فلسطيني


نشر موقع إسلام أون لاين مقابلة صحفية مع الدكتور طه جابر العلواني تتعلق بما يسميه الدكتور العلواني محددات الشريعة الإسلامية، ومنها محدد ختم النبوة.
وقد دهشت من المنهجية التي يتحدث بها الدكتور العلواني؛ فقد عرفنا هذا الاسم من خلال المعهد العالمي للفكر الإسلامي وإصداراته الفكرية، حيث يتصدر اسم الدكتور العلواني تقدمات هذه الكتب.
ولا نكتم القارئ سراً إذا قلنا إننا لم نكن نقرأ هذه المقدمات عندما نقرأ الكتب التي يصدرها المعهد، والتي يغلب أن تكون لمشاهير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين.
وعلى الرغم من كوننا لم نقرأ هذه المقدمات، إلا قليلاً، إلا أنّ اسم الدكتور العلواني كان بارزاً في مقدمات هذه الكتب، وهذا يكفي عند الكثيرين لإعطاء فكرة عن توجهات الرجل الفكرية من خلال توجهات الكتب والإصدارات التي يُقدّم لها.
من هنا كان لا بد من التنبيه إلى أننا لا ننطلق في كلامنا هذا من منطلق التشكيك في فكر العلواني وصدقيّته، ولكن أدهشنا الخلل الكبير في منهجية التفكير والاستدلال لدى رجل أصولي يريد أن يراجع التراث من موقع متقدم.
ويُخشى أن ينعكس هذا المنهج على الكثيرين ممن اعتادوا أن يطالعوا إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي. كيف لا، والرجل قد حاز على جواز سفر ليبحر في مجالات الفكر الإسلامي؟!!
نعلم أنّ المقابلات الصحفية لا تصلح مستنداً موثوقاً للحكم على الأفكار، لأنّ التعبير عن الفكرة مرهون بقدرات الصحفي، هذا إذا كان الصحفي أميناً في النقل، ناهيك عن احتمالات إساءة الفهم، أو العبارات غير المقصودة التي قد يصرح بها المفكر ... إلى غير ذلك من الاحتمالات.
ومن هنا لا يهمنا في هذا المقام أن نحاكم فكر الرجل، ولكن يهمنا تصويب المنهجية في الفكر والاستدلال، لأنّ مراجعة التراث والتجديد ينبغي أن يكونا أولاً في منهجية التفكير والاستدلال.
ولا شك أنّ مقابلة الدكتور العلواني تصلح مثالاً لمناقشة منهجية سائدة في كثير من الدراسات غير الجادّة، وعلى وجه الخصوص الدراسات الموجهة، التي تستند إلى فكرة مسبقة يراد ترويجها.
وبعيداً عن الاتهام وشخصنة الأمور سيجد القارئ أننا نركز بالدرجة الأولى على منهجية التفكير والاستدلال أكثر من تركيزنا على أي شيء آخر.
ينكر الدكتور العلواني أن يكون المسيح، عليه السلام، قد رُفع إلى السماء بجسده، وهذا يقوده إلى إنكار نزوله، عليه السلام، وهو في هذا يلتقي مع الفرقة الأحمدية في إنكار الرفع والنزول.
وهو يلتقي معهم في منهجية الاستدلال وتفسير النصوص، وإن كان يختلف مع الأحمدية اختلافاً جوهرياً في المنطلق، لأنّ منطلق الأحمدية هو إنكار ختم النبوات، ومنطلق الدكتور العلواني التأكيد على ختم النبوة كمحدد أساسي من محددات الشريعة الإسلامية.
يقول الدكتور العلواني في المقابلة الصحفية: " ثم إنّ ما ذكره القرآن الكريم من مسألة سيدنا عيسى، عليه السلام، لا بد أن يفهم في سياق الوحدة البنائية للقرآن الكريم كاملاً. فمثلاً يقول تعالى:" إني متوفيك ورافعك إلي"، أولاً: قضية الرفع... الرفع لا يعني ما هو متبادر إلى الأذهان في هذه المسألة بالذات من رفعه حياً إلى السماء؛ فالرفع في القرآن جاء بمعنى آخر، مثلاً في قوله تعالى:" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، وقوله:" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه". إذن نحن أمام مفهوم قرآني اسمه (الرفع)، هذا المفهوم القرآني موجود وشائع في معظم السور، ليس فيه ما يشير إلى رفع حسي .... وشُبه الحياة والرفع هي شُبه نصرانية ... ". انتهى
يقرر الدكتور العلواني في هذا النص أنّ المتبادر إلى الأذهان هو الرفع الحسي. ومن هنا نرى أنه لا بد من الأ خذ بالمتبادر حتى يقوم دليل على أنّ المتبادر غير مقصود. والعجيب قوله: (هذا المفهوم القرآني موجود وشائع في معظم السور، ليس فيه ما يشير إلى رفع حسي..)!! واضح أنّ الدكتور العلواني لم يستقرئ الألفاظ القرآنية قبل أن يطلق هذا الحكم، ولو رجع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، لوجد أنّ عدد السّور التي ورد فيها مشتقات (رفع) تقارب العشرين سورة، وسيجد أنّ عدد المشتقات لا تزيد عن 29 كلمة، وعند حذف ثلاث كلمات هي محل النزاع - تلك المتعلقة بعيسى وإدريس، عليهما السلام- سيجد أنّ 14 كلمة من أصل 26 تتحدث عن الرفع الحسي، أي أكثر من 50%. والذي نراه أنّ الأصل في اللغة هو الرفع الحسي وليس المعنوي. وهنا نجد أن خطأ الدكتور كان نتيجة عدم استقراء الألفاظ القرآنية.
قام الدكتور بترجيح الدلالة المعنوية للرفع على الرغم من أنّ المتبادر هو الرفع الحسي من غير أن يأتي بدليل من السياق، على الرغم من كون السياق يرجح الرفع الحسي، بل إنّ ما ذهب إليه من غير دليل سيضطره إلى إنكار الأحاديث التي نصّت على النزول كعلامة من علامات يوم القيامة, وهي أحاديث متواترة عند عامّة العلماء.
وإذا لم تكن هذه الأحاديث متواترة فإنها في أعلى مراتب الصحة. وإذا أفلح الدكتور العلواني في تأويل معنى النزول في بعض ألفاظ الأحاديث فسيقع في إشكال كبير عندما يواجه النصوص التي تصف عملية نزول المسيح، عليه السلام، وصفاته الجسدية، وألوان ملابسه، وما سيقوم به بعد النزول من أعمال حسيّة ومدة لبثه في الأرض بعد النزول...الخ.
يقول الدكتور العلواني في النص السابق: "وشُبه الحياة والرفع هي شُبه نصرانية".
واضح أنه يقصد ما ورد في الأناجيل الأربعة من قيام المسيح من بين الأموات، وما ورد في إنجيل مرقس وإنجيل لوقا من أنّ المسيح قد رفع وأُصعد إلى السماء.
وما يقوله العلواني هنا هو عين ما تقوله الطائفة الأحمدية زاعمين أنّ أهل التفسير قد تأثروا بما جاء في كتب النصارى. متناسين أنّ من بدهيات العقيدة الإسلامية أنّ اليهودية والنصرانية هي في الأصل ربانية المصدر، ثم دخلها التحريف والتبديل. أي أنّه لا بد أنّ من قاسم مشترك نجده بين الإسلام واليهودية والنصرانية. ولو لم يكن هناك قواسم مشتركة، على مستوى العقيدة والشريعة والأخلاق، لاقتضى ذلك أنْ يُلزم المسلمون بتقديم تفسير مقنع لعدم وجود مثل هذه القواسم، طالما أننا نعترف بالأصل السماوي لهذه الأديان.
يبدو أنّ الأحمدية، وكذلك الدكتور العلواني، لم ينتبهوا إلى المأزق المنهجي الذي يقعون فيه عندما يقولون إنّ مسالة الرفع هي من تاثيرات النصرانية في الفكر الإسلامي؛ لأن الجميع يُقر بأنّ النصرانية سبقت الإسلام تاريخياً، وعندما نزل القرآن الكريم كانت النصارى تقول برفع المسيح، عليه السلام، رفعاً حسياً استناداً إلى إنجيل مرقس وإنجيل لوقا.
فإذا عُلم هذا كان لزاماً على الأحمدية والدكتور العلواني أن يُفسرا لنا لماذا يذكر الله تعالى مسألة الرفع مرتين في القرآن الكريم وهو يعلم أنها عقيدة عند النصارى؟! لماذا فند عقيدة الصلب ولم يفند عقيدة الرفع؟ بل لقد أكدها عندما قال: "بل رفعه الله إليه"، وقال: ".. ورافعك إلي..". أما كان يكفي أن يُهمل ذكر المسألة؟!. أمّا أن يُقررها أكثر من مرة، مع علمه بأنّها عقيدة نصرانية، فهذا يؤكد أنّ الرفع قد حصل فعلاً، وأنّه كان حسياً. وبلغة أخرى نقول: إذا كانت تأثيرات نصرانية، فلماذا يصر القرآن الكريم على إيجاد قاعدة نصيّة لمثل هذا التأثير الذي ترفضونه؟!! نقول هذا على اعتبار أنّ الأحمدية تزعم أنها تؤمن بأنّ القرآن الكريم هو وحي الله الحكيم العليم. ونقول هذا ونحن نعلم أنّ الدكتور العلواني يقر بأنّ القرآن الكريم فعلاً هو كلمة الله تعالى ووحيه.
يقول الدكتور العلواني في المقابلة الصحفية:" فلماذا يرفعه الله؟ لا شيء يستوجب الرفع، وما الداعي إلى رفعه؟ لا شيء ". هذه المنهجية في الطرح رأيناها بشكل واضح عند الأحمديين أيضاً، فكثيراً ما تساءلوا: " لماذا كذا، ولماذا كذا "، ثم يعتبرون أنّ عدم قدرتهم على إيجاد الإجابة دليل على صحة ما يُقدّمونه من مقدمات ... عجيب !!!
نعم من حق الدكتور العلواني أن يتساءل لعله يجد الجواب، فحكمة الخالق فوق كل حكمة وعلمه فوق كل علم. ولكن ليس من حقه أن يقول: "لا شيء يستوجب الرفع ... لا شيء". بذلك يؤسس الدكتور العلواني لمنهج يقول: إذا لم تَعرف الحكمة فلا حكمة، بل إذا لم أعرف أنا الحكمة فلا حكمة!! ونحن هنا نسأله: ألم تجد أيضاً غرابة في القول بأنّ المسيح، عليه السلام، قد وُلد على خلاف قانون التزاوج. هل هناك من داعٍ، هل هناك من شيء يستوجب؟! هذا السؤال يوجه له لأنه يؤمن بأنّ المسيح، عليه السلام، قد جاء على خلاف قانون التزاوج، إلا إذا فاجأنا الدكتور العلواني بتفسير جديد للنصوص القرآنية.
وهنا نسأل الدكتور العلواني: أليس التوحيد عقيدة رئيسة في الإسلام؟! أليس الشرك بظلم عظيم؟! إن كان الجواب: بلى، نقول: أليست النصرانية من أكبر وأهم فرق الشرك عبر التاريخ البشري؟! أليست عقيدة بنوة المسيح افتراءً على الله؟ كم مليارأً من البشر إلى يوم القيامة سيضل بهذه العقيدة؟ ألا ترى أنّ نزول المسيح ليكذّب بنفسه هذه العقيدة، وليقوم بنفسه بكسر الصليب، الذي قامت على أساسه العقيدة النصرانية، يصح في العقل أن يكون مسوغاً من مسوغات نزوله، عليه السلام، ليقيم الحجة قبل ختم الخلافة في الأرض؟!!
يقول الدكتور العلواني:" ... وإذا كان رفعاً فهذا يناقض (شُبه لهم). إذن هم أتوا به للصلب والله رفعه".
نعم هم حاولوا قتله، عليه السلام، واشتبه الأمر عليهم إلى درجة أنهم ظنوا أنهم قد قتلوه، بل صرّحوا بذلك فقالوا كما ينص القرآن الكريم: " إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله"، وإلا ما معنى قوله تعالى: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم"، وما معنى قوله تعالى:" وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه". فالمعنى المتبادر للآية الكريمة هكذا:" لم يقتلوه ولكن رفعه الله". فهم إذن ظنوا أنهم قتلوه، والقرآن يقول بل حصل الرفع دون قتل. ويمكن للعقل البشري أن يفترض وقائع مختلفة يمكن أن يحصل فيها الاشتباه دون حصول القتل. فأين التناقض الذي قام في ذهن الدكتور العلواني؟!
يقول الدكتور العلواني:" الدين كامل فما الذي سيفعله هذا المهدي، وما الذي سيفعله عيسى؟".
ما علاقة عقيدة المهدي بختم النبوة واكتمال الدين؟! لم يقل أحد بأنّ المهدي سيأتي بدين جديد، ولم يقل أحد بنبوته؟ فهو مجرد قائد مُلهَم يُقيم الحق في الأرض، ويكون ذلك في آخر الزمان، فيثبت أنّ الدين الإسلامي صالح في آخر الزمان كما هو في أوله، وما بينهما من الزمن من باب أولى. فلماذا إذن تمّ خلط مسألة المهدي بمسألة عيسى، عليه السلام؟!
ويقول الدكتور العلواني:" حينما تتبعت تاريخياً كم مهدي ظهر في هذه الأمّة، كان عندنا حوالي 150 مهدياً، وكلهم يدّعي بأنه المهدي المنتظر".
ما علاقة هذا بصدقية فكرة المهدي؟! ولنفرض أنّ الذين سيدّعون المهدية هم ألف شخص إلى نهاية الدنيا، فهل يدل ذلك على أنّ فكرة المهدي باطلة؟! وماذا عن توظيف القيم السامية لصالح المنحرفين الذين لا يقيمون وزناً لهذه القيم، هل ننقَض على قيمنا لأنّ البعض يستغلها؟! وهناك أيضاً من ادّعى النبوة، وهناك من سيدّعيها، فهل يرى الدكتور العلواني أن نبادر إلى إنكار النبوات قبل أن يستغلها بعضهم، وهل نبادر إلى إنكار الألوهية قبل أن يأتي المسيح الدجال ويدّعيها؟! أليس هذا منهجاً عجيباً في التفكير والاستدلال ونقد متون النصوص؟!
يقول الدكتور العلواني:" لأنّ لديهم أحاديث تقول إنّه ينزل على المنارة البيضاء في دمشق، ويجد المهدي هو الذي يؤم الناس، فحينما يشعر المهدي – ولا أدري كيف يشعر وهذا يصلي إماماً، وهذا يأتي من الخلف- بأنّ السيد المسيح قادم يتأخر عن المحراب، ويقدم السيد المسيح، فيقول السيد المسيح له:" لا ... أئمتكم منكم، ويصلي خلف المهدي". انتهى
وهذا مثال يوضح منهجه في نقد متن الحديث وليس السند، لأنّ الأسانيد صحيحة، بل متواترة تواتراً معنوياً، والإشكال عنده في شعور المهدي بمجيء المسيح وهو يؤم الناس والمسيح يأتي من الخلف!!.
وفي الحقيقة لا إشكال، لأنّ الروايات الأكثر والأصح لا تنص على أنّ المهدي يكون قد دخل في الصلاة. أمّا الحديث الذي استشكله فينص على أنّ المهدي يرجع القهقرى عند شعوره بحضور المسيح، عليه السلام، فيدفعه بين كتفيه ليبقيه إماماً.
وكان بإمكان الدكتور العلواني أن يعمل على الترجيح بين الروايات لو كان الإشكال حقيقياً، أما أن يذهب إلى رفض كل الروايات بدعوى أنّ رواية واحدة تنص على أنّه كان قد دخل في الصلاة فأمر غير مقبول. والظاهرأنّ هناك خللاً في المنهجية، بل هناك تسرع في الهجوم على النصوص ورفضها دون مُسَوّغ.
أما كيف عرف المهدي بقدوم المسيح، عليه السلام،، فنقول:
عندما يصل الدجّال إلى الأرض المقدّسة يتوقع الناس، على ضوء النصوص التي بين أيدينا، أن ينزل المسيح، عليه السلام، في دمشق عند المنارة البيضاء. وعندما ينزل، عليه السلام، عند المنارة البيضاء شرقي دمشق يدرك المسلمون في فلسطين أنه سيحضر إلى المسجد الأقصى عند صلاة الفجر والناس يتهيأون لإقامة الصلاة والدخول فيها. وعندما يحضر، عليه السلام، يكون للناس ضجيج، كما يفهم من بعض الروايات، كيف لا، وقد علموا بنزوله، وهم قد جاءوا إلى المسجد عند الفجر لاستقباله. وشك أنّ أكثر الناس علماً بتفاصيل ذلك هو المهدي. وعلى الرغم من وضوح ذلك في الذهن نجد أنّ الدكتور العلواني يقول معترضاً ومستغرباً:"ولا أدري كيف يشعر!!".
ألا يستطيع الدكتور العلواني أن يتصور أنّ وسائل الاتصال والإعلام يمكن أن تكون يومها أكثر تطوراً من اليوم، وأنّ نزوله سيكون مشاهداً من ملايين البشر في أرجاء العالم؟!! ألا يتوقع الدكتور أن تكون وسائل الإعلام قد حاضرة في انتظار نزول المسيح، عليه السلام، عند المنارة البيضاء، وأنّ لباسه المائل إلى الصفرة سيجعله ظاهراً في أبهى صورة؟!! وإلا ما فائدة أن يحدد لنا الرسول، عليه السلام، قبل الحادثة بسنين طويلة، المكان والزمان والهيئة؟!! وما يقال في نزوله، عليه السلام، في دمشق يقال في نروله وحضوره الصلاة في القدس.
إنّ منهجية الدكتور العلواني في مناقشة النصوص تذكرنا بمنهجية المخالفين الذين لا يقيمون وزناً للمنهجية السويّة، يدفعهم إلى ذلك تعصبهم ومكابرتهم، أمّا هو فلا ندري كيف يذهل عن أبسط البدهيات!!
يبدو أنّ الدكتور العلواني قد دفعه إلى كل هذا ما يراه من تعارض بين هذه الأحاديث والآية الكريمة التي تنص على ختم النبوة:" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليما". الأحزاب:40
والحقيقة أن لا تعارض إطلاقاً، لأنّ الآية الكريمة تنص على أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم النبيين. ومعلوم أنّ الختم فيه معنى الإغلاق المحكم لمنع الدخول، وهذا يعني أن لا خروج أيضاً. فمحمدٌ، صلى الله عليه وسلم، ختم النبوة، فلا مجال بعد ذلك أن يضاف نبي جديد إلى موكب الأنبياء، عليهم السلام. وهذا يستلزم أن لا نخرج نبياً من الأنبياء من الموكب المبارك. فأين الإشكال، بل أين شبهة الاستشكال؟!
فإن قال الدكتور العلواني إنّ شريعة الإسلام كاملة، وإنّ القول بنزول المسيح، يعني أنها لا تزال ناقصة، نجيب عن استشكاله بالآتي:
أولاً: لم يقل أحد بأنّ المسيح، عليه السلام، سيأتي بشريعة جديدة وأنه سيكمل الدين، وإنما هو استشكال مخترع.
ثانياً: لقد آمن عيسى، عليه السلام، برسالة الرسول، صلى الله عليه وسلم، قبل بعثته بستمائة سنة فقال:" ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".
ثالثاً: نصوص الأحاديث التي يرفضها الدكتور العلواني تنص على أنّه يكون متابعاً لشريعة الإسلام. جاء في صحيح مسلم:" ... فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة". بل إنّ الدكتور العلواني ذكر في المقابلة أنّ المسيح، عليه السلام، يقول:" لا ... أئمتكم منكم".
رابعاً: يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم:" لو أنّ موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني"، وهذا يدل على أنّ الأنبياء، عليهم السلام، ملزمون بشريعة محمد، صلى الله عليه وسلم، لأنها الشريعة الخاتمة. فأين الإشكال؟!!
خامساً: معلوم أنّ شريعة الإسلام تقبل الجزية من أهل الكتاب، ولكنّ عيسى، عليه السلام، لا يقبل الجزية منهم، كما تنص بعض الأحاديث. وهذا في حد ذاته تشريع جديد، أليس كذلك؟ والجواب على ذلك بسيط، نقول: من أدرانا بأنّ عيسى، عليه السلام، لا يقبل الجزية؟ الجواب: أحاديث الرسول، عليه السلام. إذن هذا جزء من مبادئ الإسلام، فأين التشريع الجديد؟!! ونقول بلغة أخرى: إنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول لنا: اقبلوا الجزية من أهل الكتاب حتى يأتي المسيح، عليه السلام،. ولذلك عندما نرى أنّ المسيح، عليه السلام، يقتل الخنزير ويكسر الصليب ولا يقبل الجزية يزداد يقيننا بنبوة الرسول، عليه السلام، فأين الإشكال؟!
وأخيراً: كان يمكن أن نتتبع جميع تصريحات الدكتور العلواني، ولكن أردنا أن نقدم للقارئ بعض الأمثلة التي توضح حقيقة الخلل في منهجية التفكير والاستدلال، بغض النظر عن الأشخاص وأسمائهم وألقابهم. فمن أراد أن يتصدى لتجديد التراث الإسلامي لا بد أن يكون صاحب منهجية سوية في التفكير والاستدلال. ومن يفقد مثل هذه المنهجية يحتاج أكثر من غيره إلى أن يكون حذراً أشد الحذر قبل أن يطلق الأحكام ويهدر النصوص. وهذا في ظننا أساسه قوة الإيمان وتقوى القلوب.
 

منوعات الفوائد