اطبع هذه الصفحة


من وحي نقاشات المستقلة . كيف يمكننا إنقاذ هذا التيار الشيعي؟

حامد خلف العُمري
Hamid.alumary@gmail.com


تابع الكثيرون منا و على مدى أسبوع حلقات النقاش الجريئة على قناة المستقلة و التي جاءت على خلفية احتفالات الشيعة بمناسبة ما يزعمون أنه استشهاد الزهراء رضي الله عنها , و لا يشك المتابع بأن مثل هذه المناظرات من شأنها كشف الستار عن الكثير من الإرث الشيعي المليء بالافتراء و العداء للصحابة, بيد أن أهم ما يمكن أن يُسجل لهذه المناقشات هو كشفها عن وجود تيار شيعي عربي وطني يرفض التشيع الحالي و يرى أنه مذهب صفوي فارسي سياسي هدفه استخدام الشيعة العرب كوقود للحرب على الإسلام و على بلدانهم العربية و العودة بهم إلى فترة استعمال الفرس للعرب حين كان المناذرة الساعد الأيمن للساسانيين ضد الروم و قبائل العرب(1)
.و يدعو هذا التيار الشيعي أيضاً إلى العودة إلى أصل التشيع حين لم يكن يتعدى معناه محبة آل البيت دون معاداة للصحابة أو إنكار لفضلهم أو جحد لخلافتهم.
لقد كان من الملاحظ خلال هذه الحلقات صدق لهجة أصحاب هذا التيار في تذمرهم من التسلط الإيراني و قد رأينا كيف أن أحد المشاركين في الحوار يخاطب بحرقة شديدة أحد الآيات في قم قائلاً: ( أنتم لا تمثلوننا , أنا مسلم و منهجي القرآن ..ذبحتونا , حرقتم العراق و لبنان و اليمن..., لماذا لا يوجد عندنا مراجع عرب , هناك أيادي اخترعت مذهب جديد لتفريق الأمة العربية ) و أردف قائلاً : ( لم نكن نعرف مثل هذه العزاءات قبل الاحتلال الإيراني للعراق ) , و لم يكد ينتهي من مقولته حتى جاء التأكيد من ذلك الآية!! بأن هذه العزاءات ستزيد في السنوات القادمة !
و في الحقيقة فإن ما ذهب إليه هؤلاء الشيعة , من أن الفرس الصفويون قد استغلوا المذهب الشيعي للمزايدة على الدين الذي حمله اليهم العرب, يوافقهم فيه بعض كبار المفكرين الإيرانيين , فهذا الفيلسوف الإيراني الشيعي علي شريعتي يقول :( إن حذاقة ودهاء الحركة الصفوية تتجلّى أكثر شيء في أنها أرست دعائم حكومتها على أساسين محكمين : 1-المذهب الشيعي . 2 -القومية الإيرانية ... ) و يضيف ( إن توظيف المشاعر والشعائر الخاصة بالشيعة واستثمار الحالة الوطنية والأعراف القومية الإيرانية ، أسهما معاً في عزل إيران عزلاً تاماً عن جسد الأمة الإسلامية الكبير وإخراجها بشكل كامل عن إطار هيمنة الدولة العثمانية التي كانت تتوشح بوشاح الإسلام والتي أصبحت الدولة الصفوية فيما بعد عدوّها اللدود !) (2)
و يقول في موضع آخر : ( ولكن بعد فترة تحولت الحركة الشعوبية تدريجيّاً من حركة (تسوية ) إلى حركة (تفضيل) تدعو إلى تفضيل العجم على العرب ، وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع إلى الأمام بقوة ، حيث انصهرت في بوتقة هذا التيار ثقافات شتى لأُمم شتى باستثناء إيران التي حاولت أن تنأى بنفسها وتتخذ منحىً آخر ) (3)
إن نقاط الالتقاء مع هذا التيار الشيعي المعتدل كثيرة , حيث يُصرِّح أفراده بأنهم يتبرءون من كل الروايات المكذوبة و العقائد الموجودة في الكتب الشيعية الحالية , بل يعلنون أنهم لا يؤمنون سوى بالقرآن وما صح من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم , و هم كذلك يعتزون بالانتماء للأمة العربية فكيف لا يمكن الالتقاء معهم؟
و في الحقيقة فإني لست من دعاة التقارب الموهوم و المزعوم و المبني على المجاملات و التقيّة , و الذي وصفه الشيخ وهبة الزحيلي بأنه ذرٌ الرماد في العيون وأن المقصود منه تشييع السنة, و هو الذي أمضى ما يقارب العقد من الزمان في الدعوة إليه , بل و نال على ذلك جائزة تكريمية من إيران !(4)
بل إن ما أدعو إليه في هذا المقال هو محاولة مد يد العون لهذا التيار المقموع , و الذي لا يرضى له أعداءه الصفويون أن يمثل الشيعة, و لست اطلب في هذا المقام أن ندعوهم ليصبحوا سنة , لأن تسميهم بالشيعة مع صدقهم في البراءة من العقائد الصفوية و إتِّباعهم لما في القرآن و السنة الصحيحة لا يضر , كما أن تسمي البعض بأهل السنة مع ما لديهم من ممارسات تعارض ما في القرآن و السنة لا ينفع., بل قد يكون من المهم أن يبقوا كنموذج للتشيع المعتدل والذي لا يعارض حقيقة دين الإسلام .
إن من مصلحة السنة بل من واجب الأخوة الإسلامية و العربية مساعدة هذا التيار الشيعي المستنير بنور الفطرة العربية الأصيلة و التي لا ترضى الذلة والهوان للفرس, وكذلك فإن على الأحرار من أبناء هذا التيار الأصيل أن يُعلوا صيحة التحرر من رق التبعية البغيض وأن يصدقوا الله في البراءة من مذهب العجم , و أن يقوموا بالدور المناط بهم في توعية أهلهم الأحرار ليعلنوها ثورة عربية أصيلة ضد الاستعباد الأعجمي , فمثلهم من عناه الشاعر بقوله:

يا ابن الذين غدا كسرى لجمعِهِمُ.... فأوسعوا وجهه قاراً بذي قار


الهوامش:
1. ومع ذلك لم يمنع الفرس من قتل آخر حكامهم النعمان بن المنذر حيث استدرج كسرى فارس خسرو الثاني النعمان بن المنذر وغدر به، فثارت حمية العرب لقتله فقاتلوا الجيش الفارسي في معركة ذي قار وكان ذلك عام 610م , و انتصروا عليهم فكان اول انتصار للعرب على الفرس , ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه :( هذا أول يوم أنتصف فيه العرب من العجم )
2. "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي(1933 –1977)
3. نفس المصدر
4. كان ذلك خلال ندوة على هامش المؤتمر الثاني للأوقاف, و الذي أقيم بجامعة أم القرى بمكة في الفترة من 18-20 ذو القعدة 1427هـ
 

منوعات الفوائد