اطبع هذه الصفحة


جامعة الملك عبد الله.. صرحٌ للتطوير أم أداةٌ للتحرير؟!
( قراءة في تقرير Newsweek الأمريكية )

حامد خلف العُمري
Hamid.alumary@gmail.com


يحدث أن يطالعنا الإعلام الغربي و الأمريكي على وجه الخصوص بين الفينة و الأخرى ببعض التقارير المغلوطة عن بلادنا ,و لعل من آخر هذه التقارير ما نشرته صحيفة Newsweek  الأمريكية بتاريخ 3/6/2008 , بعنوان (الملك في مقابل الراديكاليين ) , وقبل الشروع في الحديث عن هذا التقرير وما يعج به , فقد يكون من المعقول القول إن من بين أسباب غياب الموضوعية و المنهجية عن مثل هذه التقارير الجهل العام بالمجتمع السعودي.و الاعتماد على مصادر محددة ذات توجه مخالف لما عليه المجتمع, سواءً كانت هذه المصادر محلية أو أجنبية , أشخاصا أو مؤسسات .

و تنبع أهمية تتبع مثل هذه التقارير و الاهتمام بها مما يلي :

*
أن هذه التقارير ( في الجملة ) وسيلة لمعرفة حقيقة النظرة الغربية لمجتمعنا .
* أنها  وسيلة  لمعرفة ما يسعى بعض الغربيين إلى تحقيقه , أو على الأقل ما يتمنون تحقيقه .
* أنها  وسيلة  لمعرفة نقاط الالتقاء بين النظرة الغربية و نظرة بعض التيارات المحلية .
* بما أن أكثر هذه التقارير تحفل بالكثير من المغالطات و الأكاذيب, فإنه من المهم السعي لتفنيدها, وذلك لإزالة اللبس و تصحيح الصورة, ويأتي هذا المقال في هذا السياق , حيث أني سأحاول بقدر المستطاع مناقشة التقرير الذي أشرت إليه آنفاً , خاصة و أنه لم يبق حبيسا لصفحات النسخة العربية من موقع الصحيفة , بل تم تداوله عبر بعض المنتديات!

و باختصار, فموضوع هذا التقرير و الذي أعده
زفيكا كريغر (1) , و كما هو واضح من العنوان, يتحدث عن ما يعتبره حرباً بين الملك و العلماء , أو من يسميهم ب(الراديكاليين), و كذلك عن كيفية استخدام شركة أرامكو كحليف أساسي في هذه الحرب , و أن الهدف من إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم و التقنية وكما يقول هو( محاولة  الملك انتزاع السيطرة على بلاده من أيدي رجال الدين المتشددين ) !
و في الحقيقة أن هذا التقرير لا يختلف عن الكثير غيره من حيث افتقاره للمصداقية و المهنية , و ينم كذلك عن جهل مركب بواقع الحال في بلادنا , بل يمكن اعتبار أكثر ما جاء فيه أمنيات أكثر منها تعبيرا عن الواقع .

و قد بدأ التقرير , و انطلاقا من النظرة الغربية المستعلية, بالسخرية من المواطن السعودي , حيث يقول: ( إن أرامكو تبدو عالما مختلفا
تماما عن الرياض أو المدن السعودية الأخرى حيث يتسكع الرجال الذين يرتدون الدشاديش البيضاء والكوفيات التقليدية بلا هدف (و في موضع آخر : ( نتحدث عن بلد حيث لايزال الناس لا يؤمنون بالتطور أو بأننا وصلنا إلى القمر) .
 وتتجلى أكبر المغالطات حين يقول (
. فمنذ اعتلاء الملك عبدالله العرش قبل ثلاث سنوات، تطبق حكومته شيئا فشيئا إصلاحات تقدمية للتصدي للعقيدة الوهابية المتشددة التي يُحمّلها كثيرون مسؤولية ترويج الإرهاب في الداخل والخارج وكبح الابتكار )
و يبدو جليا التقاء هذا التقرير مع أفكار بعض التيارات المحلية في مواضع عدة ,فمن ذلك قوله (  وقد عزز الملك فهد قبضة
رجال الدين بعد سيطرة الأصوليين على المسجد الكبير عام 1979) , فهذه المقولة هي التي كثيرا ما يلمح إليها بعض المنتمين إلى أحد التيارات, و قد يصرحون بها ويزعمون أن الدولة تبنت فكر جهيمان العتيبي (2)

و كذلك حين يقول: ( يأمل الليبراليون أن
يروج مشروع الجامعة الجديدة قضيتهم في البلاد بشكل عام.) , فهذا بالضبط ما ذكره احدهم عشية الاحتفال بوضع حجر الأساس لهذه الجامعة حيث قال: ( إنها ثقل تحرري  يعتمد نجاحها على الكم الذي ستلعبه في جذب بقية المجتمع السعودي ) (3) , و أيضاً حين يقول :(إن تكليف أرامكو بناء الجامعة يعني أنها لن تدار من شخصيات رجعية اجتماعيا تنتمي إلى المؤسسة الوهابية، وأن الطلاب لن يمضوا وقتهم  في دراسة حواشي القرآن(  , فهذا يشبه كثيرا ما كتبه أحدهم عن هذه الجامعة, حيث يقول ( قبل أن نخطط لمثل هذه المشاريع العملاقة -أو بالتوازي معها- لا بد من القيام بثورة ثقافية تمهد لها، وتنظيم انقلاب على القيم الرجعية ) (4), و حين يتساءل البعض قائلاً : (وأمر آخر وهو قضية المرأة (أم القضايا في السعودية)، كيف سيكون وضعها في هذه الجامعة؟ هل هي جامعة مختلطة؟ كيف سيكون الاتصال بين القسمين النسائي والرجالي، سواء بالنسبة للطلبة أو الأكاديميين والعلماء؟ ) (5), نجد أن هذا التقرير يحاول استباق الأحداث و يقرر الإجابة بقوله :( سيدرس الرجال والنساء جنبا إلى جنب وعلى يد أساتذة من الجنسين، وهذه سابقة في السعودية ) , كذلك حين يتساءل (كيف سنتعامل مع نظرية امتنعت جامعاتنا طويلا عن تدريسها، مع أنها حجر الزاوية في معظم الأبحاث العلمية والطبية والحيوية في العالم الغربي مثل نظرية النشوء والارتقاء لدارون؟ )(6) .نجد كذلك هذا التقرير يجيب بالقول : (  وسوف يضع مستشارون غربيون وليس السلطات الدينية، المنهاج الدراسي ) ,
و في الحقيقة أن كل ما يثيره هذا التقرير و ما يلتقي معه من أفكار التيار المشار إليه يمكن الرد عليها كالآتي :
1.  أن هذه البلاد قد أكرمها الله بقيادة رشيدة تعرف للعلماء قدرهم , و بعلماء أمناء يعرفون لولاة الأمور حقهم .
2.   أنها بلاد رسالة , و قد فضلها الله على بقية البلدان بأن جعلها مهبطاً للوحي , و منبعا لأعظم رسالة سماوية , و هي بلد لها شخصيتها و مكانتها الدولية المرموقة , ولذلك فإن أي مشروع ينطلق منها لابد و أن يصبغ بصبغتها المتميزة .
3.  أن التطوير و التحديث لا يعني انسلاخها من مبادئها و قيمها الإسلامية الأصيلة , و لذلك فإن من يقول بان الهدف من هذه المشاريع هو الثورة على تلك القيم و المبادئ فهو بلا شك يعارض ما قاله خادم الحرمين , حين أجاب على سؤال طرحته محطة BBC  , و نصه: هل يمكن أن تكون السعودية دولة مختلفة تماما عما هي عليه الآن في غضون عشرين عاما ؟  فأجاب :  مختلفة بالمباني وبالتطورات لكن ليست مختلفة في عقولها، لان التطور الذي دخل في عقول الأغلبية تطور مع التقيد بالأخلاق والتعاليم الإسلامية الصحيحة.(7)
4.    أن هذه الجامعة لم تُنشأ لتكون وسيلة حرب كما يقول هذا التقرير , أو لتكون ثقل تحريري كما يقول البعض , و إنما و كما قال خادم الحرمين (ما من شك بأن من أهدافنا الكبرى في إنشاء هذه الجامعة العلمية المتقدمة أن تكون بمشيئة الله وعونه نموذجاً يقتدى به في المملكة وفي جميع الدول العربية والإسلامية التي نرى أنها بأمس الحاجة إلى الدخول في عصر العلوم والتقنية من خلال إنشاء جامعات علمية توفر لها كافة أسباب النجاح من معامل وعلماء وباحثين وطلبة موهوبين يساهمون في النقلة الحضارية التي ننشدها لأمتنا) (8)
5.  أن القول بضرورة اختلاط الجنسين في العملية التعليمية , و استحالة نجاح العملية التعليمية بدون ذلك أمر لا يكذبه الواقع في بلادنا فحسب , بل و تكذبه الكثير من الدراسات الأجنبية (9), بل قد يكون من المنطقي أن يقال إن  في منع الاختلاط في هذه الجامعة  فرصة للإجابة على تساؤلات هؤلاء الضيوف من الطلاب و الباحثين و العلماء , عن حقيقة و سبب هذا المنع , وأعتقد بأنهم سيحترمونه و يقدرون لهذه البلاد تمسكها بمبادئها و التي لا تتعارض مع البحث عن المعرفة, بل ربما قادتهم هذه التساؤلات لمعرفة حقيقة تكريم و صيانة الإسلام للمرأة , و قد يقال كذلك أنه من المضحك استحالة توفير الوسائل التقنية اللازمة ( في جامعة العلوم و التقنية !) و التي تكفل وصول المعلومة إلى الطالبات دون إحواجهن للاختلاط .
6.  أما ما يتعلق بكيفية التعامل مع المناهج و النظريات العلمية الفاسدة  كنظرية دارون ,  فأعتقد بأن الجميع يتفق على أن كل نظرية تخالف حقيقة ثابتة فهي باطلة , و إن بُني عليها آلاف الأبحاث , ومثال ذلك : لو أن باحثاً جاء بنظرية مفادها أن الإنسان يرى الأشياء بأنفه و ليس بعينيه !! وحاول أن يقنع الناس بان هذه النتيجة صحيحة , فماذا يقال عن من يصدق هذه النظرية ؟ وهنا يمكن التساؤل : فكيف بمن يصدق أن الإنسان في أصله قرد  و يرد ما جاء في القرآن و الذي هو ( حقيقة مطلقة ) ؟  وعليه فقد يقال : إن من مصلحة البشرية  السعي إلى الحد من تدريس مثل هذه النظريات المتعارضة مع الحقائق , ليس في جامعاتنا فحسب , بل في كل جامعات العالم , لأن في  ذلك ارتقاء بالبحث العلمي وخدمة للبشرية و توفير للجهد و الوقت على الباحثين , و أعتقد بأننا لو استطعنا ذلك فإننا سنقدم بذلك خدمة علمية جليلة للعالم.

وأخيراً : فإن المؤمل أن نثبت للعالم بطلان مثل هذه التقارير المغرضة , و أن نسابق في عالم المعرفة و التحديث مع المحافظة على مشروعنا الإسلامي الحضاري الرائد , و هذا بلا شك سيجعل من بلادنا مركزا للعلم و الدين والأصالة , بل سيكون سببا لتأثر كثيرا  ممن سيأتي إلينا من العلماء و الباحثين و الدارسين بثقافتنا و ديننا, وهذا بلا شك سيكون مكسبا كبيرا لبلادنا .
 


الهوامش :
1) مراسل لمجلة نيوزويك في منطقة الشرق الأوسط، وكاتب صحافي منتظم لعدد من الصحف و المنشورات. ، ظهر كمحلِّل شرق أوسطي في برامج تلفزيونية يتمّ بثها عبر NBC News و CNN، و Fox News. عمل مراسلاً في أماكن مختلفة .
2) انظر مقال : هل تبنينا فكر جهيمان العتيبي فعلا ؟
3) https://il.packet.me.uk/dmirror/http/www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2007/10/275433.htm
4) مقال بعنوان : (الجامعة الحلم: الأسئلة التي لم يطرحها أحد.)
5) نفس المصدر
6) نفس المصدر
7) موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC , الاثنين 29 أكتوبر 2007.
8) جريدة الرياض السبت 8 شوال 1428هـ - 20 أكتوبر 2007م - العدد 14362
9) http://www.al-resalah.net/Women/detail.asp?iData=62&iCat=87&iChannel=18&nChannel=Women
 

منوعات الفوائد