اطبع هذه الصفحة


حديث \"الرويبضة\"، وأزمة \"ما بعد الحداثة\".

أ.د. ناصر أحمد سنه/ كاتب وأكاديمي من مصر.


بسم الله الرحمن الرحيم

 
عندما تحاول أن تضع يديك على تعريف محدد، وملامح واضحة، وخصائص ثابتة لما يسمى مرحلة \"ما بعد الحداثة\"Post-modernism\" تجد محاولتك كمَن يحرث في بحر، فمن قائل: إن تعريفها وملامحها وخصائصها لم تتحدد بعد، وقائل: إنها امتداد لعصر الحداثة، وثالث يرى استنادها لمنظومة النظريات الغربية كالفرودية، والحتمية البيولوجية، والنفعية البراجماتية، ورابع يؤكد صلتها بالعلمانية، وخامس يرى أنها ظاهرة من ظواهر العولمة، والتي بدورها تجتاح لجهود في التعريف والتحديد. وعلى جانب آخر يربطها آخرون بتطور الاقتصاد العالمي: فالسوق الرأسمالية (1700-1850م) أفرزت الواقعية، والاحتكار الرأسمالي الإمبريالي أنتج الحداثة، بينما أفرزت الرأسمالية متعددة الأمم \"ما بعد الحداثة\".

مهما يكن من أمر تحديد تعريفها وملامحها وخصائصها، فإن منظري \"ما بعد الحداثة\" ومروجيها يقولون بسمات لها، ومعالم إذا توافرت في بيئة أو دولة أو أمة فقد دخلت تلك الحقبة، وإن لم تتوافر فهي بعيدة الشقة عنها، بينما يرى معارضوها أنها تعيش \"أزمة\" خانقة تستصرخ لإنقاذ \"إنسانها ومجتمعاتها\" من التفكك والتشرذم مدللين على ذلك بأنه عندما يجتمع الأغنياء الثمانية الكبار، أو حينما تؤجج الرأسمالية الطاغية الحروب، أو تحدث مجاعات وكوارث، أو يكون هناك انتهاكات حقوقية وإنسانية وثقافية، تخرج حشود هائلة من أحزاب\"الخضر\" والنقابات العمالية، والمنظمات الأهلية (أطباء وصحفيون بلا حدود) لتؤكد معارضتها: \"العولمة والحروب وعدم العدالة في توزيع الثروات، وتكريس الفقر والديون والأمراض، والاعتداء على الثقافات\". ووسط هذا وذاك بات السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي سمات \"ما بعد الحداثة\" و\"أزمتها\"، وكيف أشار إلي أهم سماتها حديث المعصوم صلي الله عليه وسلم، وكيف تحل \" أزمتها\" وسطية الإسلام؟.

\"ما بعد الحداثة وأزمتها\"

\"ما بعد الحداثة\" اتجاه قوى ـ بدا على الأغلب في العام 1979م، ومن قادته في فرنسا: فرنسوا ليوتار، وفوكوه، ودريدا ـ لتفكيك وتحرير الإنسان ومرتكزات التفكير البشرى من الاتجاهات والمسلمات والمعتقدات والقيم (حضارية أو قومية أو إنسانية أو دينية)، بل ومن دعاوى العقلانية والموضوعية والمثالية والإبداع والتمركز حول الذات.. تلك المبادئ التي سادت أوربا لعقود منذ عصر \"التنوير والحداثة\". وهى تذهب إلى أنه لا توجد حقيقة موضوعية مجردة، أو سردية عليا/ كبرى في الخارج (خارج الإنسان) تستحق عناء البحث عنها، والتمسك بها أو التصديق بها، فهي تنزع القداسة عن العالم، وهذا من شأنه إخضاع كل الأفكار والآراء والمعتقدات والقيم للتساؤل والشك (1)، فسمات ما بعد الحداثة تفتقد اليقين في كل شيء، فليس ثمة ما يمكن الحكم عليه بالصواب والخطأ، وإن نحا أصحاب ما بعد الحداثة إلى حقيقة موضوعية فانهم يقولون بوجودها \"على السطح\" وليس تحته، إيمانا منهم فقط بالمشاهد المحسوس،لذا كان التأكيد على ثقافة المادة، و \"السيولة\" القيمية، و\"النسبية\" الأخلاقية و\"الواقعية\" النفعية.

\"سيولة\" قيمية، و\"نسبية\" أخلاقية أخبر عنها المعصوم صلي الله عليه وسلم

يقول المعصوم صلي الله عليه وسلم: \"سيأتي علي الناس سنوات خداعات، ُيصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة،؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة\"(صححه الألباني).
إن وسطية الإسلام، وقيمه الخالدة والخاتمة للوحي الإلهي تستند إلى ثبات ومعصومية مصدرية الخالدين: القرآن الكريم السنة النبوية المطهرة. وهى وسطية تمثل زادا لا ينضب لتوجيهه العقول الأذهان وسياج واق للنفوس والمجتمعات، فهي تجمع في توازن بين الشوق الروحي، وغذائه العقدي والقيمي والأخلاقي، وبين مطالب الجسد وحاجاته المشروعة من مطعم ومشرب وملبس وتناسل وتلبيتها في اعتدال ودون إسراف أو مخيلة، تجمع بين السمات الأساسية \" لروحانية\" ثقافات الشرق، و\"مادية\" ثقافات الغرب، بين مطالب الدين وحاجات الدنيا، توازن بين الفرد والمجتمع. وبهذه الوسطية الإسلامية تكسب إنسانية \"ما بعد الحداثة\" و\" أزمة\" قيمها أنموذجا للقيم السامية والثابتة والشاملة والواضحة والواقعية والمنفتحة.. حيث عقيدة الفطرة:\" فطرة الله التي فطر الناس عليها.لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون\"( الروم: 30 ).
فالمرجعية الإلهية للقيم والأخلاق والعدالة لا تكون إلا في الإسلام، حيث تهيمن على شتى مناحي الحياة العامة والخاصة، بلا انفصام أو تعارض، أنموذجا تنويرا حقيقياً، وتبيانا شافياً، وتصحيحا وافياً لأزمة الإنسان المعاصر وشقائه:\"قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب، ويعفوا عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين\"(المائدة:15). كما وتتأكد فيها الكرامة الإنسانية، يقول الله تعالى:\"ولقد كرمنا بني لآدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا\"(الإسراء: 70)، كما تكسب هدايتها للحق والمعروف كل حق وكل معروف، ونهيها عن المنكر كل منكر، وتمتعها بالطيبات كل الطيبات، واجتنابها الخبائث كل الخبائث، واضعة عن الإنسانية أصرها وعنتها والأغلال التي عليها، فيتراجع شقائها، وتزداد سعادتها الحقيقية.

\"الرويبضة\": التافه من الرجال، والنظريات، والتوجهات الحياتية/ المجتمعية

\"ما بعد الحداثة\" لا تلق بالاً للحياة الإنتاجية النشطة للأفراد وصياغة أنماط حياتهم المستقلة ورعايتها وفق حاجاتهم الإنسانية (فقد ماتت دولة الرفاه، وتقلصت الضمانات الاجتماعية)، ولكن تستند إلى قيم مادية صرفة، وتدور حول إشباع مطالب الجسد، وتتموضع حول تعظيم\" ديانة الاستهلاك\" و\"عبادة السوبر ماركت\"، حيث كل شئ قابل للبيع والشراء ضمن اقتصاديات الاحتكار، والاستغلال، والنهب، وعدم عدالة توزيع ثروات الأرض والمراباة. أنها تروج لثقافة الانعزال والسلبية وانتظار \"الجوائز المليونية\"، والخضوع لمغريات النشاط الاستهلاكي الشره (تثميراً للربحية الرأسمالية وانطلاقاً لعجلة اقتصاد الشركات المتعددة الجنسية). فهل الإنسان مجموعة من الحاجات والغرائز والدوافع، إذا لُبيت ـ استهلاكاً وإشباعاًـ تحققت كينونته وسعادته؟.
وتعطينا السنة النبوية \"حكماً حضارياً، وتاريخياً مضطرداً\"،حيث ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط، إلا وكثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان، إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق، إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر بالعهد، إلا سلط الله عليهم العدو) (الموطأ موقوفا علي ابن عباس رضي الله عنه، قال ابن عبد البر رويناه متصلاً عنه، ومثله لا يُقال رأياً) . فالحديث يقدم \"منطقاً سُننياً.. مضطرداً، ثابتاً، شاملاً\" يطرح السببٌ ونتيجته، ويقدم فهماً وافياً للحركة الاجتماعية التاريخية بأمثلة تمس بعض جوانب الحياة الإنسانية. فظهور الغلول (كمرض اجتماعي) يؤدي إلى (أزمة نفسية)، من مظاهرها: (إلقاء الرعب في القلوب)، مما يؤدي إلى تراكم نتائج اجتماعية غير سوية (قلق، وفوضى، وخوف وجريمة الخ). (برغوث عبد العزيز بن مبارك: المنهج النبوي، والتغيير الحضاري، سلسلة كتاب الأمة ، العدد: 43، رمضان 1415هـ، قطر، ص93- وما بعدها).كما إن انتشار الزنا (مرض أخلاقي) يؤدي إلى (نتيجة كونية تدخل في إطار السنن التكوينية وتساهم في هلاك النسل) وهي حدوث الموت، ونقص المكيال والميزان (مرض اقتصادي) يؤدي إلى (أزمة معاشية) هي انقطاع الرزق، وهلاك الأموال، والحكم بغير الحق (مرض سياسي) يؤدي إلى (أزمة أخلاقية) هي التقاتل، والتنازع وتضعضع بقاء النسل، ويساهم في فشو الدم الذي يخرب به العمران البشري. كما إن الختر بالعهد (مرض أخلاقي ونفسي) يؤدي إلى (أزمة حربية) تقاتل وتسلط الأعداء، وبالتالي الخوف، وضياع الأمن، وتعثر الاقتصاد، وانهيار البلاد، وهلاك مصالح العباد (من حفظ الكليات الخمس: الدين ، والعقل ، والنفس ، والنسل ، والمال)(راجع مقال كاتب هذه السطور في هذه الموسوعة المباركة بعنوان: من إعجاز النبوة استشرافها الحلول الجذرية للمشكلات الاجتماعية والحضارية).

إن معالجة اقتصاد \"ما بعد الحداثة اللاإنساني\" بربطة بالأخلاق والقيم..الرحمة والتراحم والتكافل والتعاون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:\" كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة\"(2)، فشريعة الإسلام ووسطيته تُعظم قيمة العمل وتنهى عن القعود عنه:\"إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فمن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها\" (3)، كما وتنهى عن الاحتكار والاستغلال والجشع والغش، تأمر بطرق كسب وإنفاق مشروعين، وتنمى الوازع الأخلاقي فيهما، وتدعو إلى الموازنة في الإنفاق وفقاً للضرورات والحاجيات والتحسينات على مستوى الفرد والمجتمع والدول. وفقه الإسلام يعارض جمع الثروات في أيد معدودة، فتوزيعها الفيء والغنيمة والزكوات والخراج والعشور والتركات والكفارات بين اكبر عدد من أفراد المجتمع:\"كي لا تكون دُولة بين الأغنياء منكم\"(الحشر:7)، والأرض لمن يحييها محاربة للإقطاع والاستغلال، وتبقى الملكية الحقيقية لله تعالى، و الـ\"بنوك بلا فوائد\" فلا ربا:\" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله\"(4)، مما يجعل رؤوس الأموال تنهض في الاستثمار وإيجاد فرص العمل: \"وماءا تيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله، وماءا تيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون\"( الروم:39). إن مبدأ \"إنفاق العفو\" من كل شئ كفيل بإحداث توازن بين الأغنياء والفقراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:\" من كان معه فضل ظهر فليعـُد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له\"، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل (5).
\"ما بعد الحداثة\" تبدو \"تجفيفاً لمنابع الحياة\".. منابع العواطف الإنسانية والاجتماعية النبيلة المتمثل في دور الأبوين والأسرة والتكافل الاجتماعي، فهي تسعى كي يتآكل ويختفي نظامها (تحت شعار القضاء على كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة)، وقصر مفهومها على تحقيق اللذة أيا ما كانت، مع تقنين الإجهاض، أو في دورها الاقتصادي البحت (استهلاكا أو إنتاجاً). فظهر مصطلح\" الجندر\"، وكُرست أنماط\" غير تقليدية\" من المعاشرة الجنسية، وفي اتجاه عاصف لنشر الإباحية بات من حق المتماثلين جنسياً..الزواج والتبنى والميراث. وسطية الإسلام تعيد الاعتبار للأسرة\"الرابطة المقدسة\" وأهدافها من تحقيق التوازن العاطفي والنفسي والجسدي والتناسلي، ودورها التربوي والاجتماعي والإنساني، يقول تعالى شأنه:\" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون\" (الروم:21).كما تؤكد على التكافل والتعاون سبيلاً للتماسك الاجتماعي، وطريقاً للفلاح ومرضاة الخالق سبحانه:\" فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجهه الله، وأولئك هم المفلحون\"( الروم:38).

\"الرويبضة\" في الفن

بدلا من تبنيها التعبير الإنساني الأصيل تتبنى \"ما بعد الحداثة\" الثقافة الشعبية في ثوبها الرديء منتجةً ذوقا رديئاً، فتراها تتلاعب بالصورة في أسوا فنياتها، فلم تعد العين بريئة تنعم بفضيلة\"غض البصر\" بل تصارع هذا السيل العرم من الصور ذات الإغواء والأغراء والتصريح الجنسي، أنها تجسد واقعية الصور بدلا من تجسيد صورة الواقع معتمدة التغيير السريع أكثر من الثبات، فتعلو بأسماء فنية ولاعبي كرة عندما يحققون الربحية الاقتصادية وتهوى بهم حينما يفقدونها لتأتى بآخرين وهكذا دواليك (6). والعناصر الثقافية مثل الاتفاق والتطابق والموضوعية والإحالة المرجعية والواقعية، قد تحولت في عرفها إلى \" بيت مرايا\"، أو \"بيت رعب غير مستقر\" بسبب عمليات الانتحال ما بعد الرأسمالي، هي ثقافة التهكم والسخرية أكثر من الجدية، والتغيير والإرجاء والتكرار، أكثر منها ثقافة التحديد والتجديد، وتماهي الأنساق الثقافية والفنية أكثر من استقلالها، فتتداخل الأساليب (الشاكة في كل المقولات، وغير المنسجمة مع أي موروث) إلى الحد الذي يصبح بلا أسلوب، فمن خصائص ممارساتها الأسلوبية: الاستخدام الشديد للتناص الانعكاسي الأسلوبي Reflexiv e intertextuality ، والتأكيد على أن النص/الكتابة هو أولا وأخيراً للكاتب وليس للقارئ(7)، ويرى مروجوها استعلاءً بتلك السمات التي ينبغي أن تسود العالم طوعاً أو كرهاً، وهى لن تسود إلا بتفتيت الثقافات المحلية، وصياغتها ضمن منظومة ثقافية نمطية واحدة، بلا تمايز أو اختلاف أو خصوصية للثقافات المتعددة. وبالرغم من العمل على \"توحيد\" الثقافات هذا، فمن مفارقات \" ما بعد الحداثة\" تنامي الاتجاهات نحو التفتت المجتمعي والوطني والقومي، وردود الأفعال العنيفة حيالها، وتصاعد ظواهر العنف والتطرف والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في المخدرات والرقيق الأبيض والسلاح، ويسهل من ذلك توافر العديد من طرق الاتصال عبر\" القرية الكونية\".

أما وسطية الإسلام فهي تقدر كل ما هو بشرى مرن مشاهد اجتهادي مناطه العقل والعلم، وتحوطه بسياج واق من القيم، فلا يحيد، ففي المجالات العلمية والتقنية والفنية تقوم على شقين لا انفصام بينهما: التقوى والتقانة، وهى قادرة على راب الصدع بين العلم وأخلاقياته، كما لها رؤيتها الجمالية والفنية والتجريدية ثراء للتذوق الفني في شتى صوره، ودفعا عن كل ما يشين السمو النفسي والاستعلاء الروحي، معترفة بالتعددية الثقافية والعقدية والإثنية،معتبرة ذلك آية تستحق التدبر والتأمل، يقول الله تعالى:\"ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ، إن في ذلك لآيات للعالِمِين\"( الروم:22)، ويقول تعالى: \"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم\"(الحجرات:13). اصل بشرى واحد .. ثم اختلاف الأجناس والألوان واللغات، ثم التفرق شعوبا وقبائل.. لا تتفرقوا ولتتخاصموا وتتناحروا وتذهبوا بددا، بل لتعارفوا، فالتنوع يدعو إلى التعاون والتكامل وفق معيار أساس: التقوى والعمل الصالح، وهما أعمال كسبية (وليست وراثية / عنصرية) يتسابق فيهما الناس جميعا .. مرضاة لربهم، و التصالح على العرف الحسن والمعرفة الرشيدة دونما اعتداء أو تعدٍ أو إكراه.. فالإسلام دين الإنسانية جميعا يعلو على كل مذهب يطل برأسه طالباً الزعامة في الأرض، وهو يجلو عن الإنسانية ما تراكم من صدأ المذاهب وترهات الشاردين:
أفلت شموس الأولين وشمسنا أبدا على أفق العلا لا تغرب
مجمل القول:
ليست \"ما بعد الحداثة\" نظرية موحدة، إنها مرحلة شديدة التفكك والتشظى، شديدة التجميعية (التوفيقية)، لا تعبر عن شئ لأنها لا تمتلك شيئاً تعبر عنه، أنها إفراز طبيعي لمجتمعات عاشت العقلانية والعلمانية والتحرر والوفرة والإنتاجية المتعاظمة، لذا هم بنهاية الأمر يرونها انقلابا على كل ذلك .. \"فما بعد الحداثة\" فوضى شاملة، وتصارع مصالح، وحيرة وذهول، وعدمية بحتة. فوضعية بشرية هذا شانها، ووسطية إسلامية تلك سماتها، أليس الأجدر أن نعيش الأخيرة بكل كياننا، لتتغلغل في جوانب حياتنا الروحية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية، وندعو إليها ونصبر عليها، ونصوب مسار \"وأزمة\" الثانية ونحد من غلوائها وتطرفها.

الهوامش والمراجع

1- د.احمد أبو زيد: استحالة تحديد المستقبل، مجلة العربي: 560، يوليو 2005م، ص 30-34، الكويت.
2- رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
3- البخاري في الأدب المفرد ،ح 479، واحمد 3/183ـ184ـ191.
4- رواه مسلم عن أين مسعود رضى الله عنه ، وزاد الترمذى وغيره:\"وشاهديه وكاتبه\".
5- رواه مسلم في صحيحه.، وانظر \" إنفاق العفو في الإسلام.. بين النظرية والتطبيق\" د. يوسف إبراهيم يوسف، كتاب الأمة، العدد: 36 ، ذو القعدة 1413هـ ـ مايو 1993م. ، قطر.
6- د. شاكر عبد الحميد: عصر الصورة.. السلبيات والإيجابيات، سلسلة عالم المعرفة: 311، يناير 2005م، الكويت.
7- مجلة الكويت، العدد: 261، يوليو 2005م، ص 56ـ 58.

للتواصل من الكاتب ا.د./ ناصر أحمد سنه عبر العنوان التالي:
Nasenna62@hotmail.com
 


 

منوعات الفوائد