اطبع هذه الصفحة


الشيخ : سلمان بلهوطلي الجابري ( داعية التوحيد في رسب)

ابوسعد النشوندلي


بسم الله الرحمن الرحيم


في منطقة نائية مجهولة ,من مناطق مديرية ساه المترامية الأطراف,-بمحافظة حضرموت- تسمّى رسب , بدأت قصة داعية التوحيد : الشيخ سلمان سالم بلهوطلي الجابري - رحمه الله-
الرجل الذي أزاح كابوس الشرك والجهل عن رسب, فاستنارتْ ظلمتها ,وتألّقتْ بدواتها ,واستيقظتْ من غفلتها .
إذا دخلتَ يوماً رسِّب ستجد أنَّ الجميع يعرفون فضله, ويرفعون قدره , بل لوسألتَ عن اشهر رجالات رسب : لتسابقتْ أصابع الإنصاف تشير إلى دوحة دعوته الصادقة التي تزخرُ بكل جميل ومثمر .
لعلّه الرجل الوحيد الذي أجمع عليه أهل رسب, فضلاً وخيراً على منطقتهم , التي سقطتْ يوماً فريسة سائغة بين ظلمتي الجهل والخرافات , واكتوتْ بنار النسيان والإهمال ، ومزّقتها الحروب القبليّة مع القبائل المجاورة .
أمّا اليوم إذا دخلتَ رسب فسوف تجد أعلام دعوة الشيخ سلمان –رحمه الله- ترفرفُ في زواياها, وتترّبعُ في نواحيها . فما من بيت ، إلا ستجد فيه واحداً على الأقل تعلّم على يديه في زمن ضاع فيه التعليم مع الأمن والاستقرار في حضرموت , فأربعةٌ أجيالٌ تقريباً شربوا من فُرات علمه , ودجلة دعوته ، كلمّا سألتُ أحدَ الكهول : لمن يعود الفضل في معرفتك القراءة والكتابة ؟
أجابني بكلمات يطير منها الدعاء والثناء للشيخ سلمان- رحمه الله -

* * *

كم كنتُ حزيناً لأنّ عيني لم تكتحلْ برؤيته , ولم يسعدْ قلبي بتقبيل قلبه ، لكن حسبي إني عرفتُ دعوته , وحبه للكتاب والسنة تزهر في حديقة الثناء والقلوب .
عندها صعدتُ على سلّم الأمل, انظرُ من شرفه أحلامي , وأهزُّ رأسي وأردّد: يموت الناس ويبقى أهل العلم منهم احياء! ,حيث منحهم علمهم حياة من حياته ، فصاروا به أحياء فغدتْ نجومهم عالية سائرة , تعانق السماء, وتحلّق أنوارها فوق الأرض , فهم وسط بين السماء والأرض , لأنهم زينة السماء وهداية الأرض .
ولذلك فانّ الله رفع لأهل العلم ذكرهم في الدنيا والآخرة , قال الله تعالى
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ..) المجادلة اية 11

* * *

أربعون سنة مضتْ في دعوة الشيخ سلمان رحمه الله , لم يتوقفْ صوته عن الدعوة في رسب . حتى ألِفتْ الارض صوتة , وعشقت الجبال كلماته , وعجبتْ الناس بثبات الشيخ وصبره ،لم يعقدْ ولا مرة هدنه مع اليأس ، بل اشعل الحرب عليه في كل حصونه , كلما سقط حصن هجم الشيخ على الحصن الثاني
حتى بعد أن كبر الشيخ ورقَّ عظمه , ووقفَ على عتبة الستين من العمر ، لم يستسلم يوماً واحداً للكسل واليأس ، بل كلما زحفتْ عليه جيوش اليأس دحرها بقذائف الدعاء ,
كلما حاصره الكلل والملل ، مزّقه بسيوف الصبر واليقين ، صبر على الدعوة وأذى الناس , وذويقين بان الله لن يخذل من قصده , وتوكّل عليه ، كنتُ أعلم انّ كل شيء في هذه الحياة سرعان ما يمضي ويُنسى ، الاما كان لوجه الله فانه باقٍِ ، ولو طارتْ رياح النسيان عابثة بأوراق صاحبها في كل مكان .
لكَ الله!! ياشيخ سلمان أتتكَ خيول الذكرى تنزلُ بساحتك , وتيممُ شاطئك, وهذه القلوب تمطرُ سماؤها دعاءً ورحمة, فتغطّي رياض حفرتك , وتملأ صفحات قلبك شكرأً وعرفانا .
سافرتَ إلى بعيد إلى ارض الحرمين , وهناك سارتْ أقدامك مع الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حتى أصبحتَ واحداً من تلاميذه , فسالت عيون قلبك آسىً وحزناً ,على غرقِ بلدك في أوحال الجهل والشركيات ، فصار قلبك لأهل رسب كقلب الأم على طفلها الصغير الشارد, فرجعتَ إليهم مسرعاً تخطُّ الأرض خطاً, وتحملُ قلبك في يديك, تطير به في جبال حضرموت وشعابها , تسابق العِيس للوصول إلى أرضك , لتمسح عن وجهها غبار الجهل, الذي دفنت تحت ركامه, فزّينت بدعوتك وجهها, وغسلّتَ بعلمك أدران جهلها, وقلّمتَ بالتوحيد أظافر الشرك فيها.
فضحك التوحيد فيها فخراً ، واندحر الشرك منها دحراً ,

*********

لقد تعمّقّت قبل قدومك في رسب الشركيات, حتى أوقف الناس حاجاتهم بأصحاب الأضرحة والقباب, فتر اهم يذبحون لها وبها يستغيثون , وعند الحاجة والكربة يلجؤون , فكم من مريض يسحب أقدامه ، ويعلّق آماله ، ويمرّغ ُعيونه في ترابها, طالباً منها الشفاء وراجياً منها العافية , لم يأتِ إليها فرداً بل جاء بقربان من الغنم , يذبحها بجوار صاحب الضريح برهاناً على حاجته ,وصدقَ ولائه للأولياء .
وكم من إمرأة لم تحبلْ واعياها اليأس بالولد , فكابدت ليل الهم ، وأثقلتها جبال الأحزان , حتى تكادُ تسمع فرقعة قلبها كمداً واسىً , عندها قررت و استقرتْ على رأيِ واحد, أن تسيرَ بقلبها وقربانها , تسكبه فوق أحجار جامدة , وأجداث هامدة , فإذا وصلتْ إلى قبر الولي : خلعتْ له جلباب حاجتها, وعرّت بين يديه فاقتها , ونادتْ بصوتٍ غلّفته الدموع : ياوليَّ الله يامولى المحيجر, أسالك الولد ,ولك ما تشاء من الرفد, رجوتك يا حامي البلد , أنْ لاتحرمني من الولد, ثم تنهال سيول دموعها دافنة خدودها في حفر عميقة من الدموع , وبجانب الضريح الآخر محتاجٌ آخر يدعوة بحرقة ولهفة , حتى غرقتْ رسب-كبقية حضرموت- بين الأضرحة والقباب.
كلمّا احتاجوا شيئاً هرعوا زرفاتٍ ووحداناً مع القرابين إلى أصحاب القباب , وانْ تأخر المطر , واحتاجوا القطر , عندها اجمعوا أمرهم أنه لا مناص ولامخرج لهم مما هم فيه , الا بدعاء الأولياء والاضرحة .
فهرعوا إليها يزٍّفون , ويذ بحون لها وينحرون ,وكلما نزلتْ قطرة زحفت قلوبهم نحو الأولياء , مضتْ على هذا رسب ردحاً من الزمن ,رايات التوحيد فيها منكّسة , وأعلام الشرك فيها مرفرفة , فوفّق الله الشيخ سلمان ليكون داعية التوحيد فيها , لم تسكتْ لسانه عن الدعوة حتى تهاتفت القباب مكّسرة من القلوب , ثم أكمل هدمها مع طلابه من العيون, وهم يرددون بصوت واحد (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً{81) الإسراء

*******

ومضى الشيخ سلمان في هدمها وإزالتها , حتى لم يبقَ حجراً إلا رماه في بئر النسيان , فتوقفت دعوة القبور في رسب وعبادتها , وبكى الناس فيها فرحاً بدعوة التوحيد , التي حرموا منها لسنواتِ قحطٍ خلتْ بهم, وعلموا أنّ الله اراد بهم خيراً ,فعلّم واحداً من أبنائهم ليكون سبباً في نجاتهم من الشرك , وسعادتهم بالتوحيد, فعندها ركبوا طوعاً في سفينة التوحيد , ونجوا من طوفان الشرك , وفتحوا عيونهم فرأو أمامهم برَّ الأمان , تلوح اعلامه مرّحباً بهم, بعد أن نجوا من أمواج الشرك المتلاطمة,واقبل الشيخ سلمان - رحمه الله بدعوة التوحيد لم يتركْ مجلساً لهم ولا مناسبة ، إلا وقف فيه ناصحاً ومرشداً .
لم تقفْ دعوة الشيخ سلمان رحمه الله إلى هنا , بل كان لزاماًعليه أن يحارب اصنافاً من الناس , أفسدوا في الأرض , واستولوا على قلوب أهل رسب, فأصبح أناس بهم متعلقون, ولأ بوابهم يطرقون ,يطلبون منهم العافية والشفاء, فا ستغلوا خداعاً تلك القلوب المريضة, التي نخر فيها الجهل حتى النخاع , فجعلوا يتظاهرون للناس بأنهم يشفون من الأمراض –في زمن خالٍ من المستشفيات - فتزاحم الناس على بيوتهم , فهذا مسحور , وذاك معيون , وهذا يشكو ضيقاً, والآخر يشكو زوجته , والآخرى تشكو زوجها ، نزلتْ حوائجهم المتفرقة بذلك الشيخ المزعوم . الذي اتكئ على السحر , وتعاقد مع الجن , والناس إليه يقبلون ,وبالأموال والهدايا يغدقون ,فاقبل الشيخ سلمان -رحمه الله - كالفجر الذي يمزّقُ أثوابَ ليل مظلم , تقدّم إلى أهل رسب , وهم يتخبطون في الدجاجير, ويتيهون في الغياهب ,ناداهم بصوت أندى من القطر, وأحلى من الشهد
,( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{31} الاحقاف
رفع في يديه مصباح التوحيد المزهر , فرأى الناس النور تداعب بشاشته العيون , فطاروا إليه فحلّق بهم في سماء التوحيد الفسيحة, وجعل يقرأ على مسامعهم قول الله تعالى (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ{39} مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ{40} وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ{41} تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ{42} لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِير بالعباد ) ثم انثنى فيه منادياً وداعياً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{24} الانفال
فلما سمعوا داعي الله فيهم يصدح ، أقبلتْ القلوب إلى ربها راغبة , وأزيلت الغشاوة من العيون, واقبل الشيخ سلمان بعزم وحزم ليؤسّسَ لهم أول وأعظم بناء تشهده رسب , لم تشهد قبله أعظم منه , أنه بناء المسجد ،( مسجد دبي ) أول مساجد رسب , لم يكن أحدٌ ينكر في رسب أن الفضل اولاً لله سبحانه وتعالى في بناء المسجد ، ثم للشيخ سلمان رحمه الله الذي امتطى صهوة التوحيد داعياً وناصحاً ,وأصبح هو أول إمام وخطيب للجمعة والعيدين, لم يمتْ الشيخ رحمه الله حتى تناثرت عشرات المساجد في رسب .

************

انه الشيخ سلمان - رحمه الله - الرجل الذي قيل عنة أربعون سنة لم تتوقفْ دعوته وتعليمية في رسب, حتى قال أحدهم ( لم أغبط ْ أحداً في رسب إلا الشيخ سلمان أربعون سنة وصوته يعطّر أرجاء رسب بدعوته المباركة) .
وعندما دخلتُ اليوم رسب بعد وفاة الشيخ سلمان -رحمه الله- ببضع سنين , وصفَ لي أ هلها سنوا ت عجاف من الجهل خلتْ بهم, ثم لفتَ نظري شدة تمسكهم بدعوة التوحيد, ورأيتُ قصور التوحيد شامخة في قلوبهم ، حتى رأيتهم يحاربون كل بدعة وشرك .
عندها تعجبتُ ! وقلتُ داعياً :اللهم أجزي الشيخ سلمان خير الجزاء على ماقدّم , وعندما اتمّ الشيخ بناء المسجد , بدأ يجّمع الناس من شتات البداوة وقساوتها , وبدأ يرفع صوته بالآذان الذي أمسى غريباً على الأسماع كغربة الدين في رسب , وعندما سمعته بصوت الشيخ سلمان كأنها استفاقت من رقاد عميق , واليوم أبصروا عيون الماء تجري نحوهم , فاقبلوا إليها مسرعين يشربون من ذلك الماء الرقراق , بعد أن كادوا يموتون عطشاً ,وروأالشيخ سلمان واقفاً في المسجد يعلّمهم الصلاة , ووقف بين أيديهم يركع ويسجد , وهم ينظرون إليه بشوق ولهفة, لتعلّم الصلاة وصفَّ بهم اماماً يصلي بهم, وراحوا يتابعونه في سكون بعد أن اندرستْ معالم الصلاة عندهم ,. واصبح من يصليها قلة, وربما لايحسن حتى قراءة الفاتحة , وجلس الشيخ سلمان بعد الصلاة يعلّمهم القران والقراءة والكتابة , حتى أصبح يتزايد عدد المصلين يوماً بعد يوم كلما سمعوا الأذان .
وبدأ الشيخ سلمان يسقي شجرة الإيمان في قلوبهم بماء التوحيد , حتى سمقت , وازينت خضرة وصفاءً, وبدأت تلقي بظلالها على الأرض , وتسبح أغصانها إلى السماء .
واستمرّ الشيخ سلمان - رحمه الله- في تعليم قومه الصيام بعد الصلاة والتوحيد, وخجلوا من أنفسهم وعلى شهور من الصيام ضاعت في أكل وشرب, واليوم جاء الشيخ سلمان -رحمه الله - لينشرَ على رسب نفحات رمضان وظلاله, فذاقوا لذة الصيام , وسالت على ألسنتهم حلاوة التراويح ,فأشرقت نور الطاعة في وجوههم. تبدّدُ ليل رسب الطويل ,وتحررت قلوبهم من رقِّ العبيد إلى دعاء رب العبيد , وأبحرت سفينة رسب تمخر عباب بحر الأيام, حتى إذا اقتربت من الشاطئ رأيتُ شراعها المميز يرقص مع الرياح , كلما دفعته للإمام عاد واتكئ على صدرها فأرجعها إلى الخلف , فهما دائماً في مزاح ولعب !!, نظرت ُ ليلة إلى القمر في رسب فرأيته يغازل السحاب , ويلقي سربالاً من الهدوء خيّم ظلاله على بيوت رسب المتواضعة .
لا ينزاح عنها إلا إذا هجمت عليه أشعة أشمس الملتهبة , تمزّق أوصال ذلك الهدوء , وتحوّلُ رسب إلى حركة دؤوبة من العمل والعطاء .

* * *

ويوماً صعد الشيخ سلمان -رحمه الله- فسمع صوتاً ذميماً, ورأى منظراً قبيحاً ,أنهم رجال ونساء يدورون في رقص كما يدور الرحى , فاقبل إليهم مسرعاً وضع يده على فم تلك المزامير والطبول فاحتزَّ لسانها, ومزّق أوتارها , وأرشدهم أنَّ الغناء صوت الشيطان الرجيم, ثم راح يرتل عليهم في وقاروخشوع
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{64} اخبروه أنها عادة سرتْ في عروقهم كسريان الدم , وأنهم لن يستطيعوا أن يتوقفوا عن هذه ( الشروحات ), فاخبرهم انّ من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه, فتوقفوا عن هذه العادة القبيحة طاعة لله سبحانه وتعالى .
ونجح الشيخ سلمان - بفضل الله- في القضاء على هذه العادة , والكثير من العادات الأخرى القبيحة , بعد أن تقلّبت أرواحهم في رياض التوحيد فسمت نحو السماء .

*** ***

ياشيخ سلمان ستظلُّ تشكرك القلوب, وتذكرك الالسن, ولن تغيبَ عن خيالها , ولوغابَ جسمك في صُدع من الأرض .
يا شيخ سلمان أربعون سنة حوّلت جفاف رسب ربيعاً وخضرة , قسّمت حياتك وعمرك في الخير , فجّمع الله أوراقك المتناثرة بذكر حسن ولسانَ صدق بعد الموت .
ذهبتَ يا شيخ سلمان إلى ربك ,وأهل رسب جميعهم يشهدون لك بالخير , وانا اليوم أتيتُ بعد وفاتك بسنين, أشهدُ لك كذلك بالخير, ومن تداعبُ عيونه صفحاتي , سيشهد لك كذلك بالخير, وأيُّ خير أعظم من دعوة التوحيد ؟!! كنتُ اسمع يا شيخ سلمان أنّ الله رزقك هيبة في القلوب , شهد بها كل من رآك حتى لكأنك ابن طهيش شيخ القبيلة !.

* * * *

وفي عام 1421هـ وفي زيارة قصيرة للشيخ سلمان إلى بعض أرحامه , في وادي ا بن علي بمديرية شبام, لم يكن الشيخ يعلم إنها رحلة الوداع والفراق ,وعندما استيقظ الصباح من يوم السبت بدأ يتقيأ, وضعفت حركته, اُسعف عندهاسريعاً إلى مستشفى سيؤن العام , وهناك على سرير المستشفى رفع إصبعه بالشهادة , وفاضت روحه إلى بارئها في هدوءً وسكون, أغلقت معها ديوان حياته الدعوية الحافلة , والتي تقطر صفاء ونصاعة, ,ونصيحة وصدقا, وحملت جنازته من سيؤن إلى مسقط رأسه رسب, وبعد صلاة العصر صُلىَّ عليه صلاة الجنازة في تزاحم كبير أختلط فيه البشر بالحديد, حتى أنّ رسب لم تشهد جمعاً في جنازة أكثر من جنازته! , ودُفِنَ في قبره ,غير أنّ سيرته ودعوته حيّة في قلوبنا لم تدفنْ ولن تدفنَ -بإذن الله -, بل بقيتْ ارثاً يتداوله أجيال رسب, ومات الشيخ سلمان - رحمه الله- وهوقرير العين بعد ان ترك رسب تنعم بدعوة التوحيد ,

*****

رحلتَ يا شيخ سلمان وفي القلب من فراقك حرقة وآسىً , وفي الحلق غصّة وشجىً, كلما هبتْ ريح الصبا حملتْ شذا عبيرك المترنمِ ,يداعب القلوب,ويغازل العيون, لن تنساك رسب , وستبقى تذكرك بالدعوات, وتمطرك سحائبها بالرحمات,
رحمك الله يا شيخ سلمان يا داعية التوحيد في رسب, وجمعنا الله بك في جنات الخلود مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

الخاتمة

إني أهديتُ للأجيال في حضرموت قارورة عطر , من حياة الشيخ سلمان رحمه الله ,بعد أن دفنت في لحد النسيان, إني اغرسُ اليوم حروفي في بستان دعوته المباركة, التي أينعت وازهرت وآتت أكلها ضعفين , كم كنتُ اعلم يقيناً أنّ هناك الكثير من أمثال الشيخ سلمان, كانوا يوماً نجوماً زاهرة للدعوة في حضرموت , صارت اليوم حياتهم منسيّة, وسقطتْ سيرتهم من يد الزمن , وتهافتتْ أرضة الإهمال فأكلتْ ما بقيَ من تلك الأوراق الخضراء, ولكن كتب الله لهذا الأقلام أن تتشرّف بالكتابة والحديث عن واحدٍ منهم وما أجمل قول القائل :

كرر علينا حديثهم يا حادي ** فحديثهم يجلوا الفؤاد الصادي

ومن هؤلاء الشيخ سلمان رحمه الله , الذي استضاءت رسب بأنوار دعوته
رحمك الله ياشيخ سلمان ما برقٌ هما, وزرع نما, وبلبل قدغرداً
 

كتبه:
ابوسعد النشوندلي
رسب-مديرية ساه
7/6/1430
Abd52010@gmail.com
حضرموت

 

منوعات الفوائد