اطبع هذه الصفحة


قصة موسى مع بنتي صاحب مدين.. دلالات وعبر

إبراهيم عطية السعودي


بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

إذا كان الواحد منا ينشرح صدره، وتمتلئ جوانحه بالراحة، ويتأثر فؤاده فيخفق ويهتز، وقد تتساقط دموع عينيه بغزارة إذا قرأ قصة جميلة لأحد القصاصين أو الأدباء المبدعين، أو سمع حكاية معبرة من أحد الناس، أو مرّ على مشهد مؤثر من مشاهد الحياة الزاخرة فكيف إذا كانت هذه القصة أو الحكاية أو المشهد في القرآن الكريم؟أعظم كتاب في الوجود (( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) {فصلت: 42}، وكيف إذا كان القاص وصاحب الحكاية وناقل المشهد هو الله رب العالمين،الخالق العظيم جل جلاله، وتقدست أسماؤه..
ولذلك كانت القصة القرآنية دوحة باسقة الظلال، دانية الجنى، ذات أفنان مختلفة الثمار، عميقة الأصل، سامقة الفرع، لا ينتهي ظلها، ولا يذهب رونقها، فهي ذات ظل ممدود، وماء مسكوب، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. رونق أسلوب وبديع نظم، وجمال صورة، عدا ما فيها من المواقف والتحاليل النفسية، والاستنتاجات الكامنة وراء الأحداث، ستبقى القصة القرآنية الشعلة التي تضئ لهذا الإنسان، لتصل حاضره بمستقبله، وستبقى النفحة الربانية التي تشرق بها النفس وتعمر القلب، وستبقى الوثيقة الوحيدة الصادقة التي يطمئن الإنسان لمصداقيتها، وستبقى النمط السويّ الذي إن ترسمناه حقاً فسيقينا سلبيات التشويش والتهويش والتشويه. (1)

من هو صاحب مدين

يقول ابن كثير رحمه الله:قد اختلفت المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال أحدهما: أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين وهذا هو المشهور عند كثير من العلماء، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد، وقال آخرون: بل كان ابن أخي شعيب وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب، وقال آخرون كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة لأنه قال لقومه\" وما قوم لوط منكم ببعيد\" وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن، وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى عليهما السلام مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة كما ذكره غير واحد، وما قيل أن شعيبا عاش مدة طويلة إنما هو والله أعلم احتراز من هذا الإشكال، ثم ذكر ابن كثير رحمه الله عددا ًمن المرجحات أنه ليس بالنبي شعيب عليه السلام. (2)

الدروس والعبر والدلالات:
دعونا نعش مع هذه القصة القرآنية: {القصص: 22- 28 } من قصص النبي الكريم، والرسول العظيم موسى عليه السلام، لنتوقف ونتأمل ونتدبر ونستخرج بعض الدروس والعبر والمواقف والدلالات، لتشرق النفوس، وتعمر القلوب، وتستمتع العاطفة، ويقتنع العقل، وتسمو الروح، ويرتبط التدين الحق بالحياة العملية، وصدق الله حيث يقول:(( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ)){ يوسف: 3} .
 

الدرس الأول: حسن الظن بالله،والثقة به،والاعتماد عليه .
قال تعالى : (( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيل)) يقول عليه السلام وهو متوجه ناحية مدين لعل الله يرشدني إلى الطريق السوي الأقوم الذي يوصلني إلى مقصدي وغايتي قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظهر -مركب- وكان بين مصر ومدين مسيرةُ ثمانية أيام، ولم يكن له علمٌ بالطريق سوى حسن ظنه بربه، فبعث الله إليه ملكاً فأرشده إلى الطريق(3)وفعلاً حقق الله ما رجاه وأمّله، يقول ابن كثير:\" ففعل الله به ذلك وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة فجعله هاديا مهديا\"(4) وهذا درس عظيم نتعلمه من الأنبياء عليهم السلام ومن أتباعهم العظام على مرّ الزمان في حسن الظن بالله، وتفويض الأمر إليه، والله سبحانه لا يخلف ظن عبده به؛ فعن أبي هريرة رضيَ الله عنه، عن رسولِ الله ، أنَّهُ قال: \"قال الله عَزَّ وَجَلَّ: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي، وأنا مَعَهُ حَيْثُ يَذكُرُني\" (5)

 الدرس الثاني: المؤمن يهتم بحال الناس، و يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
قال تعالى :(( وَلَمَّا وَرَدَ مآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا..))
إن المؤمن بالله يسأل عن حال الناس، ولا يسكت عن الأوضاع الخطأ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر،فسيدنا موسى عليه السلام لم يكتف برؤية المشهد؛رجال يستأثرون بالماء دون النساء،وامرأتان تبذلان جهدهما تذودان و تكفكفان غنمهما أن ترد غنم أولئك الرعاة لئلا يؤذيا بل بادر بالسؤال والاستجواب.

 الدرس الثالث: خطورة اختلاط الرجال بالنساء وما ينتج عنه من مفاسد.
(( قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير )) فالفتاتان فضلتا الانتظار والصبر ومدافعة الأغنام المندفعة صوب الماء،على مزاحمة الرجال،والاختلاط بهم، فالاختلاط شرٌّ محض يؤدي إلى شيوع البغاء، وقلة الحياء، وضياع الأعراض، وشيوع المنكرات، وفشوِّ الزنا، وغير ذلك من الموبقات العظيمة.

 الدرس الرابع:
فائدة الاعتذار،وإزالة الشبهة عن النفس.
ثم قالتا:((وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)) قال أبو حيان: \"فيه اعتذارٍ لموسى عن مباشرتهما السقي بأنفسهما، وتنبيهٌ على أن أباهما لا يقدر على السقي لشيخوخته وكبره، واستعطافٌ لموسى على إعانتهما\".(6)

 الدرس الخامس: المساعدة وقضاء الحوائج في حياة المسلم.
قال تعالى:(( فَسَقَى لَهُمَا))كانت هذه الإجابة العملية من سيدنا موسى عليه السلام، بعد مشاهدته لذلك المنظر، وسماعه لذلك الجواب، واستشعاره لمعاناتهما، تصرف تصرّف الرجل ذي المروءة والشهامة، الرجل الكريم الذي يعرف ما أوجب الله عليه وما يحب الله له\" فَسَقَى لَهُمَا\"وهذا هو حال المسلم مع الناس؛ مساعدة، وقضاء حوائج، ومواساة بالمال والنفس، وتقديم كل ما يستطيع.

 الدرس السّادس: اللجؤ والتضرع والدعاء والافتقار للخالق جل شأنه.
قال سبحانه: (( ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير )) درس في اللجؤ إلى الخالق سبحانه والاستعانة به ودعائه، وهذا يذكرنا بدعاء وتضرع النبي عليه السلام عندما ذهب إلى الطائف وهو\"يبدي عجزه وضعفه،ويصور فقره واحتياجه،ويستجلب رحمة ربه،ويستمطر سحابة كرمه\"اللهم أشكو إليك ضعف قوتي،وقلة حيلتي ،وهواني على الناس...\" (7)

 الدرس السّابع: أدب المناجاة والذوق الرفيع العالي،والذكر المستمر.
ثم انظر إلى أدب الدعاء والمناجاة والذوق العالي الرفيع في قول موسى عليه السلام (( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )) لم يقل: أنا فقير إلى خيرك يا رب، ومحتاج، ولم يقل أطعمني مثلاً، بل عبر عن حاجته بهذه الكلمات الرائعات، وهذا شأن الأنبياء صفوة الخلق، في جميل المناجاة وحسن الدعاء.

 الدرس الثامن: حياء المرأة الفطري
قال تعالى:(( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ٍ)) جاءت بتكليف من أبيها تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَاء مشية فيها حياء، لا فيها تبذُّل لا فيها تبرُّج، لا فيها إغواء، لا فيها تهييج، وإنما مشية الحياء،فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم (8)

 الدرس التاسع: كلام المرأة المسلمة مع الأجانب مختصر وواضح وغير مضطرب ولا مغري!!
(( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )) وجهت الدعوة إلى موسى عليه السلام في أقصر لفظ وأوضحه ، ما أكثرت من الكلام ولا أطالت في الحديث وإنما لفظ مختصر لكنه واضح في غير ما اضطراب ولا تلجلج يغري أو يهيج .قال ابن كثير: \"وهذا تأدبٌ في العبارة لم تطلبه طلباً مطلقاً لئلا يوهم ريبة\".(9)

 الدرس العاشر: مكافأة صنيع المعروف، وأهمية تربية الأبناء التربية السليمة الصحيحة.
(( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )) إنَّ أبي يطلبك ليعوضك عن أجر السقاية لغنمنا،لأنك صنعت إلينا معروفاً ونريد أن نكافئك. وفيما مضى من وصف لهاتين الفتاتين ثناء من ربنا عزّ وجلّ في القرآن عليهما وعلى أبيهما الصالح القانت الذي أحسن تربيتهما وتوجيههما وتعليمهما حتى كانتا على مثل هذا الخلق القويم.\"وهذا يجعل واجب الآباء والمربين مهمّاً ومؤثراً في تربية خلق الحياء الكسبي، الذي يحجز الأطفال عن العيّ والخجل، ويحفظ الشباب من الشرور والآثام \" (10)

 الدرس الحادي عشر:
حاجة الإنسان إلى من يخفف عنه، ويطمئن قلبه.
قال تعالى:(( فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )) لما وصل عليه السلام إلى الرجل الصالح وذكر له ما كان من أمره، وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده فقال له:لا تخف، و طب نفسا، وقرّ عينا فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا ولهذا قال\" نجوت من القوم الظالمين\"(11) فالإنسان دائماً يحتاج إلى من يخفف عنه مصائبه ويطمئن قلبه.

 الدرس الثاني عشر: صوت الأنوثة المستقيمة السليمة .
(( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه ُ))فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والتبذل . وهو قوي على العمل أمين على المال . فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه . وهي لا تتلعثم في هذه الإشارة ولا تضطرب , ولا تخشى سوء الظن والتهمة . فهي بريئة النفس , نظيفة الحس ; ومن ثم لا تخشى شيئا , ولا تتمتم ولا تجمجم وهي تعرض اقتراحها على أبيها إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم , ومن مزاحمة الرجال على الماء , ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال وهي تتأذى وأختها من هذا كله، وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيت ; امرأة عفيفة مستورة لا تحتك بالرجال الغرباء في المرعى والمسقى والمرأة العفيفة الروح النظيفة القلب , السليمة الفطرة , لا تستريح لمزاحمة الرجال , ولا للتبذل الناشئ من هذه المزاحمة. (12)

 الدرس الثالث عشر: شرطان أساسيان للإدارة الصحيحة.
(( إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين ُ)) قال أبو حيان:\" وقولها كلام حكيم جامع لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة في القائم بأمرٍ من الأمور فقد تمَّ المقصود\" (13)كان من أهم الشروط وأكثرها أصالةً شرطان لُخصا في «القوّة» و«الأمانة». ومن البديهي أنّ القوّة المذكورة ـ آنفاً ـ ليس المراد منها قوّة الجسم فحسب، بل القدرة على تحمّل المسؤولية أيضاً.

 الدرس الرابع عشر:
عرض الرجل وليته على الرجل الصالح.
(( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ )) إني أريد أن أزوجك إحدى بنتيَّ هاتين، \"فهو يعرض نكاحا لا يخجل منه يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل , ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد , والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة , وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة سخيفة , تمنع الوالد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته لابنته أو أخته أو قريبته ; وتحتم أن يكون الزوج أو وليه أو وكيله هو الذي يتقدم، أو لا يليق أن يجيء العرض من الجانب الذي فيه المرأة ! ومن مفارقات مثل هذه البيئة المنحرفة أن الفتيان والفتيات يلتقون ويتحدثون ويختلطون ويتكشفون بعضهم لبعض في غير ما خطبة ولا نية نكاح . فأما حين تعرض الخطبة أو يذكر النكاح , فيهبط الخجل المصطنع، وتقوم الحوائل المتكلفة وتمتنع المصارحة والبساطة والإبانة !\" (14)

 الدرس الخامس عشر:
الإجارة على النفس.
(( عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ )) قال الشيخ الصالح لموسى عليه السلام: كل ذلك بشرط أن تكون أجيراً لي ثماني سنين ترعى فيها غنمي {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} أي فإن أكملتها عشر سنين فذلك تفضل منك، وليس بواجب عليك \"وقد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم في صحة استئجار الأجير بالطعمة والكسوة بهذه الآية واستأنسوا في ذلك بما رواه ابن ماجة\".(15) يَقُولُ عُتْبَةَ بْنَ النُّدَّرِ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ طس حَتَّى إِذَا بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى، قَالَ: إِنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ\".(16)

 الدرس السادس عشر: عدم المشقة على المسلم.
(( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْك َ)) يقول الرجل الصالح لموسى عليه السلام: لا أُريد أن أوقعك في المشقة باشتراط العشر. ولا أريد أن أتعبك في العمل، وهذا دأب الصالحين في التعامل مع إخوانهم إذا كلفوهم بعمل من الأعمال، أو استأجروهم لغرض من الأغراض.

 الدرس السابع عشر:
أدب جميل في التحدث عن النفس .
(( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )) ستجدني إن شاء الله حسن المعاملة، ليِّن الجانب، وفياً بالعهد فهو لا يزكي نفسه ولا يجزم بأنه من الصالحين . قال ابن كثير:أي لا يقدر أحدٌ أن يهدي نفسه، أو يدخل في الإِيمان، أو يجر لنفسه نفعاً، إِلا بمشيئة الله تعالى\" (17)

 الدرس الثامن عشر:
لا مجال للغموض في مواضع العقد وشروط التعاقد.
قال موسى عليه السلام:(( ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ )) إنَّ ما قلته وعاهدتني عليه قائم بيننا جميعاً لا نخرج عنه، و\"سواء قضيت ثماني سنوات أو أتممت عشرا،فلا عدوان في تكاليف العمل، ولا عدوان في تحتيم العشر; فالزيادة على الثمانية اختيار\" (18)

 الدرس التاسع عشر:
وضوح الشخصية، والاحتياط للنفس، وأداء العمل على الوجه الأكمل .
بين موسى عليه السلام هذا البيان:(( ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ )) تمشيا مع استقامة فطرته ووضوح شخصيته، وتوفية بواجب المتعاقدين في الدقة والوضوح والبيان . وهو ينوي أن يوفي بأفضل الأجلين كما فعل. (19) ومن أجل استحكام العقد بينهما والاحتياط للنفس جعل موسى عليه السلام اللّه كفيلا على ما تم بينهما، وقال:(( والله على ما نقول وكيل )) والله شاهد على ما تعاهدنا وتواثقنا عليه فهو الشهيد الموكل بالعدل بين المتعاقدين وكفى بالله وكيلا.

 الدرس العشرون: مدرسة التوكل على الله.
فقد توكل موسى عليه السلام على ربه سبحانه في كل شأن من شئون حياته، وفي هذه القصة، نرى نماذج وأمثلة توحي بثقة موسى المطلقة بربه جل جلاله: فعندما قصد مدين هاربا خائفا يترقب(( قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيل )) وحينما ذهب إلى الظل متعباً مرهقاً(( فَقَال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير )) وحينما تم العقد بينه وبين الرجل الصالح قال:(( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيل )) والتوكل على الله هو حال جميع الأنبياء والرسل وأتباعهم إلى يوم الدين، َقَالَ تَعَالَى: (( وَعَلى الله فَلْيتوَكل الْمُؤْمِنُون ))َ {إبراهيم: 11}.


الهوامش:

(1) فضل حسن عباس، القصص القرآني: إيحاؤه ونفحاته،ج1، ط1(الأردن : دار الفرقان ، 1987) ص9،13 بتصرف.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3، (بيروت:دار الفكر، 1401هـ) ص385.
(3) نفس المرجع السابق ،ج2،ص 430
(4) نفس المرجع السابق ، ص384
(5) مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار،باب الحث على ذكر الله، حديث 4832.
(6) البحر المحيط، ج7،ص113.
(7) أبو الحسن الندوي، نظرات في الأدب ، ط 1 (الأردن: دار البشير للنشر والتوزيع،1991) ص37.
(8) سيد قطب، في ظلال القرآن،ج5،ص 2668بتصرف.
(9) ابن كثير، مرجع سابق، ج3،ص384.
(10) محي الدين مستو، الحياء سيد مكارم الأخلاق، ط1 (دمشق:دار الكلم الطيب،1996) ص 53.
(11) تفسير البيضاوي،مرجع سابق، ج4،ص 288
(12) سيد قطب،مرجع سابق،ص2687.
(13) البحر المحيط،ج7،ص114
(14) سيد قطب،مرجع سابق،ص2688
(15) ابن كثير،مرجع سابق، ج3، ص386.
(16) سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب إجارة الأجير على طعام بطنه،حديث2435.
(17) الصابوني، مرجع سابق، ج3،ص497
(18) سيد قطب،مرجع سابق،ص2689.
(19) نفس المرجع السابق ،ص2689.


 

منوعات الفوائد