اطبع هذه الصفحة


إنه زمان التمحيص.. فانتبهوا فاعملوا فأبشروا وبشِروا!

سارة عادل


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الابتلاء سنة كونية، والصراع بين الحق والباطل موجود منذ قديم الأزل وسيظل إلى ما يشاء الله، وما الابتلاء إلا اختبار من الله لعباده لصبرهم ويقينهم وعزمهم ورضاهم..
وتختلف طريقة التعامل مع البلاء على قدر اليقين الموجود بقلب كل منا:

فتجد أحدهم إذا ابتلاه الله، شعر أن هذه النهاية، وأن الطريق قد صار مظلمًا، لا وجود لأي بوارق فرج أو شروق، ويبدأ ذاك المرض الخطير المعروف باسم \"التسخط\" في غزو القلب، وعندئذ يظفر الشيطان، يقول ابن القيم -رحمه الله-: \" إنما يظفر الشيطان بالإنسان غالبا عند التسخط، فهناك يصطاده بعكس الرضا\".

فهذا صنف من الناس، أما الآخر فهو ذاك المؤمن الذي قد غمر اليقين قلبه وفاض إيمانًا وحبًا لله وتسليمًا له ولقدره، ومهما اشتد عليه البلاء وظنه الناس محرومًا مسكينًا، كلما وجدته مبتسمًا صابرًا واثقًا بأن الله لا يضيع عباده أبدًا ولا يخزيهم، وأن هذا البلاء وإن بدا علقمًا فإن له حلاوة لا سيما عند التفكر في أنه ليس سوى لطف من الله وفضل، ولسان حاله يقول: يارب إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت، أنا لك عبد فافعل به ما تحب!

ثلاثة أشياء تعين على الصبر


وهذه ثلاثة أشياء تعين المبتلي على الصبر، وتبشره، وتقوي عزمه، قد خطها الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم الماتع \"مدارج السالكين\" وتستحق أن تُخط بماء الذهب:

\"هذه ثلاثة أشياء تبعث المتلبس بها على الصبر في البلاء:

إحداها: ملاحظة حسن الجزاء،
وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفف حمل البلاء، لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها، لما يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس مولعة بحب العاجل.
وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب، ومطالعة الغايات.

وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من رافق الراحة فارق الراحة، وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكريم الكرائم
ويكبر في عين الصغير صغيرها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

والقصد: أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك.

والثاني: انتظار روح الفرج

يعني راحته ونسيمه ولذته، فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته: ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل. وبه -وبغيره- يفهم معنى اسمه اللطيف.

والثالث: تهوين البلية بأمرين:

أحدهما: أن يعد نعم الله عليه وأياديه عنده، فإذا عجز عن عدها، وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء ورآه -بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه- كقطرة من بحر.

الثاني: تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي، وتعداد أيادي المنن: يتعلق بالمستقبل، وأحدهما في الدنيا، والثاني يوم الجزاء.

ويحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت، فانقطعت إصبعها، فضحكت، فقال لها بعض من معها: أتضحكين، وقد انقطعت إصبعك؟ فقالت: أخاطبك على قدر عقلك، حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها.
إشارة إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام، من ملاحظة المبتلي، ومشاهدة حسن اختياره لها في ذلك البلاء، وتلذذها بالشكر له، والرضا عنه، ومقابلة ما جاء من قبله بالحمد والشكر. كما قيل:


لئن ساءني أن نلتني بمساءة *** فقد سرني أني خطرت ببالكا\".
 

الابتلاء دواء

\"إن ابتلاء المؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت من ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء\".

لو كل منا نظر تلك النظرة، ووقف عند الابتلاء، وتفكر في أنه فضل من الله، لتبدلت أحوالنا، ولغمر قلوبنا برد اليقين الذي أمامه تهون كل مصائب الدنيا الفانية، ولتذوقنا لذة السكينة والقرب من الله.

أمتنا جريحة ولكن..!


ما بال شمل المسلمين مُبَدَّدٌ فيها *** وشمل الضِّد غير مبّدَّد
ماذا اعتذاركمُ غداً لنبيّكم *** وطريق هذا العذر غيرُ مُمَهَّد
إن قال لـمَ فرطتمُ في أمتي *** وتركتموهم للعدو المعتدي
تالله لو أن العقوبة لم تُخِفْ *** لكفى الحيا من وجه ذاك السيد!


إن الذي يقف على أحوال أمتنا الإسلامية كثيرًا ما يتبنى إحدى الاتجاهين السالف ذكرهما، فتارة يائس وتارة أخرى مستبشر فرح موقن بنصر الله.
وإنما يعود هذا إلى جرعة اليقين المتوافرة بالقلب.. وبقدر اليقين تكون البشرى وبقدر اليقين يكون العمل من أجل الوصول للنصر..

إنما هي فترة تمحيص..!


هي سنة الله جارية في تمحيص القلوب، في اختيار الله لعباد وجنود لتمكين ونصر، واستبدال لقوم تولوا ودخل الشك إلى قلوبهم فأفسده، خدعهم البريق الزائف لأسلحة الأعداء،
والقوة الحاشدة، والتكالب والهزائم المتتالية للمسلمين، ونسوا أو تناسوا أن الله هو من بيده الأمور كلها، وأن العبرة ليست بكثرة العدد ولا بقوة عدوك، إنما العبرة بقدر اليقين الذي يوجد بقلبك وتصديقك لوعد الله وعملك على المشاركة في هذا النصر الذي هو آت لا محالة عاجلًا كان أم آجلًا، التمكين لا يأتي بالنوم والركون والراحة وإنما يكون نتاج يقين وعمل وألم يصاحبه الأمل والبشرى.

{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

فانتبهوا فاعملوا فأبشروا وبشِروا..!


أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.. والله إن الإسلام سينتصر، والله إنه لقادم، وإني أشتم رائحة النصر، ذاك النصر وتلك العزة التي افتقدناها بذنوبنا وبعدنا عن تطبيق شرع الله في بلادنا بل حتى في بيوتنا، ولا حول ولاقوة إلا بالله..

إلى كل مؤمن ثابت على المنهج الحق في زمن تتعاقب فيه الفتن، قد آلمه وأحزنه حال أمة تكاثرت جراحها، وتشتت شملها، ولسان حاله يقول: \"مَتَى نَصْرُ اللَّهِ\"؟
ستجد الإجابة بلا شك في قول رب العزة جل وعلا الذي لا يخلف وعده: \"أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ\".

نعم والله لقد اقترب النصر، وإن مما يدعم يقينك بنصر الله عز وجل العيش مع القرآن وتدبر آيات الله وسننه في الكون، وقراءة سيرة نبيك -صلى الله عيله وسلم- العطرة المليئة بالعبر والأحداث، ومطالعة أخبار السابقين، لتدرك بنفسك وعقلك وقلبك بأن الأيام دول، وأن الحق بلاشك منتصر وإن طال الزمان، وأن العزة ستعود بعملك وجهدك أنت، نعم أعد نفسك ليختارك أنت الله فيمكن لدينه من خلالك، لتكن أنت نبع القين الذي يمشي على الأرض يعمل لنصرة دين الله، لايتنازل عن منهجه وإن وقف الجميع ضده، لا تسأل كثيرًا كيف ستعود الخلافة؛ فإن الله يدبر هذا الأمر كما دبر غيره من الأمور التي كانت محض خيال بالأمس واليوم صارت واقعًا وحقيقة! اعمل ولا شأن لك بالكيفية ولا بالموعد، هذا وعد الله الذي لا يخلف وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لا تجعل الأعداء ينجحون في زرع تلك الهزيمة النفسية في قلبك، ولا تدع الشيطان ينجح في أن يدمر قلبك بيأس أو شك، وكلما ازداد البلاء وارتفع صوت الأعداء، اعلم أن نهايتهم قد اقتربت..

{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق]

{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]


لا تهيىء كفني ما مت بعد *** لم يزل في أضلعي برق ورعد
أنا تاريخي ألا تعرفه *** خالد ينض في قلبي وسعد


ليكن شعارك من الآن: امضِ ولا تلتفت، يقول الحسن البصري -رحمه الله-: \"ليس العجب ممّن هلك كيف هلك! وإنّما العجب ممّن نجى كيف نجى!\".
نعم وأنت في الطريق ستجد كثير يتهاوون، ويسقطون ويهلكون، فلا تكن معهم... وإلا خسرت وندمت يوم لا ينفع الندم.

وقفة


لكل من يقول أتمنى أن أعيش في دولة إسلامية، أتمنى أن تُحرر أراضينا، أتمنى أن يمكن الله لدينه، وأتمنى وأتمنى... اسأل نفسك أولًا

ماذا فعلت أنت لنصرة الدين؟!
ماذا قدمت لخدمة هذا الدين؟! وكم ساعة تقضي في ذلك؟!
متى ضحيت بساعة من نومك من أجل نصرة هذا الدين لتقضيها في دعوة للمعروف ونهي عن المنكر، أو في قيام ليل، أو في مدارسة علم شرعي؟!
كم شخص كتب الله الهداية على يديك؟!
هل كلما ازداد البلاء بأمتك كلما كلما زادت عباداتك وتضاعفت جهودك الدعوية، وقضيت الوقت مفكرا في ابتكار واستخدام كل وسيلة في إيقاظ هذه الأمة وتذكيرها بأمجادها السابقة وحتمية النصر القادم؟!
هل نستحق أن ينصرنا الله؟! هل نحن أهلا للتمكين والنصر؟!

جنود الإسلام


إنهم موجودون حولك بكل مكان، حتى وإن لم تشعر بهم، يقضون أوقاتهم في سبيل الله، قد سمت آمالهم إلى نصر من الله مبين، إلى جنة عرضها السماوات والأرض،
إلى روح وريحان، إلى حور عين، وجنات تجري من تحتها الأنهار، يتعبون الآن في الدار الفانية حتى يكونون هم من المتكئين على الآرائك في الدار الآخرة الباقية!!

فكن أنت واحدًا منهم!

\"لا تظن أن الأمانة أن تتوضأ برطل من ماء وتصلي ركعتين في المحراب، وإنما الأمانة أن تحمل هذا الدين وتحمله للناس\".

صلاح الدين الأيوبي.. الأسطورة ترى كيف كان؟!


قال العماد: \"أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس، قال: وما حضر اللقاء إلا استعار فرسا، ولا يَلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن، نـزّه المجالس من الهزل، ومحافله آهلة بالفضلاء، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد، حليما مقيلا للعثرة، تقيا نقيا وفيا صفيا، يُغضي ولا يغضب، ما رد سائلا، ولا خَجّل قائلا، كثير البر والصدقات، .... قال: وما رأيته صلى إلا في جماعة\".

حي على الكفاح!


الآن قم وبادر واغرس بذور اليقين في قلبك، دع الكسل جانبا، وطلق الراحة ثلاثًا، فإن كل جرح في جسد أمتك يناشدك أن تداويه بتوبة، بعبرة، بدعوة، بعمل، بعلم، بحياة كلها في سبيل الله.
فلا تكن المتقاعسين وحي على الفلاح وانتظر بزوغ الفجر، واحلم كل يوم بذلك النصر الذي سيغدو قريبًا حقيقة وواقع ولابد!

سيأتي ذاك اليوم التي ستسقط عنا جنسياتنا، ولن يبقى سوى كلمة: \"أنا مسلم\"! وذاك هو الفخر ولله الحمد وكفى بهذا نعمة!

19 جماد الآخر 1432
 

 

منوعات الفوائد