اطبع هذه الصفحة


لحظات الانتصار

أ . محمود القلعاوى *


بسم الله الرحمن الرحيم


لحظات الانتصار لها نشوتها الرائعة ، نشوة قد تجعل صاحبها يشعر بالغرور والإحساس بالنفس والانتقام من كل من خالفه ، وكم حفظ لنا التاريخ جبارين وسفاحين سفكوا وبطشوا وقتلوا وانتقموا من كل من خالفهم عندما مُكن لهم وانتصروا .

منذ أن ظهرت نتيجة المرحلة الأولى وعلا أصحاب المشروع الإسلامى وخصوصاً حزب الحرية والعدالة, وأنا أتأمل صورة الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو داخل مكة فاتحاً مظفراً بعدما خرج منها مهاجراً بدينه بعد اضطهاد وحرب شرسة سُفكت فيها الدماء وهُتكت فيها الأعراض ونُهبت فيها الأموال ، تعذيب واستهزاء ، بشاعة ما بعدها بشاعة ، وبعد كل هذه السنوات الطوال العجاف فى مروروها عاد فاتحاً منتصراً ، إذن أين مخالفوه في الرأي سفاكو الدماء منتهكو الأعراض محاربو الله ورسوله؟ لقد صاروا تحت إمرته ومع كل هذا, دخل متواضعاً حتى رَفعه لرأسه لم يفعل ، ترى لحيته صلى الله عليه وسلم تلمس رحلَ ناقته تواضعاً لربه وخشوعاً .
كلمات أهديها لكل إخواني وأحبابي عبر هذه السطور القليلة لنتواضع لمن حولنا ولنحذر من دخول أي شعور يفسد روعة اللحظة ، لكم أحسست ببعض الأشياء تجري نحوي وقد أخذ من حولي يقدمون لي التهاني بالنجاح المبهر الذي تحقق في المرحلة الأولى ، ولكن قفي يا نفسي واحذري شعوراً بعجب يُضيع علينا خير الدنيا والآخرة .

أحبتي في الله لحبي لكم كتبت هذه السطور لنتواضع تواضع المنتصريين ، ولنعفوا عمن ظلمنا رغم صعوبة العفو في أوقات النصر لكن الأجر عظيم :- " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " ، كظم وعفو أطالب به نفسي وإخواني وهذه هي أخلاق المنتصرين ، وكم هو رائع ما كتبته أستاذي الحبيب الدكتور حمدي والي :- " إن الداعية رجل عاش في معية الله فانسكبت في روحه معاني الرحمة والرفق والشفقة ؛ فهو دائم الخوف على الناس من سوء المصير رحمة بهم وشفقة عليهم، وتلك هي أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
في طريقنا للنصر احذر نفسي وحضراتكم من غرور قد يتسرب لنا دونما شعور منّا ، ولنجعل استقواءنا بالخالق وليس بالمخلوق - مهما كانت قوته - فأين قوته من قوة الخالق ، نعم لننعم بأمان غاب عنا من سنوات ، نعم لنأخذ حقوقنا التى حرمنا منها من زمان ، ولكن بتواضع تعلمناه فى مدرسة أحب الخلق إلى الخالق محمد صلى الله عليه وسلم ، وها هو أمر السماء لنبيه صلى الله عليه وسلم :- " وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ " لين الجانب والمحبة والإكرام والتودد .

ودعوني أنقل بعض الأخبار والآثار في هذا الشأن أذكر بها نفسي وحضراتكم :-
• كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لهذا ولتواضع سيّر به حياته .
• وكان صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه بنفسه غير متكبر ولا آنف ولا ... ، بل ويحلب شاته ، ويخدم نفسه, صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله .
• وكان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان الصغار فيسلم عليهم بكل رقة وحب وتواضع .
• وها هو الفاروق عمر العملاق الذي أذهلني دائماً يقول عنه عروة :- رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء .
• ومر الحسن على صبيانٍ معهم كسر خبزٍ فاستضافوه فنزل فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم، وقال: " اليد لهم " يعني: هم أصحاب الفضل .

وأما فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ فقد ذكر في خطبته حول ما أريد قوله :-

" التواضع خلقٌ حميدٌ ، وخصلةٌ كريمةٌ ينال بها العبد بعد رضا الله رضا الناس عنه، فالمتواضع يحبه الناس ويألفونه ويطمئنون إليه " وقال :- " كان صلى الله عليه وسلم رقيق القلب ، رؤوفاً بأمته ، حريصاً عليهم ، ساعٍ في تأليفهم ، فأحبوه المحبة الصادقة فوق محبة المال والأهل والولد " .


مدير تحرير موقع منارات ويب للعلوم الشرعية .

 

منوعات الفوائد