اطبع هذه الصفحة


 إلى صفحات التاريخ .. الإهداء والمسؤولية 2-2

فواز بن عادل بن غنيم


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

إلى صفحات التاريخ .. الإهداء والمسؤولية 1-2

إلى صفحات التاريخ
الإهداء و (المسؤولية ) 2/2


يموت الإنسان وهو حي؛ حين يغادر دنيا النّاس منشغلاً بحياته وعالمه الخاص. وقد يهتم آخر بشؤون الآخرين، ولكنّه يحكم على نفسه بالعجز الكلي عن تقديم شيء لهم، وهذا أيضاً في حكم الميت كذلك.
إنّ الإنسان مخلوق خصّه الله بالتّكريم وأودعَ فيه من القُوَى والقُدرات الشّيء العجيب المعجِز. انظروا إلى غريزة حبِّ البقاء في الإنسان، تراه يُصاب بالأمراض المقعِدة المزمنة، ويبقى أمله في العيش؛ ببقاء تشوّفه للحياة، ونبض عروقه وطرف عينيه.

وهكذا فمن النّاس من لا ييأس في الإصلاح والتّغيير _ بالرغم من الظّروف والتحدّيات _ ما بقي الأمل، وما بقيت روحه في جسده. كيف لا.. وهو يرى أقواماً أفنوا أعمارهم، في سبيل مبادئ باطلة، وأطماع زائلة، ضحّوا في سبيلها بكل ما يملكون.

والعجب أشدّ من آخرين على غير ملة الإسلام، آمنوا بقضايانا العادلة، فنافحوا عنها وضحّوا وأوذوا في سبيلها. كم تملّكتني الدّهشة والحياء ! حين سمعت جورج قالاوي النائب السابق في حزب العمّال البريطاني وهو يتحدّث عن قضية فلسطين ويقول متأسّفاً: « أين العرب ؟ أين المسلمون ؟ ». ثمّ يقول بعد أن أفنى سنين من عمره في نُصرة القضية: « لقد أسميت ابني زين الدّين، فإن لم أعش حتّى أطأَ تراب فلسطين الحرة، فإنّي لأرجو أن يفعل ذلك، وحينئذٍ قولوا له: إنّ والدك كان يتمنّى ذلك ! ».

ولهذا.. وعطفاً على ما سبق من الحديث عن الإهداء الذي قدّمه أهل شامنا من البطولات الأسطورية إلى صفحات التّاريخ، فإنّ الحديث هنا عن المسؤولية الجسيمة والأمانة العظيمة، التي يتحمّلها أبناء الأمّة جميعاً؛ للخروج من الحالة الراهنة التي لا تخفى على أحد. وهو موضوعٌ بالغ الأهمية، وضرورته ملحّة جداً.

وما هذه الكتابة إلا تذكرة لنفسي ولأبناء أمّتنا الغالية، وحسبي في موضوعٍ مهمٍّ كبيرٍ كهذا_تحرّقت عليه قلوبٌ وأقلام ! وينبغي أن تتضافرَ عليه عقولٌ وجهود _ أنّني حاولت تشخيص أسباب، وطرح حلول، وإجابة تساؤلات، وقد اجتهدت وُسْعِي في جعلها دراسة مختصرةً سيّارة. ولن يتحول المسطور إلى واقعٍ منظور؛ إلا بالعزيمة الصادقة، والإرادة الجماعية الصّارمة، والقيادة القوية الأمينة، التي تمثّل الأمّة وتعبّرُ عن ضميرها.

وجاءت هذه الدّراسة والمعالجة ، متسلسلةً وفقاً للعناصر التالية :


• تصدير .
• المقصود بالمسؤولية ؟ وعلى من ؟ .
• مسبّبات الضّياع ( نقولات مهمّة ) .
• أساسيات في النّهوض والخروج من المأزق .
• الختام ( واجب الوقت ) .

التّصدير:


لقد فتح الجرح السّوري _ وما قبله من قضايا حاضِرِ العالم الإسلامي _ باباً ملحّاً واسعاً، في ضرورة البحث والسؤال عن الأسباب التي أوصلت الأمّة لهذا الحجم الفظيع المُريع، من الانكشاف والضّعف والهوان؛ والذي وصل لدرجة أن يقوم الأعداء _ استخفافاً _ بتصوير جرائمهم ونشرها أمام أمّة المليار، وأمام العالم الغربي، مدّعي الإنسانية زوراً وبهتاناً ونفاقاً !.
وعلى سبيل الإشارة فإنّ هذه الجرائم الموثّقة بالصّور، وآلاف الشهود، ليست إدانة ً للعصابة الهمجية التّترية فحسب؛ بل هي في حقيقتها إدانة قضائية، قانونية قطعية، للجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبها معسكر الشرق والغرب، خصوصاً أمريكا ومن وراءها من الدّول والمنظّمات؛ وذلك من خلال التسبّب المباشر، أو بالوكالة، أو بالصّمت والتمرير، ولئن أفلت _ من العدالة في الأرض _ هؤلاء المجرمون الإرهابيون، المقنّنون تحت غطاء الدّول والمنظّمات، فقطعاً لن يفلتوا من عدالة السماء.
وينبغي على الأمّة أن لا تتعامل معهم ومع منظّماتهم إلا على سبيل الاضطرار إلى أكل الميتة، مع السّعي الحثيث إلى بلوغ القوة والنّديّة؛ لردعِ هؤلاء الهمج الانتهازيين النّفعيين.

المقصود بالمسؤولية ؟ وعلى من ؟ .


ذكرَ ابنُ جرير _ رحمه الله _ عن بعض أهل التأويل في تفسير قول الله تعالى: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) «الأحزاب - 72». «معناه: إنّ الله عرض طاعته وفرائضه على السماوات والأرض والجبال على أنّها إن أحسَنت أُثيبت وجُوزيت، وإن ضيّعت عُوقبت، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا: لنفسه، جهولا: بالذي فيه الحظ له» «10/ 339».
ثمّ قال: « وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، ما قاله الذين قالوا: إنّه عُني بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدّين، وأمانات النّاس » «10/ 342».
ومن هذا المعنى وممّا تضافرت عليه أدلة الشريعة وضرورياتها، يتّضحُ أنّ المقصود بالمسؤولية هنا؛ إنّما هو :
خطاب الله الموجّه للمسلم، وتكليفه للقيام بأمانة الدِّين وهي: تحقيق التّوحيد، وإقامة الفرائض وأوامر الإسلام من الأركان والشعائر والحدود، والأخلاق والعدل ونصرة المؤمنين، ومعاداة أعداء الإسلام والمسلمين من الكفّار والمنافقين، ودفعهم ومجاهدتهم بالّلسان والنّفس والمال.
وعليه فإنّ المسلم رجلاً كان أو امرأةً على حدٍّ سواء، موقوفٌ مسؤولٌ، محاسبٌ بين يدي الله تعالى على قيامه بتلك الأمانة أو تضييعه لها، بل إنّ الله سيسأله عن النّعيم الذي حصل له في الدّنيا، فكيف بالسؤال عمّا فوق ذلك من الحقوق! : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) «التّكاثر _ 8».

ويتقرّر مما سبق
أنّ هذا الأمر وهو السّعي لرفع أسباب الهوان والضّعف والحقوق المضاعة، والاعتداء على أمّة الإسلام، متعيّن واجب على آحاد الأمّة ومجموعها من المكلّفين القادرين؛ ولذا يفترض على كل مؤمن ينتسب حقاً لدين محمد صلى الله عليه وسلم؛ أن يجعل في قاموسه ومن واجباته دراسة ذلك وتعلّمه؛ ليقوم به عن علمٍ وبصيرة. ولاشكّ أنّ المسؤولية والحساب يتفاوتان من شخص لآخر، بحسب القدرة أوعدمها، وبحسب الغنى أوالفقر، وبحسب النّفوذ والسّلطان؛ وفي كلّ الأحوال يظلُّ المؤمن وجلاً خائفاً، هل استنفذ وُسْعه للقيام بما هو في استطاعته، وما يتوجب عليه ؟ أم لا ؟! .
وكم أرّق من قلوب؛ قول الله تبارك وتعالى: ( أَلَا يَظُنُّ أُولَـٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) «المطففين 4_6».
إذ ليس من شأن وسبيل المؤمنين البحث عن المعاذير والفرح بها؛ لترك القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده، بل هو شأن وسبيل المنافقين الذين أخبر عنهم القرآن كثرة معاذيرهم وتكاسلهم، وتعلّلهم ب : ( شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ) !.

مسبّبات الضّياع ( نقولات مهمّة ) .

من أهم مسببات الضّياع الذي أصابنا؛ أنّه قد تعامى كثيرٌ من المسلمين اليوم حكوماتٍ وشعوباً، عن كثيرٍ من الحقوق الواجبة عليهم، وهذا التّعامي إماّ لهوىً وشبهة، وإمّا لغفلةٍ وشهوة؛ وقد أفضى بهم إلى التّرك والتّضييع لكثيرٍ من أوامر الله ونواهيه. وإذا استحكمت الشهوات والشبهات في الأمّة فستنحرف ولابدّ عن الجادة والاستقامة التي أمرها الله بها، وستصاب بالوهن والهوان، وتحلّ عليها كلمة الله وعقوبته. وقد أتت الآيات صريحة في التّحذير من ذلك وبيان مغبّته.
يقول الله تبارك وتعالى :
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) «الجاثية _ 23».
( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) «مريم _ 39»
( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) «مريم _ 59». والغي هنا كما في كتب التّفسير هو: الشّر والضّلال والخيبة والعذاب.
( وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) «النّحل _ 112».
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) «الأنعام _ 44».

وأورد هنا نقولاتٍ مهمّةٍ لها تعلّق بأصل موضوع المسؤوليةِ والأمانةِ الملقاة على عاتق أبناء أمّتنا المجيدة، اشتملت على: فوائد، وتشخيص المفصّل لمسبّبات الضّياع، وبيان حقيقة الإيمان عند الأمّة حال ضعفها وبُعدِها عن الله تعالى.

يقول الشّريف اللواء ركن محمود شيت خطّاب _ رحمه الله _
والذي ألّف كتبه ناصحاً للأمّة مشفقاً عليها، تكلّم فيها بلغة المؤمن الغيور البصير، والقائد العسكري الخبير، فبيّن كيف تُصنع الهوية التي تعتزّ بالانتساب إلى الإسلام وتفخرُ به، وكيف تبُنى العقيدة القوية الراسخة، والإرادة الصلبة التي لا تلين ولا تنكسر، وكيف يتحقّق الانضباط الأخلاقي والسّلوكي، وكيف يكون التّفاني في بلوغ الهدف والإصرار عليه، والترفّع والتسامي عن كل ما يعوق عن ذلك ويسبّب الوهن والضّعف، يقول في كتابه «طريق النّصر في معركة الثأر»:
«حين خرج موسى _ عليه السلام _ مهاجراً إلى فلسطين قال له بنو إسرائيل: ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) «المائدة _ 24»؛ إذ كانوا منحرِفين مستعبَدين أذلاء وأمرُ القتال بعيدٌ عن تصوّرهم وأفكارهم.

فكان على موسى _ عليه السلام _ أن يربّي هؤلاء تربيةً جديدةً تؤمن بالعزّةِ والمُثل العليا ليستطيعوا القتال، فتاهوا في الصّحراء أربعين عاما: ( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) «المائدة _ 26» . مات خلالها الجيل القديم ، ونشأ بعده جيل جديد: عاش في ظلال الحرية، لا يعرف عن الاستعباد والاستِخْذَاء شيئاً، في ظروف قاسية بعيدة عن التّرف والتخنّث في أرجاء الصحراء، يمارسون تدريباً عنيفاً شاقاً في منطقة صحراوية تساعد على التدريب الشاق العنيف، ويتلقّون تربيةً سليمةً من معلّم _ مرسلٍ من الله _ هو موسى عليه السلام.
وحينذاك فقط استطاعوا أن يقاتلوا وينتّصروا على أعدائهم، أما قبل ذلك فكان ينقصهم: إرادة القتال، إنهّا عبرة من وراء القرون للعرب والمسلمين، فهل من معتبر ؟» «ص121 _122».

ويقول العالم المفكّر الإسلامي أبوالحسن النّدوي _ رحمه الله _
في كتابه «المسلمون وقضية فلسطين»:
« ما هو المتوقّع والمعقول إثر هذه النّكبة أيها الإِخوان ؟
أليس أن نحكم على الحوادث حكماً صحيحاً، وعلى الرّجال والشخصيات التي تحمّلت مسؤوليتها، نقرّر أنّ هؤلاء قد خَسِروا المعركة، وأنهّم ليسوا جديرين بالقيادة، بل إنهّم كانوا سبب النّكبة، وأنّ الطريق الذي اختاروه طريقٌ عقيمٌ مسدود، وأنّ نتبرّأَ منهم، ونحمّلهم تبعة هذه الهزيمة، وهذه المأساة، وأن لا نشعرَ بميلٍ لهم.
إنّ الأمّة إذا كان فيها شعور، إذا كان فيها وعي، حاسبت هؤلاء القادة حساباً شديداً. إنّني لا أتحدّث عن الوعي الإيماني، الوعي الذي كان يتّصفُ به صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والتّابعون لهم بإحسان، إنّهم كانوا لا يخضعون للرجال، إنّهم كانوا دائماً يخضعون للحقائق، ويحاسبون الخلفاء والأمراء على تصرّفاتهم وأخطائهم، ويقولون كلمة حق عند سلطان جائر.
ولكنّني أتحدّث عن الوعي السياسي، بل الوعي المدني الذي رأينا مظاهره، وأمثلته الرائعة في الشعوب المادّية، التي لا تدين بالإسلام.
إنّ الإنكليز والفرنسيين لا يغفرون للذي يجني عليهم، ويلوّث كرامتهم، إنّ الإنكليز لم يغفروا للمستر (إيدن) رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، لمّا أخفقَ في معركة السويس، وألحق بالإنكليز العار.
ماذا فعل إيدن ؟ إنما أخطأ في التقدير، ولكنّ الشعب الإنكليزي لم يسامحه، ولم يغفر له.
وقالوا له : تفضّل واترك كرسيّ الحكم، واذهب إلى زاوية من زوايا التاريخ، وإلى مؤخّرة الشعب.
وكذلك توارثت أمم كثيرة بغضَ الرّجال الذين تآمروا عليها، وامتهنوا كرامتها، ولوّثوا شرفها.
إنّ العرب عُرفوا في التّاريخ بالغيرة الشديدة، عُرفوا بالنّخوة والإباء، عُرفوا بالحُكم العادل على أمّتهم وعلى أمرائهم، وعلى صالحيهم وزهّادهم، لم يهابوهم، ولم يداهنوا، ولم يمتنعوا عن كلمة الحق، هؤلاء العرب نرى عدداً من شبابهم اليوم في بلادٍ كثيرة، لا يزالون خاضعين لأولئك القادة الذين ورّطوهم في هذه النّكبة !»«ص77 _78».

ويقول في موطن آخَر من كتابه: «إنّ وجودَ النّفاق في قادة العالم الإسلامي وزعمائه، والتّناقض في أقوالهم، ووجود الجاهلية اللاهية، والاندفاع المتهوِّر إلى الترفيه والتّسلية، والتّعامي عن الحقائق والأخطار المحدقة، ووجود الأعمال والأخلاق المغضبةِ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والمانعةِ من النّصر، وقلة الغيرةِ على الدّينِ والعرضِ والشّرف، وحُرُماتِ الله ومقدّساته، والمداهنة لمن حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقاتل أولياءه وأنصاره وطاردهم، واضطّهد الدّين في بلده ومركزه، وتسبّب في ذُلِّ الإسلام والمسلمين، والنّكبة العظيمة التي لا يوجد لها نظير في قرونٍ كثيرةٍ من تاريخ الإسلام، وأشاعَ أسبابَ الفساد والتحلُّلِ والميوعة في الشعوب الإسلامية وبلاد المسلمين، والتّلاعب في أيدي الأجانب، وأعداء الإسلام في الخارج، والتودّدِ إليهم، والانتصار لهم، بل والغضب والحمية لهم، وتحقيق أغراضهم ومخطّطاتهم بشعور وغير شعور، وبقصد وبغير قصد، كلُّ ذلك مصدر كلّ شؤمٍ وكلّ خيبة، وكلّ ذلٍّ، وكلّ نكبة.

لقد مضى زمن الكلام، وزمن القرارات والبيانات، والحفلات والمؤتمرات، وأصبحت لا قيمة لها ولا تأثير، لقد أصبحت الطّرق الدبلوماسية، والأساليب السياسية عقيمة، لا يحتِفلُ بها أحد.

إنّ أكبر سياسةٍ ودهاء ورأس الحكمة هو: الإخلاص، فلا تزال أكبر قوة تخضع للإخلاص وتحترمه، ولا ينفع شيء حتى نقوم بما نستطيع من إصلاحاتٍ جذرية، وإزالة أسباب الفساد والميوعة، التي لا يسطيع معها أي شعب أن يقاوم العدو، ويتحمّل الشدائد، ويصبر على المكاره، ويفضّل الموت على الحياة، والشّرف على الذّل والهوان»« الصفحات 127_ 129».

ومما يجعل المرء قلِقاً من الفتنة والابتلاء والتّقصير في حقّ الله تعالى، متخوّفاً على إيمانه ودينه حتى يتوفّاه الله على الإسلام؛ ما ذكَرهُ شيخُ الإسلام بن تيمية _ رحمه الله _ في فتاواه من قوله: «وعامّة النّاس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولِدوا على الإسلام والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطّاعة لله ورسوله، فهم مسلمون ومعهم إيمان مجمل، لكنَّ دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم يحصل شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثيرٌ من النّاس لا يصلون إلى اليقين ولا إلى الجهاد، ولو شُكِّكوا لشكّوا ، ولو أُمِروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفّاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الرِّيَب، ولا عندهم من قوة الحبِّ لله ورسوله ما يقدّمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عُوفوا من المحنة ماتوا ودخلوا الجنة، وإن ابتُلو بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم؛ فإن لم يُنعم الله عليهم بما يزيل الرِّيَب وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع نفاق، وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من اهل الوعيد. ولهذا لما قدم النّبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم عامّة أهلها، فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق، فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام ودخلو الجنة، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين ابتلوا فظهر صدقهم...»«7/ 271».

أساسيات في النّهوض والخروج من المأزق.


لاشكّ أنّ الحديث عن نهوض الأمّة وخروجها ممّا هي فيه، هو حديث متشعّب، وتفصيلاته كثيرة؛ ويحسن من المتخصّصين فيه: زيادة إثرائه، والنّشاط في إيضاحه وتبليغه.
ثمّ إنّ توعية الأمّة بذلك ودفعها إليه، وتربيتها عليه؛ لهو أمرٌ شاقٌّ طويل ! وسَييسِره الله ويذلّله على الصادقين المخلصين، أولي العزمات من أبناء الأمّة الذين يجاهدون في التّبليغ والدّعوة بالخطب والمحاضرات والدّورات ومراكز الدّراسات والأبحاث وبالجهود الإعلامية، ويبذلون في سبيل ذلك الغالي والنّفيس. إن شهادة الله ورسوله بفضلِ وخيرية هذه الأمة؛ ليطرد اليأس والاحباط والقنوط، ويُبقِي الأمل والرّجاء مفتوحاً، وحسن الظّنّ قائماً، بل إنّ اليقين ليملأُ القلوب بأنّ تغيّر الحال أقرب ما يكون؛ إذا غيّر النّاس من أنفسهم، وعادت جموعهم إلى المولى الكريم، العفو البَرّ، الرؤوف الرّحيم، يقول الله تبارك وتعالى:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) «النّساء 66_ 68» .

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) «الأعراف_ 96» .

ومن الأساسيات المهمّة في الخروج من المأزق:

• اليقظة من الغفلات :
وشعور الفرد والأمّة بالمسؤولية الخاصة والعامّة :

إنّ من أشدّ الغبنِ والحسرةِ عند الوقوفِ بين يدي الله أن يكون المرء قد قصّر في العلم والبحث عن الحق _ الذي يريده الله عزّ جل _ والعمل به، أو عرفه لكنّه ضرب به عرض الحائط ولم يباله؛ لذا فعلى الفرد أن يشعرَ بمسؤوليته: ليوظّفَ جميع طاقاته وقوته، ومنصبه وماله، وسلطته وسلطانه؛ لنصرة أمّتنا الجريحة ولمّ شملها، والنّهوض بها وتقويتها وإصلاح شؤونها في الدّين والأخلاق، والعمران والعلوم، والسياسة والاقتصاد، والقوة العسكرية التي تحمي الأمّة من أعدائها وتردعهم عن إيذائها والتّعرّض لها.

إنّ الجميع رجالاً ونساءً ، خاصّةً وعامّة ، مطالبون بأن يكون لهم صوتٌ في الحق، والمطالبة به، وحمايته من كل من يريد هدمه واستئصاله، وليس ذلك حكراً على العلماء والدّعاة، بل هو مطلوبٌ واجبٌ على كل مسلم، فكلُّ صحيح منهم: هو مخاطَبٌ ومكلّفٌ شرعاً، ولكلِّ مسلمٍ وزنه وتأثيره، وقدره عند الله وعند النّاس.

فلنبادر بالفاعلية والإيجابية، ولنقوم بما ينبغي؛ لنخرج عن وصف الغثائية المذموم، وما يسمّى اليوم ( بالأغلبية الصّامته ) !. ولنتعوّذ بالله من عجزِ الثّقة وجَلَدِ الفاجِر، كما أُثِر عن الفاروقِ عمر رضي الله عنه وأرضاه.

• الحذر من الاغترار بالدّنيا
وذلك: بتزكية النّفس وتربيتها، وتزويدها من معين العلم والإيمان .

يبدأ المؤمن في ذلك بنفسه ومن ولاه الله أمرهم من أهل بيته، فينشّئهم على ما ينبغي أن يكون عليه البيت المسلم، ويطهر بيتَه وحياتَه من كل ما يُغضب الله، ولو كان قد ألفه وتعوّد عليه.
إنّ حُسنَ المعاملة مع اللهِ أمرٌ عزيز، ودقيقٌ حسّاس، وإنّ التزكية والتّنقية والتّربية على ما يرضي الله؛ لا يوفّق لها إلا من أحبّهم الله واصطفاهم من أهل التّقوى والعلم والعفاف. وربَّ حرامٍ من لقمةٍ أو دِرهم، أو مشهدٍ وصورة، أو قول أو سماع؛ يفسِد على المرء عيشه، وينغّص حياته، ويضيّع عليه دنياه وآخرته، فكيف بمن يعيش دهره بعيداً غافلاً عاصياً لله تعالى. ليس لنا من عذرٍ اليوم فيما أصاب المسلمين، وليس لنا أن نُلقي باللائمة على غيرنا، ولنبدأ بإصلاح أحو أنفسنا ومن حولنا. وإن تذّكر الوقوف بين يدي الله تعالى؛ له أبلغ الأثر في: مجاهدة النّفس، والإقبال على الله، واستصغار الدّنيا.

(وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) «ال عمران_ 101» .

( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) «التوبة _ 24».

• وفي الحديث الصحيح الذي يرويه ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) .

التفاف الأمّة حول الأصول والمحكمات القطعية التي دلّ عليها الوحيان.

يقول الله تبارك وتعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖوَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) «الأنفال 24- 25».

إنّ من أهم خطوات العلاج أن تلتفّ الأمّة حول الصّريح الواضح من أوامر الله وتعمل به. وأن لا تتركه وتتخلّف عنه لكائن من كان؛ وذلك من أضمن وأخصر الطّرق للخروج من الحالة الراهنة، أن تتداعى الأمّة مجتمعةً حول قضاياها وأصولها الكلية، ومسلّماتها وثوابتها القطعية، التي أوضحها الله بالبرهان الساطع فغدت كالشمس لا يجرؤ على تغطيتها مخلوق، مهما أوغل في التلبيس والتّزييف، فإنّ الحقّ أخّاذ، يعلوه نورٌ يدلُّ عليه، تتبعه الفِطرُ السّوية السليمة، والعقول الراجحة الكريمة، والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون والمنافقون.

ولا يجوز للأمّة أن تترك أمراً جلياً واضحاً من أوامر الله للعبثِ السّياسي والإعلامي، أولخطأ عالمٍ أو زيغه.

ومن تلك المحكمات القطعية :
موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، وعدم خذلانهم وإسلامهم لعدوّهم، والتّضحية في سبيل ذلك بالأموال وبالأنفس؛ إذا احتيج إلى النّصرة بالأنفس. يقول الله تبارك وتعالى: ( وإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر ) «الأنفال _ 72» .

ومن القطعيات المحكمة :
الحذر من موالاة الكافرين بحال من الأحوال، فضلاً عن نصرتهم على المؤمنين ومعاونتهم عليهم .

وإذا امتثل المؤمن لخالقه فيما أوجبه عليه، مخلصاً من قلبه؛ فقد أصبح في ضمان الله وحفظه. ولو مسّه شيء من أذى النّاس فإنّما هو ابتلاء زائل يثبّت الله فيه عبده ويصبّره عليه: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) «الطّور-48». ولقد عاب الله على من جعل فتنة النّاس كعذاب الله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّـهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّـهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) «العنكبوت _ 10».

لقد كان المؤمنون الموفّقون ولم يزالوا، يغذّون عقيدتهم ودينهم ووعيهم وفِكرهم، ويطلبون الفضائل ومكارم الأخلاق؛ بالتّلقي المباشر عن ربهّم سبحانه وتعالى؛ وذلك عند تلاوتهم وترتيلهم لكلامه، ولسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) «ص _ 29». فما بالنا اليوم أصبحنا نتلقّى عن الأقلام المشبوهة المسمومة. وأصبحت مصادرنا في قضايانا الخطيرة والمصيرية هي الصّحافة والإعلام والقنوات وأقاويل النّاس !.

الاستنفار الشّامل في الدّعوة والإصلاح، ومعالجة وتصحيح أسباب الضّياع الآنفة، لتحويلها إلى: مسبّبات النّصر، والوصول إلى استقلال الأمّة واسترداد إرادتها ومقدّراتها.

إنّ السعي في إصلاح دين النّاس ومعاشهم؛ لمِن أعظم أسباب النّجاة من الهلاك وعقاب الله. يقول الله تعالى: ( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) «هود _ 117».
وفي المقابل فإنّ إطباق الفساد والظّلم لمِن أعظم مسبّبات الهَلكِة والعذاب:
( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) «هود 100 _ 102».

الختـام ( واجب الوقت ) .


لقد كُتبت هذه الدّراسة على وقعِ أحداث الشّام، وكما حلّ البلاء على إخواننا، فقد حلّ بنا اختبار الله؛ لينظر ماذا نحن صانعون أمام الأمانة والمسؤولية التي أناطها الله بنا ؟. وقد تأكّد لنا ممّا شاهدناه ونشاهده أنّنا أرخص عند الأعداء والغرب من برميل نفط !! ولن يبالوا إذا تقاعسنا، في تقديمنا للمذابحِ بلداً تلو الآخر، ضمن صفقاتهم وألاعيبهم السياسية !.

وعليه فإنّ واجب الوقت الآن: هو الاستنفار المتواصل حكوماتٍ وشعوباً لنصرة وإنقاذ الشّام وأهل الإيمان فيه، ودعمهم الكامل والمفتوح بكل ما ما يحتاجون إليه من مال وسلاح، ودعم لوجستي وعسكري حتى تسقط هذه الشّرذمة والعصابة البغيضة. إنّه القرار الاستراتيجي المحتوم؛ لتحقيق أمن الشّام وأمن وسلامة محيطه من دول الأمّة وشعوبها، فكلّنا مستهدفون.. وهم خطّ دفاعنا. فينبغي أن تحصل التوعية بذلك والتّعبئة العامّة ليقوم النّاس بدورهم المطلوب. وإنّ التّباطؤ والتّلكؤ إنّما هو في الحقيقته انتحارٌ لدول المنطقة، وتوفيرُ فرصة للتّمدّد الطّائفي الرافضي الدّموي، والذي باتت أطماعه معلنةً مكشوفةً.
إنّها معركة فاصلة في تاريخ المنطقة والأمّة. وإنّ لمعسكري الغرب والشّرق حساباتهما الخاصة، والإرادة المناقضة لمصلحة المنطقة وحكوماتها وشعوبها، وهذا أوان اجتماع الحكومات والشّعوب لكسر هذه الإرادة القذرة النّفعية المنافقة، التي لا تتسلط إلا على الضّعفاء. إنّ بقاءنا على ما نحن عليه لهو نزيرُ شؤمٍ وشرٍّ وبيل . فلنمتشق شجاعتنا ورجولتنا، ولنجُد بأموالنا وما نملك، ولنتأهب بما يلزم من الإعداد والتّدريب،ونتحفّز استعداداً للدّفاع عن دّيننا وأعراضنا وبلادنا ومقدّساتنا، نستمدُّ قوتنا ودافعيتنا من التّلاحم والتّوحّد، واليقين بأنّ الله معنا وأنّ النّصر حليفنا.

هذا أوان أن تمضي القادة والشّعوب في التّصدي عملياً على الأرض؛ لما أدركوه وأيقنوه من خطر هذه العصابة الطائفية ووجوب القضاء عليها؛ إذ هي الذّراع الإيرانية التي يتوجب بترها لكفّ عبثها وأطماعها.

وعلى المنظّمات والجمعيات الخيرية أن تهبّ عاجلاً لتتدارك تأخّرها وتقصيرها الواضح !. وتقوم بدورها وواجبها _ في هذه اللحظة الحاسمة _ من الإغاثة واحتواء اللاجئين والقيام بحقّهم وعدم خُذلانهِم وإسلامِهم، والتّصدَي لما يعانونه ويواجهونه من مكر ومؤامرات الأعداء الذين يريدونهم فريسة لمنظّماتهم وجمعياتهم وأهدافهم الدّنيئة .

نداءٌ لعلمائنا ودعاتنا وجميع المتخصّصين والقادرين لمواصلة التّوعية والبيان لما يتوجبّ، وللتّواصل مع القادة والشعوب لتحقيق التّعاون والتّفاهم ؛ حتى يكون العمل على قلبِ رجلٍ واحد، قوياً مؤثراً، ناصراً بحقٍّ لأهل الشّام الذين بحّت أصواتهم وهم يستنجدون بمن قال الله لهم: ( وإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر ) «الأنفال _ 72».

وبعد النّصر المؤزر القريب _ بإذن الله _ فإنّه يُفتَرض فوراً _ شرعاً وعقلا ً_ العمل الدّائب الطّويل حكوماتٍ وشعوباً للتوحّد وتصحيح الأخطاء، وإزالة أسباب الضّعف والتّفرق؛ فذلك خيرٌ لنا ولأُمّتنا ولأجيالنا وسائر قضاينا .

إنّ المدار في ذلك كله، أن يتحقّق عند الحكومات والشّعوب صدق النيّة، والتّجرّد، والعمل بواجب الوقت الآن، وبعد الآن؛ لتحقيق المصلحة للجميع عى حدٍّ سواء، وهو ما تمليه اللحظة واستشراف المستقبل، وهو أمر الله تبارك وتعالى الذي إن ضيّعناه فلا نأمنُ بعدَه أن يحلّ بنا ما حلّ بأهلنا.

اللهم مجري السّحاب وهازم الأحزاب، اهزم أعداء ملّتك ودينك، اللهم اهزمهم وزلزلهم، اللهمّ سخّر لعبيدك وأوليائك الأسباب وجنودَ السّماء والأرض، اللهم يا قوي، يا قدير، يا عظيم، يا حيُّ يا قيّوم، اربط على قلوب جنودك وأوليائك المؤمنين، وأفرِغ عليهم صبراً، وثبّت أقدامهم، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، واشفِ صدور قومٍ مؤمنين، إنّك جوادٌ كريم.


فواز بن عادل بن غنيم
28 / 7 / 1433 ﻫ
fawazg2020@gmail.com

 

 

منوعات الفوائد