صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







“وترجل فارس الدعوة ”1

د. أحمد الحندودي الغامدي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


عندما أمسكت قلمي لأكتب عن أخي وحبيبي د.عبد الله -رحمه الله-
حار قلمي من أين يبدأ...فوجدت أن توثيق جانب من حياة هذا الهامة الإنسانية العظيمة ومسيرته في العمل الدعوي أقل ما يمكن أن أقدمه لهذا المحدث عالم علم العلل ودراسة الأسانيد.
إنه الدكتور عبد الله بن محمد بن سعيد الشهراني
من مواليد السعودية - أبها 1/ 7 / 1382هـ ، متزوج ولديه خمسة من الأبناء ولدان محمد - طالب بجامعة الملك خالد – ، وأحمد – طالب ثاني ثانوي الذي كان برفقته أثناء الحادث شفاه الله - وثلاث بنات.
حج الشيخ أربعاَ وثلاثين حجة لم يترك الحج إلا مرة واحدة عندما كانت زوجته في حالة ولادة بإحدى بناته ، وفي آخر حجة لهذا العام 1434ه أصر ابنه أحمد على أن يحج معه ، وكان الشيخ يتعجل في كل مرة وفي هذه الحجة أراد التعجل فشاور من معه – منهم الدكتور محمد جابر وفقه الله- ففضلوا التأخر، فنزل الشيخ على رغبتهم ، وقال: لعلها تكون الحجة الأخيرة.

مؤهلاته العلمية:

1) بكالوريوس قسم السنة جامعة الإمام محمد بن سعود فرع أبها.
2) ماجستير قسم السنة وعلومها جامعة الإمام بحث في "المطالب العالية".
3) دكتوراه قسم السنة وعلومها جامعة الإمام بحث في "من قال عنه الحافظ ابن حجر مقبول".
4) له عدد من البحوث التي لم يحب الشيخ نشرها ولعل الله ييسر بنشرها.
5) حاصل على عدد كبير من الدورات التخصصية داخل وخارج المملكة.

وظائفه:

مدرساً بالمعهد العلمي من سنة 1405 – 1412هـ
معيداً بجامعة الإمام كلية الشريعة 1413ه.
محاضراً بجامعة الملك خالد كلية الشريعة 1417ه.
أستاذاً مساعدا بها 1421ه.
أستاذاً للدراسات العليا بقسم السنة لمادتي التخريج ودراسة الأسانيد.

أعماله التطوعية:

المشرف العام على المكتب التعاوني ودعوة الجاليات بأبها.
المشرف على معهد تأهيل الداعيات.
المشرف على برنامج تأصيل العلمي للطلاب والطالبات.
المشرف على الخيمة الدعوية الصيفية بأبها .
عضو في كثير من الجمعيات الخيرية بمنطقة عسير.
أحد المؤسسين لكلية الدراسات الإسلامية بسريلانكا.

عرفته من عشربن سنة وهو هو لم يتغير رجل دعوة وعلم وتربية وهمة عالية ، أفنى عمره للدعوة والتعليم والتربية ، ما رأيت ولا جالست شيخاً أجمع ولا أكثر علماً منه , إن تحدث في السنة وعلومها قلت لا يحسن إلا هذا ، وإن تحدث في الترغيب والترهيب قلت: لا يحسن إلا هذا ، وإن تحدث في الفتن والملاحم قلت: لا يحسن إلا هذا ، وإن تحدث في التربية قلت: لا يحسن إلا هذا ، وإن تحدث في الدعوة قلت: لا يحسن إلا هذا.
سافرت معه كثيراً داخل المملكة وخارجها لا يكاد يجد لنومه فرصة فقد كان وقته مجدولا بمواعيد العمل الخيري والدعوي ، ولم يك يوما محباً لمنصب ولا لشهرةٍ ، كان يستأنس بقول بشر بن الحارث:" مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ " ، وكنت أقول له لماذا لا تظهر في الإعلام؟ فيجيبني: فيه من يكفي من المشايخ ، ودعني مع هؤلاء - أي طلبة العلم - في المساجد والقرى.
ولكن في يوم وفاته أتت إليه الشهرة ساعية فما هي إلا دقائق من حصول الحادث إلا ووسائل الاتصال والتواصل لا تكاد تخبت من ذكره والسؤال عنه والاطمئنان عليه حتى أني لم أعلم بحصول الحادث إلا من خلال اتصال أحد الإخوة من الطائف يسأل عن الشيخ وعن الخبر وصحته فاتصلت على جواله مرارا ولكن لا مجيب فاتصلت على أحد أقاربه فأكد لي خبر وفاة الشيخ فحثثت الخطى إلى المشفى فإذا هو في سيارة الإسعاف مسجى على السرير فدخلت السيارة فرأيته وأطلت النظر إليه ومسيرة حافلة من الإنجازات والنجاحات أراها أمامي وإذا بوجه يبرق نورا قبلت جبينه وسالت العبرات حتى لا تكاد تنقطع، في ذلك الوقت اكتظ المشفى بتلك الجموع الغفيرة فمنهم الباكي ومنهم المنتحب ومنهم الحيران ما بين مصدق ومكذب.
وفي اليوم التالي ذهبت للصلاة عليه في جامع الراجحي مبكرا وما إن وصلت إلا وفوجئت بازدحامه حتى لم أجد لي مكاناً في الصفوف الأولى ، ثم تدافع الناس ووقفوا فأطالوا الوقوف لا يجد الواحد منهم مكانا يُصلي فيه وأُقيمت الصلاة فصلى الناس خارج المسجد وفي الطرقات ، وفي التكبيرة الثالثة سُمع النشيج والبكاء.
ثم ذهبنا للمقبرة في قرية الشيخ ( تمنية ) وهي تبعد مسافة 20 كيلو تقريبا عن الجامع فلما وصلت فإذا الطريق مغلق قبل مسافة بعيدة عن المقبرة من كثرة السيارات فأصبح الناس يوقفون سياراتهم ويترجلون مسافة طويلة ، وعند دخولنا المقبرة حاولت أن أصل إلى القبر لكن هيهات هيهات فالجموع كثيرة وحينها تذكرت قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل : "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز".
كما تبادر إلى ذهني قصة هارون الرشيد لما قَدِم الرَّقة أسرع الناس خَلْفَ عبد الله بنِ المبارك حتى تقطعت النعال وارتفعت الغَبَرَة ، وانصرفوا عن هارون ، فأشرفت أمُّ ولدِ أمير المؤمنين من برجٍ من قصر الخشب فلما رأت الناس قالت : ما هذا ؟ قالوا : عالمٌ من أهل خراسان قدم الرَّقة يُقال لـه عبدُ الله بنُ المبارك ، فقالت : هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان .
ما الذي جعل الناس يتوافدون بهذه الكثرة مع حر الظهيرة وبعد المسافة وطول الوقوف...إنه حب الشيخ.
وداعاً أخي وحبيبي أبا محمد وهنيئا لك حسن الخاتمة أحسبك كذلك ولا ازكي على الله أحدا.
وأول بشائر القبول أن وفاته بعد أداءه لفريضة الحج ، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وكان عائداً من جولة دعوية وعلمية ، وتلك الجموع التي أحبته وجاءت من كل صوب كي تدعو وتشهد له أمام ربه.

أسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة وأن يُسكنه فسيح جناته وأن يجزيه عنّا خير ما جزى عالماً على علمه فلقد قضى عمره ووقته وجهده في العلم والتعليم ، والدعوة إلى الله في القرى والهجر والمناطق النائية.

إنه بحق رجل بأمة


مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ بقعةٌ ** غداةً ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
ثَوَى في الثَّرَى مَنْ كانَ يَحيا به الثَّرَى ** ويغمرُ صرفَ الدهرِ نائلُهُ الغمرُ
سقى الغيثُ غيثاً وارتِ الأرضُ شخصه ** وإنْ لم يكنْ فيهِ سحابٌ ولا قطرُ
وكيفَ احتمالي للسحابِ صنيعةً ** بإسقائِها قَبْراً وفي لَحدِهِ البَحْرُ !
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني ** رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ


{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا ما عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}

"يتبع مقالات أخرى"
 

بقلم محبه ورفيق دربه في العمل والسفر
د. أحمد الحندودي الغامدي
 


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية