اطبع هذه الصفحة


قُصَاصَات من كتاب ••~• [مفاتح إقامة الصلاة]••~ • لـ د.خالد اللاحم


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


* الصلاة هي الوسيلة لبناء الإنسان الصالح المصلح، ومتى صلح الإنسان صلحت تلقائياً كل أموره التي يحاول البعض إصلاحها مفككة منفصلة فمن المعلوم أن جميع جوانب حياة الإنسان متوقفة على قناعاته وأفكاره ومعتقداته، والصلاة مهمتها بناء الأفكار والمعتقدات إذا أُدّيت بطريقة صحيحة.

* كل المشاكل الأخلاقية والسلوكية سببها إهمال الصلاة والتفريط فيها{أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}مريم:٥٩، إنه متى ما تم بناء الشخصية القوية من خلال الصلاة فإن بناء المهارات الأخرى يكون أسهل وأسرع والتزامه قوي وجديته عالية وهذه أمور بلا شك تختصر كثير من الجهود والأوقات~

* أن إشغال الوقت بالبحث عن الإصلاح في البرامج والدورات مع إهمال الصلاة فهذا إتيان للبيوت من ظهورها، وعكس لسُلّم الأولويات~

"* لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى هذه الصلاة في شدائد الحياة كلها ومن أشدها حين ملاقاة الأعداء، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال ثم جئت مسرعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر ما فعل، فجئت فإذا هو ساجد يقول: (يا حي ياقيوم) لا يزيد على ذلك، ثم رجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، ثم ذهبت إلى القتال ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك، ففتح عليه<تعظيم قدر الصلاة>.
- وفي حديث حذيفة في غزوة الخندق ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم كان طول الليل يصلي<مسند أحمد>، وكان هذا دأبه صلى الله عليه وسلم في كل غزواته فكانت الصلاة هي السلاح الذي يستنزل به النصر من ربه ويستدفع به شر أعدائه ومكائدهم، فكان الله ينجيه ويحفظه في كل مرة، وهذا العون والمدد حاصل لكل من تأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم وسلك طريقه واستن بسنته"

* "قد ربط الله الرزق بالصلاة في أكثر من آية في كتابه الكريم ومن ذلك قوله تعالى:{وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزّاق ذو القوة المتين}الذاريات:٥٦-٥٨، وقوله تعالى:{وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى}طه:١٣٢، أي جاهد نفسك على فعلها وإتقانها وإحسانها وكثرتها ولا تضع وقتك وحياتك في البحث عن الرزق وتأمين المستقبل، فالله لم يخلقك لتتعب وتشقى في طلب رزقك فقد كفله لك حين تصطبر على الصلاة، فمتى رعيت هذه الصلاة وقمت بها كما يجب فإن رزقك مكفول يأتيك وأنت في محرابك{فنادته الملآئكة وهو قائم يصلي في المحراب}آل عمران:٣٩،{كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً}آل عمران:٣٧،وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً<صححه الترمذي>، المؤكدات لهذه القضية واضحة ساطعة ولكن أكثر الناس لا يعلمون، الكثير من الناس لم يثق بربه وبوعده فاشتغل بما ضمنه له عما أمره به فوكله الله إلى نفسه فتعب وشقي وأضاع الاثنين فلم يحفظ صلاته، ولم يأته من رزقه إلا ما كُتب
له.
فالصلاة تثبت في القلب الإيمان والتوكل واليقين الذي هو أعظم أسباب الرزق، وهو باب الخيرات والبركات{وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً}الجن:١٦،{فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفار* يرسل السماء عليكم مدرار* ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً}نوح:١٠-١٢"

* يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" < البخاري ومسلم عن عثمان >

* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ < مسلم عن عقبة بن عامر >

* وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يَسْهُو فِيهِمَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ < "أبو داود وأحمد عن زيد بن خالد الجهني>

* * الله أكبر* *

* هذه الجملة هي خلاصة الدين..خلاصة التوحيد..

* ما شرعت هذه الكلمة بهذه الكثرة وفي هذه العبادة العظيمة وغيرها من العبادات إلا لتأكيد معناها وترسيخه في القلب فتحدث فيه الخشية والرهبة والخوف.

* حين يكرر المسلم هذه الكلمة كل هذا التكرار فإن هذا يؤدي لتعميق معناها ومن ثم العمل بمقتضاها ، وحين يحصل خلاف ذلك فلنعلم أنه تكبير بدون قلب.

* تذكر أنك حين تدخل في الصلاة حين تكبر تكبيرة الإحرام أنك انتقلت من حال إلى حال ، ومن عالم إلى عالم ، ومن مكان إلى مكان، تذكر هذا بيقين وتأكد أنه كذلك.
فالأحاديث صحيحة لا ريب في صحتها، ومعناها قطعي لا مجال في تأويله أو صرفه عن ظاهره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة" (البخاري عن أنس) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله قبل وجهه" (البخاري عن ابن عمر) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه "(أبو داود والنسائي عن أبي ذر) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت "( الترمذي وصححه عن الحارث الأشعري) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه " (الحاكم عن أبي هريرة وهو في صحيح الجامع) وحديث (قسمت الصلاة) وهو في صحيح مسلم دليل واضح على المناجاة بين العبد وربه في الصلاة.
وعن عبد الله بن المبارك ، قال : "سألت سفيان الثوري قلت : الرجل إذا قام إلى الصلاة ، أي شيء ينوي بقراءته وصلاته ؟ قال : ينوي أنه يناجي ربه" (تعظيم قدر الصلاة: 1/183) .
وعن عباد بن كثير ، قال : "للمصلي ثلاث : تحف به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء ، ويتناثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه ، وينادي مناد : لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل" (تعظيم قدر الصلاة: 1/183).
فينبغي إجلال هذه المخاطبة وتقديرها حقّ قدرها ،إنك متى استشعرت هذا المعنى فستدرك معنى الصلاة وعظيم شأنها ، أما من يغيب هذا المعنى عن قلبه ويسهو عنه فإنه لا يعرف قيمة الصلاة ولا يحس بعظمتها، ولا يدرك لذتها.
و لو لم يكن في الصلاة إلا هذه لكفى بها حافزًا لهذا الإنسان الضعيف العاجز الفقير أن يفزع إلى الصلاة وأن يجود بالنفس والوقت عليها، قال بكر بن عبد الله المزني : "من مثلك يا ابن آدم ؟ إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن دخلت، قيل له : وكيف ذلك؟ قال: تسبغ الوضوء وتدخل محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك تكلمه بلا ترجمان". (المتجر الرابح:32(

* الصلاة عمود الدين، والفاتحة عمود الصلاة ، فالفاتحة إذا عمود عمود الدين ، وجاء في الصحيح :"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، فيجب العناية بقراءة الفاتحة في كل ركعة~

* كلما كثرت قراءة القرآن في الصلاة كانت أعظم بركة وأكثر نورًا وروحًا وأقوى في تحقيق العبودية لله تعالى، وقوة تثبيت ذكره سبحانه في القلب وأقوى في تقوية الإيمان واليقين.

* كلما طالت القراءة في الصلاة كلما زاد النور وقويت الروح التي تحيي القلب وتمده بالطاقة والحياة ، أما حين تقل القراءة فإن الحياة تكون ضعيفة حتى وإن كثرت الركعات ودامت الصلاة، فدوام الصلاة نفعه وقوة أثره مرتبط بطول الصلاة بطول القراءة ثم طول التعظيم في الركوع، وطول التضرع في السجود، أما الصلاة السريعة فإنها مهما كثرت وتوالت فأثرها ضعيف جدًا.

* كل ما ورد عن السلف في تحزيب قراءة القرآن فهو قراءته في صلاة الليل وما ورد عنهم سوى ذلك فهو زيادة على هذا الأصل ، أما الاقتصار على تحزيب قراءة القرآن خارج الصلاة فهو من فعل بعض المتأخرين ممن خفي عليهم العلم بهذه المسألة ، أو بسبب الكسل عن قراءة القرآن في الصلاة.

* يقول ابن تيمية -رحمه الله-:
"* تنازع العلماء أيهما أفضل كثرة الركوع والسجود أو طول القيام أو هما سواء ؟ على ثلاثة أقوال عن أحمد وغيره : والصحيح أنهما سواء، القيام فيه أفضل الأذكار، والسجود أفضل الأعمال فاعتدلا ؛ ولهذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة يجعل الأركان قريبًا من السواء وإذا أطال القيام طولًا كثيرًا - كما كان يفعل في قيام الليل وصلاة الكسوف - أطال معه الركوع والسجود وإذا اقتصد فيه اقتصد في الركوع والسجود."

* التضرع إلى الله تعالى والافتقار والاضطرار إليه سبحانه،يجب أن يكون في كل حال في السراء والضراء ، والشدة والرخاء ، لأن الإنسان مفتقر إلى ربه مع كل نفس من أنفاسه وهو على خطر عظيم مع كل خفقة من خفقات قلبه ، لا غنى له عن ربه طرفة عين
قال ابن تيمية: [بحيث يجد اضطراره إلى أن يكون الله تعالى معبوده ومستغاثه أعظم من اضطراره إلى الأكل والشرب فإنه لا صلاح له إلا بأن يكون الله هو معبوده الذي يطمئن إليه ويأنس به ويلتذ بذكره ويستريح به ولا حصول لهذا إلا بإعانة الله، ومتى كان للقلب إله غير الله فسد وهلك هلاكا لا صلاح معه ]ا.هـ

* إن الإخلاص أقوى حال يستجاب فيها الدعاء ويحقق الرجاء ويدفع البلاء ، حتى لو كان المخلص في دعائه مشركا في حال الرخاء كما قال تعالى :{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.العنكبوت:65.
والصلاة متى كانت حقا صلاة فإنها تحقق قوة الإخلاص واليقين بأنه لا إله إلا الله ، وهو وسيلة إلى كشف الكربات وجلاء الهموم والأحزان ، وشرح الصدور وتيسير الأمور ودفع الشرور.

"* الدعاء هو العبادة ، والصلاة هي الدعاء ، فالصلاة هي العبادة ، هي أعظم عمل ينبغي أن يشغل حياة العبد ، ويسيطر على اهتمامه، الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، هي العروة الوثقى التي تصل العبد بخالقه، وتدخله على مولاه، وتقربه عنده زلفى ، وترفعه درجات يصل بها إلى أعلى مراتب الولاية والحب والقرب، أكثر من الصلاة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وتذكر أن الصلاة هي الدعاء، وما شقي عبد فتح الله له أبواب الدعاء والمناجاة .
فالدعاء الدعاء أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ، وإذا قيل الدعاء فأول ما ينبغي أن ينصرف الفهم إلى الصلاة فهي الدعاء وهي أقرب ما يكون العبد من ربه."

* إن المتأمل في الصلاة يجد أنها توفرت فيها أسباب إجابة الدعاء فمن ذلك:

1- استجابة الدعاء عند الاستفتاح: قال ابن عمر رضي الله عنهما : بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من القائل كلمة كذا وكذا" قال رجل من القوم أنا يا رسول الله قال:" عجبت لها فتحت لها أبواب السماء" "<مسلم عن ابن عمر >

2- الفاتحة دعاء مستجاب وهي أعظم الدعاء، دل على ذلك حديث (قسمت الصلاة) وهو في صحيح مسلم.

3- الاستجابة عند التأمين بعد قراءة الفاتحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه."

4- استجابة الدعاء عند التحميد بعد الرفع من الركوع : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ، وقال رفاعة بن رافع الزرقي كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه فلما انصرف قال:" من المتكلم؟" قال: أنا، قال:" رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول" < البخاري > .
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال:" الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه" فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:" أيكم المتكلم بالكلمات" فأرم القوم؛ فقال: " أيكم المتكلم بها فإنه لم يقل بأسا" فقال: رجل جئت وقد حفزني النفس فقلتها؛ فقال: " لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها "< مسلم >

5- استجابة الدعاء في السجود:
إن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ، وإذا كان السجود في جوف الليل تضاعف قرب العبد من ربه كما جاء في الحديث :" أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر ؛ فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن "(الترمذي وصححه عن عمرو بن عبسة)، فيجتمع للعبد قرب الحال وقرب الوقت.

6- الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم: قيل يا رسول الله: أي الدعاء أسمع قال:" جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات "< الترمذي وحسنه عن أبي أمامة>
فبعد قراءة التشهد الذي يبدأ بالثناء على الله تعالى ثم الصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من مواضع استجابة الدعاء وخاصة في الصلوات المكتوبات.

* لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ويطيلها ويكثر فيها التضرع والاستغاثة والإلحاح بالدعاء وطلب كشف الكربة وإزالة الغمة.

* أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان وفلان فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه فقال: " إن الله هو السلام فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض" .

* قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالسبابة في جلسة التشهد:" لهي أشد على الشيطان من الحديد" < أحمد عن ابن عمر > أي أن الإشارة بالسبابة عند التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد لأنها تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة .
ولأجل هذه الفائدة العظيمة كان الصحابة رضوان الله عليهم يتواصون بذلك ويحرصون عليه ويتعاهدون أنفسهم في هذا الأمر، فقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن سليمان بن يحيى قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بعضهم على بعض يعني : الإشارة بالإصبع في الدعاء).

* * الاستغفار* *

* الاستغفار نصف التوحيد ، فالتوحيد علم وعمل ، فالعلم هو: لا إله إلا الله، والعمل هو الاستغفار، وهو توحيد العبودية {فاعلم أنّه لا إلاّ الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم}محمد: ١٩ ،( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ) ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين(

* كلما زاد علم العبد بربه كلما زاد يقينه بتقصيره وتفريطه فلذلك الاستغفار لازم للعبد مهما كانت مرتبته ، ومهما كانت عبوديته.

* بعد الاستغفار يستجاب الدعاء لذلك شرع للمصلي أن يدعو بعد الاستغفار بدعوات جامعة جمعت خيري الدنيا والآخرة وهي قوله صلى الله عليه وسلم : "رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني"
حين يوجد هذا الاستغفار بصدق ويقين وعمق فإن ما وعد الله تعالى عباده على لسان رسله يتحقق لهم، فهذا نوح يعد قومه إن استغفروا أن يمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهارا ، وهذا هود يعد قومه بإرسال السماء عليهم مدرارا ، ويزيدهم قوة إلى قوتهم ، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يعد أمته بخيري الدنيا والآخرة إن تابوا واستغفروا ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

* النصر الداخلي أول خطوات النصر، ولا يمكن النصر الخارجي بدونه، فالقوة النفسية هي القوة الحقيقة التي ينتصر بها الإنسان على أعدائه في الحياة ، فالمصلي تحصل له القوة النفسية الداخلية حين يحقق التوحيد، ويكتسب القوة والمدد من رب العالمين فيصبح قويا نشيطا ، وهذا تفسير ميزان القوة في حروب الصحابة رضي الله عنهم مع الفرس والروم، فلم يهزموهم بقوتهم البدنية ولا بعدتهم القتالية ولا بخبرتهم العسكرية إنما هزموهم بقوة توحيدهم لرب العالمين في صلاتهم الليل والنهار ، لذلك كان من دعاء المؤمنين :{ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}آل عمران: ١٤٧
إن ثبات القدمين في الصلاة هو الطريق لثبات القدمين في الجبهات.

* الصلاة للقلب مثل الماء للبدن يحتاجها على مدار الساعة ومتى توقفت عنه فإنه يعطش وقد يشتد عطشه فيصاب بالجفاف والقسوة، وربما صعبت عليه الصلاة إلا بجهد كبير، فإن الصلاة تعين على الصلاة، فالله سبحانه وتعالى يقول :} واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين{ البقرة:45. ٤٥، وأعظم ما يعين على الخشوع في الصلاة؛ الصلاة فهي التي تحقق العلم والإيمان والذكر الذي يثمر الخشوع الذي يعين على الصلاة ، ثم الصلاة تثمر الخشوع وهكذا لا يزال العبد في ارتقاء وصعود حتى يصل أعلى المقامات، وفي أي وقت يغفل عن الصلاة أو يتهاون بها فإن خشوعه ينقص فتنقص صلاته ولا يزال في نقص حتى يصل أدنى المستويات.

* إن الوصول إلى أعماق الصلاة لا يطيقه إلا من كان نفسه عميقًا يصبر على طول الصلاة، وهو بهذا يصل إلى أعماق لا يصلها غيره ، ويجد من النور والروح ما لا يجده قصير النفس، ويحصل له من اللذة والمتعة والقوة ما لا يجده أولئك النقارون للصلاة أو الساهون فيها.

* إن كثرة الصلاة يكون بأمرين معًا:
الأول : كثرة الركوع والسجود أي عدد الركعات وهذا يتحقق بدوام الصلاة .
الثاني: كثرة القراءة والتعظيم والتضرع، ويكون هذا بطول الصلاة .
وبهذين الأمرين جاءت النصوص ووقع بين العلماء خلاف في أيهما أفضل هل طول القيام وكثرة القراءة، أو كثرة الركوع والسجود، والتحقيق أن كلا الأمرين مطلوب، ومن المعلوم أن طول القيام يترتب عليه طول الركوع وطول السجود هذا هو المحفوظ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

* الصلاة والقوة البدنية:

* ربما تساءل البعض فقال: نرى كثيرا من المصلين لم تحقق لهم الصلاة القوة البدنية فانتشرت بينهم أمراض يعزى سببها إلى قلة الحركة ونقص المرونة ، وصاروا يحتاجون لتحصيلها إلى نواد صحية أو برامج رياضية .
والجواب أنه لتحقيق الصلاة للقوة البدنية لا بد من أمرين:
الأول: الكيفية الصحيحة، وهذا مهمل عند كثير من المصلين خاصة في كيفية الركوع والسجود والجلوس.
الثاني: الكمية ، فعدم كثرة الصلاة ، والسرعة في أدائها وترك الطمأنينة فيها وعدم تطويل القيام والركوع والسجود والجلوس يجعل الصلاة لا تحقق للبدن الصحة والقوة.
إن الوقوف الطويل في الصلاة يعقبه ركوع طويل يؤدي إلى تمدد عضلات الجسم من أعلاه إلى أسفله، وخاصة العمود الفقري ، ثم السجود والجلوس كذلك، تعاقب هذه الأوضاع بالكيفية والكمية الصحيحة واستمرارها كل يوم بتوزيع منتظم له أثر كبير على صحة البدن بجميع أجزائه وأجهزته والتجربة في هذا الأمر خير برهان.

* الصلاة هي أعظم عمل يتقرب به العبد إلى ربه ويتحبب إليه، وعلى هذا فهي أعظم ما يقدمه العبد شكرا لمولاه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى {إنا أعطيناك الكوثر* فصلّ لربك وانحر}الكوثر: ١ - ٢

* إن بعض الناس حين يحس بغمرة الفرح والنشوة بتجدد نعمة أو اندفاع نقمة لا يقع في نفسه تعبيرا عما فيها من الشكر إلا الصدقة بالمال ونحوه وهذا خير وعمل جميل ، لكن الصلاة قبله وفوقه بكثير،{إنا أعطيناك الكوثر* فصلّ لربك وانحر}الكوثر: ١ - ٢
وكان هذا هو هدي سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه فإنه يبادر إلى الصلاة ويكثر منها حين تجدد نعم ربه عليه ومن أبرز ما حفظ لنا من هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر صلاة الفتح : أي فتح مكة فقد صلى ثماني ركعات شكرًا لله عز وجل على هذه النعمة العظمى.

* فأنت أيها العبد بين أمرين: إما مغفرة تستوجب الشكر أو ذنوب تحتاج إلى استغفار ففي كل حال أنت مطالب بالصلاة لله رب العالمين في كل وقت~

••وسائل التقنية الحديثة والصلاة••

وفي عصرنا الحاضر وجد من المخترعات والآلات ما استغله الشيطان لصالحه في هذه المعركة ، فإن مما ابتلي به معظم الناس اليوم الإدمان على النت والقنوات والجوال وهذا كفيل بأن يسرق لب الإنسان فيتحول بذلك إلى شخص ساذج خامل غير منتج.
هي في الأصل أدوات تصلح للخير والشر لكن غلب استعمالها في الشر ، وحتى استخدامها في جانب المباح من ترفيه وغيره زاد عن حده فانقلب شرا لأنه ألهى عن ذكر الله واستهلك الأوقات الثمينة في أمور تافهة ، وأشغل الإنسان عن كثير من واجباته ومصالحه ،هذا إدمان في جانب اللهو ، وهناك إدمان آخر لا يقل خطورة عنه في جانب التجارة والاقتصاد الذي دخل فيه الصغير والكبير والغني والفقير فتعلق الناس به تعلقا أعمى الأبصار وأسر القلوب ، وصدق على كثير من الناس قول الله تعالى:{اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون* ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون* لاهيةً قلوبهم}الأنبياء: ١ - ٣. ولو عقلوا قول الله تعالى:{وما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين}الجمعة: ١١ لما اغتروا بذلك.
ولقد أثَّر إدمان وسائل الاتصالات والاقتصاد على صلاة الكثير من الناس، حتى إنك تخشى على صلاتهم من البطلان وعدم براءة الذمة بها ، سئل ابن تيمية عن وسواس الرجل في صلاته وما حد المبطل للصلاة ؟
فأجاب :
"الحمد لله ، الوسواس نوعان : أحدهما : لا يمنع ما يؤمر به من تدبر الكلم الطيب والعمل الصالح الذي في الصلاة بل يكون بمنزلة الخواطر فهذا لا يبطل الصلاة ؛ لكن من سلمت صلاته منه فهو أفضل ممن لم تسلم منه صلاته ، الأول شبه حال المقربين والثاني شبه حال المقتصدين .
وأما الثاني : فهو ما منع الفهم وشهود القلب بحيث يصير الرجل غافلا فهذا لا ريب أنه يمنع الثواب كما روى أبو داود في سننه عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها ؛ إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها حتى قال : إلا عشرها "، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه قد لا يكتب له منها إلا العشر .
وقال ابن عباس :" ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها "، ولكن هل يبطل الصلاة ويوجب الإعادة ؟ فيه تفصيل .
فإنه إن كانت الغفلة في الصلاة أقل من الحضور والغالب الحضور لم تجب الإعادة وإن كان الثواب ناقصا فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يبطل الصلاة وإنما يجبر بعضه بسجدتي السهو، وأما إن غلبت الغفلة على الحضور ففيه للعلماء قولان : أحدهما : لا تصح الصلاة في الباطن وإن صحت في الظاهر كحقن الدم ؛ لأن مقصود الصلاة لم يحصل فهو شبيه صلاة المرائي فإنه بالاتفاق لا يبرأ بها في الباطن، وهذا قول أبي عبدالله ابن حامد وأبي حامد الغزالي وغيرهما .
والثاني: تبرأ الذمة فلا تجب عليه الإعادة وإن كان لا أجر له فيها ولا ثواب؛ بمنزلة صوم الذي لم يدع قول الزور والعمل به فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش .
وهذا هو المأثور عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة واستدلوا بما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين؛ فإذا قضي التأذين أقبل؛ فإذا ثوب بالصلاة أدبر؛ فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا .. اذكر كذا ..ما لم يكن يذكر حتى يظل لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين" ؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يذكره بأمور حتى لا يدري كم صلى وأمره بسجدتين للسهو ولم يأمره بالإعادة ولم يفرق بين القليل والكثير .
وهذا القول أشبه وأعدل ؛ فإن النصوص والآثار إنما دلت على أن الأجر والثواب مشروط بالحضور ولا تدل على وجوب الإعادة لا باطنًا ولا ظاهرًا والله أعلم ]~اهـ
< فتاوى ابن تيمية 22/611 >
 

•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•

•~••كتاب مفاتح إقامة الصلاة وإخلاص العبودية لله••~•
لـ د.خالد اللاحم ~

هنا مُتاحٌ للتحميل ~

http://saaid.net/book/open.php?cat=87&book=8534


 

منوعات الفوائد