اطبع هذه الصفحة


سمات التيار الديني داخل إسرائيل

د/ خالد سعد النجار 


إن النزاع العربي الإسرائيلي لا يرجع لأسباب سياسية قابلة للتفاوض من أجل الوصول إلى حلول وسطية، ولكنه عداء ديني مستحكم يرى في وجود العرب والمسلمين في الأرض المقدسة تعويقاً لنبوءة توراتية طال انتظارها بعد أن حقق الله لإسرائيل التفوق والسيطرة على أورشليم عام 1967 مما يفسح لها المجال لإقامة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى الذي آن الأوان لهدمه حتى يأتي المسيح ليحكم العالم ألف سنة يحقق فيها العدل والسلام قبل أن تقوم الساعة.
وتطرف السياسات الإسرائيلية عموما ، يقف على أرضية تشدد عشرات الجماعات الدينية في إسرائيل والتي تجعل السلوك السياسي لمختلف الطامحين إلى سدة الحكم أسير الرؤيا والتصورات المتشددة في النظرة إلى الدين والحياة والكون . وبدراسة لدواخل المجتمع الإسرائيلي، نجد ما لا يقل عن 120 جماعة متطرفة فـي إسرائيل
والجماعات المتطرفة اليهودية تنقسم إلى تيارين رئيسيين يندرج تحت كل منهما عدة جماعات فرعية
• التيار الأول : [ الجماعات الصهيونية ] التي ترتكز معتقداتها على فكرة أرض الميعاد وشعب الله المختار ويضم جماعات "المرزاحي"، وهي بمثابة الجماعة الأم التي خرجت من قلنسوتها جميع التنظيمات المتطرفة الأخرى ، يأتي بعدها جماعة "المفدال" وحركة تامي، وموراشا ، وميماد
• التيار الثاني : [ جماعات التكفير ]، التي تنقسم إلى فرعين: جماعات شرقية"سفارديم" ، وتضم حركة "حبد" و "شاس" و "ناطوري كارتا" و "ساطمر"، أما الفرع الثاني: فيضم الجماعات الغربية "اشكنازيم" ، ويندرج تحتها حركات "اجوادات يسرائيل، ويجيل هاثوراه أو علم التوراة" وتصل الخلافات بين هذه الجماعات إلى حد تكفير بعضها البعض ، وحتى تكفير قيام دولة إسرائيل ذاتها ، لكن كلهم يتفقون جميعا على كراهية العرب واستبعاد الموافقة على تأسيس دولة لهم ، أو الاعتراف بحقهم في العيش على "أرض الميعاد" المزعومة .
وتعود نشأة غالبية هذه الجماعات إلى الأسس الفكرية التي عبر عنها الحاخام آبراهام بن سحاق كوك قبل قيام الدولة بحوالي ربع قرن حينما أسس مدرسة "مركاز هراف" ، التي تعتبر أول مدرسة صهيونية متطرفة تخرج فيها معظم قادة هذه الجماعات . وكانت هذه المبادئ هـي الأسس التي قام عليها "حزب العمل الإسرائيلي" قبل أن يتغير الوضع بصورة درامية بعد حرب 1967 ، وتتجه الجماعات المتطرفة في "إسرائيل" إلى التحالف - الذي لم يزل قائما للآن - مع اليمين المتطرف في تكتل الليكود

الجذور الفكرية
روايات الثأر والانتقام والاعتداء والقتل تطغى على كلّ ما يرد في النصوص التوراتية والتلمودية المتداولة حالياً، وهي لا تخلو من الغدر والخيانة والحضّ على الاستعلاء والعدوان والتسّلط والعزلة وضرورة التوّجس من الأغيار والتّرفع عنهم ، وهو ما اتخذته الصهيونية منهجاً رئيسياً وأعادت تشكيله بما يتّفق والواقع الراهن .
هذه الروايات التوراتية تنسب تلك الروح العدوانية إلى "يهوه" الإله المسّمى "ربّ الجنود" ، وليس هناك سبب منطقي لهذه الروح العدوانية إلاّ الروح العدوانية نفسها ورغبة يهوه أن تعرفه الشعوب والأمم على أنّه القادر القوي المتّميز الحامي لشعبه المقّدس . وحسب الرواية التوراتية نجد أنّ الإله اليهودي ومنذ بدء الخليقة مّيز بين الإنسان وأخيه الإنسان ، فخلق من هذا التمييز ذلك الحقد المشبع بالعدوان والانتقام، فنقرأ أنّه تقّبل قربان هابيل ولم يتقّبل قربان أخيه قابيل، فاغتاظ الأخير وحقد على أخيه وقتله وكانت النتيجة أن لعنه الإله يهوه إلى الأبد .
ثم جاءت لعنة نوح الناطق باسم يهوه لحفيده كنعان بن حام بعد ليلة سكر وتعرٍّ، مما اعتبر بداية لطوفان جديد لا يزال مستمراً ، تمثّل في تقسيم العائلة البشرية إلى سادة وعبيد ، فأرسى هذا التقسيم العداء الأبدي ، وولّد لدى اليهود نزعة الاستعلاء والتسّلط والعدوان تجاه الشعوب الأخرى، نظراً لأنّهم نسبوا أنفسهم إلى النّسل المبارك والزرع المقّدس .
وما قام به أسلاف اليهود من أعمال عدوانية تعتبر بطولات وأمجاداً وعلى كل يهودي أن يلتزم بسلوكية هؤلاء الأسلاف، وأن يكوّن من هذه السلوكية شخصيته المتمّيزة والمترفّعة والمشبعة بالتوجس والعدوان . ولهذا فإنّ نظام التعليم اليهودي يرتكز على تعريف الطفل في سّن الرابعة على هويته وأسلافه ويُدّرب على الاحتراز من الأغيار وعدم مخالطتهم، وزرع فكرة القداسة والاختيار في عقله الباطن.‏
فاليهودية تنصّ على أنّ اليهود يشكلّون عنصراً مميّزاً على سائر العناصر البشرية، وشعباً متّميزاً على كافة الشعوب بخصائصه ومفرداته ، والتعاليم الدينية اليهودّية تركزّ بقوّة على العنصرية عبر تأكيدها على الاختيار والقداسة والتفّوق، وعدم الاختلاط بالشعوب والأمم. والكيان الصهيوني اليوم يربط كيانه السياسي بالدّين، ويجعل من الدين أساساً لوجوده وحجّة في اغتصاب الأرض وامتلاكها. والدين اليهودي في نظر المفكرين اليهود والصهاينة هو الأساس الذي تقوم عليه الأيديولوجية أو القومية اليهودية

تحالف مع مناهج التعليم
من خلال شبكة واسعة من المدارس الدينية والمؤسسات التعليمية التي انتشرت في الأوساط اليهودية في مختلف البلدان وفي الكيان الصهيوني تسعى الصهيونية لخلق جيل يهودي متعصّب منغلق نفسياً ودينياً ،مشارك للأوساط الصهيونية "العلمانية" الأخرى في تنفيذ المشروع الاستيطاني وترجمة الأفكار الغيبية المثيولوجية إلى واقع .
إنّها تنمّي الشخصية اليهودية على العدوان والتسلّط واحتقار الأغيار والعمل على التمسّك بالأرض باعتبارها أرض الأجداد التي ورّثهم إيّاها الإله شخصياً، وذلك من خلال المناهج التعليمية الدينية والمدنية في المدارس والمعاهد والمؤسسات الدينية المنتشرة في كلّ مكان . وتلعب الحركات الدينية الصهيونية دوراً بارزاً وهاماً في عملية التربية والتعليم الديني. وفي الحياة السياسية والاجتماعية الداخلية في الكيان الآن.
الدراسة الدينية تحتلّ مكاناً بارزاً في مناهج التعليم عموماً. وكثير من الموضوعات التي تعالج تحت أسماء مختلفة "كالوطن والتاريخ والجغرافية واللغة العبرية" تدرس من الزّاوية الدينية، وتؤكّد هذه المناهج على تنمية الوعي والحسّ اليهودي لدى الأطفال بقصد زيادة التركيز على صلة الطالب اليهودي بتراثه القديم من خلال دراسته الدينية.
ويتمّ التركيز في هذه المناهج على زرع الأفكار الدينية في عقول الناشئة لتبرير وجود رابطة دينية بينهم وبين أرض فلسطين ممّا يعطيهم الحقّ في بناء دولة لهم فيها، ويروجوّن أنّ إقامة دولة يهودية في فلسطين هو تحقيق لما جاء في التوراة فالرّب قد اختار الشعب اليهودي واختار الأرض. وما دام هذا الاختيار إلهّياً فإنّه يعطي امتيازاً للأرض وللشعب الموعود بها أيضاً. وبذلك تكون (أرض إسرائيل) مخصّصة لبني إسرائيل وحدهم دون غيرهم.
كما يتمّ التركيز أيضاً على أنّ الحياة اليهودية في فلسطين لم تنقطع منذ أيام الرّومان إلى العصور الحديثة. وأنّ دولة الكيان هذه أُنشئت في بلادٍ قطنها المحتلّون والغزاة العرب طوال 1300سنة . وأنّ عودة المهّجرين اليهود من كافة أنحاء العالم وتوطينهم في فلسطين تحت ستار العودة إلى أرض الوطن التاريخي ليس باعتبارهم غرباء عن هذه الأرض بل باعتبارهم سكّانها الأصليين الذين ظلّوا بعيدين عنها طوال العهود السابقة.

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
بعد عقود من الارتماء في أحضان الحاخامات باعتبارهم رموز الدين والدولة ، صحا المجتمع الإسرائيلي متأخرا على حقيقة شديدة المرارة ، زلزلت كل القناعات والمسلمات القديمة ، فالحاخامات الذين يعظون ويرشدون في أمور الدين باتوا يحترفون كل أنواع الجرائم والموبقات ، وتهريب المجوهرات ، وضرب وإيذاء الزوجات ، والمثير في الأمر أن الجرائم التي تنكشف للرأي العام تباعا تؤكد أن للحاخامات أسلوبا خاصا في الجريمة ، ومذاقا متفردا في الاغتصاب ، والتغرير بالضحايا !
ففي دراسة نشرها معهد القدس للدراسات وجد أن 71.9% من رجال مجتمع الحريديم (الحاخامات) بمدينة القدس لا يعملون ويعتمدون على زوجاتهم ، ورغم ذلك فزوجات رجال الدين هن أكثر الفئات تعرضا للضرب والإيذاء البدني في الدولة الصهيونية . وأكثر الجرائم انتشارا بين رجال الدين في إسرائيل هي جرائم التحرش الجنسي و الاغتصاب ، فقد أقامت خمس سيدات من جنوب إسرائيل دعوى قضائية ضد أحد الحاخامات يتهمنه بالتحرش بهن جنسيا ، وكشفن أن الحاخام يخدع أنصاره ومريديه بأنه صاحب خوارق وقوى غير طبيعية! ، وتلقت الشرطة الإسرائيلية أيضا شكوى أخرى من إحدى الفتيات تتهم فيها حاخاما من مدينة حيفا باغتصابها بعد أن لجأت إليه كي يساعدها على التوبة والإقلاع عن ذنوبها ، فما كان منه إلا أن قام باغتصابها بدعوى منحها البركة!! وبعد القبض على هذا الحاخام تبين أنه متورط في عدة قضايا متماثلة!
ولا يتورع الحاخامات في إسرائيل عن اقتراف أحط وأقذر أنواع الجرائم وهى اغتصاب الأطفال والمراهقين ، والسنوات الأخيرة شهدت ثورة عارمة تطالب بإلغاء التعليم الديني في إسرائيل في أعقاب اتهام رئيس إحدى المدارس الدينية في إسرائيل وهو الحاخام (زئيف كوبلوفيبتش) بأنه خلال السنوات العشر الأخيرة قام بالاعتداء جنسيا على المئات من تلاميذ مدرسته ومن خلال التحقيقات تبين أن هناك عددا كبيرا من الحاخامات كانوا على علم بما يجري داخل جدران المدرسة ،إلا أنهم فضلوا الصمت وتجاهل ما يجري ، وهناك جرائم أخرى يندي لها الجبين اقترفها حاخامات آخرون ، فقد تقدمت تلميذة بإحدى المدارس الدينية وتبلغ من العمر 15 سنة ببلاغ ضد الحاخام (إيلان مور) الذي يتولى وظيفة الجابي في المعبد اليهودي تتهمه فيه باغتصابها داخل المطبخ الملحق بالمعبد ، وهناك نوعية أخرى من الجرائم يشتهر بها حاخامات إسرائيل وهي تهريب المجوهرات ، حيث اعتقلت السلطات الروسية أحد الحاخامات بعد ضبطه متلبسا بتهريب كمية من الماس الخام إلى إسرائيل قدرت قيمتها بحوالي مليوني دولار و يعتقد البعض أن هذه العملية من أكبر عمليات تهريب المخدرات في السنوات الأخيرة ، وكان متوقعا أن يحقق هذا الحاخام ربحا صافيا يقدر بنحو مليون دولار لو لم يتم القبض عليه! ولزوجات رجال الدين نصيب في عمليات تهريب المجوهرات ،إذ ألقت سلطات مطار بن جوريون في إسرائيل القبض على أربع سيدات ‏أُثناء محاولتهن تهريب كمية كبيرة من المشغولات الذهبية ،ومن خلال التحقيقات تبين أنهن جميعا زوجات لرجال دين . أما عن السرقة فحدث ولا حرج ، فلقد داهمت الشرطة الإسرائيلية منازل ثلاثة من الحاخامات بمدينة القدس بعد اتهامهم بالاستيلاء على ملايين الشيكلات من وزارة الأديان عن طريق الاحتيال وتزوير الوثائق ، وكانت وحدة مكافحة جرائم النصب والاحتيال التابعة للشرطة الإسرائيلية قد إكتشفت أن للمتهمين شريكا رابعا وهو الحاخام (إبراهام بوخ) لكنه استطاع الهرب إلى الولايات المتحدة وقد أطلق على هذه القضية (شبكة الحاخام بوخ)!.
ومن أطرف جرائم رجال الدين في إسرائيل قيام بعض العاملين بالمجلس الديني الإسرائيلي بمدينة (بئر سبع) بتخزين المخدرات في بالوعات الصرف الصحي لتكون في مأمن بعيدا عن أعين رجال الشرطة ، وكانت الشكوى من انسداد بالوعات الصرف بحمامات مبنى المجلس الديني قد ازدادت في الفترة الأخيرة وبعد حضور عمال الصيانة اكتشفوا أن سبب الانسداد وجود عدد كبير من أكياس النايلون تحتوي على مخدري الماريجوانا و الحشيش تم وضعها بعناية داخل البالوعات!

المصادر
• دور العامل الديني في حسم الصراع العربي – الإسرائيلي محي الدين عبد الحليم
• الإرهاب … لغة إسرائيل الرسمية نبيل شرف الدين / الأهرام العربي والدولي 15/2/1998
• مقتطفات من التلمود والتّوراة المحرفة... القتل تحت راية الدين بحث: د.علي خليل / من منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق

 

منوعات الفوائد