اطبع هذه الصفحة


أوقفوا اغتيال ( التعليم عن بعد )

هويدا فواز الفايز
@hwaidaalfayez


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


(لا يوجد تسجيل. تم إيقاف التسجيل في التعليم عن بعد نهائيا)
هذه العبارة وردت على موقع عمادة التعليم عن بعد لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على تويتر ردًّا على سؤال بعض الراغبين والراغبات في التسجيل. عبارة صادمة بكل معنى الكلمة، فما الذي يحدث؟! ومَنْ صاحب القرار؟!
بداية؛ التعليم عن بعد هو تعليم عن طريق النت: فصول افتراضية، ومحاضرات مسجلة، ومنتديات مناقشة للمواد الدراسية يتواصل من خلالها الطلاب والطالبات بدكتور المقرر. يتاح هذا النوع من التعليم لكل مَنْ يرغب أيا كان مكانه في المملكة وخارجها، وبه مواد عملية وتدريبية، وتُجرَى الاختبارات على مدى ثلاثة أسابيع متصلة في نهاية كل فصل دراسي عصرًا في مركز أو مدرسة تعدها لذلك جامعة الإمام.
والملفت السار فعلا هو ازدياد أعداد الطالبات والطلاب في كل فصل دراسي عن الفصل السابق، وهي ظاهرة صحية تدل على إقبال الشباب وغير الشباب على طلب العلم النافع رغم أن الرسوم المالية للدراسة قد لا يستطيعها بعض محدودي الدخل. وقد كانت الدراسة محصورة في بدايتها في تخصصات محددة، ولكنها في ازدياد وتنوع يجذب طالب العلم للاستزادة.
ويستفيد من الدراسة عن بعد شريحة كبيرة ومتنوعة من المواطنين وغير المواطنين، منهم على سبيل المثال لا الحصر: مَنْ لم تواته الفرصة للالتحاق بالدراسة المنتظمة أو الانتساب الذي يتطلب نسبة من الحضور، وهناك مَنْ لا يستطيع الدراسة المنتظمة لأنه موظف مسؤول عن عائلته ويريد أن يكمل تعليمه أو يستزيد من العلم، بل إن بعضهم عسكريون حريصون على طلب العلم والارتقاء بمستواهم العلمي والوظيفي. وكذلك الطالبة التي لا يتيسر لها الحضور النظامي لانشغال وليها أو ظروف حياتية أو عائلية أو مكانية معينة، وربة البيت ذات المسؤوليات المتعددة، خاصة مَنْ ترعى أطفالا صغارًا. وفئة أخرى قد حصلت سابقًا على شهادة جامعية لكنها تريد الاستزادة من طلب العلم، أو دراسة تخصص آخر. ولِمَ لا ؟!
ومن تجربتي الشخصية : عند تقاعدي من وزارة التعليم تقاعدًا مبكرًا، بحثت عن مجالات لطلب العلم، والحمد لله هذا ما تصنعه كثير من المعلمات المتقاعدات، وأول ما يبحثن عنه هو تعلم ديننا الصحيح وحفظ القرآن الكريم لمن لم تحفظه من قبل، خاصة وأن مهام المعلمة في النظام التعليمي لا يتيح الفرصة في الاستزادة من طلب العلم والتوسع الثقافي أثناء عملها، وذلك للبيروقراطية المعمول بها في نظامنا التعليمي، وكذلك إشغال المعلمة بأكبر عدد ممكن وغير ممكن من الحصص خاصة في تخصصات الدين واللغة العربية والرياضيات، فهي تعمل في المدرسة والبيت، وكثير من الأعمال التي تُكلف بها لا داعي لها. وقد وجدتُ خيارات متعددة لطلب العلم، ولكنها بعيدة عن سكني، وكنت فعلا لا أريد إضاعة الوقت في التنقل في شوارع جدة الرائعة بمطباتها وحفرها التي يمكن أن تدخلها موسوعة جينس للأرقام العالمية وكذلك التحويلات المرورية الفريدة من نوعها والازدحامات في الشوارع خاصة في الشوارع التي أُلغيت فيها إشارات التقاطعات، هذا؛ ناهيك عن (الهجولة) اليومية والتقيد بدوام.
وبفضل الله وجدتُ في التعليم عن بعد بُغيتي، فالتحقت بتخصص غير تخصصي، وكنت مستمتعة جدًا بالدراسة برغم اختلافها عن الدراسة النظامية، والحمد لله فقد تخرجت الفصل الماضي، ولي الشرف والفخر في الانتماء إلى جامعة عريقة هي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وعلى أمل إتاحة الفرصة للدراسات العليا عن بعد كذلك.
ومن ثم كانت دهشتي وانزعاجي من موقف وزير التعليم د. أحمد العيسى من التعليم عن بعد، وحكمه على مخرجات الانتساب، وتصريحه بعدم جدارة المنتسب لوظيفة المعلم!

وهنا، لنا وقفات :

# لكل نظام تعليمي إيجابياته وسلبياته، ينطبق هذا على نظام الانتظام والانتساب والتعليم عن بعد، وليس من المنطق أن ألغي نظامًا بكامله لوجود سلبيات أو خلل فيه، بل الصواب تحديد هذه السلبيات ثم علاجها. ولا شك أن أي نظام تعليمي جديد يمر بمرحلة النشوء والابتداء، ثم مراحل من التطوير، وهذا ما كنا نتوقعه : التطوير لا التوقيف .
# إذا كان التوقيف خوفًا وتخلصًا من مطالبة الخريجين والخريجات من الانتساب أو التعليم عن بعد للوظائف والمعاملة بالمثل مع الخريجين المنتظمين، فليكن الفاصل في الأمر الكفاءة والمفاضلة بين الجميع عن طريق اختبارات القدرات والتحصيل وغيرها، علمًا بأن كثيرا من هؤلاء ليس هدفهم الأوحد الوظيفة، وكثير من الطالبات اللائي التقيتهن أثناء الاختبارات سألتهن: لماذا تدرسين؟ أمن أجل الوظيفة؟ فكانت الإجابة الغالبة : من أجل طلب العلم النافع، وبعضهن قالت ساخرة: أين الوظيفة؟! لو وُجدت وظيفة فبها ونعمت، وإلا فالحمد لله قد حصلت على علم نافع. فلماذا نغلق بابًا للخير وطلب العلم؟! ودائما نُتهم بأننا أمة لا تقرأ؟ فحتى إذا خرج المتخرج أو المتخرجة في التعليم عن بعد بقراءة وفهم مواد الدراسة فقط فهو خير كبير له وللمجتمع من الجهل والفراغ.
# إذا كانت الجامعات في الدول المتقدمة قد فتحت أبواب العلم لطالبيها من شتى أنحاء العالم عن طريق التعليم عن بعد ومستمرة في تطوير ذلك مما يدل على أنه نظام ناجح، فهل نعطله نحن لأن القائم لدينا به بعض السلبيات، ونهدر ما تم إنفاقه عليه؟!
# من مواد الدراسة عن بعد بعض المواد الدينية والشرعية من فقه وأصول الدين ودعوة وغيرها، أليس من الأفضل تعليم الشباب دينهم الحق، فلا ينجرفوا لأهواء المبطلين والمتطرفين والإرهابيين؟!
ثم إن هناك مباينة واضحة بيننا وبين كثير من دول العالم، فهناك يعتمدون على العمل المؤسسي: الأهداف واضحة، والخطوط العامة واضحة، ولا أدل على ذلك من أعلى قمة في دولهم؛ فأمريكا على سبيل المثال: ذهب بوش، جاء أوباما، سيأتي فلان .... لا فرق، ولكن التفاصيل والخطط الفرعية تتغير وتتطور، أما لدينا: ذهب وزير ذهبت الوزارة معه، جاء وزير فهو يرى كذا ولا يرى كذا!!! ولا اعتداد بما حدث قبل تشريفه الوزارة، وكأنه سيأتي بما لم تأتِ به الأوائلُ! الوزارة مؤسسة وليست ملكية خاصة لأحد.
نحن لا نرفض التجديد والتطوير، بل نطالب بهما، ولكن التجديد والتطوير اللذان يبنيان لا اللذان يهدمان ويعطلان، وسياسة التعليم في المملكة ليست وليدة اليوم ولا الليلة، فالأهداف والخطوط العامة معروفة وواضحة، ومنابع العلم في ازدياد والحمد لله، فلندعمها ونجذب طالبي العلم لها لا أن ننفرهم منها ونغلقها في وجوههم! .
وللتذكير: إن تم تعطيل نظام الانتساب والتعليم عن بعد فالمسؤولية ملقاة على عاتق الوزير في توفير مقعد دراسي لكل طالب وطالبة في المملكة في الدراسة المنتظمة، ولينظر كيف سيعوض الجامعات عن الرسوم المادية التي كانت تجنيها من نظامي الانتساب والتعليم عن بعد.
ومن البدهي أن طالب العلم الذي يحتاج إلى التعليم عن بعد إن لم يجد ذلك متيسرًا في المملكة فلا غرابة أن يبحث عنه في التعليم عن بعد من الجامعات خارج المملكة وما أكثرها! وفي ذلك ما فيه من تحويل بعض الاقتصاد الوطني إلى خارج المملكة على عكس ما ورد في رؤية 2030 من جذب الاستثمارات الاقتصادية إلى داخل المملكة .
 

منوعات الفوائد