اطبع هذه الصفحة


💫ومضات من حياة والدي أحمد بن عبدالمحسن العمر رحمه الله (١٣٣٩-١٤٤٢)

أم محمد


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أُدوّن هنا بعض الومضات من حياة والدي ، نفع الله بها ، فهو مدرسة تحتذى .

💫كان والدي رحمه الله محبًا لله ورسوله حبًا صادقًا ، ينبع من القلب ، ويبدو هذا الحب لمن يسمع حديثه الذي يحكي عقيدةً صافية ، واستجابةً سريعة لأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتفكرًا دائمًا في خلق السموات والأرض ، والأنفس ، وكانت هذه الآية ومابعدها على لسانه دومًا :
﴿إِنَّ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلبابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠]

💫أما القرآن فقد كان أنيسه الذي لايَملُّ مجالسته ، يراجع حفظه ، ويداوم على تلاوته ؛ آناء الليل وأطراف النهار ،وفي مسيرهِ للمسجد ، وعودته منه ، وفي طريقه لمزرعته ، يرتله ويتدبره ، يرجو ربه عند آيات الوعد ، ويخشع عند آيات الوعيد ، وكثيرًا ماكان يتهدج صوته ، وهو يتلو ، وهذا ظاهر في تلاواته المسجلة ، وكان أكثر ما أحزنه لما فقد بصره ؛ أنه لايستطيع النظر في المصحف ! ولطالما طلب المصحف ، وحدَّق في الحروف ، واتخذ مصحفًا أكبر حروفًا ، أملًا في بصيصٍ من نورٍ ، فلم يظفرْ به ، عظم الله أجره ، وعوضه عن حبيبتيه بالجنة .
درس على يد الشيخ أحمد الصانع رحمه الله ، وكان يحدثنا أن طلاب الشيخ كانوا يتبعونه من المدرسة إلى مسجد (حويزة) وهم يقرأون عليه القرآن ، و إذا تذكر شيخه يدعو له بحرارة وحب ، وكثيرًا ماكان يروي ذلك الموقف المهيب ؛ يوم أن قرأ الشيخ هذه الآية: ﴿وَهُوَ القاهِرُ فَوقَ عِبادِهِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبيرُ﴾ [الأنعام: ١٨] فارتج المسجد بالبكاء ، وفيه ١٠٠ مصلٍّ تقريبًا .
وطالما سمعناه وهو يروي أن أباه كان حريصًا على تعلمه القرآن ، وتلاوته وحفظه ، حتى إذا جاء رمضان ؛ منعه من العمل في المزرعة ؛ ليتفرغ للقرآن .

💫أما الصلاة فهي همه الأول ، يستعد لها قبل الأذان ، ويخرج لها بهمة ونشاط ، يحث الخُطى إليها ، فهو على موعد مع الرحمن تقوده نبضاتُ قلبه ، ويحدوهُ شوقُه لرحاب المسجد . ولم يركب السيارة إلا بعد أن ضعفت قوته، ولم يعد قادرًا على المشي إليه ، كان ذات يومٍ مريضًا ؛ فقالت له إحدى بناته : لعلك تصلي في البيت ، فقال : عدي علي السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، فعدَّت حتى وصلت إلى : (ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد ). فقال لها : (وقفي هنا) !
ذات يوم قال معبرًا عن حبه للصلاة (ودي إنهن عشرين صلاة مهوب خمس ).
وقد تنقل بين عدد من المساجد
للإمامة على مدى ٧٠ عامًا ؛ فكان إمامًا لمسجد ( جو المجمعة ) وعمره ١٥ عامًا ، بينما تولى والده المئذنة ؛ لعقودٍ طويلة ، أما مسجده الأخير فلم يتركه إلا بدموع الفراق ، قد غص بالأسى ، وتدثَّر بالصبر .

💫كان بارًا بوالديه ، واصلًا لذوي رحمه ، يحب أقاربه ؛ يقوم بخدمة المحتاج منهم ، يتحدث كثيرًا عن والديه ،وأعمامه ،وأخواله، وأصدقائه، يتذكر أحاديثهم ومسامراتهم ، ويرويها لأبنائه ، وأحفاده، وزائريه ، يسليهم بتفاصيلَ دقيقة ، ولفتاتٍ مليحة ، تتخللها الطُرف والأشعار ، فلايُمَلُّ مجلسه ، ولا تجد في رواياته إلا طيب الكلام ، وعذب الحديث ، وكان يتمتع بذاكرة قوية إلى عهد قريب . ولم يكن يرضى أن يخرج ضيفٌ من بيته بلا غداء ، أو عشاء .
ظلَّ وفيَّا لأصدقائه وشركائه ، يدعو لهم ، بعد أن فقدهم جميعًا ؛ واحدًا تلو الآخر ؛ صابرًا محتسبًا ، ويسأل عن أولادهم .
وفي جائحة ( كورونا) افتقد كثيرًا من محبيه ، وزائريه ، ممن كان يسعد بلقائهم ويُسَر ُّبزياراتهم ، ويبتهج بإكرامهم ، مما آلمَ قلبه ، و أثَّر على صحته النفسية والجسدية .

💫كان يعمل في مزرعته بنفسه، كأني أراه وهو يصعد النخل ب (الكرّ) بعزيمة وهمة ، ولم يجلب العمال إلا بعد أن ضعف جسمه ولم يعد قادرًا على العمل .

💫 كان محبًا لملاطفة الأطفال ، يحبهم ويحبونه ، ويُسَرُّ بدخولهم عليه ، ولا يتذمر من إزعاجهم ، فيسلّم عليهم ويمازحهم ، بل ويلقب معظم أحفاده بألقاب يداعبهم بها .

💫كثيرا ماكان يطلب الوضوء في غير وقت الصلاة أثناء الجو البارد ،ويُصِرُّ على ذلك أملًا في أن يكون من ( الغر ِّالمحجلين)! أناله الله ماتمنى .

💫في أحد الأعياد وافق العيد يوم جمعة ، فلما همَّ بالخروج ؛ قال له بعض الشباب: إن صلاة العيد تجزئ عن الجمعة فقال :
(فيه جنة وفيه فردوس) !!!
وكان يحمل همَّ الخروج لصلاة الجمعة ، والتهيؤ لها من ليلتها ، ويستعد لها منذ الصباح الباكر .

💫كان وفيًا لأمي رحمها الله ، لايذكرها إلا بخير ، ويدعو لها ، وعندما مرضت آخر عمرها ، ظل يقرأ عليها السور الطوال ، ولما دخلت العناية المركزة ؛ كان يتردد عليها يوميًا ، ل٤٠ يومًا يرقيها ، ويدعو لها ، وهو على عربته المتحركة .

💫من صفاته الجميلة ؛ رأفته بالخدم والعمال ، يراعي مشاعرهم ، ويتصدق عليهم بين حينٍ وآخر ، بل ويطمئن دائمًا على أنهم أكلوا !

💫عُرِف عنه الحرص على إصلاح ذات البين ، وله في ذلك مواقفُ كثيرة ، كانت سببًا في عودة المودة والوفاق .

💫أبي كثير الدعاء والتضرع والذكر، يدعو بالمأثور من الكتاب والسنة ،و له دعوة يكررها دائمًا :
(اللهم اغفر لي ،ولوالدي ،وأخي ، وأخواتي ، وأعمامي ، وأخوالي ،وعماتي وخالاتي ، وزوجتي ، وذريتي ، ومن له حقٌ علي ).

💫أصيب في حياته بعدة مصائب جسام ، وكان يتلقى ذلك كله بتجلّدٍ وصبرٍ ، واسترجاعٍ وثبات ، جمعه الله بوالديه وأحبابه في الجنة .
وكان دائمًا يقول لأخته الأخيرة : ( الله يخليك لي ، ويخليني لك ، سنيَّات ولا لابدّ منها ! )وشاء الله أن تموت قبله ، لطفًا من الله بها ، فقد كانت تحبه حبًا عظيمًا .

💫قبل وفاته بأيام طلب من إحدى بناته أن تقرأ له تفسير هذه الآية :
﴿الَّذي أَحَلَّنا دارَ المُقامَةِ مِن فَضلِهِ لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فيها لُغوبٌ﴾ [فاطر: ٣٥]
بلغ الله والديَّ هذه المنزله ، ووالديهما ، وأحبابهما، وأصلح ذريتهما ،
ورحمهما رحمة واسعة ، وجعلهما مع الذين أنعم الله عليهم ؛ من النبيين ،والصديقين ،والشهداء ،والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا . وجمعنا بهما في مستقر رحمته ، وموتى المسلمين .

سقى اللهُ تلكَ الروح من فيضِ رحمةٍ
بجناتِ عدنِ تستريحُ وتنعمُ
بقربِ رسولِ اللهِ والصحبِ كلِّهم
ويسعدُ بالأحبابِ حقًا ويغنمُ
ويزداد إكرامًا برؤية ربِّهِ
يُنَضَّرُ ذاكَ الوجه دومًا ويُكْرَمُ
فياربِّ لقيا في مجالسِ جنةٍ
بلا سقمٍ فيها ولا المرءُ يَهرمُ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أم محمد
 

( برفقه تزكية ش عبدالملك القاسم للوالد )



 



( الجد القدوة )
بقلم: أيمن اليوسف
 

فقدنا الجد #أحمد_عبدالمحسن_العمر رحمه الله ففقدنا القدوة الذي كان يؤثر بسلوكه وعمله قبل كلامه فقدنا نصائحه وقصصه وذكرياته ودعابته الفطرية الرائعة ومجلسه الممتع فاللهم اجمعنا به وبمن نحب ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة سأذكر طرفا قليلا عنه لعلها تجد قلبا داعيا وآخر مقتديا



عبادته : كان قلبه معلق بالمسجد ولا أذكر أنه أذن المؤذن إلا وهو فيه أو يستعد للذهاب إليه وكان يذهب للجمعة قبل الساعة التاسعة صباحا مشيا على الأقدام وكان يقوم الليل قبل الفجر وكم سمعته يذكر الله وهو يتقلب في فراشه نائما *صورة لمسجده الأخير في #المجمعة وصورة له وهو ذاهب للصلاة




أما حياته مع القرآن فعجب! كان يترنم به في كل وقت وهو سلوته وسعادته وله مصحف في مسجده وآخر في بيته وقد تتبعت قراءته اليوميه في مصحف مسجده فوجدتها 5 أجزاء غير قراءته في بيته ومشيه وقيامه لازلت أذكر مجلسه في مقدمة بيته هو وجدتي رحمهم ﷲ بعد العصر وكل معه مصحف يقرأ فيه وبينهم الشاهي



أما كرمه : فقد كان بابه مفتوحا وقهوته جاهزة دائما يفرح بمن يأتيه ويسعد بمن يزوره ويقبل على جليسه ولا يسلم عليه أحد إلا دعاه لبيته .



أما صلته لرحمه: فهو باب آخر من البر فقد كان دائم الزيارة والاتصال بأقاربه وأصدقائه ولا ينسى من جاوره قديما ويحضر المناسبات واجتماعات العائله ويبارك ويفرح بفرح الجميع .




أما بذله: فقد كان كثير الصدقة وكم رأينا من يأتيه في مسجده وفي بيته فيفرج كربتهم ويقف معهم وكم من بيت يذهب له ماشيا ليعطيهم ماتيسر "قال لي مرة أبي نروح مشوار بسيط فإذا به يوصف لي بيت في أحد الحارات القديمة في #المجمعة فلما وصلنا نزل وأعطى ماتيسر ثم رجع ولم يخبرني بأي تفصيل عنهم"

أما خلقه: فقد كان صاحب أخلاق عاليه مع من يعرف ومع من لايعرف مبتسم بشوش هين لين مُسامح وكان يُقبل على متحدثه ويؤانسه ويفرح به مهما كان عمره .. لايحمل في نفسه على أحد لذلك أحبه الصغير والكبير .




أما صبره: فقد عانى من شدة العيش في بداية حياته وعلى ضعف بصره حتى كف في آخره وقد أجرى عدد من العمليات في حياته فكان صابرا محتسبا وأيضا صبر على فقد أحبابه وقد كنت معه مرة في المقبرة في جنازة قريب له وحاولت أن اصبره ويبدو أني أكثرت عليه فقال " أعرفه أعرفه تعلمني الموت ؟! "

ومن مواقفه: قيل له مره حينما وافقت الجمعة يوم العيد وقد هم بالذهاب للجمعة أن من صلى العيد أجزأته عن الجمعة فيصليها ظهرا فقال: "فيه جنه وفيه فردوس" هذه العبارة البسيطة جعلت الكثير منا يصلي الجمعة بقي أن أخبرك أنه أول من دخل الجامع وكنا نقول له يبي يجي من يسلم عليك قال: يبي يلقاني.