" اقتحم عليَّ مكتبي " نعم إنني أسمِّي تلك الطريقة التي دخل عليَّ اقتحاماً
، لأنه لم يستأذن ، ولم يسلِّم ، بل دخل فجأة ، قائلاً ، أنا ما أتيتك
مسلِّماً ، ولا معبراً عن إعجابي بما تكتب ، ولكنني جئتك معبراً لك عن ضيقي
بكل حرف تكتبه ، وبكل بيتِ شعر تصوغه ، أنت لا تكتب شعراً ، إنما تكتب مواعظ
وتنظم نظماً ، إنك تشكِّل عائقاً من عوائق الأدب الحديث الذي يحاول أن
يتخلَّص من قبضة الأشكال القديمة ، والأفكار القديمة ، أرجوك أن تتوقف ، أن
تريحنا من نظمك ، ونثرك ، وأفكارك التي تريد أن تعيدنا بها إلى القرون الأولى
، نحن يا صاحبي في القرن العشرين ، لعلك لا تعرف ذلك ، أنت لست بناثرٍ ولا
شاعر، هذا ما أردت أن أقوله لك .
كان ثائراً ، غاضباً ، في احمرار وجهه دليل على بركان من الغضب ، كان يرسل
حممه كلمات قاسيةًً غاضبة ، لقد فاجأني حقاً ، وأثار غضبي ، وأشعل في داخلي
شعوراً عارماً بالضيق والتبرُّم مما قال ، شعوراً كاد يحملني على أن أكيل له
الصاع صاعين ، ولكنني تمالكت ، واستطعت أن أفتح للصبر نافذةً هبَّ منها نسيم
الهدوء على قلبي ، كنت أتأمل ملامحه وحركة يديه ، فأرى أنني أمام مراهقٍ حانق
، نعم ، لقد قدَّرت سنَّه بما لا يتجاوز الثامنة عشرة وانتصرت على سورة الغضب
، وأصغيت إليه حتى أتمَّ كلامه ، أتمَّه والانفعال ما زال يملك عليه مشاعره .
قلت له بهدوء :
اجلس حتى نتحدث
قال لي :
لن أجلس ، ماذا تريد أن تقول لي ؟ أنا لا أريد أن أسمع من أمثالك ! أنتم ليس
لديكم إلا المواعظ ، الإسلام ، الإسلام ، كل شيء تقولونه ، تدخلون فيه
الإسلام ، أسألك سؤالاً صريحاً ، ما علاقة الإسلام بالأدب ، الإسلام صلاة
وصيام وما شابهها ، والأدب شيء آخر ، الإسلام قيد ، والأدب لا يقبل القيد ،
بل إني أسألك سؤالاً أكثر صراحة :
ما أهمية الإسلام لنا في هذا الزمان ؟ أنا لا أرى له تلك الأهمية التي
تتحدثون عنها ! هنا شعرت بأن أعماقي تغلي ، وبأن الغضب قد ملك عليَّ جوانب
نفسي ، لابد من الردّ بقسوة وعنف لا هوادة فيها ، لقد تجاوز الأمر الأدب
والشعر ، وأصبح يمس الدين والعقيدة ، إلا فليذهب الاتزان والهدوء إلى غير
رجعة ، كان يتحدث وأنا أفكر في الطريقة التي أبدأ بها في الردِّ عليه ،هل
أبدأ بالصراخ في وجهه المحمرِّ الغاضب ، أم أبدأ بلطمة قوية تعيد إليه وعيَه
!! ........
لم أسمع في حينها صوتاً آخر في نفسي
يناديني إلى الهدوء ، بل كنت أصغي إلى أصوات صاخبة تقول لي :
واجه هذا الشاب الطائش بما يستحق ، لم تكن لديَّ عصا ، لا بأس ، يمكن أن يقوم
العقال الذي يحيط برأسك مقام العصا ، حقاً أصبحت في تلك اللحظة مهيَّـئاً
للمعركة وأني لفي تلك الحالة إذا ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء " الله أكبر
، الله أكبر " .
ما أروع هذا الصوت ، لقد انسكب في عروقي عبر مسامعي راحة ً وهدوءاً " الله
أكبر " من كل هذا الأوهام التي ينطق بها الفتى المسكين ، وشعرت في لحظتها
بشفقة عليه ، وانتقلت من حالة الغضب الشديد ، إلى حالة الحرص على إنقاذ هذا
الفتى الذي يتلاعب به الشيطان ..
قلت له :
اجلس يا أخي ، لقد سمعت كلامك ، فأعجبني فيك صدقك في نقل ما تشعر به دون كذبٍ
ولا تزويق ، أنت رجل صريح في عصر فقد فيه الصراحة ، وأصبح الناس فيه – غالباً
– يبطنون ما لا يظهرون ، أنت فتىً صادق ٌفي التعبير عن نفسك ، وكفى بهذه
الصفة دليلاً على اتفاق مخبرك ومظهرك .
-الحمد الله – لقد قرأت آثار المفاجأة على وجهه ، نعم فوجئ بهذا الموقف
المتسامح ، بل شعرت أنه قد أصيب بقدرٍ لا بأس به من الحياء ،
وبعد تردُّد جلس قائلا ً :
نعم ، ماذا تريد أن تقول ؟
قلت له :
أريد أن أعرف اسمك أولاً ..
وسكت قليلا ًثم قال : عبد الله بن .... ، وبادرته بعد أن سمعت اسم عائلته
بقولي : ما شاء الله أنت من عائلة طيبة ، وأعرف منها أشخاصاً طيبين منهم
الأستاذ " فلان " ، وما إن ذكرت اسم ذلك الرجل ، حتى ثارت ثائرته ، وقال بشدة
: هذا معقَّد !، ولم أناقشه فيما قال فقد فهمت أن في حياته مشكلة ً قد دفعته
إلى هذا الانحراف .
قلت له مبتسماً :
يا عبد الله أنت تعيش في مجتمع تختلف مشارب الناس فيه فلا تظن الناس جميعاً
مثلك لابد أن يحتمل أهل الوعي غيرهم ممن هم أقلّ وعياً .
كنت أتابعه بنظري ، لقد انفرجت أسارير وجهه ، لاشك أنه فوجئ ، كان يظن أن
موقفي سيكون على غير ما يرى ، بل إنه عبر عن ذلك بقوله :
على أي حال أنا آسف إذا كنت قد تحدثت معك بانفعال .
قلت له :
لا عليك ، يهمني الآن أن تشعر بأنك أمام أخ لك يريد أن يناقشك فهل أنت مستعد
.
قال :
نعم .
قلت له :
سنشرب الشاي ولكن بعد الصلاة .
قال :
لا أستطيع الصلاة .
قلت له :
لماذا لا تحاول ، ما الذي يمنعك من ذلك ؟
لم يزد على أن قال :
أنا أستأذنك الآن وسوف أعود إليك بعد الصلاة .
قلت له مبتسماً :
لابد أن تعود فإني وكوب الشاي في انتظارك . بعد صلاة العشاء بقليل جاءني ،
كان هادئاً هدوءاً عجيباً
قال لي :
عذراً أشعر أنني قد أسأت الأدب معك .
قلت له :
لا تفكر في هذا الأمر ، إني أعذرك حقاً ، ولا أجد في نفسي عليك شيئاً .
كنت – لحظتها – أسائل نفسي ، يا ترى ماذا كان سيحدث لو استجبت لصوت الغضب ؟
قلت لصاحبي :
هل أنت مستعد للمناقشة ؟
قال :
نعم ، وابتسم ، وشرب الشاي وبدأت المناقشة .
بدأت معه بموضوع الأدب والشعر :
سألته :
هل قرأت لي كثيرا ؟ قال بعض القصائد.
قلت :
كم قصيدة قرأت
، عشر قصائد ، عشرين ، ثلاثين ، قال : كلا ، بل لا تتجاوز اثنتين أو ثلاثا ،
أنا لا أرضى أن يضيع وقتي في قراءة شعر لا يعبر عن روح العصر !
قلت له :
أنت فتى صريح وصادق ، أسألك : هل يكفي ما قرأته لإصدار هذا الحكم العام الذي
ذكرته ؟
بعد لحظة صمت قال لي :
إن أستاذي في الأدب والنقد في الجامعة
قد كفاني هذه المهمة لقد أكد لي أن شعرك لا يعبر عن روح العصر ، وأنه نظم لا
يرقى إلى منزلة الشعر ، وأنا وأثق برأي أستاذي .
قلت له :
ألست صاحب عقل وتفكير ، أليس
جديراً بمثلك أن تطَّـلع على الشيء بنفسك لتصل إلى الحقيقة دون رتوش ؟ ألم
تقل إنك ابن القرن العشرين ، قرن التفكير والعقل ، فأين عقلك إذن ، أليس
جديراً بك أن تقرأ شعري ثم تقول لأستاذك نعم ، أو لا ؟
قال بعد صمتٍ قصير :
بلى ..
وأهديته ديوانين من شعري واتفقنا على اللقاء بعد شهر لأسمع رأيه فيما قرأ ،
وقبل أن أودعه
قلت له :
هل يمكن أن أسألك سؤالا آخر؟
كانت نفسه قد هدأت ،وصدره قد انشرح لقد كُـسر حاجز الوحشة فيما بيننا وشاع
جوٌّ من الأُلْفةِ التي ظهر أثرها على ملامح وجهه الوسيم .
قال لي :
نعم ، إني مستعد للإجابة عن كل ما تريد ..
قلت له :
هل عندك شك في الإسلام ؟
غام وجهه من جديد ، بل اربدَّ وعلتْه سحابة دكناء ، لم أعقِّب على سؤالي
بكلمة ، كنت أنتظر جوابه بفارغ الصبر ، وكنت أرجو أن يقول " كلاَّ" يا ليته
يقولها ..... إن كلمته التي قالها قبل قليل عن الإسلام قد ملأت نفسي بالأسى
والوحشة والحزن العميق ، ألم يقل في لحظة انفعال : " ما أهمية الإسلام لنا في
هذا الزمان ؟" يا له من سؤال ٍخطير ، يا للحسرة , ليس الفتى من أدغال أفريقيا
، ولا من أطراف العالم الذي لم تصل إليه رسالة الإسلام ، كلا ، إنَّ الفتى من
بلاد الإسلام ، نشأ في أسرة مسلمة محافظة ، يا ترى من أين جاءته هذه
اللـَّوثة المدمِّرة ، إني لأرجو أن يكون انفعاله وغضبه هو الدافع لقول تلك
الكلمة ، أرجو ألا يكون لها جذور في عقله .....
قال بصوتٍ واهن :
أصدقك القول : نعم عندي شك في الإسلام !!
أصابني هدوء المفاجأة ، أو بَهْتَةُ الموقف ، نعم ، هكذا ينطلق بها لسانك يا
عبد الله ، بكل سهولةٍ دون تردُّد؟!
كان صوتي خافتاً ، وكانت عباراتي محمَّلةً بقدرٍ كبير من الحزن والشفقة على
هذا الفتى المخدوع ، لقد أحسَّ الفتى بذلك ، ولهذا بادرني قائلا : أرجوك
ألاَّ تغضب منَّي ، إني أصارحك ، لا أستطيع أنْ أكذب عليك .
قلت له من أين جاءك هذا الشك ؟
سكت قليلا ثم قال : من مناقشاتي مع
بعض المثقفين ، ومن قراءتي لكتب دلَّني عليها بعض أساتذتي وأصدقائي ، لقد
نشأت في ذهني أسئلةٌ كثيرة من خلال تلك المناقشات والقراءات عن الكون والعلم
والدين والعقل ، إن الغرب يتطوَّر بشكل مذهل مع أنه لا دين له ، ولا يعترف
بالإسلام ، أما عالمنا الإسلامي فهو يعيش حالة التخلُّف والذلِّ ما فائدة
الإسلام إذن ؟!
قلت له :
يا عبد الله .. هل يُطبَّق الإسلام في عالمنا الإسلامي تطبيقاً صحيحاً ، هل
يتصل عالمنا الإسلامي بالله اتصالاً حقيقياُ ؟
توقف قليلاً ثم قال :
كلا .
قلت :
فما ذنب الإسلام إذنْ ، ولماذا نستقرئ القضية هذا الاستقراء الناقص ، ولماذا
لا نفتح آفاق التفكير الصحيح في هذا الموضوع ؟ أنت يا عبد الله تعاني من
مشكلةِ إلغاء عقلك ، والتفكير بعقول الآخرين .
بدا على وجهه أثرٌ لاضطراب كبير وصراع نفسي خطير ..
قلت له :
هل يمكن أن أعرف أسماء بعض من تقرأ لهم ؟
يا للهول ، لقد ذكر لي عدداً من الأسماء ، كل اسم ٍمنها كفيل بتدمير أمة
ٍبكاملها ، إنها أسماءٌ لامعة لقراصنة الفكر والأدب في عالمنا الإسلامي ،
سعيد عقل ، جابر عصفور ، محمد أركون ،
أدونيس ، غالي شكري ، إن عقل " عبد
الله " لقاصرٌ حقاً عن مواجهة الأوهام والشبه والشكوك التي تثيرها أقلام
هؤلاء .
وسألته سؤالاً حاداً صارخاً :
من الذي دلّك على هذه الأسماء يا عبد الله ؟! وبعد صمت ليس بالقصير
قال لي : ليس مهماً أن أذكر أسماء من
دلَّني ، المهم أنني مستعد للمناقشة .
قلت له :
قبل المناقشة لابد من التوازن ..
قال :
ماذا تعني بالتوازن ؟ قلت : أن تقرأ بعض الكتب التي تمثـِّل الاتجاه الآخر ،
والتي تشرح جوانب هذه القضية ، وتبيـِّن بعمليَّة ٍواستقصاء خطأ الأفكار التي
يطرحها " العلمانيون " والمتسكّعون في دروب الفكر المنحرف .
وافترقنا على أن نلتقي في اليوم التالي لأعطيه بعض الكتب .
لقد كانت تلك الليلة مثقلةً بالهموم والتفكير ، والتساؤلات .
يا ترى إلى متى تظلُّ هذه الأقلام الحاقدة الملحدة تكتب عن الإسلام ؟ مَنْ
الذي يحمي شباب الإسلام نساءً ورجالاً من ضلالات المضلِّين ؟ .. إنَّ بذر
بذرة الشك في نفوس شباب الإسلام من أخطر وسائل تدمير الأمة ، ثم أين الأسرة
المسلمة التي تتابع أبناءها بأسلوب تربوي ناجح ، أين أبو عبد الله هذا
وأقاربه ، أين الخير رجال الصحوة عن أمثاله ؟!
بل أين إحساس بعض الأساتذة الذين يشحنون عقول الطلاب بمثل هذه التُرَّهات ؟
أين إحساس القائمين على بعض الصحف والمجلات ، الذين يروِّجون لأفكار أولئك
المنحرفين ونصوصهم البعيدة عن جادَّة الإسلام ؟
يا لها من أسئلة مؤلمة ، ويا له من جرح ٍعميق !!
وفي اليوم التالي جاءني عبد الله قبل الموعد المحدَّد وحمدت الله كثيراً إنَّ
هذا دليل على انشراح صدره ، واستعداده لسماع الرأي الآخر .
قال لي :
إني أعتذر إليك حقاً لقد استعرضت البارحة ما جرى لي معك في أوَّل لقائنا
فشعرت أنني أسأت إليك .
قلت له :
لا تضخِّم الأمر إني سعيد بمعرفتك .
وأعطيته بعض الكتب منها :
الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي
الحسن الندوي ، " والعرب والإسلام " لأبي حسن الندوي أيضاً ، و" تهافت
العلمانية " للدكتور عماد الدين خليل ، و" ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
" لأبي حسن الندوي ، و " ورقة في الرد على العلمانية " للدكتور محمد يحيى ،
و" الله سبحانه إنكار الكافرين دليل وجوده " للشيخ محمد متولي الشعراوي ، و "
الإسلام والحضارة الغربية " للدكتور محمد محمد حسين ...
قلت له :
هذه مكتبة صغيرة أهديها إليك ، لا أطالبك بقراءتها كلِّها ، لكني أقترح عليك
بعضها ، وأعطيك مهلة شهرين نلتقي بعدها للمناقشة .
قال لي متحمّساً :
بل يكفيني شهر واحد ، أنا مدمن قراءة ، أقرأ في اليوم ما لا يقل عن عشر ساعات
.
وقبل أن ينصرف قلت له :
هل لي أن أقترح عليك اقتراحاً آخر .
قال :
نعم ، أنا مستعد للتنفيذ .
قلت له مبتسماً :
هكذا مستعد للتنفيذ مباشرةً حتى لو كان الاقتراح لا يعجبك !
ابتسم وقال :
نعم ، قلت له : يا عبد الله أنت مسلم ،إن إسلامك نعمة كبيرة من الله عليك ،
ومن حق الله على عبده المسلم أن يطيعه ، إن في الأرض ملايين الحيارى التائهين
يبحثون عن حقيقة " روحية " تريحهم من ظلمات الإلحاد والضلال والشك ؛ إن
الإسلام هو طريق النجاة ، فكيف ندعو الناس إليه إذا كنا نحن –أهله- متشككين
فيه ؟!
يا عبد الله :
أقترح عليك أن تبدأ بخطوةٍ في الطريق ، أن تؤدي الصلاة التي فرضها الله عليك
، أنت صاحب إرادة ، ومثلك قادر على التنفيذ ، تأكد أن الصلاة ستنقلك نقلة ً
كبيرة إلى عوالم مضيئة من الراحة واليقين ، وستفتح آفاق ذهنك لفهم المعاني
التي تتضمّنها الكتب المهداة إليك .
وجلس عبد الله على المقعد بعد أن كان واقفاً ،
قال لي :
تقترح اقتراحاً : يا له من أسلوبٍ رائع تعاملني به ، إني أعرف لذَّة الصلاة ،
لم أتركها إلا منذ أربع سنوات ، لقد تعرَّضت لأشدِّ أصناف العقاب من أبي ،
والتأنيب من أمي ، والكلمات الجارحة من بعض أقاربي ، من أجل الصلاة ، ومع ذلك
لم أزد إلاّ نفوراً !
وسكت ثم دسَّ وجهَه في راحتيه وأخذ يبكي ، نعم كان بكاءً شديداً ، وغامت
عيناي فرحةً ببكائه ، إنَّ دموعه هذه ستغسل ما ران على قلبه ، يا إلهي أشكرك
، إنَّ الفاصل بين الضلال والهداية حاجز نفسي إذا زال ، تبدَّدت الأوهام .
اللهم لا تحرمني من أجر هداية هذا الفتى ، ورفع عبد الله رأسه وقال : أنا
مستعد لتنفيذ الاقتراح ..
ولم أناقش عبد الله بعد شهر ، لأنه جاء إليَّ وقد غسل عن قلبه أدران الشك وعن
ذهنه أوزار الأباطيل .
قال لي :
أنا الآن عبد الله بن " ........" رجعت إلى ساحة الحق بعد رحلةٍ مضنيةٍ مع
الأوهام ....
قلت له مبتسماً :
ما رأيك في شعري ؟
قال :
أنا لست ناقدا حتى أقوَّم شعرك ، ولكني أخبرك أنني قرأت بعض قصائدك أكثر من
مرة لأنني وجدت فيها ما يعبّر عن نفسي ...
قلت له :
وأين تذهب برأي أستاذك الذي تثق به ؟
قال :
لقد أعجبتني كلمة قلتها لي في لقائنا الأوَّل ، حين سميت أصحاب الأفكار
المنحرفة بـ" قراصنة الأدب والفكر " إن أستاذي واحد منهم .
قلت
، وأنا أشعر بالفرح لما أرى من حال عبد الله ، وأشعر بالأسى حزناً على عشرات
الشباب سواه ممن يتعرضون لأساليب التشكيك والتضليل :
حسبنا الله على
" قراصنة الأدب والفكر "!
المصدر كتاب لا تغضب
.. مناقشات هادئة
للدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي