بسم الله الرحمن الرحيم

خواطرُ قلبٍ
أبو مهند القمري

 
كانت الأمة إلى عهد قريب تقاتل أعداءها ، ولا يزال بها بعض الرمق على الرغم من ابتعادها عن كثيرٍ من أوامر ربها ، أما الآن وبعد أن تحقق للأعداء ما لم يكن في حسبانهم يوماً من الأيام حيث تمكنوا من إعلامنا ، وتحكموا في مقوماتنا ؛ فإنه يخشى والله أن تكون ضربتهم القادمة ضربةً قاصمة ، إذ هيئوا موضعها بأيديهم في جسدنا المنهوك ، وذلك بنشر نتاج العقول الممسوخة المتعفنة في صحائفنا ، وبث روح الهزيمة و التخاذل في نفوسنا ، وإغراق الشباب في مستنقعات الشهوات والرذيلة ؛ ليسلبوا بذلك عصب شراييننا ، إلا أن الأسود الرابضة وراء القضبان في غياهب السجون ؛ كفيلة بإذن الله ونصرته أن تحول الهزيمة نصراً ؛ والذلّ عزاً إذا ما أتيحت لها الفرصة لذلك ، وهذا حسبما اقتضته سنة الله الكونية .
( وكذلك نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )

الصدق معنى يعترف له كافة الناس بالفضل ، ولكن تناولهم له مضطرد حسب مصالحهم المادية وكلما ازدادت تلك المصالح ، كلما كان ابتعاد الناس عنه أكبر ؛ نظراً لتعارضه _ حسب وجهة نظرهم _ مع هذه المصالح ، لذا أضحى الصادقون قلة ، ويا ليتهم محبوبون بصدقهم ، وإنما تجدهم مبغضون مبعدون لأنهم يجهرون بالحق دائماً ، ومعلوم أن قول الحق لا يبقي لقائله صديقاً

المظاهر الخداعة ، ترمي بسهام خداعها القلوب الغافلة ، فتصيب منها لٌبَّها ، وتُحيّي فيها حزنها على فوات نصيبها من هذه الأوهام ، والوقاية من ذلك كله ؛ لا تكون إلا بالنظر في العواقب لمعرفة لب الحقائق ، ثم الاستعاذة بالعلي الخالق ؛ كي ينجيك من شر المزالق ، والخير ألا يفتأ لسانك عن دعاء ربك :
يا مقلب القلوب والأبصار ، ثبت قلبي على دينك
يا مصرف القلوب والأبصار ، صرف قلبي إلى طاعتك

سوف يتذكر الناس أيام الغرر ، حين لم يدخروا وسعاً في إمعان الضرر ، والإعراض عن كل آيات النذر ؛ فلم يبق فيهم مدكر ، ثم أُخذت أرواحهم أخذ عزيز مقتدر ، فهزمت جموعهم وولى منهم الدبر .

يشهد سطح الأرض في عصرنا الحاضر تظاهرة سفهٍ عارمة ، تُعلنُ فيها الحربُ على الله ويُستخفُ فيها بأوامر الله ، ويُضطهدُ فيها أولياءَ الله ، وكأن الأرض تتهيأ لأخذةٍ مباغتةٍ ، تزداد معها عقارب الساعة اقتراباً ؛ إيذاناً بوقوعها ، ألا فليلُذ الصالحون بجنابِ ربهم ، وليلجأ المتقون بحمى وليهم ، ولا يبرحوا ساحة تضرعهم بين يدي مليكهم ، سائلينه العفو والمغفرة على ما كان من الذنوب والآثام ، وذلك قبل حلول الفجيعة وتجرع الآلام .

أيظن الناس أن يتركوا هملاً دون حساب أو مؤاخذة ، إن الزمن وإن أغراهم ، فإن يد المنية كفيلة بأن تتخطفهم وتغشاهم .

لماذا الحزن على الدنيا والعمر فيها محدودٌ لا سبيل لزيادته ، والرزق فيها مقسومٌ لا سبيل لنقصانه والسعي للآخرة فيها مطلوبٌ لا عذر لفواته ، فلنحظى بنعمة الاستعداد لدار الرحيل ؛ كي ما يهنأ بنا الرحيل ، وليكن فراقنا للدنيا أولى خطوات سعادتنا في الآخرة ، إذ فيها يكون المستقر والتقلب بين ألوان النعيم ، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ .

ليست العبرة بإمعان التغافل عن حقيقة لابد قادمةٍ ( كالموت ) وإنما العبرة وعين العقل أن تفكر في كيفية الاستعداد لمواجهة تلك الحقيقة قبل حلولها ، إذ أنها قادمةٌ لا محالة ، وإلا كان فعلنا كفعل النعامة حين تخفي رأسها في التراب ؛ لتواري جميع جسدها من سنان الحراب !! وهل يفعل ذلك إلا غبيٌ أحمق ؟!

أقل مقارنة بين حالك حين الغفلة وظلمة المعصية ، وبين لحظات نقائك وشفافيتك حين التضرع والبكاء إلى الله ، كفيلة بأن تأصل في نفسك التمييز بين حقارة الدنيا ، وعظـيم شأن الآخرة .

إذا كان لديك الاستعداد بأن تفوق الكلاب في عويلهم !! أو أن تنافس الذئاب على جيفهم !! أو أن تمكر بالثعالب مكراً يحيق بمكرهم !! فاخلع عن نفسك رداء الرجولة ، إذ لا يمكن ارتداؤه مع ثياب الخيانة التي أعدت لك ، واستلب من نفسك ضميرها ، إذ لا يمكن بقاؤه مع الغوص في وحل الرذيلة الذي خصّص لك ، واحذر أن تحدث نفسك بتقوى الله ، وإلا خسرت في حلبة المصارعة التي نصبت لك ، فإن لم ترض لنفسك كل هذه الألوان من التردي والضياع ، فعليك بتوثيق صلتك بربك ، بنقاء قلبك ، وطهارة سريرتك ، وحيينها سوف يحفظك الله ويرعاك ومن شرور الخلق يتولاك ، وبغنى النفس يغشاك .

تعتصر النفس الحسرة حين تعلم أن كثيراً من المشركين كان لديهم الاستعداد للدخول في الإسلام قبل موتهم ، غير أنهم لم يجدوا من المسلمين من تفرغ من شهواته وملذاته يوماً ولو للحظةٍ قليلةٍ ؛ حتى يحدثهم عن هذا الدين !! فما هي حجتنا غداً بين يدي ربنا ؟!

يظل الموت سيفاً مسلطاً على رقاب العباد ؛ كي يبطل حيلة كل داهية ، ويرغم أنف كل طاغية ويكشف الزيغ عن حقيقة هذه الدار الفانية .

القلبُ وعاءٌ من زجاج ، يحفظ ما بداخله طالما كان التعامل معه بليونة ورفق ، ويهدر كل ما فيه إذا ما كان التعامل معه بالشدة وعدم الرفق ، فاستفتحوا القلوب بالرحمات ؛ كي تذعن لهدى الآيات ، ولا تأخذوها بالتقنيط ، فتكونوا سبباً في مزيد من التفريط !!

كلُّ من عليها فانٍ ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، فلماذا التعلق بالأوهام ، والإعراض عن رضى الرحمن ؟! فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟
احذر عند أول وهلة للعجب بنفسك ؛ فإنك بذلك تضع قدمك على حافة هاوية الضياع إذ الفضل والمنة لله ، ولا يهلك على الله إلا من أرداه ، ولا يعجب بنفسه إلا من الشيطان أغواه.

احرص على هذه الشعرة الدقيقة بين الكبر ، وبين حفظ هيبتك لدى الآخرين ، وذلك لأن التواضع أمرٌ مرغوب ، غير أن الابتذال أمر غير محبوب .

طوبى لمن خُتم له بخير ، وترك في الناس أثراً يذكرونه على إثره بكل خير ؛ فإن ذلك هو سعيد الدنيا والآخرة .

للصدق أبعاد حسب وجهات نظر الناس ، فمنهم من يصدق في عامة حديثه ، ويلجأ إلى الكذب في بعضه ، ومنهم من يكذب في عامة حديثه ، ويلجأ للصدق في بعضه ، ومنهم من يصدق في عامة حديثه إلى مدىً محدود ، فإذا ما بالخناق يضيق عليه في بعض المواقف ، أو خشي من فوات مصلحة في مواقف أخرى ؛ لجأ إلى الكذب ، ومنهم من حاله كذلك ، غير أنه يستبدل الكذب بالمواراة ، التي تؤدي في بعض الأحيان إلى الكذب _ متى أفرط في استخدامها _ والنادر من الناس من يصدق في عامة حديثه دون لجوء لأي نوع من ألوان الكذب أو المواراة ، فإذا ما وفقك الله للتعرف على مثل هذا العبد ، فامسك بتلابيبه ؛ فإنه عملةٌ نادرةٌ في هذا الزمان ؛ لأنه إذا أحبك أخلص إليك ، وأوفى فيك ذمته ، وإن لم تحظَ بحبه ، فلن ُتحرم أمانته ، وسوف يوافيك حقك على الوجه الذي ترضاه . . إذ بصحبته تكون النجاة .

توقف عند كل كلمةٍ أو فعلٍ تقوم به ، فموازين الله في الجزاء والعقاب ، تختلف تماماً عما يمكن أن تتصوره ، إذ يمكن دخول الجنة بكلمةٍ ، أو الحرمان منها أيضاً بكلمةٍ ، حتى لو أنفقت معها ملء الأرض ذهباً لتفتدي به ، كما أن دخول النار أو الاحتجاب عنها ، يمكن أن يكون بفعلٍ صغيرٍ أو قولٍ يسيرٍ تستهين بوزنه ، ولا تعبأ بفعله ؛ إلا أنه عند الله كبير . . وفي عرصات يوم القيامة أمرٌ عظيمٌ ؛ إذا ما وضع في الميزان لك أو عليك ، فارحم نفسك بتقوى الله ، ولا تهلكها بالغفلة والبعد عن الله ، فاليوم عملٌ بلا حساب ، وغداً حسابٌ بلا عمل ، وسل ربك الثبات على الأمر ، والعزيمة على الرشد ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار ، فإن رزقك الله ذلك فهنيئاً لك النجاة .

أبداً لم يكن الفقر عيباً ، يحق لأحدٍ أن يعير أحداً به ، إذ الرزق بيد الله ، ولا حيلة ولا إرادة لغير الله فيه ، فمن رضي بنصيبه من الدنيا على قلته ، هانت عليه أيام حياته برغم قصر ذات يده وخف عنه عبء سؤال القبر وضمته ، ومن يدري لعله لو رُزِقَ المالُ في الدنيا ، لكان للنَّار أول داخليها ، وللجنة أول مفارقيها ، إذ أن المال يُطغي ، والغنى يَعمي ، ولا ناجيَ إلا من أنجاه الله فلنرض بالقليل من الرزق ، ولنحمد الله على نعمة الستر ، ولا نحزن لفوات نعيمٍ زائلٍ ، سوف يودي بأصحاب التفريط فيه إلى عذابٍ دائمٍ ، وليكن رجاؤنا أن ينجينا ربنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ؛ حتى نكون يوم القيامة في مأمنٍ ومستقرٍ ، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ .

ولله المثل الأعلى . . كيف يمكن للوالدة أن تضيّع وليدها ، أو تتركه هملاً دون رعاية أو مراقبة ؟ وكيف نظن بربنا الرحمن أن يضيعنا أو يتركنا هملاً في أي أودية الدنيا هلكنا ، ونحن عباده الفقراء إلا من رحمته ، الضعفاء إلا بقوته ، الضالين إلا بهدايته ؟ وقد أخبرنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه أرحم بالعبد من الوالدة بولدها ، فنسأله تعالى أن يتغمدنا بواسع عفوه ومغفرته ورحمته .

أنت في هذه الدنيا بين لئيمٍ لا تأمن غدره ، وبين خائنٍ تترقب خيانته ، وبين منافقٍ يتربص بك وبين طامعٍ يتحين فرصة الاستيلاء عليك ، وبين حاقدٍ يعتصر قلبه حقداً عليك ، وبين فاجرٍ يسخر منك ، وبين سفيهٍ تخشى أن يضر بك ، وبين مجتمع لا يعبأ بمثلك ، فسل الله السلامة والنجاة ، إذ لا منجى لك من هذه الفتن سواه .

الدنيا غشاءٌ يصيب من بداخله بنوعٍ من التخدير الذي يسوّغ له التردي شيئاً فشيئاً ؛ حتى إذا ما وصل إلى قاع الحضيض ؛ صار ملطخاً بالأوساخ والأقذار التي يصعب معها التخلص إلا بتوبةٍ صادقةٍ ، يعينه الله فيها على الخلاص من كل شوائب السوء التي علقت به ، وإلا فمزيدٌ من التلطخ ، ومزيدٌ من الموبقات والآثام ، التي تلقي بالعبد حتماً في وادٍ سحيقٍ من الخسران .

رجاء العبد مقطوعٌ ابتداءً ، ورجاء الله موصولٌ دواماً ، فمن رجا العبد خابت أمنيته ، وحار قصده ، أما من رجا الله تعالى ، فلا خيبة لرجائه ، ولا حرمان لأمنيته ، وإنما هو الرضا بعينه إذ يرحمه حال منعه ، ويأجره حال عطائه ، فمن رضي من الله برزقه ، شعر بالغنى طوال عمره إذ أن الغنى غنى النفس ، فمن ملك الدنيا بحذافيرها ، ولم يرزقه الله غنى النفس ، شعر بأنه أفقر الناس على وجه الإطلاق ، فليحمد الله كل من رزقه الله غنى النفس ، إذ حفظه حين أمنه من نوائب الدهر التي يجزع لها الأغنياء قبل الفقراء ، وأكرمه بأن جعل قيمته في كيانه ، وليست في ماله الذي إذا ذهب ؛ ذهبت معه قيمته ، وأضحى لا يعبأ الناس به ، فاللهم ارزقنا غنى النفس والاستغناء عن الناس ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

عجيب سعي الناس في هذه الحياة . . . فما بين منهمكٍ على دنياه ، يبذل في سبيلها أيّ شيءٍ لإدراك سعادةٍ زائفةٍ ، وما بين داعٍ لربه ، يبذل في سبيل دينه كل غالٍ ونفيسٍ ؛ لنيل مبتغاه بنصرة دين الله ؛ حتى لو كابد في سبيل ذلك كل الصعاب !! فشتان ما بين السعيين ؛ إذ شتان ما بين العاقبتين .

للحياة غايةٌ عظيمةٌ ، تزخر بكل معاني السعادة والشعور بالقيمة من خلال السعي إلى سائر الأهداف النبيلة ، فمن نَظَرَ إليها من هذا المنظور ؛ شعر بأنه عزيزٌ في دنياه ، راجياً السعادة في آخرته ، أما من حُرم هذا المنظور ؛ فإنه ينظر إليها من منظورٍ هو أقرب ما يكون لمنظور الحيوانات التي لا تعرف معنىً لعيشها سوى المأكل أو المشرب ، وما عدا ذلك ، فهي همومٌ لا ينبغي أن يشغلوا أنفسهم بها ، مهما كانت غايتها أو نبل هدفها !! فأخرجوا أنفسهم بذلك من السعة إلى الضيق ، ومن العز إلى الذل ، ومن الكرامة إلى المهانة ، إذ حصروا أنفسهم في هذه الدائرة الضيقة ، وفي هذه القصعة الصغيرة التي تداعى عليها كلاب الأرض قاطبةً لينهشوا ما بداخلها ، وهم بين تعيسٍ على فواتِ حظِهِ ، أو حاقد على غيرهِ ، أو متربصٍ لأخذ ثأره ولا حظّ لأحدٍ منهم في استشعار أي نوعٍ من أنواع السعادة ، لأنهم أوحلوا أنفسهم في أعماق ظلمة الوحشة والكآبة والضيق والتعاسة ؛ بإمعان البذل في تلبية متطلبات الجسد دون الروح حين أقبلوا على ما هو فانٍ ، وأعرضوا عما هو باقٍ ، فكان واقع حياتهم مكذباً لزيف أمنياتهم وكان قصر آجالهم محطماً لطول آمالهم ؛ فوقعوا بين الحسرة على ما فات ، والخوف والهلع مما هو آت ، ففاتت عليهم دنياهم دون أن يعرفوا معنى لحياتهم ، وأقبلت عليهم آخر تهم دون أن يقدموا لأنفسهم عملاً بين يدي ربهم ، وهكذا ذهبت منهم حياتهم ، وانقطع منهم ذكرهم بمجرد مماتهم ، وذلك لأنهم ما عاشوا لغيرهم ، وإنما عاشوا فقط لأنفسهم ، لأنهم ما عرفوا لذة البذل لربهم ، والسعي لعزة أمتهم ، ولو عرفوها ؛ لما نسي الناس ذكرهم ، حتى بعد انقضاء آجالهم ، لأنهم عاشوا لقضيةٍ خالدةٍ ؛ فَخَلَدوا معها بذكرهم .

فرق كبير بين التفكير في السعة حال الضيق ، وبين التفكير فيها حال السعة ، إذ أن من يعاني الضيق ، يستشعر آلام أمثاله من ذوي ضيق العيش ، فيتصور أن المال إذا جاءه ، فسوف يصنع من أجلهم المعجزات ، أما من يفكر في التوسيع على الناس ، حال سعته ، فإنه يرى الصدقة اليسيرة منه في حقهم كبيرة ، وأن فضل ماله ينبغي أن يُعاد النظر في طريقة إنفاقه مرات ومرات حتى يكون من العقلاء الأكياس ، ولا يعبأ بالنعمة ، ولا يهدرها في هباء !!

وهكذا لا يجني من ثمرة نيته الواهية إلا الخواء !!

الطبع غلاب . . هكذا يقولون ، والواقع يشهد بصدق هذه المقولة ، فكثير من الناس يحاول إظهار نفسه بغير صورته الجوهرية ، إلا أن لسانه يفضحه ، وذلك لأن قلبه تشرب ما اعتاده من الطباع ، فيفشيها اللسان أثناء الكلام ، فتعرفها منه في لحن القول ، إذ أن اللسان مغرفة القلب .

كلما تعمقت علاقاتك الدنيوية ، وكثرت تعاملاتك المادية ، كلما تجردت نفسك من شفافيتها واكتسبت من الصفات ما يؤهلها للإشراف على هلاكها ، والخير أن تلقي بالدنيا وراء ظهرك حرصاً على دينك ، ونجاةً لآخرتك ، وسلامةً لقلبك ، وإخلاصاً لربك ، وإلا فانظر إلى نفسك بعد فترةٍ من تلك التعاملات ، فسوف تجدها قد انتقلت إلى عالمٍ من الضياع والتردي ولا يهلك على الله إلا هالك ، فسل ربك السلامة والتثبيت ، واقنع من الرزق بما يسترك وعن سؤال الناس يغنيك .

تجارب الحياة مريرة ، منها ما يفقدك الثقة في أقرب الناس إليك ، ومنها ما يجعلك تستشعر أنك تحيا في غابة موحشة ، أرحم من فيها قلباً هم الذئاب !! ومنها ما يدفعك للخوف حتى من ولدك وزوجك ، ومنها ما يدفعك للندم على مد يد العون للآخرين ، ومنها ما يجعلك تستشعر أنك أحوج ما تكون إلى الموت ، ومنها ما يفقدك قيمة الحياة برمتها ، ويجعل الكآبة تخيم على كل ما حولك ، وخلاصة هذه التجارب جميعها ، تجلي أمام عينيك بما لا يدع مجالاً للشك حقارة هذه الدنيا ووضاعتها ، وتشعل في قلبك نار الحسرة على تفريطك في حق آخرتك التي هي بحقٍ . . دارُ القرار .

لم يفز العاصي بأي شيء على وجه الإطلاق ، فلحظة متعته سريعة الزوال ، وآثار شؤمها على النفس دائمة الكآبة مؤرقة للبال ، إذ بها صارت عناية الله عنه بعيدة المنال ، بل صار غضبه عليه وشيك الإنزال ، ومن ثم يمضى لقبره دون ما زاد من الأعمال ، ويصبح رهين حساب ليس له به أي طاقة أو احتمال ، فبأي شيء فاز العاصي سوى المهانة والمذلة والخسران ؟!

الناس في هذه الحياة كالكهوف المجهولة التي لا يعلم أحد كنهها سوى الله سبحانه ، فإذا ما أردت التعرف عليها ، أو التعامل معها ؛ فكأنك تعمد إلى الولوج داخلها ، فكن حذراً إلى أبعد الحدود ، حتى لا تلدغك بعض عقاربها أو حياتها ، فإذا ما تجاوزت مرحلة الدخول إلى إحداها وحصل لك الأنس بذاك ، فلا تأمن على نفسك تغير هبوب الرياح عليك ، إثر تعامل مادي أو نزغٍ شيطاني ، حيث ستجد الموازين قد انقلبت بين يديك ، والوضع قد تغير عليك ، فلا تجزع لما هو وارد ابتداءً من بني البشر ، وإنما عليك بتوثيق صلتك بمقلب قلوب البشر ، حتى يحفظ لك فيها مكانتك ، ويعلي لك فيها منزلتك ، ولن يحصل لك ذلك ، حتى تُعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، فإنك بهذا الميزان ستكون في مأمن من نوائب الدهر ، ومكائد بني الإنسان

هل رأيت من يبني بيتاً من الماء ؛ لوضع أرطالاً من المعادن التي تنأى عن حملها الجبال عليه ثم يندب حظه لعدم قدرته على إتمام ذلك البناء بسبب عدم تماسك مواد بنائه المكونة من الماء والهواء ؟! قد تتعجب إذا ما عرفت أن صاحب هذا البناء هو أنت وأنا وكل بني البشر الذين ينسجون من آمالهم وأمنياتهم العريضة أوهاماً ، ثم يهيمون معها في ضياع ، مبددين أعمارهم وطاقاتهم في هباء ، بأن أفنوها في دار الفناء ، ثم قدموا على الله مفارقين لركب الأتقياء ، فلم تجن حسرتهم إلا الخواء .

من الوهم أن تزعم قدرتك على الانغماس في شتى مشاغل الحياة ، والمحافظة على حياة قلبك بذكر الله في آنٍ واحدٍ ، حيث يأبى هذا الوعاء الذي جعله الله في جوفك استيعاب الأمرين معاً وعليك أن تقرر طرد أحد الشاغلين ، وتفريغه لأحدهما فحسب ، فإن أبيت إلا الدنيا ؛ فإن هذا الوعاء سوف يتمزق منك كل ممزق ، ولن تملك لجمع شتاته المبعثر سبيلاً ، أما إذا فرغته لهم آخرته فحسب ، فإنك بذلك قد جمعت له شمله ، وحددت له هدفه ، وأزحت عنه هموم دنياه الموحشة ، وذللت له دربه نحو الله والجنة ، وكفى بهذا سبيلٌ للنجاة .

سبحان من أودع في كل قلبٍ ما أشغله .

الزمن بساط يسحب الناس ببطيء تجاه نهايتهم المحتومة على حين غفلةٍ منهم ، وهم غارقون فوقه في أمانيهم التي تسير تماماً عكس اتجاه هذا البساط ، والشيطان يرقص وسطهم ويحدو بهم نحو أمانيهم الزائفة بعزف أعزب الألحان ، فإذا ما وقعت بهم الداهية ، أفاقوا من غفلتهم حين أُغلقت سبل النجاة في وجوههم ، وأُبطلت بالوعيد كل حيلهم ، وأضحى العذاب مقابلاً لوجوههم فمن يدرك الآن نفسه بمخالفة سير تلك الجموع ؛ حتى لا يهلك مع الهالكين ؟ ومن يُري الله اليوم من نفسه خيراً ؛ حتى يحشره الله مع الفائزين ؟

وحدك لا تستطيع فعل شيء . . وحدك ضعيف أمام كل شيء . . وحدك لا تقوى على مواجهة أي شيء . . وحدك فقير من كل شيء . . وحدك محتاج لكل شيء . . وحدك غير آمنٍ على أي شيء . . وحدك عاجز عن كل شيء . . فلماذا لا تلتصق برحاب ربك الذي بيده ملكوت كل شيء ؟

كثير من الناس من يجمع بين غلظة جيبه وغلظة قلبه ، كما أن الكثير منهم من يجمع بين رقة جيبه وغلظة قلبه ، إلا أن البعض منهم من يجمع بين رقة جيبه ورقة قلبه ، ولكن النادر من الناس من يجمع بين غلظة جيبه ورقة قلبه .

الشيطان والنفس والهوى والفقر والمرض والخوف والنفاق والرياء والحقد والحسد والغيبة والنميمة والغدر واللؤم والخيانة والفجر والعهر والكفر والشرك الرذيلة والبغي والظلم والفساد والفسق كلهم أعداء متربصون بك ؛ كي ما ينالوا من دينك ، ولا عصمة لك إلا بربك ، فبقدر حرصك على النجاة من سنان حرابهم ، بقدر ما ينبغي أن يكون التصاقك بربك ، وبقدر تفريطك في أمر ربك ، بقدر ما يمكن أن تصيبك تلك الحراب !!

لا أمان لأهل الدنيا على وجه الإطلاق ، فهم الذين لا يعرفونك إلا حال يسرك ومسرتك وهم أول المفارقين لك حال عسرك ومضرتك ، فكيف يمكنك الوثوق بهم ؟!

إذا أردت أن تستوفي شواغل الدنيا بأسرها ، فيلزمك زيادة عمرك أضعاف أعمار العالمين ، فإذا ما استطعت ذلك _ برغم استحالته _ فإنك لن توفِ إلا معشار تلك المشاغل ؛ لتشعب شتاتها فأحجم هذا السيل من استنزاف عمرك المحدود في تلك المتاهات التي لا قبل لك بها ، واستثمر أيام حياتك المحدودة في عمار آخرتك ، فرب عملٍ قليلٍ تعظمه النية .

دعك من هذه الهالة الزائفة التي يحيا الناس فيها ، ويتصارعون عليها ، ويتخاصمون من أجلها وصوب نظرك نحو هذا القادم القريب الذي لا يمهل غافلاً ، ولا يعذر مقصراً ، ولا يشفع لعظيمٍ ولا يرأف بفقيرٍ ، إنه الموت الذي ليس منه فوت ، وإنها الآخرة بأهوالها وشدائدها ، وإنه الله بكبريائه وجبروته وعظمته ، فلتقدم لنفسك من الأعمال ما ينجيها من هذا الهول القادم ؛ عسى أن تنالك رحمة الله ، ولا تتعجل بهلاكها بمزيد من البعد عن الله .

تنغمسون تنغمسون ، ثم تموتون فتنكشف أعمالكم .

رزقٌ ضمنه الله ، وأجلٌ حدده الله ، وعملٌ طلبه الله ، فكن على نورٍ من الله في تناولك لهذه الثلاثة ، كي ما تطمئن على رزقك فلا تورد نفسك موارد الهلكة ، وكي ما تستعد لأجلك فلا تنحرف عن ذلك في أودية الغفلة ، ولكي ما تنشغل بالسعي آخرتك ، كي ما تهنأ بك الخاتمة .

ليس السعيد من جمع من الدنيا كثيرها ، ثم مضى رغم أنفه مفارقاً لها ، وأضحى رهين حساب يطول أضعاف زمان جمعه لها ، وإنما السعيد من تخفف ليوم ملاقاته ، وعمل ليوم الخوف من زلاته فسعد برحمة الله في ظلال جناته .

سباقٌ رهيبٌ يجري بين طالبي الدنيا والآخرة ، فطالبي الآخرة يركضون لإدراك النهاية ، وطالبي الدنيا يتقهقرون رافضين التزحزح عن نقطة البداية ، إلا أن خطى الأيام تجرفهم نحو النهاية جرفاً مهيناً وهم منهزمون ، فلا الدنيا لهم بقيت ، ولا الآخرة لهم سعدت ، فبئس السباق سباقهم إذ كانوا منشغلين عنه بدنياهم .

نعم . . كثير من البشر لا يرحمون ، ولكن حذار أن يداخلك الشيطان من هذا الباب ليقهرك بالحاجة ، ويخوفك من ضيق العيش ، فتورد نفسك موارد الهلكة ، مفارقاً درب الله والجنة ولكن كن على يقينٍ أن أمر دنياك أهون ما يكون على الله ، فالدنيا لا يمنعها حتى من الكافر لحقارتها ، أيضن بها عليك ، وأنت عبده الموحد ؟!

الكل موقوف في طابور انتظار الموت ، إلا أنهم غافلون ، وفي اقتراف الآثام متمادون ، وعن آخرتهم متعامون ، ثم في عرصات يوم القيامة سوف يحاسبون ويؤاخذون .

تباً لك أيتها التعاملات المادية ، فشظى نارك لم تترك صالحاً أو طالحاً إلا وأصابته في مقتل .

إذا وفقك الله لطاعته ، وحفظك من مواطن الزلل ، فاعلم أنك في نعمة أداء شكرها ، دعوة الآخرين للنجاة ، وكفرها الاغترار بحالك ، وعدم الاكتراث بنجاة الآخرين من حولك .

إذا لم يكن بينك وبين الله حبل موصول ، تستشعر ملمسه من خلال حالك مع الله ، ومراقبة نفسك بين الحين والآخر ، فاعلم أنك ممن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ولم يبال الله به في أي أودية الدنيا هلك ) .

التوفيق للطاعة نعمة محضة من الله ، تستوجب الشكر ، ومزيد من التذلل إلى الله ؛ لئلا يحرمك منها ، فتجد نفسك في ركب السالكين لدرب الهلاك !!

المال ابتلاءٌ يغشي عين صاحبه عن رؤية كثير من الحقائق التي يراها أصحاب البصائر، ويصرفه عن النظر في عواقب الأمور تحت تخدير المال للعقول، فإذا ما اكتنفه الحرمان، وانقلبت عليه الأحوال ، انكشفت أمام عينه حقيقة الأمور، وكانت الحسرة على الدنيا أقرب بالروح إلى الحلقوم ، وثمرة أيام غفلته ، مؤهلة للعذاب والثبور ، نسأل الله العفو والعافية .

كيف يعبأ الله بحالك وأنت لا تمتثل لأوامره ؟!!

المعصية شراك خداع ينصب لكل مغرور بنفسه، لكي يحني رأسه بذل المعصية، ولا يهلك على الله إلا هالك، فإياك وأولى خطوات المعصية، فقد تبدو يسيرة في بدايتها، ولكن عواقبها وخيمة في نهايتها، إذ تكبلك بقيد ذل العبودية لهوى نفسك وشيطانك؛ حتى تظن ألا فكاك منها؛ فترضخ لمزيد من وبالها؛ حتى تغرق تماماً في وحلها، ولا معصوم إلا من عصمه الله تعالى .

نوافذ الشيطان على النفس هي : السمع والبصر واللسان .
فإياك أن تطلق بصر ك في الحرام فيأسرك .
وإياك أن تطلق سمعك في الحرام فيقودك .
وإياك أن تطلق لسانك في الحرام فيهلكك .

استشراف النفس للحرام _ ولو من طرف خفي _ يهيئها للسقوط الحر في وحله، وعلى الفور.
الغارق في وحل المعاصي ، الغير متواني في ارتكابها ، كالمطعون الذي يعالج جرحه بمزيد من الطعنات حتى يهلكها !!
الناس وراء مصالحهم .
مكانتك في قلوب الخلق بحسب المنفعة المرجوة منك .

عالمنا قلت فيه الضمائر، وأصحاب الضمائر أضحوا فريسة للذئاب .

الماديات في عصرنا، صارت تضفي على القلوب طباع السباع !!

ما رأيت أكثر من الدنيا قصعة يتناحر عليها الكلاب، وتضفي على أصحابها من الصفات أذمها إذ أقلها الطمع، وأسوأها الحقد على الآخرين .

تشابه الأشكال غالباً ما يتطرق لتشابه الأرواح والنفوس .

أول طريق الزلل أن تفقد الصدق مع الله .

مكانتك في قلوب الخلق بحسب مكانتك عند الله، ومكانتك عن الله بحسب مكانة الله في قلبك.

كن دائماً على استعداد للموت؛ فإن ذلك يهون عليك الفراق، ويسعد لك المآل .

معرفتك بحقيقة نفسك هي بداية طريق الصدق مع الله .

تذكر العاقبة، يعينك على تقوى الله .

استشعارك الدائم بأنك قدوة، يعافيك من الوقوع في كثير من مواطن الزلل .

لا يبالي الصادق في طلب آخرته بالدنيا أقبلت أم أدبرت .

كلما ازدادت رغبتك في الآخرة؛ كلما ازداد زهدك في الدنيا .

قلبك قلبك . . أدركه من نفسك وهواك قبل أن يهلكاه، فهو سفينة نجاتك الوحيدة إلى حسن خاتمتك، وليس لك غيرها .

السقوط الحر يعني فقدان الصلة بينك وبين ربك، واستسلامك للفتن من حولك .

ماذا تساوي الدنيا بأسرها إذا ما كنت مبعداً من ربك ؟!!

تمهل . . وأبصر طريقك قبل المسير، فلعلك تلج بنفسك مواطن الردى وأنت لا تدري، فغفلتك لا تمثل لك عذراً عند ربك، وانسياقك وراء ركب الغافلين؛ هو عين المأثم بميزان الحساب في آخرتك.

الزم طائرك في عنقك قبل ما تُلزمه وقت الحساب، فيكون العقاب .

لأن تسيء سراً وتستغفر ربك، خير لك من أن تكون فتنةً للذين آمنوا، وقدوة سيئة للناس من حولك، فتبحث عن المعذرة، فتفتقدها في نفسك قبل ما تفقدها لدى الآخرين .

قلبك ماذا دهاه بمرور الأيام ؟! . . فسبحان من جعله يطوق شوقاً لآخرته يوماً ما، وجعلك الآن تكابد الفتن، وأنت كالغريق الذي يبحث عن النحاة .

ضريبة الدنيا تؤخذ من الدين، وكلما زاد همّ الدنيا قلّ همّ الآخرة، وكلما قلّ همّ الآخرة ازداد القلب وحشةً وظلمةً، فأين النافضون عن أنفسهم غبار روث هذه الحياة في دنياهم، كي ينجوا من نيران عذاب الله في آخرتهم ؟

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وإن استطعت ألا يفارق ذكر الموت خاطرك فافعل؛ فإنك بذلك تقصد النجاة في عقر موطنها .

أي مقدار من الركون للخير الذي تظنه في نفسك مهما صغر، كفيل بأن يوردك موارد الهلكة إذ الفضل والمنة لله، ولا يوفق للطاعة سواه، فإذا ما ظننت في نفسك الخير بأي مقدار، وركنت إلى ذلك؛ فقد أسلمت رأسك للشيطان يعبث بها كيفما يشاء، ولن تفيق من أوهامك إلا على حقيقة مفجعة، وهي أنك وصلت على حين غفلة إلى قاع الضياع، إذ رب طاعة أدخلت صاحبها النار؛ لما تحدثه في النفس من الغرور والعجب، فيتخلى الله عن صاحبها؛ حتى يهلك في دروب المعاصي، ولا يهلك على الله إلا هالك .

المحرقة هي أن تسلم نفسك لمشاغل الدنيا على كثرتها وتنوعها، فتفقد قلبك، وتخسر دينك وتبدد عمرك، وتفرط في أمر رعيتك، وتستدعي الهموم على اختلافها، وتحمل من الأثقال ما لا تطيق، مما تنأى عن حمله الجبال، ثم تقدم على الله وقد أحرقت نفسك قبل ما تورد على الصراط الذي يخشى معه التردي في المزيد من إحراقها !!

عوامل مشتركة وإن اختلف مضمونها بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، فلكل واحدٍ منهما هموم وأعداء ومخاطر وأهداف وعاقبة، ولكن شتان بين من كانت همومه وأهدافه أرضية ينحط معها كلما انشغل بها وسعى لتحقيقها، وبين من سمت به روحه وعلت همته؛ كلما انشغل بتلك الشواغل الربانية، وسعى لتحقيق أهدافه الإيمانية، فالجميع يركبون قطاراً واحداً، هو رحلة هذه الأيام، غير أن العاقبة تتباين تماماً، إذ لا يمكن مقارنة عاقبة كلاب أهل الأرض، بعاقبة هذه الفئة الطاهرة من الربانيين والصديقين والشهداء والصالحين،وحسن أولئك رفيقاً، فاللهم اجعلنا منهم.

ما رأيت للجبناء أحكم من قول القائل : أي يومين من الموت أفرّ ، يوم لا يُقدر أو يوم قُدر يوم لا يُقدر لا أرهبه، ومن المقدور لا ينجو الحذر .

عرفناك أيتها الدنيا، فما لديك من الفتن والمكائد أكبر بكثير من أن يصمد العباد على ضعفهم أمامه ، غير أن الاستعانة بالله وحده، وإدارة الظهر كاملاً لمغرياتك، هي السبيل للنجاة من فتنك ومضلاتك .

رويداً . . فما العمر بالكثرة التي تحتمل هذا التبديد في الغفلات والملذات، فقطار العمر يمضي وخطى الأيام تسير بلا توقف أو هوادة، والطريق قد شق بك إلى آخرتك، فعن ماذا يكون التغافل ؟ عن نهاية لابد من مواجهتها، أم عن آخرة لابد لها من سعيٍ صادق للنجاة من هولها ؟

حرارة المال تلهب القلوب، لاسيما إذا ما اقتربت من شغافها، وأوشكت الأيادي على ملامستها، فحيينها لا تسل عن العقول أين ذهبت، وعن الضمائر كيف سُحقت، وعن القلوب كيف نُكست !!

الصدق أمان يستمد زاده من الله منبع الأمان، فكلما كنت صادقاً مع ربك، كلما ازداد شعورك بهذا الأمان .

عجباً . . كيف يحيا من لا يحب الخير للآخرين ؟!

مع ازدياد الزيف في حياة الناس ، تصعب المعاملات، وتسيء الأخلاقيات، وتصبح الحياة أشبه برباط العنق الذي يضيق يوماً بعد يوم على صاحبه؛ ليولّد الشعور بالاختناق .

عرفت الحياة مزيجاً من الخداع والزيف، ولم أر راحتي أو أشعر بوجداني إلا في رحاب الأخوة الصادقة التي تشبه التقلب في ألوان النعيم ما دامت خالصة لوجه الله تعالى؛ فإذا ما شابها شيءٌ من الدنيا تعكّر صفوها، وزال بريقها، وأخذت تضفي على النفس خصال هي أشبه ما تكون بخصال السباع والوحوش، فإذا ما رزقك الله الأخوة الصادقة، فلا تلوثها بروث الدنيا؛ فتفقد الأمرين معاً، إذ الدنيا لا تدوم، أما الأخوة الصادقة، فتدوم ما لم تلوث بروث هذه الحياة .

يكاد يكون غشاء الغفلة من أقوى الحواجز وأمنعها، إذ لا يمكن لعبد إزاحته عن قلوب الغافلين إلا بتوفيق من الله وهدايته، وإلا فما الذي كان من أمر أبي لهب وأتباعه، وهم الذين سمعوا من آيات الذكر ما أذعنت له القلوب، ورضخت له الجبال الرواسي، إلا أن ران الجحود والغفلة التي على قلوبهم حالت دون تأثرهم بذلك، فما أشد حواجز الغفلة، وما أقواها من موانع تحجب القلوب عن ذكر الله تعالى !!

الحياة فصول من قصة واحدة تتكرر مضطردة في أوساط وحياة الناس، فما بين مستوعب لدروسها، مترقب لتقلب أحوالها، وما بين غافل عن أحوالها، جازع لتلقب أموره بها .

ليست العبرة بكثرة الأنصار والأتباع في الدنيا، وإنما العبرة بالنجاة من عذاب القبر، وأهوال يوم القيامة .

مشيناها خطى كتبت علينا ، ومن كتبت عليه خطى مشاها .

تمر الدنيا بلحظات صفوها وكدرها ، ولا يبق منها إلا ما ادخرته لآخرتك ، فلا تمض وراء السراب ، وأحجم خطى سير أيام عمرك عن المضي قدماً ، إلا فيما يقربك من ربك .

سعادة الدنيا تمتد إذا ما اقترنت ببذل الخير للآخرين ، أما إذا ما كانت محصورة على النفع الذاتي فحسب ، فإنها تكون أقصر ما تكون ؛ لأن الأنانية التي شابتها تسحق معها كل طعم للشعور بالسعادة أو الراحة أو الطمأنينة النفسية .

ما أكثر المغتربين عن آخرتهم في هذه الحياة، إذ خلقوا من أجلها، لكنهم انجرفوا عنها بمشاغل الحياة الزائفة، فما أشد لحظات قدومهم على الله، إذ لا وفود استقبال لهم سوى زبانية النار، وما أسوأ منقلبهم إلى الله؛ إذ ليس لهم مآلٌ سوى غضب الجبار، فما أسوأها من غربة تودي بأصحابها إلى قعر النار !!

فرص التقرب إلى الله كثيرة كثيرة، غير أن العبد لا يوفق إليها إلا برحمة من الله وفضل، لذا عليك أن تتوخى تلك الفرص في موطنها، متذللاً لربك أن لا يحرمك منها، إذ الفضل والمنة لله، واعلم أن جزاء الحسنة الحسنة تتبعها، وجزاء السيئة السيئة تتبعها، فارحم نفسك بالطاعة ولا تشقيها بالمعصية؛ فتخسر الدارين معاً ( نسأل الله العافية ).

فارق كبير بين من باغتته مصيبة هو متحسب لها، مترقب لعواقبها، وبين من باغتته تلك المصيبة وهو لاهٍ عنها متغافل عن تبعاتها، إذ وقعها على المترقب لها أخف بكثير من وقعها على ذلك الغافل المستهتر، فكيف إذا كانت تلك المصيبة هي أعظم المصائب وأشدها على وجه الإطلاق، وكيف إذا ما كانت عواقبها هي أخطر العواقب وأسوأها على وجه الإطلاق، إنها مصيبة الآخرة، وعاقبتها النار لكل من غفل عنها، واستهان بها، فما أكثر المتغافلين، وما أكثر المستهترين !!

أرهف إليّ السمع رحمك الله . . فمغريات الدنيا تشتد في جذبك إليها، وقلبك يتقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن كيف يشاء، وأنت في حركة مضطردة بين الإقبال والإدبار على زينة الدنيا وبهرجها، أو الزهد فيها والتطلع إلى حسن المآل في آخرتك، وكلاب الأرض يحيطون بك من كل جانب؛ كلما أقبلت على زينة الدنيا؛ لينهشوا ما بيدك، فإن قصدت مواجهتهم أضفوا عليك من ذميم صفاتهم ؛ حتى تصير مثلهم . . أي مثل الكلاب، وإن حاولت تجنب مواجهتهم؛ أسلمت لهم كل ما في يديك طائعاً مختاراً ؛ حفاظاً على سلامتك، ونجاة بنفسك، وكلا الأمرين سوء، فارحم نفسك بتوثيق صلتك بربك، وبإدارة الوجه كاملاً للفتن من حولك، وتوجه بخطىً ثابتة نحو آخرتك، فإنك بذلك تقصد عز الدنيا وكرامة الآخرة في موطنها .

فقاعة كبيرة ، تبهر العيون بمظاهرها البراقة ، وتخدر القلوب بوعودها الخداعة، وتطمس العقول بمتعها الفتانة، فإن أردت أن تكون من أهلها، فاطمس عينك، وأعم قلبك، ولا تعمل عقلك لأنك لو استعملت هذه الحواس ولو لبرهة قليلة من الزمن بتجردٍ؛ فسوف ينكشف لك أمرها ولن ترض لنفسك أن تكون من أهلها، وذلك لأن كل أمنياتك ستزول سريعاً بزوالها، ولن يبق لك إلا الحسرة والندامة على ما كان من وهم أيامها، فارحم نفسك من تجرع حسراتها، وفك قيدك من رق عبادتها، والحق بركب عباد الرحمن الذين وعدهم الله بجنته، والنعيم في روضاتها .

سبحان من جعل قلوب الصالحين تبصر ما لا تبصره عيون الغافلين .

هواك قد يداخلك فيما لا تتصور أن يداخلك فيه من الأمور، فراقب قلبك دائماً؛ حتى لا يجنح به الهوى في أودية الهلاك وأنت لا تدري، بل تحسب بذلك أنك تحسن صنعاً !!

محرقة القلوب هي الدنيا بكل همومها، وحياة القلوب هي الآخرة بكل غاياتها .

عرفت القلق مع الإقبال على هموم الدنيا، ونعمت بالراحة في ظلال الأخوة الصادقة .

عودةً إليك ربي ثم عذراً من طول هيامٍ في دروب الغافلين .

أيقظني بذكر الآخرة ، ولا تغمرني في مزيد من الوحل بهموم الدنيا .

بهجة المعصية التي تغشى العبد حال اقترافها ؛ تتحول إلى قطع من الجحيم والظلام في طيات النفس، ثم في جنبات القبر، ويوم القيامة تشتد مع غضب الله تبعاتها .

سلامٌ على كل برٍ رحيمٍ يحب الخير للناس، ولا يشغل نفسه بالمنازعات والمهاترات التي تحرق القلوب وتُذهب الحسنات .

من لنا سوى الله تعالى ؟!

لا ينبغي لمن خرج من الدنيا بحسن الخاتمة أن يحزن على شيء .

لا فرق بين ما يملكه الفاجر والزاهد من حواس وأعضاء، غير أن الفارق الجوهري والكبير هو ذلك القلب، وما يحويه من صلاح أو فساد، ويتعجب المرء إذا ما علم أن أعتى قلوب الفاجرين فساداً، قابل لأن يكون أتقى قلوب الزاهدين صلاحاً، والعكس من ذلك صحيح، لذا على التقي ألا يغتر بنفسه فيهلك، وعلى الفاجر ألا ييئس من رحمة ربه فيقنط، ويحرم نفسه من سعة رحمة ربٍ رحيمٍ ودودٍ، يفرح بتوبة عبده على الرغم من استغنائه عنه .

كاذبٌ ثم كاذبٌ من ادعى قدرته على معايشة البيئات الفاسدة دون التأثر بغبار فسادها وانحرافها، وذلك لأن قلبه لم يخرج عن كونه قلباً من قلوب البشر التي يقلبها الرحمن كيف يشاء، ويتأثر حتماً بالبيئة المحيطة به سلباً أو إيجاباً، وإلا لماذا أمر الله رسوله المؤيد بالوحي، والذي رأى الجنة والنار رأي العين بمفارقة مجالس الفاسدين، بل وحذره من فتنتهم له قائلاً سبحانه : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم لظالمين ) وقال أيضاً : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً ، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً؛ إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ) فإذا ما كان هذا التحذير للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه في حق غيره أولى، فكيف يزعم من يزعم قدرته على معايشة البيئات الفاسدة دون التأثر بها !! إنه حتماً زور وبهتان عظيم.

إذا امتلأت نفس العبد بنور الروحانية، فإن الشيطان يطمع على الفور في طمس هذا النور، ولو بالقليل من ظلمة المعصية، فإذا ما كان العبد معجباً بحاله، أجابه لبعض الصغائر، مطمئناً لحاله وما يظنه في رصيده من كثير الحسنات!! فإذا ما سار معه في هذا الطريق؛ لم يلبث إلا يسيراً حتى يجيبه إلى الكبائر؛ حتى يسقط سهواً أودية الهلاك، ومنبت ذلك كله هو العجب الذي ما خالط قلب العبد إلا بدل حاله إلى أسوا حال، ناهيك عن غشاء الغفلة الذي يستمرأ معه العبد استصغار الذنوب؛ مما يدفع به لكل بلاء .

الغرق بمفهوم الآخرة يعني فقدان الشعور باقتراف المعاصي، واللامبالاة بمواطن الزلل، ومجاراة أهل السوء دونما اكتراث، فإن وجدت نفسك تنجرف منك في هذا السبيل على حين غفلة منك؛ فاجذبها نحو النجاة بقوةٍ تفوق قوة الغريق الذي يتشبث بأي شيءٍ لإدراك النجاة، ولن تكون لك هذه النجاة إلا بمرافقة ركب الصالحين، فهم طوق نجاتك في هذه الحياة .

انفض عن قلبك غبار الدنيا ووسخها بذكر وحدتك في ظلمة القبر، وذهول عقلك في عرصات يوم القيامة .

يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي إلى طاعتك .

عجباً لمن يرفع شعار الطهارة، وهو أقذر الناس قلباً !!

المثالية معنى تم سحقه تماماً من عالم المعاملات المادية .

أول ما ينبغي أن تعزي فيه التاجر هو فقدان قلبه الذي سحق منه تحت وطأة المعاملات المادية التي لا ترحم، والتي تحرق من أهلها العقول قبل القلوب .

إذا ما كنت أميناً في عالم التجارة، فكن على يقين من أن الله سيرعاك على الرغم من مئات الذئاب التي تحيط بأمثالك، حيث تعتبر الأمانة في عصرنا الحاضر أولى مؤشرات تسويغ افتراس كلاب الأرض لك، وذلك حيث انعدم معناها بشكل شبه تامٍ في عصرنا الحاضر، وأصبح كل من يتصف بها مستهدفاً من كافة الكلاب قاطبةً، فاستعن بالله ولا تعجز، واعلم أن الله ما كان ليأمرك بالتحلي بها، ثم يتخلى عنك حال امتثالك لأمره ( حاشا لله ) ولتكن بأمانتك منارة خير تضيء الدرب للكثيرين من الهلكى في عالم التجارة .

من ادعى نصرة الله له وهو لا يسلك سبيل الصادقين، كمن يدعي نصرة الله له حين يسلب ظلماً حقوق الآخرين !!

اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وارزقنا من حيث لا نحتسب .

لأن تفقد هذه الحياة برمتها، أهون من أن تفقد شعورك برعاية الله لك، وقربك منه سبحانه إذ أن هذا الشعور وحده، كفيلٌ بأن يجمع لك كل ألوان الطمأنينة والسعادة النفسية التي هي في حقيقتها الأمل المنشود والغائب في آنٍ واحد لكافة النفوس البشرية، فاحرص ألا تفارق أعتاب باب ربك، ووثق علاقتك القلبية به سبحانه؛ حتى لا تفقد هذه الثروة التي لا تقدر بأي ثمن في هذه الحياة .

يختلف تفكيرك في الشيء حسب ابتعادك عنه أو قربك منه، فإن عرضت عليك بعض الأمور حتى تتفكر في شرعيتها وأنت بعيد من واقعها، كانت لديك القدرة على موازنتها وتقرير مدى شرعيتها، أما إذا ما اجتاحتك على حين غرة في خضم مشاغلك، وكانت تسير في خضم مصالحك المادية؛ فإن قدرتك على التمييز حيينها ستضعف، إلا إذا امتن الله عليك بفرقانٍ يستطيع أن يصمد قلبك معه بالإخلاص الصادق في أحلك الأحيان .

متعجل غبي من يرائي بعمله، إذ أن مدح الناس وذمهم لا يمثل إلا قشرة ظاهرية سريعة الزوال، في حين أن رضوان الله تعالى على العبد لإخلاصه في العمل ، وثوابه العظيم على ذلك العمل ليس له نهاية أو زوال ، فكيف يبيع هذا الجاهل باقياً بزائل ، وكيف يرضى لنفسه أن يكون أرجوزاً للعباد ، ليس له هم إلا إرضاءهم ، وليس له غاية إلا نيل مدحهم بل أضحى لا يبالي بوقوعه في الشرك الأصغر الذي يوشك الله أن يسخطهم عليه بسببه ، ويبغضه إليهم بشؤمه ؟!

أفضل الناس حالاً من لا يعبأ بساعة الموت متى حضرته،فلقاء الله أحب إليه من الدنيا وما عليها.

إليكم يا شاهقي الأعناق تحية بما استعليتم على قاذورات هذه الحياة، وأدرتم ظهوركم بصدق لفتنها، فأنتم الجديرون حقاً للنجاة برحمة الله من هول يوم القيامة .

ثوابت الحق هي الموت الذي لا منه مفر، ولا يعرف أحد كنهه إلا الله، والروح التي اختص الله علمها لنفسه، وانضباط حركة هذا الكون العظيم بما فيه من عوالم لا يعلمها إلا الله على كثرتها ودقتها، أفلا يُعمل كافر عقله ولو للحظة ؛ لعله يعقل أو يبصر ؟!

الناخرون في عظام الصحوة هم الداعون دوماً للنيل من كل رخصة، والإعراض عن كل عزيمة .

كيف تنفصل ، وقد خلقت لتتصل .

لا تغدر إذا ما عاهدت الله في نفسك على شيء؛ فإن عهد الله كان مسؤولاً .

قليلٌ ما هم الذين صدقوا عند إقبال الدنيا عليهم، فلم يتغيروا حين خالطهم الشعور بالاستغناء عن الناس، وحاجة الكثير إليهم، بل اظهروا فقرهم وحاجتهم إلى الله، ونسبوا الفضل من قبل ومن بعد إليه سبحانه .

كلام الله . . حديث لا ينقطع ، ولا تمل سماعه .

مقومات الغفلة أكثر من أن تحصى، وتجتاح العبد في كل وقت وحين، والعبد ما بين مصارعتها ومحاولة التغلب عليها بتوثيق الصلة بالله، أو الاستسلام لها، والسقوط الحر في مستنقع أودية الهلاك، فراقب نفسك، ولا تستهن بصغائر الأعمال؛ فإنها تنذر بسوء المآل .

قيام الليل وقودك لمقاومة الفتن، ومواصلة السير إلى الله .

ما أكثر النوافذ التي يوجدها الشيطان في جدار التعاملات المادية؛ كي ينزغ من خلالها في النفوس فاحذر من جهتك على كل كلمة أو تصرف يصدر منك، وسل الله أن يسلم من تتعامل معه من إخوانك من أن يزل في تصرفاته؛حتى لا ينزغ الشيطان بينكما، وتسلما من حالقة الدين.

لا تجعل من العجز هالة تنخر في بنيان دينك، واستعن بالله في جميع أمورك ولا تعجز، فرب عمل قليل تعظمه النية، ورب عمل عظيم تحقره النية .

أي خسارة تهون بحسب إمكانية تعويضها ولو بعد حين، أما خسارة الآخرة فلا تهون أبداً إذ لا يمكن تعويضها بأي شيء في هذه الحياة !!

من مزايا الصدق مع الله الشعور بنقاء النفس وشفافيتها، والاستعداد الدائم للتطهر مما يمكن أن يلحق بالنفس من الدنس، وكلما قلّ الصدق كلما أظلمت النفس، وقل الشعور بنقاء القلب الذي يورث النفس الراحة والطمأنينة، فانج بنفسك بسلوك درب الصادقين، ولا تشقيها بسلوك دروب المخدوعين .

لم أجد من الناس أكثر سعادة من المتهيئ دوماً للقاء الله، حيث سلم بتقوى ربه فيما بينه وبين الناس، وأضحى ينتظر فرحة القدوم على الله؛ كي يُلقي بين يديه سبحانه عناء المسير .

ليس المعاين كالسامع ، فلقد عشت دهراً من الزمن متوهماً إمكانية الدخول في معترك التجارة مع الحفاظ على ديني، إلا أن اللطمات واللكمات التي أخذت تتقاذفني من كل ناحية بمجرد الشروع في خوض هذا المعترك، جعلتني أوقن أنه لا سبيل لمنابذة نهش كلاب الأرض للحمي، إلا بأن أكون كلباً مثلهم، بل أشد شراسة منهم، ومن يرضى لنفسه أن ينحط لمستوى الكلاب إلا دنيء وضيع النفس ؟! من أجل ذلك فقد عاهدت نفسي لأن يسر الله لي سبيل رزق من الحلال؛ فلسوف أعتزل التجارة ما حييت؛ نجاة بديني، وحرصاً على آخرتي، فاللهم أعني واغنني واحفظني وثبت قلبي على دينك يا أرحم الراحمين .

يستولي الفكر والقلق على قلب وعقل العبد إذا ما حدثت له خسارة دنيوية أو أزمة مالية ويستجمع كل قواه العقلية للتفكير في الخروج من هذه الأزمة وتوابعها، وقد يتحقق له ذلك برحمة من الله تعالى، فتنفرج منه الأسارير نتيجة لهذا الفرج، وقياساً . . ما المخرج لو حدثت تلك الخسارة في الآخرة، حيث لا عودة إلى هذه الحياة للتبديل أو التعديل، ولا مخرج من توابع هذه الخسارة مهما سخر العبد كل قواه العقلية أو الفكرية أو المالية ؟! إنها النار التي لا ترحم من يدخلها، ولا ترأف بمن يعوي للنجاة منها !! ألا فليعقل الصالحون معنى هذه الخسارة التي لا تعوض، وليتهيئوا لآخرتهم التي تزداد منهم دنواً مع مطلع كل شمس؛ لتوسد لهم في قبورهم المرقد، وفي هول يوم الحساب الموقف، وليعلموا أن خير استعداد لآخرتهم هو كثرة ذكرهم لربهم، واستغفارهم على ما كان من فرط ذنوبهم، عسى الله أن يتغمدهم بواسع عفوه ورحمته على ما كان من تقصيرهم .

لا يلومن الملقي بنفسه في مستنقع القاذورات إلا نفسه، فلقد منحه الله من الجوارح ما يستطيع به التمييز بين الطيب والخبيث، وعليه أن يختار لنفسه ما يطيب له منها، ولا عذر لمن توهم تلك المستنقعات على غير حقيقتها، كما أنه لا عذر لمن اغتر بالدنيا على حقارتها .

فوات السعادة في أن تبيع دينك من أجل دنياك؛ لأنك في الحقيقة تضيّع الأمرين معاً .

عجباً فلقد رأيت من يتعاظم في أعين الناس من أجل دنياه، تتناثر هيبته في لحظة إذا ما أذهب الله عنه جاهه، ورأيت صاحب المبدأ يعظم في أعين الناس بحسب ثباته على مبدئه، حتى ولو كان فقيراً، ولا يقلل من هيبته إلا تذبذبه عن مبدئه، أما إذا كان صادقاً على الدوام؛ فإن بريق هيبته يزداد لمعاناً في أعين الناس .

ما أرحم ربنا حين يمنع عنا ما يهلكنا، وإن كنا نرى بنظرنا القاصر أنه ينفعنا، فعلمه الغيب سبحانه أحد أسباب نجاتنا من الهلاك . . فما أعظمه من إله !!

الحياء شعبة من الإيمان، ولكن لا ينبغي على المرء أن يستحي من رفض مظاهر الباطل مهما بلغت؛ حتى ولو كانت من صاحب يدٍ عليه؛ فالله أحق أن يُستحى منه .

بداية الزيغ أن تتجاهل مراقبة الله لك، وتغتر بمظاهر المخدوعين من حولك؛ فتسير معهم في ركب الغافلين .

التعمق في العلاقات الدنيوية يعني التعمق في وحل الطين والرذيلة، ولا خيار للنجاة من ذلك إلا بتقليل تلك العلاقات التي لا تجلب وراءها إلا كل مكروه وسوء .

وحشة القلب بالبعد عن الله ، فكلما كان العبد قريباً من ربه ، كلما كان الأنس قريناً لقلبه وكلما كان مجافياً لجناب ربه ، كلما أصبحت الوحشة والكآبة مخيمة على نفسه ملاصقة لقلبه .

المعادلة الوحيدة التي ليس لها حل من واقع حياة الناس، وإنما حلها الوحيد في علم الغيب هي الرزق، حيث يسلك الناس كل السبل لنيل أمانيهم وتحقيق غاياتهم، إلا أن الجميع لا يحصلون إلا على القدر المقسوم لهم؛ مهما بلغت حيلهم، لذا فقد قال قائلهم : "لا حيلة في الرزق، ولا شفاعة في الموت" .

منافذ الروح تُغلق بالشبع وملء البطون، وتفتح بالصوم وكثرة الذكر ومصاحبة الصالحين .

ما رأيت حلماً يجمع بين الوهم والحقيقة كالدنيا، فأحداثها ملموسة، غير أن البقاء فيها أمر محال، مما يجعلها برمتها تسير حتماً إلى زوال .

الرياء والعجب والكبر والكذب كلها أمراض، تضعف الحس بتحري الصدق في النفس، فداوي الرياء بالإخلاص، والعجب بإرجاع الفضل والمنة لله، والكبر بتذكر منشأك ومثواك، والكذب بالتفكر في العاقبة؛ لعل ذلك أن يعافيك من تلك الأمراض .

النفاق سرطان الروح .

الاختلاط رياح الزنا .

الغنى والبطر سبيل الطغيان .

البيئة قالب صياغة النفس .

لذة العفة في توثيق الصلة بالله، والاستغناء عن الناس .

سبحان الله على ما يصيب القلب من الوهن حال مقارفته لأمر الدنيا، وما يصيبه من علو الهمة حال انشغاله بأمر آخرته .

انتبه . . انتبه ؛ فإن اللص حين يريد سرقة مالك يحاول إشغالك بأمر آخر؛ حتى يسرق ما في جيبك، وكذلك الشيطان حين يريد إهلاكك، يحاول إقحامك في كثرة الأحداث من حولك حتى يسرق عمرك !! وهل يملك العبد زاداً عند الله يوم القيامة سوى ما قدّم من عمل خلال أيام عمره ؛ فإن ضيعه الشيطان منك فيما لا يجدي، فبماذا سوف تقدم على ربك ؟! فصوب نظرك نحو آخرتك، ولا تستعظمن كبيراً في هذه الحياة سوى ربك، وكن على يقين بحتمية اللقاء، فخفّف عن نفسك ما استطعت من وزرك .

احفظ لنفسك قدراً من السرية مع الله مهما كان ضعف إخلاصك، فهذا القدر فقط هو مظنة نجاتك بعد رحمة الله بك يوم القيامة، وبدونه ! ! فإن الله هو أغنى الأغنياء عن الشرك .

إذا عرفت رقمك التسلسلي في قائمة الزائرين لهذه الحياة _ سريعة الزوال _ لأيقنت بحجم الوهم الذي تعيشه حين تأمِّل في هذه الدنيا، ولاستشعرت بحق دنو اقتراب آخرتك .

لو بقي من عمري ألف عامٍ؛ لما كانت كافية للاستغفار من ذنوبي !!

محاور الخطورة في اتخاذ القرار تتمثل في : ( ضبط المسائل الشرعية _ مدى تأثير هوى النفس على تفكيرك _ الاستعداد النفسي للإقدام على ما أنت بصدده _ الحسابات العقلية الصحيحة _ الخبرة الواقعية _ التوقعات ومدى وهميتها ) .

لا تغتر بقلبك حال خشوعه، ولا يتسرب إليك العجب أو إحسان الظن بنفسك، فالفتن تتوالى والقلوب تتقلب، فعليك بتذكر ذنبك للإشفاق على نفسك من عذاب الله يوم الهول الأكبر، ولا تفتننك غلظة الران على قلوب الهلكى من حولك؛ فتهون عليك المعاصي، فتقودك إلى ما هو أعظم، حيث أن المعاصي بريد الكفر، ولن يفلح عبد يستهين ببداية نهايتها نارٌ أوقدها الجبار بقوته، فانتزع منها رحمته .

يا حملة المشاعل من دعاة الإسلام . . سيروا في دروب الظلام، كي تستنقذوا الغارقين في مستنقعات الشيطان، واعلموا أن ضياء مشاعلكم لتستمد نورها من وقود قلوبكم، ووقود قلوبكم يستمد طاقته من إخلاصكم لربكم .

لو هوت منك النفس في سقطات متتابعة من الآثام، فلا ترفع للشيطان راية الاستسلام أبداً، واستدرك نفسك على الفور بتذكر عفو الرحمن، حيث سيسعى الشيطان لإيهامك منذ اللحظة الأولى لانهيارك أنه لا فائدة منك، وأنك قد بعت كل شيء يتصل بدينك وإخلاصك لربك، وأن سخط الله نازلٌ بك لا محالة، ولا جدوى ولا فائدة من محاولة التراجع، نازغاً في نفسك أن ألق ما تبق من دينك، فقد ظهر ضعفك، وتجلى هوان إرادتك !! فإذا ما أراد الشيطان أن يقذف في قلبك كل هذه الألوان من القنوط، فألق في نحره قول الحق تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( وعزتي وجلالي لأغفرنّ لهم ما استغفروني ) وامض في طريقك بخطى ثابتة نحو الله والجنة، فما النجاة إلا بحسن الخاتمة ، وما أدراك فرب معصية أدخلت صاحبها الجنة؛ من شدة ما تولده في القلب من الحسرة والندم والأسى الذي يورث العبد صدق التوبة؛ فيتأهل برحمة الله إلى حسن الخاتمة .

غرق والله الناس !! فما النجاة إلا بالعزلة، وتصويب النظر نحو الله والجنة .

كل درهم مرتبط بهم . . وكل ريال يعقبه سؤال . . وكل دينار محفوف بنار . . وكل دولار يربطك بالركون إلى الدار . . والآخرة جنة أو نار . . فلا تدخل نفسك في نار الدنيا بتعلق قلبك بها، حتى تنجو من نار الآخرة إذا وفقت للإعداد لها .

يستشعر العبد صعوبة في الاجتهاد في الطاعة، والتنافس في أعمال الخير، كلما كان مخالطاً لأوساط الغافلين، ولكن سرعان ما يتيسر له كل خير بمجرد مخالطة المجتهدين، والعيش معهم في ظلال سير الصالحين، فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه .

تذكّر لحظة معينة _ تحنُّ إليها _ قد مرت عليك في صغرك أو في الماضي القديم، ثم حاول عبثاً استرجاعها !! فهل تجد سبيلاً لذلك من قريب أو بعيد ؟! إن الإجابة الحتمية باستحالة ذلك، تحتم عليك اليقين بأنك مرهون بساعة زوال حتمية عن هذه الحياة، سوف تستحيل عليك عندها كذلك حياتك برمتها، ولن يكون أمامك إلا سؤال الله جل وعلا لك عما اقترفت في هذه الحياة، فهل أعددت لتلك اللحظة عدتها ؟!

أخي لا تيئس . . فالأمر كله بيد الله وحده، وهل يضيعك الله وأنت تسعى لنصرة دينه، فإنما هي لحيظات نقضيها على ظهر هذه الحياة؛ حتى يميز الله الخبيث من الطيب، والصادق من المنافق، فتذكر ذلك جيداً، وإياك أن توهنَّك نفسك فترديك، أو أن يستذلك الشيطان فيغويك، فإنما الأمر صبر ساعة، يتبعها نعيم الخلد، والنعيم لا يدرك بالنعيم، فاصبر حتى تلقى حبيبك على الحوض، وعندها سوف يهنأ لك المقام الذي لن تشقى بعده بإذن الله أبداً .

يا أهل الصحوة ليكن شعاركم هو تجريد النفس من الأهواء، وإسلامها لله وحده، فإن ذلك أهم العدة، إذ لا يستوي من جعل نصرة دين الله مهوى فؤاده، ومن غلبه الهوى، فحاد عن ذلك لنصرة فلان أو جماعة من الناس، ظاناً بذلك أن يحسن صنعاً !!

بقدر ما تعقد النية للتيسير على الناس، وإسداء الخير لهم ابتغاء وجه الله تعالى، بقدر ما ييسر الله عليك، وبقدر ما تطلق لنفسك العنان في إضمار الشر لهم، أو الحقد عليهم، بقدر ما تتعثر عليك حياتك، ويضيق عليك صدرك، وحسبك في ذلك ما كان من قابيل تجاه أخيه هابيل؛ فإن حقده على أخيه قد أورثه خسارة الدارين معاً، عياذاً بالله من ذلك .

إن الخير كل الخير في أن يكف العبد عن الإفتاء بغير علم؛ لأن ما يحدثه من فسادٍ لا يتوقف على وزره فحسب، وإنما يتعدى ذلك لأبعاد لا يمكن حصرها بحال، أعظمها الاستهانة بالله وبدينه فيما أخبر عنه بغير علم أو سلطان _ ولو عظمت مكانة الله في قلبه لما تجرأ على دينه بأن ينسب إليه ما ليس فيه _ وأقلها ما سيورثه للناس من جهلٍ، يتعبدون الله به إلى يوم القيامة وهم على ضلال !! فهل يقدم على الفتوى بغير علم سوى غبي أحمق ؟!

للنفس هفوات يتصيدها الشيطان حال ضعف بريق الإيمان في قلب العبد، ومنها يستذله ويستدرجه إلى الوحل، لذا فإن على العبد أن يتيقظ لتلك الهفوات، ويبذل قصارى جهده لتفويت فرصة استثمارها على الشيطان، ولن يقوى الحس الإيماني على مراقبة النفس ونوازغها؛ إلا بصحبة أهل الإيمان الذين إذا غفل ذكَّروه ، وإذا ذكر أعانوه .

علامة هوان العبد على الله أن يعرضه للفتن تلو الفتن، ولا يعبأ بحاله ، فاحذر على نفسك أن تحرم طاعة الله، فإن ذلك أولى علامات الهوان .

إذا قصدت خدمة دينك من خلال اجتهادك في أمر الدنيا حتى تقدر على النفقة في سبيل الله، فاعلم أنه سوف يتحتم عليك مخالطة التجار، فإذا ما خالطتهم قسا منك القلب، فإذا قسا منك القلب؛ زال منه هم الدين، وغلب عليه هم الدنيا، فإذا غلب عليك أمر الدنيا، أذاقك ألوان المذلة التي سوف توقن تحت نيران سياطها أنك خسرت الأمرين معاً، فانج بدينك واحرص على آخرتك، وتكفيك نية صادقة، مخافة هلاكك في فتن الدنيا الحالكة .

من خلال الخبرة السحيقة للشيطان اللعين في الإغواء، وخبرته الواسعة في معرفة حقيقة قذارة الدنيا، وأنها لا تتناسب بحال مع طموحات أي مؤمن صادق _ مهما بلغ حجم أمنياته _ واهماً إمكانية تسخيرها لخدمة هذا الدين، فإن الشيطان يستدرجه من هذا الباب، ويفتح له باب الأماني على مصراعيها، ثقة منه بضراوة المواجهة التي سيواجهها هذا العبد _ صاحب القلب الطيب _ الذي لا خبرة له بالواقع المستفحل لقذارة الدنيا وحقيقتها، ويظل يمنيه، ويهون عليه الوقوع في الصغائر التي تمهده لاستصغار الكبائر، والعبد ما يزال يسايره ممنياً نفسه بتجاوز هذه المرحلة وصولاً للغاية الأكبر بخدمة هذا الدين، حتى إذا ما استلب منه بريق الإيمان تحت وطأة ظلمة المخالطات الفاسدة؛ كشف له عن حقيقة انهياره، وأنه أضحى أسيراً لأوضاع لا يمكن التراجع عنها بحال، وما عليه إلا مواصلة السير _ لا حسبما كان يتمناه في السابق _ وإنما حسبما تفرضه عليه مصطلحات الدنيا القذرة بكل مرادفاتها، وإلا فالخسارة المادية، والضياع الأسري، وشماتة خصومه على هذا الطريق؛ فينهار العبد تحت وطأة هذه المخاوف، وتحال أمنياته هباءً منثوراً، ويموت منه حتى الإحساس بالشعور بالهزيمة، تحت وهج بريق المال والمظاهر الخداعة، وهكذا يستدرك الشيطان فرائسه، فاحذر على نفسك واجذبها نحو التراجع بقوة، وتكفيك النية الصادقة، وربك سبحانه هو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، حيث لم يكلفك بالنتائج، وإنما طالبك بالسعي فحسب، وأنت مأجور بنيتك على كل حال، فامش في الأرض لكسب الرزق الحلال من الدنيا ولو كان قليلاً، وأسرع الخطى في سعي الآخرة، فذلك حقيقة النجاة .

إذا ما عرضت عليك المعصية فلا تدع لنفسك فرصة للتفكير في فعلها من عدمه؛ فإن تقلب القلوب أسرع من تفكيرك، والشيطان وراءك يريد أن يختلس تلك المعصية منك؛ حتى يتبعها عليك بغيرها، ومن ثم يهزم فيك روح الإيمان، فاحذر على دينك؛ فإن النفس أمَّارة بالسوء، والمعصية بكتيريا سوءَها، فلا تمنحها الفرصة كي تتغذى عليها؛ لتقوى عليك فتُضعف فيك حسِّ الإيمان، واصبوا بنظرك نحو الله والجنة، فإن تطلع الأشواق إلى الآخرة يزيل عنك الشعور بآلام الطريق والجهد الذي تبذله في سبيل تزكية نفسك وصرفها عما استهوته من المعاصي ، إذ يضعف شرها عند انبعاث نور الإيمان من قلبك .

قد يتوهم العبد أنه أفضل أو أتقى أو أورع من غيره ، وهذا الشعور بمفرده يطمس عينه عن رؤية واقعه ، ويعمي بصيرته عن تمييز حقيقة أمره ، والأصل أن يعرف الإنسان قدره ، وأنه ضعيف إلا بالله ، ومغموس في المعاصي لولا ستر الله ، وأنه لولا رحمة الله به لهلك منذ الوهلة الأولى مع الهالكين ، وأنه رهين لقاء الله بين اللحظة والأخرى ، حينها يعلم العبد أنه أشد حاجة للافتقار إلى الله ، وسؤاله العفو والمغفرة على ما كان من الزلات ، فهذه الحال هي أرجى له عند الله من الإعجاب بنفسه وحسن الظن بها .

ضريبة الذل يدفعها العبد هماً في الدنيا، وضياعاً في الآخرة؛ كلما تعمقت الدنيا في قلبه !!

سعادة الروح وخفتها باستعلائها عن الهموم الأرضية الطينية، وتطلع الأشواق إلى الآخرة .

واهمٌ كل الوهم، بل معتوه . . من ظن السعادة في طلب الدنيا دون الآخرة !!

حمداً لك اللهم على ما هيأته لملائكتك في السماء من رحمتك، كي يسبحوك كثيراً، ويحمدوك بكرة وأصيلاً، ويهيمون في عبادتك تعظيماً وتبجيلاً، إذ أن نيران المعاصي المتصاعدة من الأرض، لابد أن تقابلها مثل هذه الروحانيات الطاهرة المنبعثة من السماء، كي تطفئ سموم نيرانها القذرة، بما يفيض على أهل الأرض من رحمات السماء، وإلا لاحترق أهل الأرض عن بكرة أبيهم، ولما بقي منهم أخمص قدم حياً، قال تعالى : "ولو يؤاخذ الله الناسَ بما كسبوا ما ترَكَ على ظهرِها من دابةٍ، ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمى، فإذا جاء أجلهم فإنَّ اللهَ كان بعبادهِ بصيراً " .

كن على حذر في صراعك مع الشيطان، فإن أولى الجولات التي يريد أن يكسبها منك؛ حتى يكسب بقية الجولات تباعاً ، هي انشغال قلبك بالدنيا ، إذ أن هذا الانشغال يفقد القلب مناعته ويضعفه عن إنكار المنكرات ، وبالتالي عن الأمر بالمعروف ، وأولى المنكرات التي سيكتسبها هي عدم اكتراثه بالمنكرات من حوله لانشغال قلبه ، وأول المعروف الذي سيفتقده ، هو عدم توفيقه للطاعة ، إذ أن من جزاء الحسنة الحسنة تتبعها ، فإذا افتقد الأولى افتقد الثانية ، وهكذا يخطط الشيطان لهزيمتك ، فاستدرك حياة قلبك بتغذيتها بكلام الله ، وذكر عبر الصالحين ، وتطلع الأشواق إلى الآخرة ، وهيأ نفسك للرحيل ، كي ما يسعد بك الرحيل ، فكل حي اليوم هو ابن القبور غداً ، فبدد ظلام قبرك بنور الطاعة في الدنيا ، ولا تزد حالك سواده ظلمةً باستمرارك في الغفلة ، وعدم الاكتراث بالصغائر التي تورد موارد الهلكة .

اضرب في عمق الجاهلية برفض كل مظاهر الفساد ، ولو ألبسوها ألف حجاب ، واستمسك بهدي دينك في الظاهر والباطن ، وإن انصبت عليك كل الاتهامات ، وأخرس ألسنة الناعقين الذين صاغوا مناهج الضياع والانحلال والفساد ، بمنهاج ربك الذي تداعت أمامه كل الفلسفات

الخصومة مستنقع قذر، يطمس بحالك ظلمته أنوار التجرد والإخلاص في النفس، فإذا استطعت ألا تلجه ابتداءً، فلا تلجه، وإن جرَّك إليه السفهاء، فاستعن بالله، واستحضر موقفك بين يدي الله، عسى أن ينجيك ذلك من الجور في حكمك، وإن استطعت أن تلق لعاعة الدنيا في نحر خصمك ابتداءً، لتنجو بأمر دينك فافعل .

لا تحقرن نفسك بقلة مال، أو فقدان نصير، أو غربة موطن، واصدع بالحق ولو كنت وحدك، فإنك بذلك توقف زحف الباطل عن الهيمنة التي تؤذن بهلاك العالمين، قال تعالى : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين " .

استمراء المعصية بكثرة مشاهدتها، مع عدم إنكارها، بداية الطريق لمرض القلب ثم موته، فاحذر على نفسك من ذلك، بتجديد النية كل حين، وبإنكار القلب لكل مظاهر البعد عن الدين، فإنك بذلك تسلك سبيل مرضاة رب العالمين .

كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ تتيح للقلب فرصة الاستجابة لداعي الخير، والغفلة عن ذكر الله بصفة عامة، تتيح للنفس فرصة الاستجابة لداعي الشر، فأغلق على نفسك أبواب الشر بكثرة ذكر الله، والتمس لنفسك حالاً مع الله، فإن العبد لو فقد الصلة بينه وبين الله؛ فقد كل شيء، ولو أكرمه الله بقوة الالتصاق به، فقد ملك كل شيء، فتأمل ذلك، واختر لنفسك طريق الغنى بالله، بدلاً من طريق الفقر والتردي بالأماني والآمال التي لا تنتهي .

كيف ترضى لنفسك أن تقترف من المزبلة أمانيها ، ثم تلومها على تردي طموحاتها ، وخيبة مساعيها ؟!

هل رأيت كلباً يملك عظمةً، ولا تجتمع عليه الكلاب؟ وهل رأيت منافقاً يلعق نعلاً، ولا يبتلع ريقه سواد النفاق؟ وهل رأيت مؤمناً يملك قلباً، ولا تنهش منه الذئاب؟ وهل رأيت مجاهداً يبيع روحه، ولا تيئس منه الخطاب؟ وهل رأيت دنيا تفتن أهلها، ولا ينجو من فتنها إلا من زهد وتاب ؟

يجب أن تمتنع عن الخوض في كثير الأمور، وإن بدا ظاهرها حلالاً، إلا أن كثيراً من الخطوات التي سوف تتبعها، تنذر بهلاكك؛ وذلك لأن الواقع قد صيغ بأيدٍ لا تعرف الله ولا رسوله، ولأن سَلِمْتَ في الأولى، فلن تَسْلَم في الثانية، والفتن تحيط بك من كل جانب؛ فأحجم زمام الأماني والأهواء عن التمادي في السعي لتحقيق كل ما ترغب، حتى تسلم بدينك من فتن هذه الحياة .

صياغة النفس وفق رضوان الله تعالى، تتطلب منك الخروج من حيز الأماني إلى واقع الطاعة العملي، حتى تروض النفس على المصابرة التي بها تزكيتها، أما أن تغرق في عالم الأمنيات بتحقيق الكثير من الطاعات دون الشروع العملي في أي منها، فاعلم أنما يريد الشيطان هلاكك بالأماني الفارغة، دون أن تنال منها شيئاً، ومن ثم تذهب إلى الله فقيراً من العمل الصالح، بعدما فاتتك فرصة هذه الحياة، فاحسم أمورك، واستجمع إرادتك قبل فوات الأوان، وكن ممن عناهم الله تعالى بقوله : "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة…… الآية "

تأملت يوماً في عواقب الالتصاق بالله، وعواقب البعد عنه، فوجدت أن العبد كلما كان ملتصقاً بجناب ربه، كلما امتلك من القوى العجيبة ، ما تعجز عقول البشر عن إدراكه، وكلما كان بعيداً عن ربه، كلما هان على الله وعلى الناس بحسب بعده، واستشعر بحق معنى التيه والفقدان .

اختلال التوازن يتمثل في فقدان الصلة بالله، إذ أن العبد بخسارة هذه الصلة، يفقد كل شيء، والخير كله في قوة الصلة بالله، لا يمنعنك عن ذلك انفرادك بأسباب المعصية، وغيابك عن أعين الخلق، إذ كلما استحضرت نظر الله لك، قوي يقينك، وازداد إيمانك، واستشعرت حلاوة الطاعة، إلا لو انتابك الغرور في نفسك، فإنه كفيل بفساد دينك، وإضاعة مكانتك عند الله، فاحذر على نفسك ضياع الدين، حال انفرادك بمحارم الله، وحال محاولة الشيطان إيقاعك في العجب والخيلاء .

سبيل واحد لا ثاني له؛ لنيل التوفيق من الله، وهو حسن التوكل عليه سبحانه .

إذا أقبل الناس عليك لدينك، فإنما يتوجهون لمن يظنون فيه أنه ارتقى بدينه الطبقات العلا من القيم والمكارم، فإذا ما صرفت أنت حديثهم لأمر الدنيا، فإنما أحدثت فيهم فجيعة، حين جعلتهم يكتشفون بأنفسهم أنك من سكان المزابل، ولست أهلاً لما ظنوه فيك من هذه المكانة، فإنما يرتقي العبد بدينه، وينحدر حسب غوصه في أمور دنياه .

لا إله إلا الله . . كم تظلم المعصية قلب صاحبها، وكم تشرح الطاعة صدر الموفق إليها !!

تأملت في أهمية قراءة القرآن ، وبقاء العبد على اتصال دائم بكتاب الله ، فوجدت فوائد عظيمة، منها استمداد الروح من كلام الله ، والتذكير الدائم بالثوابت التي تجعل العبد في حيز الطاعة ، لاسيما مع هذه الفتن المحيطة به من كل جانب ، بالإضافة لكشف الزيغ دائماً عن القلب ، خاصة مع كثرة الزيف الذي نعايشه ، فاستمسك بكتاب ربك ، ولا يفارقن قلبك ولا نظرك التمتع به يومياً ما حييت .

جذور النية أن تستحضر البقاء على موقفك تجاه من تؤدي له عملاً ابتغاء وجه الله تعالى ، حتى لو أساء إليك ، وذلك لأنك ابتغيت بعملك وجه الله تعالى ، ولم تبتغ مدح الناس أو ذمهم .

انخر ركام الغفلة بالمصابرة على الطاعة ، وإياك والعجب بنفسك، فإن رياح العجب أولى بوادر الحرمان من الطاعة، إذ الفضل والمنة لله، ولا يهلك على الله إلا من أرداه .

لا تيئس من رحمة الله مهما باغتتك نفسك بالمعاصي، ففرصتك في التوبة لا تزال سانحة ما دمت حياً، إلا أنه لابد لك من نية جازمة على صفاء القلب مع الله بالتوبة، حتى تكون بمثابة المعين لك على تحقيق تلك التوبة الصادقة، وإلا لو كثرت على نفسك وساوس الشر دون رادع إيماني من قلبك يردعها، فسوف توردك نفسك المهالك، فاتق الله في نفسك، واعقد العزم على التوبة النصوح، حتى تفوز بجنان الفردوس .

المخاطر الحقيقية التي تواجه من يعمل بالتجارة، تتمثل في كثرة تعامله مع المحترفين للكذب والخداع والمكر واللؤم والخيانة؛ نتيجة ولعهم الدائم بالدنيا، حيث تتأثر النفس بطباعهم، ومن ثم تقع في المحذورات دون أدنى شعور، حتى يكتمل فيها كل ذميمٍ من الصفات، بفقدان الحس، وانعدام الورع، وفقدان البصيرة التي تميز الخبيث من الطيب، فتصير كل الأمور لديها مستباحة، فيزداد القلب سواداً يوماً بعد يوم، وبذا يستحق الدخول في زمرة من قال فيهم النبي"صلى الله عليه وسلم" : ( يحشر التجار مع الفجار ) لذا على كل عاقل _ حريص على دينه _ أن يفكر ملياً قبل الولوج إلى عالم التجارة الذي ينذر بضياع الدارين معاً ( نسأل الله العفو والعافية ) .

محاسبة النفس هي طوق النجاة الوحيد من الغرق في سحيق غضب الله وعقابه، فمن لم يوفق إليها فهو على خطر عظيم، فليستيقظ كل غافل من سباته، وليحاسب نفسه قبل أن يحاسب، حتى يخفف أثقال الحساب عن كاهله، قبل أن يغوص بها في قعر جهنم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

ما أثقل القلب حين تبعده مشاغل الدنيا عن ذكر الله، والتفكر في هم الآخرة، إذ يصبح جماداً كالحجر، ولا يجد صاحبه طعماً للطمأنينة أو الراحة، والخير في انتزاع النفس من مشاغل الدنيا التي تجذب صاحبها إلى وادي ضياع العمر في الغفلة، ومن ثم حملها على أمر الدين، فالنفس أمارة بالسوء، ولا تنتظر منها أن تقودك إلى المصابرة على طاعة الله يوماً، بل احزم أمرك واجبرها على ذلك إجباراً؛ حتى تنصاع لأمر الله، فتكون سعادتك في الدنيا، ونجاتك في الآخرة.

اللهم برحمتك ننجو من فتن هذه الحياة التي لا قبل لنا بمواجهتها، فلا حول ولا قوة إلا بك، فارحم عبادك الضعفاء، واغمرنا بفيض عفوك ومغفرتك ونورك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

لا إله إلا الله، كم أحصى الله علينا من الأعمال ما قد نسيناها أو غلفنا عنها حين مقارفتها، فرحماك ربي، فرط منا عقد محاسبة النفس على تفريطها، ولم يبق أمامنا إلا واسع رحمتك، فأدخل اللهم عظيم جرمنا في عظيم عفوك، فإنه لا سبيل لنجاتنا دون رحمتك.

الإيمان نور يملأ القلب حسب إخلاص العبد، وصدق توجهه إلى الله تعالى، والشيطان يسعى دوماً لتفريغ هذا النور من القلب، وذاك التفريغ يكون حسب اقتراف العبد للمعاصي أو الغوص في الغفلات، فإذا كان الخوض في ذلك بطيئاً كان التفريغ كذلك بطيئاً، وإذا كان التردي سريعاً _ كسقوط مفاجئ في فاحشة أو غيره _ سارع الشيطان بإلقاء أثواب من القنوط من رحمة الله على قلب العبد، حتى يفقده توازنه، ولا يستطيع تدراك نفسه بالمسارعة إلى التوبة، لذا على العبد أن ينتبه لذلك دائماً، ولا يركن إلى الخير الذي يظنه في نفسه، فيتركها هملاً دون حساب أو مراقبة، فتنجذب النفس إلى الولوغ في مستنقعات المعاصي والغفلة شيئاً فشيئاً، ركوناً إلى ما يظنه في نفسه من الخير، وبذا يكون قد أهلك نفسه، ولم يحافظ على هذا النور الذي ملأ الله به قلبه .

كونك معافى في أمر دينك من مخالطة أهل السوء، متعفف في أمر دنياك بما يكفي من الرزق، موفق برحمة الله إلى طاعته، فإنك قد ملكت بذلك العافية من عقر موطنها.

جوهر الحقيقة أن تعلم أنك في فترة اختبار لزمنٍ محدود، وأنك تسير إلى مصيرٍ موعود، ثم تنتقل إلى مآل الخلود، فإما إلى جنة وإما إلى نار، فاستبصر طريقك قبل المسير، وإياك وفوات قطار العمر القصير.

كل نوع من الأعمال له فن خاص، يبرز فيه الناس بحسب هوايتهم ومواهبهم، وكلها أرزاق من الله أولاً وأخيراً، غير أن المحزن في الأمر أن الناس قد اعتادوا إتقان فنون دنياهم إتقاناً، يحتقرون لأجله من هم ليسوا بأهل _ من وجهة نظرهم _ للإدلاء بدلوهم في هذا المجال، أما دين الله، على الرغم من أنه أرقى العلوم وأجلها، فإنك تجد كل من ليس له وزن أو علم أو شرف، يدلي بدلوه فيه، وكأنه مشاع للجهلة والعامة والخاصة من الناس، وهذا ناتج عن هوان الدين في قلوب الخلق، وهو ما لا يليق بدين الله عز وجل، لذا على المخلصين لهذا الدين أن يعظموا دين الله في قلوب الخلق، بعدم التجرأ على القول بغير علم، وبالتمسك به على كل حال، وبإعطاء المثل العليا خلال طرح القضايا، فلا تطرح من منظور قديم بالي يرفضه دين الله قبل قلوب الناس، وذلك حتى لا نوسم بالتخلف، ومن هنا تتجلى المسؤولية الملقاة على عاتق علماء هذه الأمة، في مختلف المجالات، من حتمية مواكبة تطورات العصر، وطرح البدائل الشرعية للناس أولاً بأول، من منظور فقهي فطن، يبصر الناس بالطرق الشرعية البعيدة عن الحيل الغير شرعية، حتى نبرهن لهم على صلاحية هذا الدين لكل عصر ومصر، ومن هنا نربطهم بدين الله، ونعطي لهم المُثل حيةً، كيف يحيون بالدين وللدين؛ كي ما تسعد لهم وبهم الحياة.

ليس كل مطروح من الأعمال مباحاً، لاسيما في هذا العصر الذي اختلطت فيه الأوراق اختلاطاً مركباً، عزَّ معه الحصول على الرزق الحلال الصافي، لذا ينبغي على العبد أن يحجم زمام نفسه عن المضي قدماً لدى كل سانحة لنيل فرصة تلوح له في الأفق من الرزق، إذ ينبغي عليه التحري لدينه أولاً، ومن ثم المضي قدماً أو عدمه، وذلك حتى يحظى برضوان الله تعالى، ولا يعرض نفسه للتهلكة .

السعيد من استشعر الدفء في علاقته مع الله تعالى .

معالجة القلوب بكثرة التأمل في بواعث الأعمال التي يقوم بها العبد وتمحيصها، فإن كان الباعث على العمل تقوى الله وابتغاء وجهه، لزم العبد كثرة الاستغفار والتذلل إلى الله، وحمده على ما وفق من الطاعة؛حفاظاً على نيته من أن تشوبها أي شائبة عجب أو رياء في المستقبل، أما إذا كان الباعث على العمل غير ذلك _ عياذاً بالله _ فإن على العبد المسارعة الفورية إلى تطهير قلبه من ذلك السوس الذي لنخره ما بعده من تأصيل الأمراض في القلوب، وجعلها من طبيعتها وجبلتها، وأكثر الأسباب عوناً على معالجة القلب، هي البصيرة التي يمنحها الله لبعده حسب تقواه له سبحانه، فإن صدقت التقوى قويت البصيرة، والعكس من ذلك صحيح، فاتقوا الله يبصركم بما في قلوبكم، حتى تتداركوها بالنجاة، قال سبحانه: " إلا من أتى الله بقلب سليم" .

التقييد عن فعل الخيرات علامة عدم التوفيق من الله، أما سألت نفسك لم ذاك ؟!

لو استشعر العبد حقيقة أمره، لعلم أن كل لحظة تمر عليه في هذه الحياة، تمثل بالنسبة له ضياع فرصة عظيمة للنجاة من عذاب الله، ما لم يستثمرها في ذكر الله أو التوبة إليه، وأكبر برهان على صحة ذلك، هو تذكره لهذه اللحظات حين يندثر بين الدود والتراب في القبر السرمدي .

ليس أفضل من الصدق مع الله والوضوح مع الآخرين والصفاء مع النفس، إذ أن عاقبة المخادعة والكذب والنفاق وخيمة على نفس صاحبها بتوليد الهموم والشعور الدائم بالكآبة، مضيعة لدينه مهلكة لآخرته، جالبة لبغض الخلق وعداوتهم.

ضمائر الناس _ إلا من رحم الله أحرقت _ فلا تكاد تجد فيهم صادقاً أو أميناً !! وهذا من علامات الساعة، فاستوثق بحبل ربك، ولا يغرنك كثرة الهالكين من حولك، فالفيصل الآزفة، والمآل الآخرة، والمحاسب هو الله الذي يعلم السر وأخفى، والذي جعل يوم القيامة، يوم قصاص لحرماته التي انتهكت، ولأوامره التي عصيت، ولنواهيه التي ارتكبت، فاتق النار واتق غضب الجبار.

الصفحة الرئيسة