( في كل مجتمع يبزغ منه طائفة مؤمنة
مخلصة تحمل على عاتقها مهمة الإصلاح ، ذلك الإصلاح العظيم الذي يتناول جميع
جوانب الحياة العلمية والعملية ، فهناك الإصلاح الفكري ، وهناك الإصلاح
الاقتصادي ، وهناك الإصلاح الأسري والاجتماعي ، وعلى رأس كل هذا الإصلاح يأتي
الإصلاح الديني والأخلاقي ، ذلك الإصلاح الذي يعد الثمن الغالي لتحقيق الوعد
الإلهي بالبقاء والتمكين ) .
حين يكتب الله لأمة - مسلمة أو كافرة - النهوض ، فإنها تهب عليها رياح الجد
والعمل ونكران الذات ، والبعد عن الشهوات ، فإذا بدأ " العد التنازلي " ولاحت
علامات التدهور ، فإن الصفات الجادة الجيدة تختفي ، لتحل مكانها صفات الكسل ،
وحب الذات والأنانية المفرطة والتواكل وحب إشباع الشهوات الشخصية على حسابا
انحلال المجتمع ، حتى ليصبح أداء الواجب من أصعب الأمور ، وتنطلق الشهوات ،
ويطرح الإيمان والفكر في زاوية هامشية ...
هكذا يقرر علماء الاجتماع وكتّاب التاريخ ، وما المجتمع اليوناني والروماني
بالأمس والغربي اليوم عنا ببعيد ، هذا وهو قد دخلوا الحضارة من أوسع أبوابها
ولكن أمراض الحضارة أهلكتهم فبادوا ، فما بالكم بمجتمعات شبه متخلفة حضاريا
قد سكرت حتى الثمالة بأمراض الحضارة ، دون أن تسجل توقيعا في سجل التاريخ
الحضاري !!
يقول المفكر ( مالك بن نبي )
: إن النهضة تبدأ روحية قوية ، يعمل فيها الكل بدافع ذاتي ، لا يطلب مغنما
ولا يطمع في أجر ، ثم يعقب هذه المرحلة مرحلة ثانية ، تفلسف المرحلة الأولى
فتنتشر العلوم والمعارف أعظم انتشار ، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة ، تهيج
الغرائز ، ويصبح هم الإنسان إشباع غرائزة ، عندها تتدهور وتسقط الحضارة ؛؛؛
انتهى !
هكذا الحالة في جميع المجتمعات الإنسانية ، هناك أقطاب تتصارع من أجل كسب أرض
الواقع ، قطب يمثل أنصار الإصلاح ، وقطب يمثل أنصار الشهوات ، والتاريخ
يخبرنا أن أنصار الشهوات لا يترددون في استخدام أي سلاح ولو غير أخلاقي ضد
خصومهم ، كما أن التاريخ أيضا يخبرنا بأن أنصار الإصلاح أحيانا يشوهون عملهم
الإصلاحيّ بممارسات سيئة قد تعود على عملهم كله بالويل والخراب .
ومن العجيب أنه على مر التاريخ لم تتم فيه عملية إصلاح حقيقية وناجعة وناجحة
كانت تستلهم إصلاحها من الخارج أو تستورد الإصلاح من الغرباء ، بل كانت
العمليات الإصلاحية تنبع من الداخل وفي صميم ضمير الأمة وعلى أكتاف أبنائها
البررة .
وفي كل مجتمع يبزغ منه طائفة مؤمنة مخلصة تحمل على عاتقها مهمة الإصلاح ، ذلك
الإصلاح العظيم الذي يتناول جميع جوانب الحياة العلمية والعملية ، فهناك
الإصلاح الفكري ، وهناك الإصلاح الاقتصادي ، وهناك الإصلاح الأسري والاجتماعي
، وعلى رأس كل هذا الإصلاح يأتي الإصلاح الديني والأخلاقي ، ذلك الإصلاح الذي
يعد الثمن الغالي لتحقيق الوعد الإلهي بالبقاء والتمكين ، وكانت فريضة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هي العلامة البارزة لذلك التحقيق ؛ قال الله تعالى
: ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )
.
وهذا الوعد هو في حقيقته أمر إلهي عظيم ، نزلت به السماء على قلب النبي
العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قال الحق عز وجل :
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)
.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة فرضها الله عز وجل في محكم التنزيل
، لأنه بهذه الفريضة يبقى المجتمع المسلم مصونا ومحفوظا من الفواحش والمنكرات
.
قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ؛ في الحديث الصحيح :
( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو
ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم )
!
( نظام الحسبة ... في ظل الدولة
السعودية )
حينما مكن الله للملك عبدالعزيز -
رحمه الله - فتح الرياض عام ( 1319هـ) كانت عملية الاحتساب يقوم بها رجال
متطوعون احتسابا لوجه الله .
وكان أشهرهم الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ - رحمه الله - الذي كان
يقود عملية الإصلاح الديني والاجتماعي في الرياض وما حولها .
ولقد علم الملك المؤمن عبدالعزيز آل سعود أهمية هذه الفريضة في حفظ المجتمع
المسلم من الجرائم والمنكرات فأصدر أمره بتأسيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر .
فأمر الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ بمتابعة أعمال
الحسبة ، وزوده برجال يساعدونه في مهمته ، وبذلك انتقل عمله من مرتبة التطوع
إلى مرتبة التكليف الرسميّ .
ومن تلك اللحظة المهمة أخذت البلاد ُتعنى بأمر الحسبة من قبل قادتها - وفقهم
الله - حتى تطورت الهيئة والحسبة بشكل عظيم وكبير وصدرت الأوامر الملكية
المتلاحقة على مر العقود في التمكين لهذا العمل النبيل .
حتى صدر المرسوم الملكي الكريم رقم ( م/37 وتاريخ 26/10/1400هـ ) المبني على
قرار مجلس الوزراء رقم ( 161) وتاريخ 16/9/1400هـ بالموافقة على نظام هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصيغة التي لا يزال يعمل بها الآن .
ويمكن أن نلخص للقارئ العزيز بعض ما
جاء في المرسوم الملكي الكريم ؛ كالتالي :
- الرئاسة العامة لهيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز مستقل يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء .
- يكون الرئيس العام للهيئة بمرتبة وزير .
- ينشأ في كل منطقة هيئة فرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- للرئيس العام تشكيل لجان من الأعضاء والمحققين تتولى النظر في : المخالفات
الشرعية ، والقضايا الأخلاقية ، وتحديد التهم ونوع العقوبات ، ويتولى
المشرفون التأديب بموافقة الأمير .
- مادة رقم 10 : على الهيئات القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لكل حزم وعزم .
- مادة 11 : تقوم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضبط مرتكبي
المحرمات أو المتهمين بذلك ، أو المتهاونين بواجبات الشريعة الإسلامية
والتحقيق معهم .
- مادة 12 : للهيئة حق المشاركة في مراقبة الممنوعات مما له تأثير على
العقائد أو السلوك أو الآداب العامة مع الجهات المختصة .
- مادة 17 : تزود الهيئات بعدد كاف من رجال الشرطة .
* ومن متابعة مواد المرسوم الملكي نجد أن الهيئات أعطيت سلطات مهمة لتحقيق
مهمتها ومن ذلك : سلطة الضبط ، والتحقيق ، وتوقيع العقوبة ، والرقابة على
الممنوعات .
وللهيئة دور مهم في الاحتساب غي مجالات عدة منها : الاحتساب في مجال العبادات
، والآداب العامة ، والعقائد .
( أهمية نظام الحسبة في المجتمعات
الحضارية )
أي مجتمع حضاري فإنه بحاجة ماسة إلى
أنظمة إصلاحية في كافة مجالاته ، وعلى رأس هذه الأنظمة النظام الخاص برعاية
الآداب والأخلاق .
ولا يخلو مجتمع من المجتمعات من أنظمة أمنية تحميه من الأخطار ، كذلك الأنظمة
الرقابية سواء كانت تجارية أو إدارية أو أخلاقية .
ومن أهم المميزات للمجتمعات الإسلامية - وخاصة مجتمعنا ولله الحمد - وجود
نظام الحسبة وإقامة فريضة الاحتساب ، ورعاية الدولة الإسلامية لهذا النظام
الحساس .
ولو ذهبنا نعدد الفوائد والمميزات والثمرات العظيمة لجهاز الحسبة في بلادنا
الحبيبة المملكة العربية السعودية لطال بنا المقام ، وأقل ما يوصف به هذا
النظام أنه " صمام الأمان " و " ضمير المجتمع " و " مرآته الصافية " .
ولأن كانت التكتلات العلمانية والليبرالية تعادي أو تظهر العداء لهذا النظام
ولهذه الفريضة ، فإن من الإنصاف أن لا نعمم ذلك ، فهناك من يسميهم البعض -
علمانيين - يحسون بخطورة وأهمية هذا الجهاز بعد تحسسهم للواقع وهذه - في نظري
- خطوة إيجابية من هؤلاء ومنصفة لهذا الجهاز الخطير .
أما بقية من يحمل العداء والكراهية والحقد للهيئة لأسباب أخلاقية أو عقائدية
أو مرضية ، فإن أقل ما يقال في حقه أنه شخص حطمت الهيئة - وفقها الله - آماله
في الوصول إلى أعراض وحرمات المؤمنين فكان الحقد يغلي في قلبه تجاه نظام
الحسبة .
وقد كشف أحد رموز العلمانية وأقطابها الكبار حقيقة دعاوى هؤلاء الذين يزعمون
أنهم أنصار المرأة والحرية ، فشهد على نفسه وعلى حزبه بأنهم كاذبون مخادعون
يتربصون بالمرأة كي ينهشوا لحمها ويمزقوا شرفها !!
يقول المفكر العلماني ( بوعلي ياسين )
:
( الرجل - العلماني - المثقف في مجتمعنا يدعو إلى المساواة ويطالب المرأة بأن
تكون ندا للرجل ولكنه نادرا ما يتزوج هذه المرأة المتساوية معه أو الند له ،
إنه يقبلها صديقة ورفيقة وزميلة لكنه يخافها ويبتعد عنها كزوجة ، والفتاة
التي تعقد صداقة مع شاب على طريق الزواج تخاطر بأن لا يقبلها رجل حتى لو
حافظت على غشاء البكارة إنه يريدها غرّة ، ولذلك تراه يركض وراء المراهقات )
!!
شهادة من الداخل ... تبين الازدواجية النكدة التي يتعامل بها الرجل العلماني
مع المرأة ، والمسكينة تظن أن وراء هذا العلماني ملاكا أبيضا وقلبا طاهرا !
هذا هو صنف من يحارب ويعادي فريضة الحسبة ومن يقوم بها ، ولكن الحسبة أصبحت
هي صمام الأمان الذي بدونه ستغرق سفينة المجتمع الحضاري .
يقول الأخ الفاضل رجل الأمن ؛ اللواء
( جميل الميمان ) بشهادة رائعة تجسد
حقيقة ثمار الهيئة ونظام الحسبة :
( بصفتي أحد رجال الأمن في المملكة
العربية السعودية ، أسجل هنا بكل صراحة كلمة حق هي أنه لولا وجود هيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقيامها بواجبها ورسالتها السامية دون كلل أو
ملل بتأييد من الحكومة ، لكانت المجتمعات السعودية في وضع مخل أخلاقيا ، ولما
أمن المواطن على عرضه ، وهي بما تقوم به من أعمال جليلة هادفة إلى الخير
والإصلاح ومحاربة الرذيلة بصورها المختلفة).
هذه شهادة من مسؤول أمني كبير يعرف قيمة الأمن والأعراض ، يسجل ما للهيئة من
أهمية واقعية للحفاظ على أمن وسلامة وأخلاق المجتمع السعودي الحضاري .
( معوقات وعثرات في طريق الحسبة )
ومع أهمية هذا النظام الذي فرضه الله
علينا ، إلا أنه يواجه بعض العقبات والعثرات التي تعيق تطوره وتقدمه وترسخه
بما يجعله مواكبا للعصر وما فيه من تراجع قيميّ وأخلاقي .
ويمكن أن نوجز تلك المعوقات والعقبات
والملاحظات كالتالي :
(1)
أن الهيئة وفروعها بحاجة ماسة إلى كثير من الدعم المادي والمعنوي لتحقيق
أهدافها على أتم وجه ، كما تحتاج إلى تزويدها بالعناصر الشبابية المؤهلة
علميا وتدريبيا على أعمال الاحتساب ، لأن لدهم القدرة على فهم مشاكل العصر .
(2)
حاجة رؤساء المراكز للتدريب المستمر والمكثف لتخطي عقبات ومشاكل العصر ،
وتأدية أعمالهم بأسلوب يجمع الحكمة والالتزام ، الحكمة في إقناع المخالف
بمخالفته ، والالتزام بأوامر الشرع ونواهيه .
(3)
إن بعض أعضاء الهيئة أصيب بحالة فتور لإحساسهم بأنهم لا يجدون الاهتمام مثل
غيرهم من موظفي الدولة ، من حيث الرواتب والمكافآت ، والبدلات ، وغيرها من
الحوافز ، وأنهم يعانون في عملهم أكثر من غيرهم ، نظرا لاحتكاكهم بالجمهور ،
وعلاقتهم بالقضايا الأمنية التي قد يدفع الإنسان نفسه في سبيلها .
(4)
مهمة التحقيق في هذا العصر فن من الفنون وعلم له قواعده وطرقه نظرا لتعقد
المشاكل وتمرس المجرمين في طرق الفساد ومقدرتهم على التخفيّ ، وهذا يتطلب أن
يتعلم الأعضاء في الهيئة فن التحقيق المتطور .
(5)
حاجة الهيئة لوسائل نقل واتصالات حديثة تمكنهم من الاتصال المباشر والسريع مع
بقية الأجهزة الأمنية الأخرى مثل الشرطة والأمارة والمباحث .
(6)
حالة الإحباط التي أصيب بها بعض أعضاء الهيئة بسبب ازدواجية الآداب
الاجتماعية !
فحين يجد نفسه في فجوة بين القيم العالية المثالية التي يتعلمها ويعلمها وبين
الواقع المرير المتناقض لما يعلمه ويتعلمه ، ولذلك اضطر كثير من أعضاء الهيئة
لترك الهيئة بسبب عدم تحمل أنفسهم لحجم وكمية وكيفية الجرائم التي يشاهدها في
مركزه .
كلمة أخيرة أوجها لكل عضو من أعضاء
الهيئة - حفظهم الله - في بلادنا الغالية والحبيبة :
مهمة الإصلاح ليست هينة ، وتذكروا أن
الله معكم ، وتذكروا أن قلوبنا معكم ، فلتسر قافلتكم الإصلاحية تقود المجتمع
إلى بر الأمان، ولتبقى الأصوات النشاز تنطلق فهي عما قريب ستكون من الماضي
بمشيئة الله .
صخرة الخلاص
عندما تكون الهيئة أباً
وأماً..!! ... ندى اليوسفي
وفي كتاب
الهدى الرحمن يمدحكم ... شعر : سعود حامد الصاعدي
فاعلية هيئة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر .. د . نورة السعد
يَا بُنَيَّ أَقِمْ
الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ
القبح 00 اذ يكون معبرا ..د.
محمد الحضيف