بسم الله الرحمن الرحيم

كل يوم ريال فقط
عبدالعزيز بن عبدالرحمن المقحم


إن مواقف المسلمين في قديم الزمان وحديثه لتشهد بما هم عليه من الجود في البذل ومحبة الإنفاق في سبيل الله لما يعلمون من فضله ولما يرجونه عند الله من ثواب المنفقين ولا سيما الذين ينفقون في السراء والضراء.
مهما بلغت ميزانيات التنصير, واعتمادات برامج الإفساد التي تسمى ترفيهية في بلاد الكفار فإن أحدا لا يجهل ما تقدمه الشعوب المسلمة إذا نودي فيها بالانفاق ومن يك جاهلا بذلك فليدع ظنه وليسأل بهم خبيرا ولا ينبئك مثل خبير.
ملايين متراكمة أنفقها ضعفة المسلمين وفقراؤهم فضلا عن تجارهم وأصحاب رؤوس الأموال منهم يبتغون وجه الله في ذلك وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله .
كل هذا صحيح والحديث عنه طويل وجميل ولكن هل له وجه آخر? نعم وكما قيل: الحقيقة واحدة ولكنها قد ت رى من زوايا متعددة فمن وجه آخر نقول: - بكل أسف -: إن الإنفاق عند المسلمين جهود ضخمة جدا لا تعرف التنظيم إلا نادرا وقد أفقدها ذلك كثيرا من ثمراتها وضيع عليها كثيرا من نجاحاتها.
وذلك أن طريق الانفاق عندنا في الغالب طريق واحد وهو عبارة عن استجابات محددة لنداءات متقطعة فمع أن ديننا العظيم يحث على الانفاق ويرغب فيه وقد أثنى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على المنفقين حتى إن الله تعالى وصف المنفق بأنه يقرض الله قرضا حسنا ووعده بالأضعاف الكثيرة في أكثر من آية من كتابه المبين وامتدح الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية. وكم في السنة من مدح المنفقين ووعده بتفريج كرباتهم وشفاء مرضاهم مما يطول بنا ذكره ولا يخفى على أحد منكم ومع ذلك كله ترى كثيرا من المسلمين ومن أغنيائهم قد ضيع الانفاق أعظم تضييع وأهدره أشد الاهدار إذ لم يجعله قضية من قضاياه المهمة جدا وإنما تركه لظروفه. نعم من مشاكلنا الكثيرة أن الإنفاق لله ليس قضية مهمة جدا عند كثير منا وإنما هو خطرات أو مواقف متباعدة متقطعة نفعلها أحيانا بالمصادفة أو تحت إلحاح محتاج أو دعوة جماعة خيرية أو مشاركة عابرة أو نحو ذلك وهذا تضييع لفرصة من أعظم فرص الاستثمار في الدنيا والآخرة وإهدار لخدمات جليلة جدا كان يمكن أن نخدم بها أنفسنا وديننا وأمتنا ونرضي بها ربنا ونغيظ بها أعداءنا. لكن الجهل والتفريط وحب الدنيا فعلت بنا الأفاعيل. فحتى متى يبقى الانفاق عندنا هكذا مع ما له في ديننا من مكانة وما لأهله عند الله من وعود صادقة ؟
ولكي يكون القول مقرونا بالعمل نقول – وأرجو أن تسمحوا لي ببساطة العبارة والمثال -: لماذا لا نرفع مثلا شعار (ريال فقط) أو ( ريالك يصبح مليونا ( أو شعار )كل يوم ريال فقط(وقبل أن نمضي في بيان نتائج هذا الريال اليومي أحب أن أدفع عنك احتقاره فأقول إنك تستقله وتحتقره ولكنك تستكثر المشاركة في جمعية خيرية بواقع ثلاثمائة ريال كل سنة والريال اليومي يحقق أكثر من ذلك وهو أسهل على كثير من الناس وأنفع لهم ولقضاياهم.
فمن بقي على احتقار المثال فإن الحديث ليس للذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم .
فإلى المطوعين من المؤمنين في الصدقات وإلى الذين لا يجدون إلا جهدهم نقول: لماذا لا نجعله شعارا ونقرنه بالعمل لنخرج أولا من دعوة الملكين بالتلف وندرك دعوتهما بالخلف كل يوم ولنصبح كل يوم ممن تصدق بصدقة كما أثنى رسول الله < بذلك على الصديق رضي اللله عنه بذلك, ولنرضي ربنا جل وعلا ولنواسي فقراءنا وضعفتنا وأيتامنا, ولندعم مشاريعنا وبرامجنا الخيرية في الداخل والخارج ولنغيظ أعداءنا الذين يستنزفون أموالنا بما نشتريه من مصنوعاتهم ثم يصبونها في ميزانيات تنصير إخواننا المسلمين ودعم برامج الإفساد وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وصرف ما تبقى منها في خزينة إسرائيل أو الفاتيكان. ونحن في الإنفاق واقفون أمام طريقين أحدهما نحتقره والآخر نعتذر عنه أما طريق ) كل يوم ريال فقط( فنحتقره ونربأ بأنفسنا عنه وأما طريق التبرعات الضخمة فنعتذر عن عدمه ونعده إسرافا لم يأمر به دين ولا عقل واسأل الزكاة المفروضة تخبرك اليقين!
هب أن مدينة من مدن المسلمين يقطنها مليون نسمة - مثلا - هل يعجز ربع هؤلاء أي 25% منهم عن دفع ريال فقط كل يوم ؟ أليسوا ينفقونها أحيانا فيما يضر ولا ينفع ؟ بل ينفقون أكثر من ذلك لو جمعت عبر قنواتها كالجمعيات الخيرية لرعاية الأيتام والأرامل أو بناء المساجد أو طباعة الكتب الدينية النافعة كما سيكون إيرادها السنوي الثابت قد يصل إلى ستة ملايين ريال سنويا عدا ما سواه من التبرعات الكبيرة ونحوها, هذا في مدينة المليون فماذا في المدن الكبرى كالرياض والقاهرة والدار البيضاء وغيرها من مدن المسلمين؟
ألم تصدمنا الاحصاءات بأن سكان عاصمة عربية يصرفون يوميا (200) ألف دولارفي شراء التبغ؟ وهذه هي الخسارة الأولى وليست الوحيدة لأنها ستجر وراءها ملايين الجنيهات لمعالجة مرضى التدخين ولمعالجة البيئة التي أفسدها التدخين وغير ذلك أفلا تعقلون ؟
تموت الأسد في الغابات جوعا *** ولحم الضأن يرمى للكلاب
وذو جهل ينام على حرير *** وذو علم ينام على التراب
حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله أما آن لنا أن نعالج تمن عنا عن التبرعات الضخمة واحتقارنا للتبرعات الصغيرة والدائمة? مع أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل أما آن لنا أن نرفع شعار ؛كل يوم ريال فقط«? ولننظر بعد في نتائجها المفرحة للمؤمنين الغائظة للكافرين وننقذ مشاريعنا الخيرية التي تحتضر أو تكاد ومن كان يحتقره فإنا نقول له نهنئك أولا على همتك العالية ونبشرك أن الحل يسير وهو أن تدفع للجمعية الخيرية مثلا في نهاية السنة 365 ريالا
أما التبرعات الضخمة فأرى أن صرفها جميعا أو أكثرها كالمعتاد بحسب الظروف وإلحاح الطالبين خطأ كبير والأفضل أن يصرف أكثرها في مشاريع دائمة وموارد ثابتة فيما يعرف بالوقف لعلنا نجد بعد سنين قلائل مباني شاهقة وأسواقا عامرة كلها أوقاف لله تعالى تدر الملايين وتؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها دون عناء واستجداء بين اليأس والرجاء.
لكن ما تقول لتاجر مسلم بالله يعتمد للإعلانات خمسة ملايين أو عشرة ملايين ولا يعتمد نصفها ولا ربعها للصدقات ؟ وكأنما تصديقه بالزيادة من خلال الإعلانات التجارية أعظم من تصديقه بقول نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصدقة ( بل تزيده بل تزيده بل تزيده(
وإن كان للنقطتين الأخيرتين حديث مستقل أسأل الله تعالى أن ييسر إخراجه وينفع به.

مجلة الدعوة