اطبع هذه الصفحة


لو غيرك قالها يا سهيله !

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

سليمان بن صالح الخراشي

 
تابعت –كغيري- الحلقات الخمس التي كتبتها الأستاذة سهيلة زين العابدين عن ما سمته (حقوق المرأة)، وتساءلت مع غيري: هل هذه سهيلة الكاتبة الإسلامية القديرة التي كنا نقرأ لها قديماً أم هو تشابه أسماء ؟! ثم بعد أن علمت بالحقيقة أنشدت:
طوى (المدينة) حتى جاءني خبر *** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يـدع لي صدقه أمـلاً *** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي !

وسبب تعجبي –بل ألمي!- أن الأستاذة سهيلة بعد هذا العمر المديد والجهد المشكور في عالم الكتابة لم تجن من ذلك سوى ترديد ما نشره العصرانيون ومن نسميهم فقهاء ضغط الواقع في أبحاثهم ودراساتهم، من أفكار شاذة وأقوال باطلة يتلقفونها من هنا وهناك دون ورع أو خوف من خرق إجماع أو مشاقة نص صريح، إنما هو اتباع الهوى –والعياذ بالله-
وقد عهدنا المرء كلما ازداد سيره في طريق الحق ازداد رسوخاً وثباتاً واعتصاماً وفخراً بما هو عليه. فما الذي أصاب كاتبتنا الكبيرة؟! أهي كبوة فرس، أم تنازلات أملاها ما تمر به حياتنا من ضغوط وتكالب عدو؟ فإن كانت الأولى فلتراجع الكاتبة نفسها ولتصحح خطأها، وإن كانت الأخرى فلتثبت على الحق ولا تتبع أهواء الذي لا يوقنون؛فإن كيدهم ومكرهم عما قريب ينقلب عليهم -إن شاء الله- (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) .
وقد أحببت أن أشير إلى شيء من تجاوزات وأخطاء الأستاذة نصحاً لها وللقارئ الذي قد يفوت عليه بعضها ثقة بكاتبتها . وقد جعلتها على نقاط موجزة. فأقول -مستعيناً بالله-:

1- من قرأ مقالات الأستاذة لن تخفى عليه تلك اللغة القلقة التي صيغت بها المقالات، وكأنها توحي للقارئ بأن الكاتبة غير مقتنعة تماماً بكثير مما ذكرته، وأنها أقحمت نفسها إقحاماً فيه، ولبست ثوباً فصل لغيرها لا لها. ،فلسان الحال يقول لها: ( ليس هذا عشك فادرجي ) ،إنما هو عش أهل التغريب والعصرنة .

2- نقلت الأستاذة جل ما في مقالاتها من كتب وأبحاث العصرانيين ومدعي الانتصار للمرأة، ومن سبق له أن اطلع على إنتاجهم علم أنها تردد ما رددوه وتنقل شبهاتهم كما هي. وكنا نربأ بالأستاذة عن هذا الإنتاج العفن الذي يضاد شرع الله في كثير مما أتى به .

3- خلطت الأستاذة في مقالاتها بين الحق والباطل. فذكرت حقوقاً شرعية للمرأة؛ كحقها في الميراث أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في إجارة المحارب، وغيرذلك من الحقوق التي جاءت بها الشريعة. ولكنها أفسدت هذا كله عندما مزجتها بشيء غير قليل من حقوق متوهمة للمرأة قلدت فيها الآخرين وخالفت فيها شرع رب العالمين –كما سيأتي-.

4- أوهمت الأستاذة قارئها أن سبب عدم حصول المرأة لما تدعيه حقوقاً لها هو "تعالي الرجل على المرأة ورغبته بأن تكون التابع له، فهو لا يريدها أن تتقدمه، بل لا يريدها أن تسير معه جنباً إلى جنب، وإنما يريدها دائماً خلفه" !! وتجاهلت أو تغافلت عن السبب الحقيقي وهو مصادمة تلك الحقوق الموهومة لنصوص الشرع. فشابهت في هذا غلاة النساء الداعيات لتحرير المرأة الذين يصورون المسألة على أنها صراع بين الرجل والمرأة وعداوة متأصلة بينهما ! ليهونوا الأمر أمام القارئ، كما تردده نوال السعداوي كثيراً في أبحاثها. وهذه مغالطة كبيرة تقوم على تخيلات ووسوسات مرضية أنتجتها كثرة القراءة في كتب أدعياء التحرير، حيث نقلت القضية من كونها اتباعاً للشرع من عدمه إلى هذا الصراع المتخيل الذي لا يلجأ إليه إلا المرضى النفسيون من أدعياء التحرير الذي نربأ بالدكتورة أن تشابههم فيه. ويكفي الأستاذة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إنما النساء شقائق الرجال" ولكن هذا لا يعني أن نتكلف لهن حقوقاً لا تناسبهن كما فعلت سهيلة.

5- أجادت الأستاذة كثيراً في تنبهها إلى أن الغرب يضغط على بلادنا في سبيل إقرار نموذجه الغربي للمرأة، وأنه يستعين في ذلك بطائفة العلمانيات المنافقات الموجودات بيننا –لا كثرهن الله- . ولكنها هولت الأمر، مقترحة أن الحل يكمن في أن نعطي المرأة تلك الحقوق التي اقترحتها ! وفاتها أن الخطأ لا يعالج بخطأ آخر وإنما يعالج بإعطاء المرأة حقوقها (الشرعية) والثبات على دين الله إلى أن نلقاه، دون استكانة أو خضوع لمطالب الغرب أو ضغوطهم، وقد قال تعالى محذراً من هذه الاستجابة (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) وقال سبحانه ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) وقال (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) . هذا هو الحل، أما تقديم التنازلات فهذا هو الذي يريده الأعداء، وهم في النهاية لن يرضوا حتى نتخلى عن ديننا كله ونلحق بأديانهم الباطلة والعياذ بالله، (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). وفي ظني أن العلمانيات في بلادنا لا يطمحن بربع ما اقترحته الأستاذة للمرأة من حقوق !! فالله الله يا سهيلة أن تكوني عوناً لهن ومعبراً إلى ما يخالف شرع الله .

6- استدلت الأستاذة بقوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) على أن للمرأة أن تتولى منصب الإمامة العظمى (الخلافة) !!، وهذا من أعجب ما رأيت من الاستدلالات؛ لأن هذه الآية تبين أن المؤمنين ذكوراً وإناثاً يتناصرون ويتعاضدون ويتعاونون على الخير،ولا دخل لها بالولاية (بكسر الواو) من قريب ولا من بعيد. ولم يقل بهذا القول الغريب الذي جاءت به الأستاذة أحد من المفسرين. ولهذا فإن الكاتبة عندما لم تجد أحداً منهم يؤيد رأيها هذا، نقلت بعض أقوالهم ! فنقضت قولها بيدها وهي لا تشعر !

7- قالت الأستاذة بأن الحديث الصحيح "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" : (لا يلغي حق الولاية للمرأة) وأنه مقصور على الفرس فقط ! ثم استشهدت بأن بعض الدول الإسلامية قد تولت فيها المرأة منصب الإمامة العظمى وبعض المناصب الكبيرة.
قلت: وفي قولها هذا مشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة صريحة لحديثه السابق؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا سيما وقد أكده صلى الله عليه وسلم (بلن) الدالة على التأبيد المطلق للنفي. وأما استدلالها بتولي النساء في بعض البلاد الإسلامية لبعض المناصب؛ فإن الإسلام حجة على الخلق وليس العكس، وما مثل الأستاذة في استدلالها هذا إلا كمن يرى جواز شرب الخمور أو السماح بذلك؛ لأن لبعض الدول الإسلامية فعلته !

8- ادعت الأستاذة أن الأحناف يقولون بجواز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود والقصاص، وهذا غير صحيح، بل الأحناف موافقون للجمهور القائلين بعدم جواز ذلك، وإنما الذي غرها هو أن الأحناف قالوا بأن المرأة لو وليت القضاء وقضت بما يوافق الكتاب والسنة فإن حكمها ينفذ مع الإثم. (انظر رسالة: ولاية المرأة في الفقه الإسلامي، للباحث حافظ أنور، ص 222 وما بعدها).

9- خالفت الأستاذة إجماع علماء الإسلام في عدم جواز شهادة المرأة في "الجنايات" (انظر الإجماع لابن المنذر، ص 64-65). وفي هذا خطورة على دينها –هداها الله-، قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: "الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص" (الفتاوى 19/270).

10- ذكرت الأستاذة أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ولى "الشفاء بنت عدي" أمر الحسبة ! وهذا الأثر الذي ذكره ابن حزم في المحلى (8/527) دون إسناد ! قال عنه ابن العربي المالكي: "لم يصح، فلا تلتفتوا إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث" (أحكام القرآن 3/1457).

11- قالت الأستاذة: "إن إحرام المرأة في وجهها وكفيها، فلا يجوز أن تتنقب أو تغطي وجهها وتلبس قفازاً وهي محرمة، وإن فعلت فعليها أن تفدي، ولكنا نجد البعض يلزم المرأة بتغطية وجهها وهي محرمة…." الخ كلامها، وفيه خلط كثير لابد من توضيحه:
فقولها بأنه لا يجوز للمرأة المحرمة أن تنتقب أو تلبس القفازين صحيح؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولكن ليس معنى هذا أنه لا يجوز لها أن تغطي وجهها بغير النقاب كما قد يفهم البعض، ومنهم الأستاذة، إنما المعنى أن لا تغطي وجهها أو كفيها بما يكون مفصلاً على مقدار العضو، وهو ما يسميه الفقهاء "المخيط"، ولكنها تستر وجهها عن الأجانب بسدل جلبابها أو خمارها. وهذا ما فعله زوجاته صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة رضي الله عنهن. قالت عائشة –رضي الله عنها-: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه" رواه أبو داود. وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام" رواه الحاكم وقال على شرط الشيخين. وعن فاطمة بنت المنذر قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها" رواه مالك في الموطأ . وقال ابن المنذر – رحمه الله - : " أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف ، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلاً خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال " ( فتح الباري 3/475 ) .
فكيف تدعي الأستاذة أن المحرمة لا يجوز لها ستر وجهها بغير النقاب؟! وهذا القول الغريب لم يقل به حتى القائلين بكشف وجه المرأة أمام الأجانب؛ كالألباني مثلاً.
وما حال الأستاذة إلا كحال من يدعي أن الرجل لا يجوز له أن يستر عورته في الإحرام؛ بسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاه أن يلبس السراويل وهو محرم ؟!!
وهذا من الفهم السقيم –كما سبق- لأن نهي الرجل أو المرأة عن لبس ما يفصل على مقدار العضو ليس معناه أن لا يستره بغير ذلك .
ومقولة الفقهاء التي أساء فهمها كثير من الناس، وهي "إحرام المرأة في وجهها" يعنون بها ما ذكرته سابقاً من أنها لا تغطيه بالنقاب ولكنها تستره بغير ذلك.

12- ادعت الأستاذة أن عائشة رضي الله عنها كانت لها "الولاية" في موقعة الجمل!! وهذا غير صحيح أبداً، لأن عائشة رضي الله عنها لم تخرج محاربة ولا طالبة للخلافة ! وإنما خرجت –بعد أن أقنعها الناس- داعية للإصلاح بين المتخاصمين، وكان هذا اجتهاداً منها رضي الله عنها. ثم ندمت بعد ذلك، وكان من قولها –كما في المستدرك (3/119)-: "وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير" وكانت إذا قرأت (وقرن في بيوتكن) بكت حتى تبل خمارها. (انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 2/177).

13- جعلت الأستاذة من حقوق المرأة التي حرمها إياها الرجل: التعلق بأستار الكعبة !! وفاتها أن هذا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، لا يفعلها إلا الجهلة.

14- أخيراً: أنصح الأستاذة سهيلة - والقراء الكرام - بقراءة رسالتين جامعيتين قيمتين تتعلقان بما طرحته من مواضيع، هما: "ولاية المرأة في الفقه الإسلامي" للباحث حافظ أنور، ورسالة : "المرأة والحقوق السياسية في الإسلام" للباحث مجيد أبو حجير.

وفق الله الأستاذة للحق، وجعلها –كما عهدناها- من الداعيات إليه، الثابتات عليه ؛ كما قال سبحانه (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)،وجنبني الله وإياها حال أهل الريب والشك. والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية