اطبع هذه الصفحة


ماذا قال الدكتور عبدالرحمن بدوي عن شيخ العصرانية في مصر ؟!

سليمان بن صالح الخراشي

 
يتميز الدكتور والمفكر الراحل عبدالرحمن بدوي – رغم التحفظات على فكره – بميزة لاتجده عند كثير إن لم يكن كل المفكرين المعاصرين ؛ وهي صراحته ووضوحه وجهره برأيه الحقيقي في شخصيات عصره ، دون مجاملة لأحد منهم . ومن يطالع مذكراته التي نشرها بعنوان ( سيرة حياتي ) يتيقن هذا .

وهذه الميزة قد لاتكون من صالح الدكتور بدوي ؛ لأنها أفقدته كثيرا من أهل عصره ، الذين نفروا منه لأجلها ، وتجانبوه . ولكنها مفيدة ونافعة لمن أراد معرفة الأمور على حقيقتها أو رؤية الجانب الآخر فيها دون تزويق أو تلميع .

ومن ذلك ما ذكره الدكتور بدوي في سيرته عن شيخ العصرنة المسمى زورًا بالإمام !! محمد عبده ، وهو من الشخصيات التي صنعت على عين الإستعمار الإنجليزي ، ثم نفخ فيها العلمانيون المستغربون لحاجة في نفوسهم ،وقد بين هذا بالحقائق كثير من الشرفاء الذين ينفذون إلى حقائق الأمور ، ولا يكتفون بقشورها الزائفة .

وقد أحببت أن يطلع القارئ على هذا الرأي :

يقول الدكتور بدوي ( 1/ 51) بعد أن ذكر شيئا من خبث اللورد كرومر الحاكم الإنجليزي لمصر أثناء الإحتلال : (فهل يجوز بعد هذا لأي مصري -مهما كان حظه من الوطنية ضئيلاً- أن يصادق مثل هذا الرجل؟ لكن هذا هو ما فعله الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية، و"المصلح الديني" المزعوم! فقد انعقدت بينه وبين لورد كرومر علاقة حميمة -إن صحَّ أن توصف بالحميمة - علاقة التابع بالمتبوع، والذليل بالجبار، والمطيع الخاضع بالآمر المستكبر. بل كان محمد عبده هو نفسه يتفاخر ويتباهى بهذه العلاقة الوثيقة بينهما، وبينه وبين سلطة الاحتلال، كما ورد في رسالة منه إلى رشيد رضا لما أن خاف هذا الأخير من أن يعتقله الإنجليز (راجع رسائل محمد عبده إلى رشيد رضا في "تاريخ الإمام محمد عبده" للشيخ رشيد رضا).

وقد استغلَّ كرومر علاقته هذه بمحمد عبده فجعله يكتب مقالات ضد محمد علي، رأس الأسرة العلوية، بمناسبة مرور مائة عام على توليه حكم مصر، وذلك في سنة 1905، وكان ذلك قبيل وفاة محمد عبده بقليل (راجعها في الكتاب المذكور).

ومع ذلك كان –وظل حتى اليوم- لمحمد عبده أنصار ومعجبون وممجّدون مغالون!! وإذا سألتهم: ماذا يعجبكم فيه: أهذا التواطؤ على طاغية الاستعمار البريطاني في مصر؟ لم يجدوا جواباً ؛ لأن الوقائع تدفعهم، بل لاذوا بدعوى "الإصلاح الديني" وزعموا أنه كان "مصلحاً دينياً". فنسألهم: أي إصلاح ديني قام به؟ لم يستطيعوا أن يذكروا إلا تفاهات شكلية، مثل تحليل لبس القبعة -وكأن هذا أمرٌ خطير جداً به يكون المرء "مصلحاً دينياً" كبيراً !!

وهكذا الأمر في كثير من أمر الشهرة في مصر والبلاد العربية والإسلامية! لقب يطلقه مخدوع أو خادع، فيتردد بين الناس في عصره، وينتقل من جيل إلى جيل، ولا أحد يتحقق من صواب إطلاق هذا اللقب وخلع هذه الشهرة !!

ولو كان لمحمد عبده من الإنتاج الفكري ما يشفع له في نيل هذا اللقب، لا تسع وجه العُذر. ولكنه كان ضئيل الإنتاج جداً، إذ ليس له إلا كتاب صغير هو "رسالة التوحيد" -وهي دروس ألقاها في بيروت بعد خروجه من مصر، وهي متن في علم التوحيد واضح العبارة، حسن الأسلوب، لكنه من حيث المادة خجل بسيط لا يفيد إلا المبتدئين في هذا العلم. وما عدا هذه "الرسالة"، ليس له إلا تعليقات لغوية بسيطة على "مقامات" البديع الهمذاني و"البصائر النصيرية للساوي" و"نهج البلاغة" المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب" ) . انتهى كلام بدوي .

قلت : ومن يطالع رسالة التوحيد لمحمد عبده التي اغتر بها عبدالرحمن بدوي يعلم أنها – أيضا – ليست إصلاحا حقيقيا ! لأنها قائمة على تقرير توحيد الربوبية الذي لم ينكره المشركون !! وقائمة على المذهب الماتريدي والأشعري في قضية الصفات وغيرها ، وجهل بمذهب السلف حيث ظنه التفويض ، إضافة إلى تعظيم العقل على حساب الوحي ؛ مما جعل بعض علماء الشيعة يثنون عليها ! ( انظر الصفحات : 33، 62، 66، 72، 202، 246، 248 من طبعة بسام الجابي ) .

 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية