اطبع هذه الصفحة


(العلماء والنفط ) كذبة رددها العواجي وآل الشيخ ..ماذا قال عنها الطريقي؟

سليمان بن صالح الخراشي

 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سبق للدكتور محسن العواجي - هداه الله - أن ادعى أن العلماء اعترضوا على استخراج النفط ! وقبله فعلها الأستاذ محمد آل الشيخ الكاتب بجريدة الجزيرة ؛ بل ردد هذه الكذبة ثلاث مرات في مقالاته بالجريدة أو بالشبكة الليبرالية ، يُتبعان ذلك بحسرة : كيف لو أن الملك طاوعهم ! .. الخ تهويلاتهما .

وبعد البحث وجدتُ أن عمدتهما وغيرهما : ماجاء في كتاب " لسراة الليل هتف الصباح " للأستاذ عبدالعزيز التويجري ، حيث أورد وثيقة خطاب من الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ - رحمه الله - إلى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يقول له فيها بعد السلام :
( أمابعدُ ؛ فالموجب لهذا هو النصيحة لكم ؛ لأن الله تعبدنا بذلك وأوجبه علينا ، وحرّم علينا الغش والسكوت عن البيان ، وهو أن الله من عليكم بهذه الولاية الإسلامية الدينية التي نشأتم عليها ، وعشتم في ظلها ؛ بانتسابكم إليها ، ولكن يا محب : الواجب عليك حفظ هذه الولاية ورعايتها وإحاطتها عما يشينها ، ويوجب زوالها ، نرجو من الكريم المنان أن يديمها ولا يغيرها عليكم ، ولكن دوران هؤلاء الأجانب في ولاية المسلمين بقولهم : معادن وغير ذلك ، فأنت ولله الحمد في غنى عن هذه الأمور ، وتمكينهم من التماس المعادن بزعمهم لا يؤمن مكرهم ، وأنت ولله الحمد من أحزم الناس وأكيسهم وأبصرهم بالأحوال ، ولكن هذا شيئ في النفس ، ومثل هذا الذي عند " كشب " و " تنورة " امنعهم من ذلك ، وهذه الولاية التي أكرمكم الله بها ، وبسط أمنها على أيديكم ، لا يصلح فيها إلا من هو مأمون موثوق به ) . ( لسراة الليل ص 379) . علق الأستاذ عبدالعزيز التويجري قائلا : ( رحمك الله يا شيخنا وغفر لك ، إنك مخلص في اجتهادك ، تقي ورع ، ولكن الحمد لله على ما قدر وحصل ، ماذا لو أن الملك عبدالعزيز أخضعته مثل هذه النصائح ، التي لا بينة عليها للناصح .. الخ ) .

قلت :
أظن هذا التعليق هو مصدر العواجي ومن معه . ومن تأمل رسالة الشيخ محمد بن عبداللطيف - رحمه الله - علم أن هدفه منها ( التحذير من دوجان أجانب الشركات في بلادنا ) سواء للنفط أو لغيره ، وأنهم لايؤمن مكرهم بالتجسس أو التنصير أو غير ذلك من مفاسدهم ، والعواجي وآل الشيخ وغيرهما يوهموننا أن الشيخ والعلماء حذّروا الملك من  ( استخراج النفط ) !! ولا أدري ما الداعي لهذا الفهم المغلوط ؟ وهم يعلمون أن العلماء قبل غيرهم استعملوا أمورًا كثيرة تأتي من الكفار ؛ كالأسلحة ونحوها .  فهل هذه المغالطة لأجل مافي نفوسهم من نقمة على العلماء ، أو بسبب ادعاء كل واحد منهم أنه فقيه الواقع الذي لا يُشق له غبار ! أو ماذا ؟

ويرد هذا الفهم الساذج أن الشيخ - رحمه الله - قال في خطابه : (
وهذه الولاية التي أكرمكم الله بها ، وبسط أمنها على أيديكم ، لا يصلح فيها إلا من هو مأمون موثوق به ) . فلو كان المـُنقّب عن النفط مسلمًا لما اعترض الشيخ أو العلماء ؛ لأن الهدف هو إبعاد الأجانب عن هذه البلاد المسلمة . لاسيما وقد رأى الجميع - في عصرهم - مكر الأجنبي الكافر الذي اتخذ من مثل هذه الشركات وسيلة لمد نفوذه إلى بلاد المسلمين ، والسيطرة عليها ، أو على الأقل اختراقها ، والاستفادة من خيراتها بأقل الأثمان . وماقصة احتلال شركة الهند الشرقية التابعة لبريطانيا لبلاد الهند المسلمة عنا ببعيد . وقد تعرضت لها في مقال سابق ، تجده على ( هذا الرابط ) .

إذن :
فتصرف العلماء مع الملك هو التصرف الصائب من الناصح الشفيق ، محبة لهذه البلاد التي جمعها الله على يديه أن يختل نظامها بسبب تدخلات الأعداء ، وكون الملك يستمر في منحهم امتياز التنقيب لا يعني خطأ تحذير العلماء ؛ لأنه سيُقدم عليه وهو مضطر له في تلك الفترة التي يندر أن يوجد فيها بديلٌ لأولئك الأجانب ، ولكنه سيكون حذرًا منهم ، مُحَجمًا لنشاطاتهم وتطلعاتهم بسبب المناصحة والتنبيه . ومن نعم الله على الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أنه هيأ له كوكبة من العلماء الثقات الناصحين ، الذين شيدوا بناء الدولة معه لبنة لبنة ، بنوايا خالصة لله وحده ، وفي سبيل إعادة بناء دولة التوحيد بعد أن أذهبتها الخلافات - كما هو معلوم - ، ولم تكن لهم مطامح دنيوية ، ولهذا بارك الله في أعمالهم ، ولايجحد هذا إلا من هو شانئ لهم . وقد استفاد الملك منهم كثيرًا في مواقف متعددة - ليس هذا مكان تفصيلها - .

 

عبدالله الطريقي : وزير النفط النابغة
يؤيد فهم العلماء وتخوفاتهم

وفهم العلماء السابق وتحذيرهم من الشركات الأجنبية ، ومخططاتها في البلاد المسلمة ، هو مافهمه أحد أبرز خبراء النفط في بلادنا ، ممن لايُشك في ذكائه ولا نُصحه ، أعني : عبدالله الطريقي - رحمه الله - ، أول وزير للنفط في السعودية ، الذي كانت له مواقف مشرفة في مجال مزاحمة هذه الشركات الأجنبية ، والتصدي لأطماعها ، والتحذير منها . فمن أعماله وأقواله :

1- تأسيس كلية البترول والمعادن ، من أجل تكوين قدرات وطنية قادرة على استيعاب تكنولوجيا النفط .
 

2- تأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول ( الأوبك ) مع وزير النفط الفنـزويلي خوان بابلو بيريز الفونسو. للتحكم في أسعار النفط وحصصه .


3- من مقولاته : ( كلنا نعرف أن شركات البترول ذات طابع سياسي بجانب طابعها الاقتصادي والتجاري ، وأنها تُشكل حكومات في الأقطار العربية التي تعمل فيها ، وتنظيماتها مرتبة ومقسمة بطريقة تجعلها وكأنها حكومات مستقلة ذات سيادة .. وهي تتعامل مع الحكومة المحلية على قدم المساواة ، ولديها من القوة الفعلية ما يجعلها تتصرف في بعض الحالات وكأنها السلطة الوحيدة في البلاد . والذين يرون هذه الأمور بسهولة لابد لهم من أن يعيشوا كما عاش كاتب هذه السطور مدة طويلة بين ظهراني تلك الشركات ؛ ليتأكدوا من هذه الحقائق ) . ( الأعمال الكاملة ، ص 30 ) .
فهو قد قال ماقال من خلال تجربة مع هذه الشركات الاستعمارية .

4- من مقولاته : ( إن الفنيين العرب إذا ما عادوا من جامعات أوروبا وأميركا - يحملون نفس الكفاءات العلمية التي يحملها زملاؤهم الأجانب- فإنهم يشعرون في بلادهم وفي أوساط الشركات النفطية الأجنبية بأنه لا يحق لهم ما يحق للأجنبي في بلادهم مهما علت درجاتهم العلمية. وتتحايل الشركات النفطية بشتى الطرق لإبعادهم عن ممارسة اختصاصاتهم وممارسة التمييز العنصري بحقهم وجعلهم يشعرون في بلادهم بأنهم أقل كفاءة وأقل أهلية للثقة من زملائهم الأجانب. مما سبب لكثير من هؤلاء الفنيين خيبة أمل ودفع الكثير منهم إلى ترك العمل في مجال تخصصهم ، والعمل في مكاتب الحكومة حيث يقومون بأعمال لا علاقة لها بما خصصوا أنفسهم له. وقد يضطر البعض منهم إلى الهجرة إلى الخارج وهذا يحدث كثيراً ) . ( السابق ، ص 17 ) .

5- قال المعلق على أعماله الكاملة : ( لقد أدت تجربة الطريقي النفطية في الخمسينيات واحتكاكه وتعامله المباشر مع شركة أرامكو التي كانت مهيمنة بصورة مطلقة على صناعة النفط السعودية، إلى تركيز قناعته بأن الشركات النفطية الأجنبية تعمل لمصلحتها أولاً، ولصالح حكوماتها ثانياً، وأخيراً، وبشكل ثانوي، لفائدة الدول المنتجة. ودعمت دراسة قامت بها منظمة الأوبك في عام 1963 صحة مخاوف الطريقي بالأرقام ؛ فقد وجدت الدراسة "أن معدل سعر برميل من المنتجات البترولية المكررة للمستهلك النهائي في ذلك الوقت كان يبلغ حوالي 11 دولاراً، في حين شكلت العوائد الحكومية للأقطار المنتجة 6.7 بالمئة فقط ( حوالي 47 سنتًا )  بالمقارنة بـ 52.3 بالمئة ( حوال 5.75دولار ) على شكل ضرائب مباشرة وغير مباشرة مفروضة على النفط من قبل حكومات الأقطار المستهلكة، والبقية تبقى من حصة الشركات".


ركز الشيخ الطريقي أثناء العقد من الزمن الذي عمل فيه في صناعة النفط السعودية، ونتيجة للقناعات التي توصل إليها، على أمور ثلاثة رئيسة:


الأول:
تحقيق ريع أعلى من الدخل النفطي لصالح بلاده، وذلك من خلال إثارته قضية محاسبة شركة أرامكو على أساس السعر المعلن للنفط، ومسألة تنفيق الريع، بالإضافة إلى تحديد الإنتاج بحيث يتناسب مع الطلب في الأسواق.

الثاني:
محاولاته الدؤوبة لتغيير أولويات شركة أرامكو لكي تخدم مصلحة المملكة لا مصلحة الشركة نفسها فقط. فطالب، ضمن ما دعا إليه، إلى مشاركة الحكومة في رأسمال الشركة، وفي انفصال أرامكو عن السيطرة المحكمة التي وضعتها فيها شركاتها الأم الراعية المالكة لها في حينه.

لاقت جهود الطريقي معارضة قوية من قبل الشركات الأجنبية. وكان يشتكي من ذلك كثيراً. فذكر في مقابلة له مع نشرة بتروليوم وبك " إن الشركات لا تريدنا أن نقوم بأي شيء. إنها تفضل ألا تقوم الحكومات بأي شيء بالنسبة لنشاط يحصلون منه على معيشتهم. إنها لا تريد من الحكومة أن تتدخل بأن شكل كان في مجال النفط في بلدها" ، وفي مداخلة له في مؤتمر البترول العربي الذي عقد في بيروت في عام 1960، اتهم الطريقي الشركات أنها " تستطيع أن تُبلغ حكومتين شيئين مختلفين ! لهذا فإننا لا نستطيع أن نقبل أي شيئ تقوله الآن بدون تحرٍ حقيقي . إنها لا تُطلعنا على مايجري خارج مرحلة الإنتاج، وتدعي بأن هذا شيء معقد وأنه من اختصاص الشركات الأم !!  إنها تعاملنا كأطفال !! ".


الثالث:
تدريب الشباب السعودي وابتعاثه إلى الخارج لتلقي العلم والعودة للمساهمة في إدارة الصناعة البترولية الوطنية ) . ( السابق ، ص 17-19 ) .

6- كتب مقالا مهمًا بعنوان : ( الشركات الاحتكارية العالمية وسيلة الاستعمار الجديدة في السيطرة والاستغلال ) . قال فيه :
( هذه هي الحلقة الأولى عن أساليب الاستعمار في السيطرة. وسنتبعها بعدة حلقات لنضع أمام القارئ صورة صحيحة عن أساليب الاستعمار ، وكيف أن الشركات الاحتكارية العالمية تمارس نشاطاً سياسياً بجانب نشاطها الاقتصادي ) . وقال : ( وإذا ما عدنا إلى المشرق العربي وتبصرنا في نشاط الاحتكارات الأجنبية بطريقة موضوعية بحتة لوجدنا أن نشاط هذه الاحتكارات لا ينفصل مطلقاً عن النشاط الاستعماري والسياسي للحكومات التي تنتمي إليها. وما من حادث هام يحدث في المنطقة إلا وأمكن الإثبات بأن لنشاط الاحتكارات الأجنبية يدًا في الموضوع ) . وقال : ( لقد كان بالإمكان لو لم تتغير الظروف في العالم وتظهر على خشبة مسرح السياسة العالمية قوى لم تكن في الماضي تستطيع التأثير على الأحداث وتعلن معارضتها لجميع أنواع سيطرة الشعوب القوية على الشعوب الصغيرة، لولا ظهور هذه القوى بعد الحرب العالمية الثانية ؛ لظلت الجيوش الأجنبية مرابطة في المشرق والمغرب العربي ، ولباشرت الدول التي كانت تستعمر أرضنا نفس أسلوبها القديم في السيطرة والاستعمار. ولكن تغير الظروف جعلها تلجأ إلى أسلوب جديد في التعامل ظاهرة الاستقلال السياسي للشعوب الصغيرة ، وإدخالها الأمم المتحدة مع إبقائها مستعمرات اقتصادية لا تملك من أمرها شيئاً. ولهذا فهي، كما قال الرئيس نكروما، تعترف بالاستقلال السياسي الشكلي وتحاول جاهدة الحفاظ على الاستعمار الاقتصادي ) . ( المصدر السابق ، ص 320-325  ) .


7- من أقواله الرائعة التي تدل على فهمه لبواطن الأمور : ( الدول الإسلامية تشكل فعلاً وحدة اقتصادية، ليس لتشابه ظروفها فحسب، وإنما لتخلفها عن ركب الحضارة، سواء أكانت نفطية أم غير منتجة للنفط. لقد لوثت الحضارة العربية معتقدات المسلمين في جميع أوطانهم، وظهر الإسلام، بفعل تعاليم الغرب ودسائسه ، وكأنه عامل من عوامل التخلف، وبدأ المغرضون ينادون بأن على المسلمين أن يتخلوا عن دينهم ليحظوا بالعيشة الآمنة الرغدة. ولقد لاحظنا أن الاستعمار الغربي لم يترك أثراً نافعاً في بلاد المسلمين، فقد منع عنهم وسائل النجاح، وحرمهم من التعليم الفني، واختار الأقليات من النصارى وغيرهم لإعطائهم الأعمال وإظهارهم في مظهر الناجحين في الحياة. وحيث أتحدث عن وحدة الدول الإسلامية فلا أعني بها ما يعلنه المسؤولون دائماً عن التعاون والتضامن والتفاهم الذي لا نجد له أثراً في واقع الحياة. إنما أعني التعاون الحقيقي. يملكون أرصدة كبيرة في الغرب، تخدم اقتصاده، وتزيد من قوته. فلو أن العرب طوروا الإمكانيات الزراعية والصناعية في الباكستان وإندونيسيا وبلاد أفريقيا المسلمة لتغير الوضع.

ولعل أعظم مثل على تخلفنا وتخاذلنا ما حصل في أوغندا، فقد حاول عيدي أمين التعاون مع الدول العربية المسلمة التي لم تستجب له. وكان في إمكانها، التنسيق معه وحتى مراجعته في بعض التصرفات الفردية التي أُذيعت عنه، مما أعطى الغرب عذراً في القضاء عليه. كما أن السودان وهي دولة مسلمة أيضاً يحتاج إلى أرضها الخصبة العربُ والمسلمون، فيمكن تطوير الزراعة فيها، باستخدام جزء من أرصدتنا في الخارج بزراعة أراضيها واستثمارها.. والقول ينطبق على دول كثيرة في أفريقيا ؛ كالصومال وإريتريا، وفي هذا إغناء لهم عن الغرب، وإيجاد أسواق لصناعات الأسمدة في بلادنا ) . ( السابق ، ص 956 ) .


ختامًا :
قال جامع أعمال الطريقي - رحمه الله - عن أيامه الأخيرة : ( وانصرف في تلك الفترة إلى ممارسة الشعائر الدينية بشكل ملحوظ ، أكثر مما كان معتاداً عليه في الماضي، كما واصل ممارسة رياضته المفضلة ؛ ألا وهي تربية وركوب الخيل .. ) .

 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية