اطبع هذه الصفحة


اعتراف آخر ... للجابري !

سليمان بن صالح الخراشي

 
يتبجح ( بنوعلمان ) و ( بنوعصران ) كثيرًا بلمز الإسلام وأهله بأنهم - كما يقولون - " دوغمائيون " لا يقبلون الرأي الآخر ، ولا يسمحون بالتعددية الفكرية ، ولايتسمون بالتسامح .. الخ كلامهم المكرور

وفي المقابل يشيدون ( بعلمانيتهم ) و ( بمجتمعهم المدني الخيالي ! ) وما فيهما من " تسامح " و " سعة أفق " و " رحابة صدر " و " مرونة عقل وتفكير " و .. و .. الخ

فهل هذا صحيح ؟!

لن أجيب أنا ، ولكن سأدع أحد " أركانهم " و " أساطينهم " ممن يعكف المريدون على كتبه ، ويتواصون بها ، ويفرحون بالتتلمذ عليها ! حتى قال قائلهم - الطريفي - فرحًا : ( إن بعض طلبة الشريعة اليوم يقرأون للجابري ) !!!

لقد اعترف هذا الجابري بالحقيقة المرة التي يجهلها - أو يخفيها ! - صغار الطلبة في مدرسته الفاشلة .. فقال في كتابه " قضايا في الفكر المعاصر " ( ص 20 - 21 ) بعد أن كال المديح لتسامح ( الفلسفة ) التي لايجيد سواها :

( ولكن هل كانت الفلسفة طوال تاريخها المديد مخلصة لهذا المبدأ ؟

إننا لا نستطيع، مع الأسف الشديد، أن نجيب بالإيجاب، مطمئنين إلى أننا نقول الحقيقة كل الحقيقة. ذلك أن الفلسفة، كما يقول ياسبيرز، غالباً "ما خانت نفسها" فتجاوزت مهمتها من "البحث عن الحقيقة" إلى ادعاء امتلاكها، وانزلقت –كما يقول هو نفسه- إلى "درجة الانحلال في وثوقية، في معرفة مصبوبة في صيغ، في يقينية نهائية وكاملة وصالحة لأن تنقل بالتعليم إلى الآخرين".

فعلاً، إن الوثوقية، أو الدوغمائية، تتنكر للاجتهاد وتلغي الاختلاف وترفع شعار "الإجماع" وتُشْهر سلاح "الخروج عن الإجماع" ضد كل مخالف، وتنحو نحو الاستبداد والهيمنة، فيحل التلقين والتلقي محل البحث والتقصي، وتكف الفلسفة عن اعتماد التسامح موقفاً فكرياً وعملياً وتفقد هويتها ومزيتها وتصبح شيئاً آخر، نسميه اليوم: إيديولوجيا... تماماً مثلما تتحول الدعوة الدينية من النقاش والمجادلة بالتي هي أحسن واعتماد الموعظة الحسنة... الخ إلى التمذهب الضيق والغلو والتطرف.

والحق : إن تاريخ الفلسفة يدلنا على أن التسامح كان دائمًا مقومًا أساسيًا من مقومات التفلسف ؛ أعني البحث عن الحقيقة . حتى إذا ترك الشك المنهجي مكانه لليقين المذهبي ، وحل تعميم الأفكار محل تحليلها ونقدها ؛ انقلبت الفلسفة إلى إيدلوجيا ، أي تقريرًا لـ " الحقيقة " التي تقدم نفسها كاملة واحدة لا حقيقة بعدها . وزال التسامح وحل محله اللا تسامح : أعني اللجوء إلى القوة والعنف فكرًا وسلوكًا ) .

قلت : لي ثلاثة تعليقات على كلام الجابري :

1 - يشهد لكلام الجابري ما حدث من المعتزلة دعاة العقلانية المزعومة ممن يدعون الحرية ؛ فإنهم لما تمكنوا تسلطوا على الآخرين لفرض بدعتهم بالقوة ( ولدى بعض طلبة العلم بحث موثق عن هذا ، لعله ينشره قريبًا ). وهم وإن لم يكونوا من الفلاسفة إلا أن أؤلئك مثلهم ؛ لأن دعاوى الطائفتين ( التسامحية ) واحدة . ويؤكده :

2- أن الفلاسفة لم يتمكنوا في تاريخهم من الحكم - حسب علمي - ؛ نظرًا لعدم ارتباطهم بالواقع . ولو قدر أن شهدنا لهم دولة لرأيت العجب من ( تسامحهم ) ! فلا يُغتر بدعاواهم أو دعاوى من أعجب بهم .

3- أن التسامح الذي يروج له البعض يقود إلى الفوضى لمن تأمله حق التأمل ولم ينخدع ببهرجه ، وهو أمر لا حقيقة له على أرض الواقع . وتفصيل هذا يطول تجده إن شاء الله في حلقة من حلقات ( ثقافة التلبيس ) عن هذا المصطلح المموه .
 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية