اطبع هذه الصفحة


اعتراف مهم للدكتور الهاشمي صاحب قناة ( المستقلة ) ..

سليمان بن صالح الخراشي


بسم الله الرحمن الرحيم
 

أصدر الدكتور محمد الهاشمي صاحب " قناة المستقلة " كتابًا جديدًا بعنوان ( رسالة التوحيد ) تحدث في مقدمته عن حياته ونشأته وارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين ، وتنقلاته الإعلامية ، إلى أن حط الرحال في قناته " المستقلة " ، وقد جاء في المقدمة اعتراف مهم ، من رجل خبير ومن داخل الصف ، عن تفريط جماعة الإخوان المسلمين ومن تأثر بها من بعض الدعاة الحركيين في جانب الاهتمام بأمر التوحيد ، الذي هو آكد الأمور عند الله ، وتهاونهم في أمر الشيعة ، بل تعاطفهم معهم ، وانشغالهم بأمر " السياسة " والوصول " للحكم " ، مفرّطين لأجله في أمور شرعية عظيمة ، فكانت أضرار هذا الانشغال تفوق مصالحه بكثير .
ويكفي أن من المفاسد : تشويه صورة أهل الصلاح والإصلاح في أذهان عامة المسلمين ، عندما يرون بعضهم ممن انخرط في السياسة وألاعيبها ، أصبحوا مجرد " سياسيين " لا مبدأ لهم ، يدورون مع مصالحهم وحزبياتهم ، لا فرق بينهم وبين الآخرين ؛ مما يُفقد العامة الثقة في أهل الخير عامة ، تعميمًا لمسلك تلك الفئة .
وإلى القارئ شيئًا من اعتراف الدكتور ؛ عسى أن يعيه أفراد جماعة الإخوان ، وبعض من تابعها أو تأثر بها من الدعاة الحركيين المنشغلين بأمر الحكم ؛ فيُعيدوا النظر في أولوياتهم :
قال الدكتور عن مرحلة عملة بجريدة الشرق الأوسط ( ص 12 – 14 ) :
( أعطاني رئيس التحرير، الإعلامي السعودي المعروف عثمان العمير، حرية مطلقة تقريباً في الإشراف على الصفحة. فطبعتها بالروح التي نشأت عليها في صفوف الحركة الإسلامية التونسية ، والمدرسة الإخوانية ، وفي أجواء حلقات النقاش في الجامعة التونسية. فتحتُ ملفاتٍ كثيرة للحوار، واستكتبت الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – والدكتور يوسف القرضاوي، وكتّاباً آخرين مشهورين. كما نشرت في صفحة الدين لكتّاب محسوبين على المدرسة العلمانية، ضمن مناظرات عن الإسلام وتحديات العصر.وقد واجهتُ مشكلة دينية سياسية فرضتها الحرب العراقية الإيرانية التي كانت تشارف على نهايتها عامي 1988م و1999م. أدت الحرب إلى نشوء حرب من الفتاوى والمؤتمرات بين أنصار العراق وأنصار إيران. وكانت "الشرق الأوسط" في الصف المؤيد للعراق،ومن هذا المنطلق كانت تصلني مقالات كثيرة تنتقد إيران كدولة شيعية، وتنتقد الشيعة بوجه عام. غير أنني بذلت جهوداً كبيرة من أجل تحرير الصفحة الدينية من الدخول في هذه المعركة، ومنعتُ نشر أكثر هذه المقالات والفتاوى المعادية للشيعة فيها. ومن أهم أسباب هذا الموقف أن ميول الإسلاميين التونسيين خاصة، وأكثر الإسلاميين العرب خارج منطقة الخليج، كانت أقرب إلى إيران، وكانت متعاطفة مع ثورتها الإسلامية، مبغضة لفكر البعث وسياساته. وقفت بقوة وحماس إذن ضد الإساءة لإيران والشيعة في صفحة "الدين والتراث"، وكانت حجتي أمام رئيس التحرير أنه يجب ألا نسمح للسياسة بتوظيف الدين لتفريق المسلمين، وأن من الأفضل أن نبقي الرابطة الدينية بين السنة والشيعة قائمةً وقويةً لنداوي بها آثار الحرب العراقية الإيرانية عندما تتوقف.
أما موضوع التوحيد فلا أذكر أنني طرحته كموضوع للنقاش والاجتهاد والتجديد طيلة الفترة التي حررت فيها صفحة "الدين والتراث" في جريدة الشرق الأوسط، وهي مرحلة بدأت في 1988م، وانتهت باستقالتي عام 1991م لخلافات مع بعض مسؤولي التحرير الذين التحقوا بالصحيفة.
انتقلتُ من جريدة "الشرق الأوسط" إلى مجلة "العالَم" التي كانت تصدر أسبوعياً من لندن، ويرأس تحريرها الكاتب والإعلامي البحريني الدكتور سعيد الشهابي، وتوليت الإشراف فيها على قسمها الإسلامي، الذي يتكون من عدة صفحات.
عملت في مجلة "العالم" سنتين. ولم تكن عندي أي موانع من العمل في مؤسسة إعلامية محسوبة على إيران، علماً بأن المجلة كانت ذات أفق إسلامي واسع وغير معنية بالخلافات المذهبية، وقد سبق أن أشرت إلى أنني كنت أشعر، مثل جيل واسع من الإسلاميين في تونس والمغرب العربي بوجه خاص، بالتعاطف مع إيران وشعارات ثورتها الإسلامية، وأرى ضرورة العمل لتعزيز التقارب والتضامن بينها وبين العالم العربي ) .
ثم تحدث الهاشمي عن استقالته من " حركة النهضة " ثم إنشاء قناة " المستقلة " وبرنامجها الشهير " الحوار الصريح بعد التراويح " وقال ( ص 18 ) :
( في أجواء هذا البرنامج، بدأت أدرك تدريجياً أهمية التفكير في موضوع التوحيد، كشرط من شروط فهم التراث الضخم من السجال العقدي والفقهي بين الفرق الإسلامية. وأدركت أيضاً أنني كنت غافلاً عن هذا الأمر وعن أهميته. أقول " تدريجياً" ويجب وضع أكثر من سطر تحتها. فقد استغرق الأمر بعض الوقت، علماً بأن مسيرة "الحوار الصريح" تطورت منذ أن بدأ تقويم تراث الفرق الإسلامية عام 2002م، إذ إنني كنت أتعلم واستفيد من كل جولة أقدمها من جولات البرنامج. وهي جولات بثتها قناة المستقلة في شهر رمضان من كل عام، وفي غير شهر رمضان عدة مرات خلال الأعوام الماضية ) .

ثم عقد فصلاً بعنوان " وقفة مع موقف جماعة الإخوان المسلمين من التوحيد " قال فيه ( 23 – 24 ) :( عرضتُ في الفصل السابق خلاصة ما فهمته عن حقيقة الإسلام انطلاقاً من كتابات مفكري مدرسة الإخوان المسلمين. عرفت من هذه الكتابات أن الإسلام دين ودولة، وأنه صالح لكل زمان ومكان، وأنه نظام سياسي واجتماعي وقانوني، وأن العمل لإقامة المجتمع المسلم، والدولة الإسلامية، واجب كل مسلم، وبذلك طغت المقاربة السياسية والحركية، وتقدمت على ما سواها.
وقلت: إنني أعدت النظر بعد استقالتي من حركة النهضة التونسية في منهج العمل الحزبي باسم الراية الإسلامية في مجتمع مسلم، وبدا لي أن أضراره على الإسلام والمجتمع أكثر من منافعه.
لكنني لم أراجع موقف المدرسة الإخوانية من التوحيد إلا في ضوء مناقشات برنامج "الحوار الصريح بعد التراويح" ، وإلحاح صديقي الذي لقيته في موسم حج عام 1423هجرية 2002 ميلادية، وهو الذي ظلّ يكرر لي على مدى سنوات أن التوحيد أعظم شأن في الإسلام، وأن من أكبر ما أعاق تجربة الإخوان المسلمين في نظره غفلتها عن هذه الحقيقة. عدتُ للبحث في أمر لا يحتمل المجاملة، ولا يقبل إلا الصدق مع النفس ومع الناس، لأنه متّصل بخالق الخلق ملك الملوك، من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) .

ثم تحدث عن ( أولوية السياسة عند الإخوان ) وقال ( ص 28 ) :
( هذا التقديم يشير بوضوح إلى أولوية العمل السياسي وأهميته عند جماعة الإخوان المسلمين. ومسيرة الإخوان المسلمين في عهد مؤسسها الأستاذ حسن البنا – يرحمه الله - ) .. ثم تحدث عن زيارته لموقع " جماعة الإخوان المسلمين " على شبكة الأنترنت ، فقال ( ص 29 – 30 ) : ( وجدت في القائمة الرئيسة هذه الأبواب: رأي الإخوان، أخبار الجماعة، فلسطين الآن، آخر الأخبار، برلمانيات، البنا والإخوان، حوارات وتحقيقات، روضة الدعاة، واحة الأسرة، عرب وعجم، ثقافة وفنون، شباب وجامعات، آراء حرة، ملفات خاصة، مواقع مختارة، مجتمع الإخوان، بوابة المعتقلين، المضحكخانة، صوتيات ومرئيات، وتراث الإخوان.
كل الأخبار المنشورة في الصفحة الرئيسة ذات طابع سياسي. وعند فتح باب "روضة الدعاة" وجدت فيه عدداً من المقالات بعضها عن فضيلة شهر رجب، وعن الرحمة والورع، ووجدت ركناً اسمه دراسات وقضايا يتضمن مقالات عن التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، والاستثمار في البورصة، وحكم قبول الحديث الضعيف في فضائل الأعمال. ووجدت باباً "زاد الداعية"، فيه مقال عن الحديث النبوي "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها"، ومقالات أخرى عن التحذير من إهمال النفس، وعن الحياء، وأثر الابتسامة في الحياة، ووجدت باباً للفقه عنوانه " أسألوا أهل الذكر" يتضمن مقالات عن حكم الظهار وسب الدين والدهر وحكم العمل في المصارف الربوية.
هذه أهم العناوين في كل باب تصفحته داخل ركن "روضة الدعاة". ، وتصفحت أيضاً ركن "تراث الإخوان" فوجدت فيه كلمات ووصايا لعدد من قادة الجماعة ورموزها، وعدداً من الكتب، منها مذكرات الأستاذ عمر التلمساني – يرحمه الله – وكتاب: نساء في دروب الإخوان المسلمين، وكتاب: الإخوان المسلمون في سجون مصر.
ثم بحثت في الموقع عن كلمة " التوحيد" ، فظهرت لي النتائج في ثلاث صفحات، أكثرها مرتبط بحركة التوحيد والإصلاح المغربية. ووجدت مقالة للمرشد الأستاذ محمد مهدي عاكف بعنوان "أمة التوحيد"، كُتبت بمناسبة الحج وتتضمن دعوة للوحدة الإسلامية، ومقالتين أخريين عن الحج في ظلال التوحيد، كما وجدت مقالة بعنوان: تجريد التوحيد لله (شرح الأصول العشرين) للأستاذ جمعة أمين، وفيه حديث عن الموقف من الإلهام والكشف والرؤى.
الخلاصة : أن الموقع إخباري سياسي في المقام الأول، يُعرف بالجماعة وأهدافها وسياساتها، وفيه أيضاً مادة تربوية دعوية قدمتُ نماذج منها، وواضح أن الحديث في التوحيد وبياناته بشكل دقيق ، والتحذير مما يفسده أو يمس من صفاته ونقائه ليس أمراً ذا أولوية عند القائمين على الموقع ) .
وبعد حديث عن بعض التنظيرات الإخوانية ، قال ( ص 34 ) :
( لكنه لا يلغي الحقيقة التي فرضتها الممارسة الميدانية، والتي جعلت أبناء مدرسة الإخوان المسلمين يولون أكثر جهدهم ووقتهم للسياسة والانتخابات والنقابات والعمل الاجتماعي والخيري. فإذا استحضر المرء حقيقة موضوعية أخرى، وهي أن مصر التي نشأتْ فيها جماعة الإخوان المسلمين ، من البلاد التي توجد بها أضرحة مشهورة كثيرة، يزورها ملايين الناس للتبرك والدعاء، وينذرون لها ، ويدفعون فيها الأموال، ويُعظمونها، فإن ذلك يعطي حجة قوية للذين ينتقدون الإخوان المسلمين ويتهمونهم بخلط الأولويات وإهمال أعظم أمور الدين ).

ثم عقد فصلاً بعنوان ( مقارنة بين الجهود المبذولة في الانتخابات والجهود المبذولة في نشر التوحيد ) بيّن فيه إغراق الجماعة في الأول دون الثاني ..
ثم فصلاً بعنوان ( ما أهم موضوع تناوله القرآن الكريم : التوحيد أم الحكم والسياسة ؟ ) ، قال فيه ( ص 37 – 38 ) : ( عدتُ إلى كتاب الله وإلى صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أبحث عن الجواب الشافي الكافي في بيان مكانة التوحيد. ومن دون إطالة، أبدأ بتقديم النتيجة التي توصلت إليها باختصار، ثم أقدم التفصيل.
وجدتُ أن أهم موضوع تناوله القرآن الكريم هو التوحيد وما يتصل به من مسائل العقيدة الصحيحة. واكتشفت أن خلاصة ما كلف الأنبياء جميعاً بإبلاغه للناس هو أن يعلموهم أنه لا إله إلا الله. واكتشفت أن السياسة التي يفني كثير من الإسلاميين أعمارهم فيها، شأن ثانوي بالقياس إلى التوحيد. لا أعني أنها ليست مهمة، ففي القرآن الكريم أوامر وأحكام وتوجيهات عامة تقود كلها إلى الحكم العادل الرشيد، ولكن السياسة في الإسلام، وكل عمل صالح آخر، أساسه التوحيد.
إذا فسد التوحيد لم ينفع الإنسان أي عمل صالح آخر يفعله، سواء كان عملاً سياسياً للفوز بالانتخابات، أو لإقامة الخلافة، أو للثأر لأهل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – كما يرى البعض. فقد وجدت أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك. وإذا صح التوحيد، صلح كل أمر آخر واستقام على أساس راسخ متين. وحتى إن قصّر الإنسان في واجباته الدينية الأخرى سهواً أو كسلاً أو ضعفاً وانقياداً للشهوات، فإن باب التوبة والمغفرة مفتوح له بنص القرآن الكريم وبصحيح السنة النبوية. وبناءً على هذه النتيجة، ينبغي تصحيح الأولويات تصحيحاً جذرياً.
هذه هي النتيجة التي وصلت إليها. وسأعرض أدلتها في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى ) – ثم عرض الأدلة ، وناقش بعض شبهات من يصرفون العبادة لغير الله عز وجل ؛ كالشيعة - ..
 

تعليق

1- جزى الله خيرًا الدكتور الهاشمي على شجاعته في الاعتراف السابق ، الذي أحجم عنه كثيرون ..
2- وفّق الله جماعة الإخوان ومَن تأثر بها للاهتمام بأمر التوحيد وعقيدة السلف ، تعلمًا وتعليمًا ، وبذل الجهود الدعوية في هذا الجانب ( محاضرات – دروس – كتيبات – مناصحات .. ) إلى أن تنقشع غشاوة البدعة والانحراف عن ديار المسلمين – بإذن الله - . ولايعني هذا عدم الاهتمام بواقع المسلمين أو دنياهم ومعاشهم ، ولكن ( قد جعل الله لكل شيئ قدرا ) .
وبصّرهم ربي بمكايد " الشيعة " ؛ لئلا يكونوا سُلمًا لهم يعبرون عليه إلى بلاد المسلمين ..
 


 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية