اطبع هذه الصفحة


المـزيـد .. عن ديـن النـقـيـدان الجـديـد .. !! ( الإنسانية )

سليمان بن صالح الخراشي

 
لم أستغرب كثيرًا مما فاه به منصور النقيدان في مقابلته مع تركي الدخيل - هداه الله - ؛ لأنني أعلم - سابقًا - أن هذه مرحلة متقدمة من مراحل الضلال ، وخطوة من خطوات الشيطان سيبلغها كلُ من سار على درب " التميع " و " التقلب " و " العصرنة " - أعاذنا الله من ذلك - .

والسبب : أن السائر في هذا الطريق الموحش سيتنازل رويدُا رويدًا عن ثوابته الإسلامية - إما إرضاء للكفار أو حقدًا على أهل الخيرأو طلبًا للتميز والشهرة أو لغير ذلك من الأسباب - ، وسيقوم بهدم كل المقدسات التي تواجهه في هذا الطريق ، عندما يجدها تُخالف هواه .

فالخطوة الأولى في هذا الطريق تبدأ - عادة - بالدعوة إلى " التسامح مع الآخر " هكذا بشكل فضفاض ! ، ثم تتطور إلى الادعاء بأن الكفار إخوة للمسلمين ! ثم تتدرج إلى التشكيك في مبدأ الولاء والبراء ! ثم ترتقي إلى التشكيك في كفر اليهود والنصارى وغيرهم ! ثم الدعوة إلى المذهب " الإنساني " الذي لا يُفرق بين مسلم وكافر ، إلى أن يصل السائر إلى نهاية الكفر ؛ بالدعوة إلى وحدة الأديان .. بل وحدة الوجود - والعياذ بالله - .

وكل هذا قد حصل من ضُلال متنوعين .. فلا تعجب .

والله يقول ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) .

ومن لطائف ماذكره المفسرون في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " نزلت هذه الآية في عبدالله بن سلام وأصحابه ، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قاموا بشرائعه وشرائع موسى ؛ فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها . فأنكر ذلك عليهم المسلمون ، فقالوا : إنا نقوم على هذا وعلى هذا ، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها ؛ فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولاتتبعوا خطوات الشيطان ) " .

فليس غريبًا - إذًا - ما قاله النقيدان من كلمات كفرية باتفاق المسلمين ؛ لأن الرجل مسبوق في هذا الطريق الذي اختاره ، رغم مناصحات المشفقين .

ولكن العجب والاستغراب حقًا ممن يدافع عن أقوال الرجل الكفرية التي نطق بها ! ليبوء بما باء به صاحبه ورفيقه .

وهذا الأمر يعطي للعقلاء دلالة واضحة على أن بعض أفراد هذه الفئة المنتكسة تشترك وتتآزر مع النقيدان في هذا الفكر المنحرف الذي استبدلت به الإسلام . ولكنه تجرأ على البوح به ، بخلافهم .

فهل يتنبه الغافلون منهم ؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأما عن الدين الذي اختاره النقيدان ؛ وهو ما يسمى( الإنسانية ) ؛ وهي فكرة جاهلية كفرية تقوم على نبذ الدين ، وعلى خلط الحق بالباطل ، وعدم الممايزة بين من وصفهم الله بأنهم ( خير البرية ) ومن وصفهم بأنهم ( شر البرية ) و( أضل من الأنعام ) . هذا الدين أو هذه الفكرة ليست جديدة في عالم الأفكار ، أو في عالم المسلمين .

فقد بدأت الدعوة إليها منذ أن اختار الغرب الانقلاب على كنيسته المتسلطة ودينه المُحرف . وقد بين علماء الإسلام أمرها منذ أن وفدت إلى ديارهم على يد متبعي سَنَن اليهود والنصارى .

فبإمكان القارئ الاطلاع على حقيقتها في : كتاب الشيخ محمد قطب " مذاهب فكرية معاصرة " ، وكتاب الدكتور عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني " كواشف زيوف " ، و " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب .. " التي أصدرتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي ( 2 / 809-812) . و" معجم المناهي اللفظية " للشيخ بكر أبوزيد ( ص 162-163) ، ومقال المقدم سعد القرني في مجلة كلية الملك عبدالعزيز الحربية ( عدد ذي الحجة 1424) بعنوان " الإنسانية : شعار براق وحقيقة مسمومة " .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومما كتب في المذهب الإنساني مؤخرًا : رسالة دكتوراة قيمة - لم تُطبع بعدُ حسب علمي - بعنوان : ( الإنسانية في فكر المسلمين المعاصر – دراسة وتقويم ؛ للدكتور محمد إدريس عبدالصمد ، نوقشت عام 1417هـ ) .

تحدث فيها مؤلفها عن التالي :
- معنى كلمة الإنسانية .
- مفهوم الإنسانية في الإسلام والفكر الغربي .
- الإنسانية في الاتجاه التغريبي عند المفكرين المسلمين المعاصرين .
- الإنسانية في الاتجاه التوفيقي .
- الإنسانية في الاتجاه التأصيلي .
- النظام العالمي الجديد والإنسانية .
- الخاتمة والتوصيات .

وقد اخترتُ نقل شيئ مما جاء في رسالته من الصفحات : ( 12،13،17،114،216،224،491-492) :

- ( يتضح مما ذكره مؤلف الموسوعة الفلسفية في معرض كلامه عن الإنسانية: أنها " كل دعوة موضوعها الإنسان تؤكد فيه كرامته، وتجعله مقياس كل قيمة، وهي عند (كونت) ديانة تزعم أن الإنسانية وليس الله هي الأولى بالعبادة ! وهي -أيضاً- فلسفة عصر النهضة الأوربية التي مثلت إسهام مفكريه في محاولة تثبيت أقدام الإنسان بالأرض وتحويل أنظاره إليها ودمجه بالطبيعة وإثارة إحساسه بدوره التاريخي ) .

- ( وجاء في المعجم الفلسفي أيضاً أن مصطلح الإنسانية يُستعمل في معان كثيرة، ويطلق بخاصة على :

أولاً: تلك الحركة الفكرية التي سادت في عصر النهضة الأوربية، وكانت تدعو إلى الاعتداد بالفكر الإنساني ومقاومة الجمود والتقليد، وترمي بوجه خاص إلى التخلص من سلطة الكنيسة وقيود القرون الوسطى، ومن أشهر دعاتها (بترارك) و(إرزم) .

- ( والمخططون لدعوة الإنسانية الحديثة هم اليهود، وهدفهم المهم والحقيقي منها هو نبذ المبادئ والمذاهب والمعتقدات والنظم التي تسبب الفرقة والتنازع بين الناس –حسب زعمهم-، وأهم ما يجب في دعوة الإنسانية –كما يجاهرون- هو نبذ الدين. وأخطر الأديان التي تقف حاجزاً أمام مخططي دعوة الإنسانية –وفق مفهومهم- هو الدين الإسلامي، إذ هو الطود العظيم الذي يريدون دكه والإجهاز عليه ) .

- ( ومما سبق تبين أن الإنسانية في المفهوم الغربي ترتكز على الإيمان بالإنسان، والاعتقاد بقيمته واعتباره مقياس كل شيء، ويتم ذلك عن طريق تحقيق الحرية، وسبيل ذلك لديهم تحطيم ما يسمونه قيود العصر الوسيط ومقاومة الجمود والتقليد، والسعي إلى إحياء التراث اليوناني والروماني.

وبذلك فإن الإنسانية أصبحت بمثابة دين يعبد من دون الله، فهي تجعل الإنسان مقياس كل شيء، وقادرًا على بلوغ حقه المطلق للتمتع بالحياة ) .

- ( إن من مظاهر مفهوم الإنسانية عند أصحاب الاتجاه التوفيقي هو النظر إلى ما يخص النوع البشري والتهاون فيما ينبغي من اعتبار معيار الحق والالتزام به، فهم حين ينادون بشعار "الإخاء الإنساني" بدعوى عدم التفرقة بين أنواع البشر، إنما يتابعون في ذلك مفكري الغرب الذين سبقوا إلى تبني هذا الشعار، وردده عدد من مفكريهم في مطلع ما يسمى عندهم عصر النهضة ) .

- (بل الأنكى من ذلك أن بعض هؤلاء المفكرين ذهب إلى تأويل الآيات القرآنية تأويلاً لا يمت إلى الإسلام بصلة، إذ يقول أحدهم مثلاً: "إن لفظ (الإسلام) في قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، وقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) لا يعني إلا الاستسلام لرب واحد، فإذا تحقق استسلام أحد من الناس مسلماً كان أم غير مسلم فهو مرضي عند الله ) !!

- ( قام المذهب الإنساني في عصر النهضة الأوربية على يد فلاسفة هذا المذهب لإبراز القيمة الجوهرية لحياة الإنسان في الدنيا دون الاهتمام بالعنصر الروحي له، ودون العناية بالدين؛ وذلك في مقابل نظرة الكنيسة القاصرة للإنسان.

ونشأت –فيما بعد- الحركة الإنسانية الجديدة، وفي إطار من ازدهار حركة الفلسفات الغربية التي بالغت في إعلاء قيمة الإنسان إلى حد تقديسه وتأليهه. ويتضح ذلك فيما نادت به في بداية عصر التنوير (الرومانطيقية) و(الفلسفة الطبيعية) من إخضاع الإنسان لمفاهيم تربوية وبيولوجية جديدة؛ وذلك في القرن الثامن عشر.

وفي القرن التاسع عشر اتجهت الحركة الإنسانية إلى العقلانية والعلمية، حيث وضعت فلسفات هذا القرن ثقتها في قوة العقل البشري ومنطقية العلم الإنساني، ومن هذا الاتجاه انبثقت الاشتراكية بأشكالها.

والفكر الغربي بعامة لم يقف –في الظاهر- عند محاربة الدين، بل حاول إيجاد بديل للدين، يتمثل في دعوات كثيرة، أبرزها "الإنسانية"، التي جعلت من الإيمان بالإنسانية بديلاً عن الإيمان بالله، وأعلنت أن الإنسانية غاية لا تُعرف غاية وراءها.

والقاسم المشترك بين فلاسفة المذهب الإنساني الغربي من عصر (بروتاغوراس) إلى عصر (أوجست كونت) :

أنهم يثقون في العلم والعقل ثقة مطلقة، ويعتبرونهما منقذين رئيسين للإنسان.

وأن منهج معرفة الإنسان وفلسفة الإعلاء لقيمته يبدأ بتوجيه الإنسان نحو الأفضل وفق رؤية محدودة لهذه الفلسفات بصورة أدت إلى الانتقاص من فطرة الإنسان وذاتيته، بل الانحدار به إلى عالم الحيوانات.

لقد عنيت الإنسانية الغربية بحياة الإنسان الدنيوية، وأنكرت الحياة الآخرة، مما أدى بها إلى القول بالمصادفة بحدوث الخليقة، والحتمية التاريخية، والقول بأن قدرة الطبيعة تستطيع أن تكوِّن جسم الإنسان بتركيباته العجيبة ووظائفه العديدة. وتعتبر هذه النظرة من أخطر مزالق الحركة الإنسانية في الغرب ) .
 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية