يقول الله تعالى : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون .
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يُقصرون ). قال ابن سعدي رحمه الله عند تفسير
هذه الآية : ( لما كان العبد لابد أن يغفل وينال منه الشيطان ، الذي لا يزال
مرابطًا ينتظر غٍرته وغفلته ، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ، وأن المتقي
إذا أحس بذنب ، ومسه طائف من الشيطان فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب ، تذكر من أي
باب أُتي ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه ، وتذكر ما أوجب الله عليه ، وما عليه
من لوازم الإيمان ؛ فأبصر واستغفر الله تعالى ، واستدرك ما فرط منه بالتوبة
النصوح والحسنات الكثيرة ؛ فرد شيطانه خاسئًا حسيرًا، قد أفسد عليه كل ما أدركه
منه . وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم ؛ فإنهم إذا وقعوا في الذنوب لايزالون
يمدونهم في الغي ؛ ذنبًا بعد ذنب ، ولا يقصرون عن ذلك . فالشياطين لاتقصر عنهم
بالإغواء ؛ لأنها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القياد لها .
وهم لا يقصرون عن فعل الشر
) .
من أراد أن يرى مصداق هذه الآية عيانًا فلينظر في صحفنا - إلا ما رحم ربي -
التي لم تُقصر عن محاولة استدراج المرأة السعودية ، وتهييجها ضد أحكام دينها ؛
بدعاوى عديدة ومكرورة ( ليس هنا مجال مناقشتها ) ، وتضخيم هذا الأمر ، وإبرازه
بطريقة سمجة مقززة ، تُقحم مسألة المرأة إقحامًا ؛ إما في العناوين - وهو
الأكثر - ، وإما في الخبر أو اللقاءات والمقابلات والمؤتمرات الصحفية . أو في
تتبع النماذج السيئة من النسوة " السافرات " اللواتي لا يتورعن عن مخالطة
الرجال ومزاحمتهم ؛ لإبرازهن كـ(نموذج مشرف للمرأة السعودية ) - كما يزعمون - !
فهذه ( أول مخرجة سعودية ) وتلك ( أول ممثلة ) والأخرى ( أول طيارة ) ... الخ .
والطيور على أشكالها تقع ؛ ولن يُعدم هؤلاء من يطرب لتهييجهم من شواذ النساء .
والعجب أن محرري وكتاب الصحافة ومن
يتابعهم ويسير في ركاب تهييجهم لايرضيهم حال المرأة السعودية مهما بلغت من
العلم النافع ، والعمل المناسب لها مادامت مستمسكة بالحجاب الشرعي " غطاء الوجه
" وبالبعد عن محاذير الخلوة والاختلاط
. مما يؤكد لكل عاقل أن الهدف الحقيقي
ليس مجرد " العلم " أو " الوظيفة " كما يتوهم البعض . إنما الهدف نزع الحجاب
وتشجيع التمرد والاختلاط . ولهذا تجدهم يفرحون بهذين الأمرين إذا ما حدثا أكثر
من فرحهم بالمشاريع النافعة المنضبطة .
ولا ألوم هنا بعض الصحفيين - هداهم الله - ممن بلونا عليهم هذا التهييج والتمدد
في الغي ؛ لأن الشيء من معدنه لا يُستغرب . فهؤلاء يحتاجون إلى " معالجة "
راشدة تُنقذهم مما هم فيه من انحدار سلوكي وفكري ، وتنتشلهم من مجتمعاتهم
الموبوءة ؛ قبل أن يستدرجوا غيرهم إليها ؛
فيكثر الخبَث في بلادنا
؛ أو يصبحوا ممن قال تعالى عنهم ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض
ولا يُصلحون ) ، أو ممن قال عنهم ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا
وأحلوا قومهم دار البوار ) .
إنما ألوم صنفًا من الكتاب والمتنفذين في الصحافة ممن نحسبهم لا يرضون هذا
التهييج لنسائهم وحرائرهم ؛ لكنهم - مع هذا - يساهمون فيه ويُمكنون له ! إما
مجاملة لغيرهم ، أو استحياء من الحق ، أو خوفًا على وظيفة زائلة .
====================
وتأكيدًا لما سبق فقد أجرت صحيفة الحياة بواسطة مندوبها " خالد الباتلي " ! هذا
اليوم ( 18/2/1426) لقاء مع الدكتورة هند الخثيلة - هداها الله لما يُحب ويرضى
- ظهرت فيه " سافرة " لتتحدث عن واقع المرأة السعودية ! ومعلوم أن السفور محرم
شرعًا ؛ ومن أخطأ فأجازه من العلماء المعاصرين ؛ كالألباني - رحمه الله - وضع
له شروطًا يتجاهلها كثير ممن يتمسح بقوله ، ولا يحاولون أن يذكروها . تجدها على
هذا الرابط ( اضغط
هنا ) ؛ فكيف إذا كان هذا السفور يُعرض على آلاف الرجال بواسطة نُسخ
الجريدة !
لن أتحدث عن مجمل لقائها ؛ لأنه كغيره من اللقاءات المكرورة المملة التي حفظها
معظم الناس ؛ يشتمل على التباكي على " حقوق " موهومة مضيعة ؛ يُهمش فيها دور "
الأم " و " الزوجة " و " تربية الأولاد " و " القرار في المنزل " الذي بين
الشرع أنه الأصل في قضية المرأة ، وغيره استثناء طارئ . ليُجعل المخالف للشرع
من الخروج ومزاحمة الرجال ومخالطتهم في أعمالهم هو الأصل والحق الموهوم الذي
ينبغي الوصول إليه !!
إنما سأركز على إجابة واحدة للدكتورة - هداها الله - تبين للقراء ما سبق أن
نبهت عليه من أن الأمر لم يعد مجرد دعوة إلى تعلم المرأة ما ينفعها ، أو عملها
- إذا احتاجت - في بيئة مناسبة لها ، متميزة ببعدها عن الاختلاط المحرم . فكل
هذا لم يعد يرضي البعض ؛ ومنهم الدكتورة هند للأسف . فقد سألها المحرر : (
ينادي البعض بوزارة للمرأة ؛ هل تتفقين مع هذا التوجه ؟ ) . فأجابت : ( إذا كان
المقصود وجود أو إنشاء وزارة خاصة بالمرأة تسمى " وزارة المرأة " فإنني لا أرى
في ذلك أي قيمة أو توجه صحيح ؛ لأن إفراد المرأة السعودية بوزارة يعتبر تقليلا
من شأنها ، وتحديدًا لها ولشؤنها من ناحية الجنس .. لماذا ينادون بوزارات
للمرأة ؟! لقد شبعنا تنظيرًا وإثارة للمواقف والعواطف . ما زلتُ أصر على أن
المرأة السعودية أكبر من موقف شفقة أو لحظة إحسان ، أو التدليل والشك في أنها
غير جديرة بالثقة في تولي مسؤليات في مختلف مناحي الحياة ، وخصوصًا السياسية
منها ) . إذًا فالوزارة المستقلة للمرأة مهما ستقدم وتفيد لن ترضي الخثيلة -
هداها الله - إنما الذي سيرضيها : ( الاختلاط ) ! حيث تضخم عندها هذا الأمر -
إما بسبب دراستها في الغرب أو بسبب التأثر بدعوات التغريب - فأصبح هو الهدف !!
ثم تأمل هذا الهدف أو الطموح وقارنه بأهداف ومطامح الغرب لنسائنا !
====================
أما الدكتورة فوزية أبو خالد - هداها الله - فقد قالت في بحثها " أثر النفط في
مسألة المرأة في المجتمع السعودي " ( ص 214 ) معترضة على من يُطالب عند تعرضه
لقضية المرأة إلى تخصيص أقسام مستقلة لها ؛ سواء في التعليم أم العمل ! : ( ..
سيكون من المستحيل على مجتمع نام ، وفي موارده البشرية على الأخص ، تشييد
عالمين منفصلين : عالم المرأة ، وعالم الرجل . ونرى هذا واضحًا في توظيف
التقانة المستوردة ، والأيدي العاملة المستقدمة لسد ثغرات مثل هذا الاتجاه
التنسوي . ويكفي أن نشير هنا إلى مثال واحد بهذا الصدد ؛ وهو أن تكاليف الشبكة
التلفزيونية المغلقة التي شرعت جامعة الملك سعود في تنفيذها في سبيل الحفاظ على
وجود عالمين منفصلين : عالم الطالبات وعالم الطلاب قد فاقت الخمسة ملايين دولار
. ولنا أن نتخيل مجرد التخيل أن مثل هذا المبلغ كاف لميزانية مجتمع كامل برجاله
ونسائه ، وليس لميزانية " امبراطورية نسائية " فقط ) . فالدكتورة لا ترى هذا
الفصل بين الطلاب والطالبات ؛ مهما كان شرعيًا ويؤدي إلى الغرض من التعلم ؛ لأن
هذا لم يعد هو الهدف - كما سبق - ؛ إنما الهدف : السعي المحموم للإختلاط الذي
سبق أن تورطت فيه مجتمعات عديدة ؛ فلم تجن منه سوى الانحدار الخلقي وتعاظم
المشاكل دون أن يوصلها إلى خير يُذكر . وأما تحججها بخشية الإسراف عند إقامة
عالمين منفصلين للمرأة والرجل ؛ فهو من المضحكات ؛ حيث استكثرت على المؤمنين 5
ملايين دولار فقط لحفظ دينهم وأخلاقهم ؛ وهو من الواجبات ؛ وميزانية بلادهم تدر
مليارات الريالات يوميًا - ولله الحمد - ؛ متغافلة عن أضعاف ذاك الرقم بعشرات
المرات يصرفه بعض أبناء هذه البلاد في مشاريع تافهة إن لم تكن محرمة ؛ كالقنوات
الفضائية .
أسأل الله أن يهدي الدكتورتين إلى ما يحب ويرضى ، وأن يجعلهما داعيتين إلى
الخير ، مدركتين لما يُراد لهما ولأخواتهما ممن يتخذهن وأمثالهن معبرًا ووسيلة
" مؤقتة " لغزو هذه البلاد من الداخل ، عاملتين بقوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن
ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى . وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله
) .
|