اطبع هذه الصفحة


وفي السعودية ...... ( لحى ليبراليه ) !!

سليمان بن صالح الخراشي

 
كنت قد كتبتُ قبل عام تقريباً مذكرة بعنوان "
العصرانية قنطرة العلمانية " بينت فيها أن التغريب غزا المجتمعات الإسلامية بطريقتين:

إما بطريقة مباشرة؛ كما في المجتمعات التي لا تركن إلى هيئة شرعية بارزة، حيث لا توجد عوائق أمام التغريب . وإما بطريقة غير مباشرة بل من خلال (وسيط)؛ وذلك في المجتمعات التي تركن إلى هيئة شرعية بارزة؛ كالبلاد المصرية –لوجود الأزهر وعلمائه-، ومثلها السعودية.


والوسيط هنا هو "العصرانية" التي تحقق الأهداف التي يريدها أعداء الإسلام (من غزاة وعلمانيين) لكن بمسوح شرعي، وقد قام بهذا الدور في مصر جماعة (الأفغاني) –الرجل المشبوه- فمكنوا للاحتلال ثم للعلمانية الصريحة في بلادهم.

ولهذا وجد هؤلاء كل حفاوة ودعم من المستعمر ومن حزب المنافقين تمثل في تصديرهم في الإعلام وتصويرهم أمام عامة المسلمين بأنهم يمثلون ( الإعتدال ) و( الوسطية ) !! في مقابل المتشددين والمنغلقين ...الخ !؛ نظراً للدور الذي قاموا به، وقد نقلتُ شيئاً من أقوال الطائفتين في مدح (جماعة الأفغاني) في المذكرة السابقة، وتجمع لي من ذلك فيما بعد شيء كثير أضيفه لاحقاً –إن شاء الله-.

ومن ذلك مقولة ( النصراني الماركسي !) جورج طرابيشي : ( من وجهة نظر مرحلية فإن مهمة ثورة لاهوتية لاتزال مطروحة على جدول أعمال العقل العربي ، وهي ثورة يزيد ضرورتها إلحاحًا مايشهده العالم العربي اليوم من صحوة ... – إلى أن يقول – وعلى أي حال فليس لنا أن نتصور فولتيرًا عربيًا بدون لوثر مسلم ) !! ( مجلة أبواب ، 16/114-115). أي أنه لا علمانية دون عصرانية تمهد لها .

وانظر أيضًا ماذكره عبدالإله بلقزيز في كتابه ( الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر ، ص 285 ) .

ثم اطلعتُ على كتاب للدكتور (رفعت السعيد) –الشيوعي المصري المعروف- بعنوان "عمائم ليبرالية" ! يثني فيه على الجماعة ( العصرانية ) المذكورة في مصر، وينوه بجهودها في تغريب البلاد أو مايسميه "تنويرها"!، ويعترف صراحة في (ص157) بأنه أراد بهذا الكتاب أن يُسهم –كما يقول- ( في المعركة الدائرة لم تزل، والتي من فرط الظلام الفكري الذي فرضه المتأسلمون فرضت علينا أن نخوضها متراجعين ومتحصنين بآراء عمائم هي بالضرورة أعمق مرجعية وأكثر دراية بالشأن الديني) !!

فهو يقر بأن استعانته بهذه الفئة العصرانية (المعممة) ليس حباً فيها؛ إنما لأجل أنها تمثل (القنطرة) التي تحمل العلمنة إلى البلاد الإسلامية التي تصعب علمنتها مباشرة؛ ولأنها أقدر على خداع بعض المسلمين بما تحمله من علم شرعي سوف يُسخر لهدم الدين من داخله! –كما يزعمون-، وهذا يذكرنا بوصية محمد عبده لشيخه الأفغاني بقوله: "لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين" !!

فطليعة الفئة العصرانية في مصر (الطهطاوي، الأفغاني، محمد عبده، الكواكب، علي عبد الرازق..) أدت الدور المناط بها دون أن تخلع (عمائمها)؛ لأن هذه (العمائم) شعار مهم في تلك المرحلة لتسهيل المهمة. حتى إذا استقر الأمر لهم رأينا كثيراً من الجيل الثاني للعصرانية يكشف عن وجهه القبيح، ويجاهر بعلمانيته، ويلقي هذه العمائم وراءه ظهرياً (سعد زغلول، أحمد لطفي السيد، قام أمين ...).

صلى المصـــلي لأمر كان يطلبــــــــه

فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما!

وسبب ذلك أن العصرانية مجرد وسيط أو ناقل غير ثابت، فهي كاللهب الذي يشع ثم سرعان ما ينطفئ بعد أن يقضي مهمته، والعصراني كمن يسير على رجل واحدة، سرعان ما يتعثر فيسقط بعد أن يتشبع بالفكر العلماني المصادم للدين الذي قد يصل به إلى الإلحاد –نسأل الله العافية- بسبب استغراقه في هذا الفكر الخبيث وتحطيمه لكل المقدسات ، إلا أن يتداركه الله برحمة منه فيعود سوياً يمشي على صراط مستقيم. (قارن برشيد رضا الذي نبذ العصرانية بعد أن انكشف أمرها وعاد إلى دعوة الكتاب والسنة، ولله الحمد، ولا ينفي هذا بقاء لوثة من لوثاتها في تراثه، ولكن شتان بينه وبين من انتكس وارتكس).

أقول -بعد هذا- : وفي السعودية بدأنا نلمح ظهور "اللحى الليبرالية"!! من أصناف الشاذين والطامحين ، هذه اللحى التي أصبح (البعض) يمكنها من التصدر في الصحف والقنوات لتؤدي ما أدته أختها في مصر، وليس من المستغرب بعد أن عرفتَ الدور المناط بها أن ترى هذه "اللحى الليبرالية" تنسف ثوابت الدين وأصوله، وتقع في العظائم والمكفرات، بدعوى الاجتهاد وحرية الخلاف... الخ دعاواهم. لكن هذا الاجتهاد المزعوم لا يطال أمر اللحية التي يتحلون بها!! (وحلقها هو مجرد معصية).

والسبب: أن هذه "اللحية" –مهما تضاءلت !- لابد أن تبقى كما بقيت "العمامة" على رؤوس طلائع العصرانية في مصر. فهي (جواز المرور) الذي سوف يسهل مهمة العملية التي كلفوا بها، ولذلك لن تمس بسوء مهما كانت الظروف!

ولكني أقول لهذه
"اللحى الليبرالية":

ليس الخليل كما قد كنت تعهده *** قد بدل الله ذاك الخل ألوانــــا

وأقول لهم –أيضاً- ما قاله الشاعر في أسلافهم بمصر:

ليت شعري ماذا دهي مصر حتى  ***  عاث فيها أولئك المارقونـــــــا

ودعا الناس للضــــــلال دعاة   ***  وادعى العلم أجهل الجاهلـــينا

ليس فيهم إلا جهــــول ولـــكن  ***  قد رأوا أن يعلموا العالمــــــينا

هل سمعتــــــم يوماً بغير بصير   ***  قائد في الطريق للمبصــــرينا

يزعمون (الإصلاح) للدين فاعجب   ***  لشياطين يصلحون الدينـــــــا !

فإن كانت (العصرانية) في مصر قد نجحت وأدت دورها البغيض؛ نظراً لحداثة التجربة، ومساعدة الظروف التي من أهمها: احتضان (أحد الشيوخ المعممين) لها، وكونها واجهت مجتمعاً مليئاً بالبدع والخرافة –إلا ما رحم ربي-، فإنها –بحول الله- ستفشل في بلاد التوحيد؛ لعدة أمور :

أولا : أن المسلمين قد وعوا الدرس جيداً –ولله الحمد- ولن يُلدغوا من هذا الجحر مرة ثانية .

ثانيًا : أننا رأينا هذه العصرانية لا زالت تراوح مكانها وتبحث يمنةً ويسرة علها تجد "شيخاً" تتترس وراءه –ولن تجده بإذن الله-.

ثالثًا : أننا رأيناها قد اصطدمت بمجتمع سلفي واعٍ تحطمت عنده ضلالات عديدة أراد أصحابها نشرها فيه، لكنهم باؤا بالخزي والفشل، مجتمع لا تغره الشعارات ولا الزخارف، ولا مكان فيه لغير دعوة الكتاب والسنة ، مجتمع يأخذ من الحضارة المادية محاسنها ويلفظ مساؤيها ، فليس فيه ( فصام نكد ) بين الإثنين .

واجبنا لمواجهة هذه الفئة الضالة:

 1- أما واجب ولاة الأمر – وفقهم الله- لطاعته فهو: أن يأخذوا حذرهم من هذه الأفكار العصرانية التي بدأت تتسلل إلى عقول الشواذ، ومتابعة من يقف وراءها من "القادمين المشبوهين"!؛ لأنها –كما اتضح للعيان- تقوض الأساسات التي قامت عليها حكومة هذه البلاد، وتبطن الشر والسوء لحكامها وأهلها، فهي لا تقل خطراً عن أفكار الغلاة والمتشددين من أصحاب التفجيرات وقتل معصومي الدماء، فكلا الطائفتين شر ووبال على هذه البلاد، وكلاهما تعملان لمصلحة أعداء الإسلام، وتهيئان له الأرضية، وتزعزعان وحدتنا الأمنية والفكرية، وتجعلان المسلمين نهباً للشعارات والتشرذم والتنازع.

فالواجب التصدي بحزم لهذه الفئة الضالة كما تصدينا –ولله الحمد- لأختها, وعدم تمكينها من الإعلام، بل تصدير علماء الإسلام الكبار الذين يتعبدون الله بطاعة ولاة الأمور، ولا يبطنون خلاف ما يُظهرون، ويجمعون الناس على ذلك . وهم ( صمام الأمان ) – بعد الله – لهذا المجتمع كما اتضح ذلك للعيان في عدة أحداث مرت بالبلاد .

2- وأما واجب العلماء والدعاة: فهو أن يفضحوا –ما استطاعوا- هذه الفئة، ويبينوا زيفها وباطلها، ويُصدروا البيانات والفتاوى الرادعة والزاجرة لمعتنقيها، وأن لا يتورط (البعض) بمجاملتهم أو التستر عليهم أو تهوين شأن خطرهم تحت أي مسوغ ، فقد انكشف الغطاء لكل ذي لب، ورأينا هذه الطائفة (العصرانية) المخذولة تقف مع العدو في خندقه، وتهدد حصوننا من داخلها. وما بحث تعديل المناهج المقدم في مؤتمر الحوار عنا ببعيد !

3- وأما واجب شباب الإسلام: فهو أن يحذروا أفكار أصحاب "اللحى الليبرالية" مهما تزخرف وازينت، فإن حقيقتها ومصيرها منابذة الإسلام وأهله، والارتكاس في الانحرافات والكفريات، وأن يجانبوا أهلها ؛ فإن الله يقول (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)، ويقول (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم..) ويقول (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم). وأن يتصدوا لهم عبر الإعلام وعبر شبكة الأنترنت ، وليلزموا – قبل هذا - دعوة الكتاب والسنة وعلماءهم الكبار المشهود لهم بالعلم والتقى والصلاح من السائرين على الصراط المستقيم دون تقلب أو ذبذبة أو شك أو ريب.

ختامًا : أسأل الله أن يهدي أصحاب ( اللحى الليبرالية ) ، وأن يوقظ قلوبهم قبل أن يوغلوا في هذا الدرب المظلم الذي يسلخهم رويدًا رويدًا عن دين الإسلام ، وأن يتعظوا بمصير أسلافهم في مصر ، وأن لا يكونوا مطية لأعداء الأمة . كما أسأله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يكفينا شر كل ذي شر، وأن يباعد بيننا وبين أسباب غضبه، ويتوفانا مسلمين غير مفتونين. وصلى الله على نبينا محمد وأله وصبحه وسلم.
 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية