اطبع هذه الصفحة


رأي الأستاذ محمود شاكر في الأفغاني ومحمد عبده وأحمد أمين
ورأي حسين أمين في العقاد

سليمان بن صالح الخراشي

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

أصدر حسين ابن الأديب أحمد أمين كتابًا قبل سنتين ، بعنوان " شخصيات عرفتها " ، تحدث فيه عن الشخصيات التي كانت تتردد على والده ، أو الشخصيات التي زارها " حسين " ، ومن أبرز هذه الشخصيات :
سيد قطب - حسن البنا - زكي نجيب محمود - توفيق عبدالحكيم - العقاد - السادات - طه حسين - النقاش - فرج فوده ..
ومن أهم ما احتواه الكتاب - في نظري - : لقاؤه بالأستاذ محمود شاكر - رحمه الله - ، الذي جهر بآرائه دون مجاملة لحسين ، ومن ذلك : رأيه في والد حسين " أحمد أمين " ، ورأيه في العقاد ، وقبلها : رأيه المهم في " الأفغاني " و " محمد عبده " ، وأظنه سيفاجئ فئة لا زالت مغترة بالهالة التي صنعها الإعلام - عن عمد كما أشار الأستاذ محمد محمد حسين رحمه الله - لهؤلاء .

* * * * * * * *
 

1- قال حسين في ترجمته للعقاد ( ص 85 ) : " ما يحيرني منه هو موقفه من الإسلام ، فهو في مجالسه الخاصة وندواته الأسبوعية التي حرصتُ على حضور بعضها، كان يبدو صريح الإلحاد، صريح الاستخفاف بالعقائد، وقد تبدر منه فيها من التعابير ما يصدم مشاعر بعض جُلاّسه... ومع ذلك فما أكثر ما كتبه من كتب ومقالات في نصرة الإسلام والطعن على المستشرقين الطاعنين فيه، بل والتهجم على أقباط مصر، كما في المقالات التي كتبها لصحيفة "الدستور" عامي 1908 و1909م، وهو لا يزال دون العشرين.. ثم "العبقريات" المشهورة التي بدأت بعبقرية محمد عام 1942 – أثر العرب في الحضارة الأوربية – الفلسفة القرآنية – الديمقراطية في الإسلام – فاطمة الزهراء – بلال – أبو الأنبياء الخليل إبراهيم – الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله – مطلع النور وطوالع البعثة المحمدية – حقائق الإسلام وأباطيل خصومه- التفكير فريضة إسلامية – المرأة في القرآن الكريم – الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين – الإنسان في القرآن الكريم – ما يقال عن الإسلام – الإسلام دعوة عالمية... مثل هذا الكم الضخم دليل على عمق انشغال فكر الرجل بالإسلام، وربما على إخلاصه في الإيمان به، وامتعاضه من أي مساس به يأتي من قبل الغرب ومستشرقيه. وهو كمٌ لا يمكن الاقتصار في تفسيره على القول بأن الثلاثينيات – عقب الأزمة الاقتصادية العالمية التي مسّت آثارها مصر، وعقب اشتداد ساعد جماعة الإخوان المسلمين وانتشار تأثيرها – شهدت تحولاً ملحوظاً من جانب عدد كبير من الكتاب في مصر إلى الكتابة عن الإسلام تطلّعاً إلى مزيد من الشعبية والرواج لكتبهم، ومزيد من العائد المادي " .

2- وقال في ( ص 158 – 159 ) : " قلت في دهشة: قرأتَ سيادتك " دليل المسلم الحزين " - كتاب لحسين - ؟
ـ أيوه يا سيدي!
ـ وما رأيك فيه؟
ـ فَوّت (أي لا داعي للحديث عنه).
ـ اسمح لي بأن أصر على سماع رأيك مهما كان.
اعتدل في مجلسه ليواجهني، ثم قال:
ـ أتحسبني غافلاً يا سيد حسين عما تفعله؟ أتحسبني غافلاً عن نواياك وخططك من وراء مقالاتك في "المصور" أو كتابك هذا؟ لا يا سيد حسين! لا أنا بالغافل ولا أنا بالأبله حتى أسميك كما أسماك عبدالعظيم أنيس منذ أسبوع في "الأهالي" بالكاتب الإسلامي المستنير.. ! ما معنى "الإسلام المستنير" بالله عليك؟ أهناك إسلام مستنير وإسلام غير مستنير؟ أم أن الإسلام كله نور ، ومن لم يستنر به لا يجوز وصفه بأنه مسلم؟.. الكاتب الإسلامي المستنير حسين أمين! محمد عمارة! فهمي هويدي! حسن حنفي!! دعني أقول لك إن كل ما تكتبونه هو عبث أطفال. نعم، مجرد لعب عيال! كلكم أطفال.. يقرأ أحدكم كتابين أو ثلاثة فيحسب نفسه مجتهداً ومؤهلاً للكتابة عن الإسلام والإصلاح والاستنارة!.. محمد عمارة هذا تبلغ به الصفاقة والادعاء والجهل مبلغاً يجعله يصف كتاب محمد عبده "رسالة التوحيد" بأنه من أهم ما كُتب في التراث الإسلامي في علم الكلام! لا يا شيخ؟!! هل قرأت يا سيد عمارة كل ما كتب في التراث الإسلامي في علم الكلام ثم وصلت إلى اقتناع بأن هذا الكتاب الهزيل الحقير الغث لمؤلفه ضحل الثقافة، من أهم الكتب في الموضوع؟! ما هذا العبث وهذا الاستغلال لجهل الناس؟! لا.. الأمر أخطر من ذلك إنها مؤامرة!.
ـ مؤامرة؟
ـ مؤامرة تستهدف تمجيد رجلين من أخطر عملاء الاستعمار في تاريخ أمة الإسلام : جمال الدين الأفغاني الماسوني، ومحمد عبده الصديق الصدوق للورد كرومر.
إن المسؤولية عن معظم ما يعاني منه الإسلام اليوم تقع على عاتق هذين الخبيثين، خاصة الأفغاني الذي هو أس الفساد كله.. وقد تعجبان إن قلت لكم إنني متفق مع لويس عوض في الرأي بأن الأفغاني كان مجرد متآمر وأنه لم يكن صحيح الإسلام. وعلى أي حال فإن رأي لويس ليس جديد، وكل هذه الأمور كانت معروفة عن الأفغاني حتى أثناء حياته.
ألف حسرة على العالم الإسلامي وأمة الإسلام!.. جهل مطبق بالفكر الإسلامي وبالتاريخ الإسلامي.. تدهور رهيب في اللغة العربية .. نظم التعليم في مدارسنا غريبة محضة.. حتى الجماعات المسماة بالإسلامية ألقت بتراث أربعة عشر قرناً في صندوق القمامة.. نعم. ولكنهم ينبرون للتهليل لإسلام جاروي وكأنه حدث هام في تاريخ الإسلام، وذلك لمجرد أن هذا الأفَّاق الانتهازي نطق أمامهم بالشهادتين، وأثنى على الإسلام في كتب له كلها أخطاء وكفر ومغالطات.. وبعضهم يهلل للخميني والثورة الإيرانية والاثنا عشرية، وما منهم من يدري أن الاثنا عشرية هم غلاة الشيعة لا معتدلوها كما يزعمون، وأن الخميني كافر زنديق.
ـ كافر زنديق؟
ـ بالتأكيد.. ألم يقل بتحريف القرآن وتزنية عائشة؟ " .

3- وقال ( ص 161 – 163 ) : " عبدالوهاب عزام، على عيوبه، كان رجلاً طيباً بسيطاً، أما أحمد أمين فلا. ولكنه على أي الأحوال لم يكن في خبث طه حسين ودهائه ومكره.. غير أن ما أعيبه حقيقة على أحمد أمين هو أنه، وهو الرجل العالم المثقف الذي كان بوسعه أن يقدم فكراً جديداً مبتكراً في ميدان الدراسات الإسلامية، والذي يُجبُّ علمُه علم كافة المستشرقين، استسلم وأذعن لتأثير طه حسين وآرائه، ووقف موقفاً ذليلاً من أحكام المستشرقين الخبثاء الحاقدين على الإسلام، وتبنَّى في كتبه "فجر الإسلام وضحاه وظهره" هذه الأحكام، دون أن يجرؤ على تفنيدها والتصدي لها.. ما هذا الذّل؟ ما هذه الاستكانة وهذا الضعف، سواء منك أو من أبيك، تجاه المستشرقين الغربيين؟ أهم أدرى بتراثنا وأقدر على إصدار الأحكام بصدده من علمائنا نحن الذين نهلوا من هذا التراث مع لبن أمهاتهم، ونشأوا عليه منذ نعومة أظفارهم؟ كيف يكون من حق "خواجة" بدأ في تعلم العربية في سن العشرين أو الثلاثين، ويظل "يتهته" بها إلى أن يموت، أن يدلي برأي في المعلقات السبع، وأن يصدر حكماً على المتنبي أو أبي العلاء؟ كيف تُسوّغ لمسيحي صليبي نفسُه أن يتحدث عن الأشاعرة أو المعتزلة حديث الواثق المطمئن لمجرد أنه قرأ كتابين أو ثلاثة في الموضوع؟ أيجوز لي، وأنا العربي، مهما بلغ إتقاني للغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي، أن أؤلف كتاباً عن تشوسر شبيهاً بذلك الذي كتبه بلاشير الفرنسي عن المتنبي؟ هل أسمح لنفسي، وأنا المسلم، أن تبلغ بها الصفاقة والغرور حد الكتابة عن دقائق الاختلاف بين المذاهب المسيحية؟ كيف لعالم إسلامي فذ كأحمد أمين أن يقع في فخ هؤلاء الصليبيين؟ الأمر في حالة طه حسين أيسر فهماً؛ فهو لم يقع في الفخ، وإنما قرر باختياره الحر أن يشارك الصليبيين في نصب الأفخاخ لبني قومه ودينه ، أما أحمد أمين، بالرغم من ذكائه وعلمه وصدق إسلامه، فقد وقع "زي الشاطر" في حبائل الشيطان.
واستطرد يقول:
ـ كلمني هذا الصباح المدعو مارسدن جونز الأستاذ بالجامعة الأمريكية في القاهرة، يريد أن يجتمع بي.. رفضت، وقلت له : إنني لا أريد أن أجتمع به.. أتسمع عن مارسدن جونز هذا؟.
ـ محقق كتاب "المغازي" للواقدي.
ـ آه! حتى أنت قد صدقت هذه الأكذوبة كسائر الناس.. مارسدن جونز لم يحقق مغازي الواقدي ولا بذل فيه إلا أضعف الجهد.. وهذا هو السبب في أني رفضت مقابلته. فقد حدث يوماً أن جاءني رجل مصري غلبان اسمه عبدالفتاح الحلو، وأخبرني أنه هو الذي حقق كتاب المغازي من أوله إلى آخره بناءً على تكليف من مارسدن جونز ، ومقابل بضعة جنيهات كان في حاجة ماسة إليها، ولم يظهر اسمه على الغلاف لا باعتباره محققاً ولا حتى باعتباره مشتركاً في التحقيق، واكتفى جونز بالإشارة إليه في المقدمة باعتباره أحد الذين قدّموا له العون أثناء تحقيقه للكتاب!! هذا مجرد مثل لأخلاقيات هؤلاء المستشرقين الذين تغنَّى والدك بفضلهم!.
ـ وما الذي مال بك إلى تصديق زعم عبدالفتاح الحلو دون تصديق زعم مارسدن جونز أنه محقق الكتاب؟.
قال شاكر في ضيق وهو يتململ في كرسيه مؤذناً بانتهاء الجلسة:
ـ الذي مال بي إلى تصديق زعم الحلو يا سيد حسين هو معرفتي بأخلاقيات المستشرقين.. بالمر، جيب، ماسينيون، مرجوليث، شاخت، كلهم خنازير استعماريون. وإني لأرد على كل عربي يتحدث عن فضل هؤلاء سواء في تعليمنا المنهج العلمي في تحقيق التراث أو في كتابة التاريخ أو غير ذلك، بأن المسلمين هم الذين خرجوا على الدنيا في عصرهم الذهبي بالمنهج العلمي في التأليف، وهم الذي ابتدعوا وضع الفهارس للكتب لا الغربيون كما يزعمون.. لقد وضعتُ بنفسي فهارس كتاب المقريزي " إمتاع الأسماع" الذي حقّقتُه، فوصلتني رسالة من مستشرق فرنسي شهير يُبدي فيها انبهاره بروعة هذه الفهارس، ويقول : إنه ليس بوسع أي غربي أن يأتي بمثلها...
المسألة إذن ليست مسألة فضل، وإنما هي تتعلق بخيبة المسلمين المحدَثين حيال تراثهم.. كل الأمور معنا تسير من سيء إلى أسوأ، في الثقافة، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، أو ما شئت. والله سبحانه وتعالى إنما يعاقبنا على ما نرتكب وما نُهمل، وهو على كل شيء قدير " .انتهى .

تعليق

1- رحم الله الأستاذ محمود شاكر عن هذه الصراحة والنصيحة ، وكنتُ أتمنى أنه كتب كتابًا مفصلا عن هذه الشخصيات وجنايتها على الإسلام؛ كما فعل مع طه حسين .
2- سألتُ الدكتور المحقق عبدالرحمن العثيمين - حفظه الله - عن رأي محمود شاكر في الأفغاني وعبده ، فقال لي : " صدق ، فقد كانا كما قال " .
3- أخبرني الأستاذ خالد الغليقة أنه سأل الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - عن العقاد ، فقال : " كتاباته إسلامية ، وهو ليس بإسلامي " .
4- ذكر أنيس منصور تلميذ العقاد في كتابه " كانت لنا أيام في صالون العقاد " عنه كلامًا شبيهًا بما ذكر محمود شاكر .
5- الأستاذ أنور الجندي رحمه الله ممن يُحسن الظن بالأفغاني وعبده ، ويضع اللوم على تلاميذهما الذين انحرفوا عن نهجهما " سعد زغلول - قاسم أمين - لطفي السيد .. " . وليته - رحمه الله - واجه الحقيقة المرة الصعبة ، فإن البلاء " منهما " . ولازال بعض الفضلاء على نهج الجندي ، والأمر يحتاج لشجاعة ..
6- وجدتُ على الشبكة مايُفيد عن حقيقة الرجلين :
كتاب : ( دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام ) :
http://kabah.info/uploaders/norh/jmal.pdf

ورسالة : ( محمد عبده وآراؤه في العقيدة ..) :
http://kabah.info/uploaders/norh/abdo1.pdf
http://kabah.info/uploaders/norh/abdo2.pdf

والله الموفق ..

يُضاف

1- قال الدكتور سعد الدين السيد : ( إن الشجرة ينبغي أن يقطعها أحد أعضائها ، إن خبرة الصيادين تعرف أن الفيَلة لا يقودها إلى سجن الصياد الماكر إلا فيلٌ عميلٌ أتقن تدريبه ؛ ليتسلل بين القطيع ؛ فيألفه القطيع ؛ لأن جلده مثل جلدهم ، ويسمعوا له ؛ لأن صوته يشبه صوتهم ؛ فيتمكن من التغرير بهم ، وسوقهم إلى حظيرة الصياد ) . " احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام " ، ( ص 95 ) ، نقلاً عن رسالة " الزنادقة – عقائدهم وفرقهم وموقف أئمة المسلمين منهم " ؛ للأستاذ سعد العريفي ، ( ص 337 ) – تحت الطبع - .

2- مما جاء في كتاب " كانت لنا أيام في صالون العقاد " ؛ لأنيس منصور – وأنا مجرد ناقل - :
-( ص 21 ) : ( كان الأستاذ العقاد يزلزل وجودنا عندما يغضب من الدنيا فيقول : ماهذا الكون ؟ ماهذه الدنيا ؟ أعطني المادة الأولية لهذا الكون ، وأنا أصنع لك واحدًا أفضل منه ) !!
-( ص 22 ) : ( يامولانا ، إن الله لن يحاسبني على ما أفعل ، إذ كيف يحاسبني وقد خلقني في عصر كمال الدين حسين ، وجمال عبدالناصر ) .
-وتُنظر الصفحات : ( 577و582و583و590و628) .

والله الهادي ..

 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية