اطبع هذه الصفحة


تصحيح خطأ عن أديب الحجاز محمد حسن عواد : ذمّ الصوفية ومدحَ السلفية

سليمان بن صالح الخراشي

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

لا يكاد يُذكر الأديب الحجازي محمد حسن عواد رحمه الله إلا ويُذكر معه كتابه الشهير " خواطر مُصرَّحة " ، الذي أحدث ضجة حين نشره عام 1345هـ ، خاصة فصل " مداعبة مع العلماء " منه ، الذي ظن كثيرون إلى وقتٍ قريب أنه يقصد به جميع علماء الشريعة ، بمن فيهم علماء الدعوة السلفية ، زمن الملك عبدالعزيز رحمهم الله .

كقوله : " الحقيقة المؤلمة التي وعدتكم بها يا سادتي هي أن في إطلاق كلمة -عالم- على أحدكم تسامح كبير (كذا!) في الاستعمال، لأنه وإن كانت العلوم الدينية في الواقع علوم (كذا!)، بل من أجل العلوم وأعظمها خطرًا، ولكن كلمة عالم كبيرة على حضراتكم، لا تستعجلوا، ولا تُهيئوا لمحسوبكم الأشوان والعكاكيز .. " .. وعبارات مثلها .

إلا أن هذا الظن غيرُ صحيح ، فهو يعني بذمه : مشايخ الصوفية الذين أفسدوا عقائد الناس في الحجاز ، وصرفوهم عن دعوة الكتاب والسنة ، وحذروهم من دعاتها ؛ كالشيخ محمد نصيف والتلمساني وأبوبكر خوقير ومحمد بن حسين الفقيه وغيرهم من دعاة السلفية رحمهم الله ، الذين واجهوا مضايقات من أولئك المتصوفة الذين عناهم الأستاذ عواد .
وقد بيّن هذا الأستاذُ حسين بافقيه في تقديمه للطبعة الأخيرة من كتاب " خواطر مصرَّحة " ، الصادرة العام الماضي 1433هـ .

يقول الأستاذ حسين ( ص 26 – 33 ) – مع التحفظ على استعماله كلمة الوهابية - :

( ولكن مَن العلماء الذين عناهم عواد في مقالته «مداعبة مع العلماء» ؟
ومقالته هذه تشبه من وجوه شتى الفصول العنيفة التي كتبها الشاعر التركي المتمصر ولي الدين يكن، وفيها أشبع علماء الدين سبًا وشتمًا. وعواد لا يخفي إعجابه به، وإنه ليخصه بفصل في كتابه، كله إعجاب وتنويه بفضله، وولي الدين يكن ضاق بمجتمعه، وأعلن، في غير مواربة، وخروجه، وجبه الناس باحتقاره لما أخذوا به من أمر الدين، وعواد لم يبلغ، في سخطه وعنفه، هذا المبلغ، وإنّ في كلماته ما يكشف عن إجلال للدين، أما علماؤه فقد نالت مقالته منهم، فوق ما يحتمله الحجاز!
تاريخ إنشاء مقدمة الكتاب رأس السنة الهجرية 1345 هـ، وذكر عواد في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب أن تاريخ كتابته يرقى إلى سنة 1344 هـ = 1926م، وذلك يعني أن عوادًا لم يعنِ بثورته علماء الوهابية، لأنهم لم يُلقوا عصاهم، بعدُ في الحجاز، وبخاصة مدينة جدة حيث يعيش عواد، ولا أحسبهم هبطوا جدة حتى ذلك الحين، لأنها لم تستسلم للسعوديين إلا قبل إنشاء المقدمة بأشهر يسيرة لا تكفي لكي يعرف عواد علماء الوهابية، دع عنك أن يُشبعهم سخرية وذمًا، ولا أظنه بمستطيع ذلك، ولو أرد.
فهل عني محمد حسن عواد بفصله ذلك علماء الدين من أشياخ الحرم المكي الشريف؟
لا أظن ذلك. صحيح أن محمد سرور الصبان في أدب الحجاز ألقى بتبعة تأخر الحجاز على «الذين قالوا إنهم علماء»، دون أن يسمي أحدًا، ودون أن يبلغ في الذم والسب ما بلغه عواد. وصاحب خواطر مصرَّحة ابن مدينة جدة، وُلد فيها، ونشأ في ربوعها، وغشي مدارسها، ولا نعرف أنه اختلف إلى حلق العلم في المسجد الحرام، وحين هبط مكة كان ذلك بعد سن الطلب، اتصل بجمهرة من شبان الحجاز ممن استهواهم الأدب الحديث والثقافة الحديثة، لا بأشياخ المسجد الحرام ومدرسيه.
إذن ؛ من هم العلماء الذين كال لهم الذم باليمين وبالشمال؟
الذي أميل إليه أن عوادًا عني رجال الطرق الصوفية ممن تناثرت زواياهم في الحجاز، وكان لها حيث يسكن في جدة تاج وصولجان، يقوي ذلك أنه يقول لأولئك العلماء:



"ولكن أفكاركم ؟
أين أفكاركم وعقولكم ؟
أليست موجودة في رؤوسكم ؟
لماذا خُلقت رؤوسكم ؟
هل خُلقت لتملأوها تبغًا ونشوقًا، وتضعوا عليها عمائم عظيمة وقلنسوات خيزرانية؟ كلا لا أظنها خُلقت لهذه الأشياء ".



والتبغ والنشوق أُولع بهما طوائف من المتصوفة !
وفي تلك الحقبة التي شهدت أواخر العهد العثماني في الحجاز، وفي عهد الحسين بن علي، وبينما ازدهرت الطرق الصوفية جعل الناس يسمعون نقدًا للتصوف والطريقة، بدأ ذلك خفية وهمسًا، ثم أنشأ يستعلن شيئًا فشيئًا في غير قوة، وألِف المجتمع سماع من ينكر عليهم ما هم فيه من تعلق بالأولياء والكرامات، وما هي حتى عرفت جدة سبيلها إلى «السلفية»، يدعو إليها الأفندي محمد حسين نصيف وعبد القادر التلمساني، وكلا الرجلين ضرب بسهم وافر في الدعوة السلفية ونشر كتبها، منذ أواخر العصر العثماني في الحجاز، وبلغا في ذلك مبلغًا عظيمًا، وأنشأ ثلة من المدرسين وأئمة المساجد يزينون للناس الأفكار السلفية، ويطعنون عليهم ما خاضوا فيه، وعسى أن يكون محمد بن حسين الفقيه أظهر مثال لأولئك الأشياخ، وقد كان له في جدة أتباع وأشياع.
وسلوك السلفية إلى الحجاز في ذلك العصر ليس بالشيء اليسير، فلا الحكومة العثمانية، ومن بعدها الهاشمية، ولا الأهلون ليرضوا بأن تشركهم السلفية السيطرة على أفكار الناس، يدفعهم إلى ذلك اقتصاد تغذوه الطرقية وزواياها، وخوف قديم يرتفع تاريخه إلى صراع العثمانيين وأشراف مكة المكرمة وعلمائها للوهابية، لكن ما أبته الحكومة ارتضاه نفر من الجُديين، حيل بينهم وبينها في الحجاز فعرفوها في غير صُقع، ولا سيما الهند التي اتجر الحجازيون فيها، وسافروا إليها، والتقوا «الوهابية» كفاحًا، والتاريخ يعرف لعلماء الهند سُهمتهم في نشر «الوهابية» في غير بلاد، وبينما ضُيق عليها في الحجاز إذا بها تعود إليه مرة أخرى على أيدي العلماء الهنود، فانبثوا في معاهد العلم، وبخاصة الحرمان الشريفان، مما ليس هذا بسبيله.
نبه الأشياخ السلفيون في جدة طلاب المدارس والكتاتيب إلى كتب الحركة السلفية وشيخها محمد بن عبد الوهاب، وينبئنا محمد حسن عواد في كلمة تعود إلى سنة 1379هـ = 1960م أنه عرف ورفقاء له من طلاب مدرسة الفلاح بجدة ومعلميها كتب محمد بن عبد الوهاب، فسحها لهم محمد حسين نصيف، داعية السلفية هناك، واختلفوا إلى مكتبته المشهورة، واستدلوا على كتب الدعوة ، قرأوها سرًا ، فما كان لهم أن يُعالنوا الناس بها ، خوفًا من معلميهم الطرقيين، وزهدوا، آنئذٍ، بما درج عليه مجتمعهم، وأخذوا العهد على تغييره.


يقول محمد حسن عواد :
" إن مدرسة الفلاح، في تلك الفترة، كانت تُدرس الدين بطريقة بها شيء من الخرافات، فكنت وزملائي الطلبة نرتاد مكتبة الشيخ محمد أفندي نصيف للقراءة، ومن ضمن ما كنا نقرأه كتب الدين وكتب الإصلاح الديني، وخاصة كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- ، فتأثرنا تأثرًا كبيرًا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ووجدنا الفرق بينها وبين ما يُدرس في المدرسة من آراء وعقائد وتعاليم دينية فرقًا شاسعًا.وجدنا في تعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب النور والحرية والإشراق والصراحة وأخذ الدين كرباط ونظام، ووجدنا في تعاليم مدرسي مدارس الفلاح العبث وإضافة الخرافات والتزيدات والمزايدات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فكنا ننفر من هذا " .
ويقول عن صديقيه : أحمد جمال بخاري و محمد عمر عرب : " توطدت بيننا صداقة مبعثها الإحساس المشترك بذلك الجو الخانق والحاجة الموحدة إلى تبديد غيومه الفكرية التي كانت تؤذي أرواح الشبيبة وتدفعها إلى الثورة على كل شيء هناك يتصل بالروح والفكر والقلم.
الثورة على المذهب الديني والتعبد للأشياخ وما قرروه في توجيه طلاب العلم . وقد كنا نرى الخضوع العقلي للمذاهب الفقهية الأربعة أو لأحدها ولما يسايرها من مذاهب المعتقدات ضربًا من التشبه والتقليد للمسيحيين في خضوعهم للكاثوليكية أو الأرثوذكسية أو البروتستانتية، وكنا نتألم عندما نقارن بين الإسلام، كما يفرضه المذهب الجبري للأشعرية أو الماتريدية، أو الشافعية أو الحنفية الخ، والإسلام كما هو في محجته البيضاء التي تركنا عليها صاحب هذا الدين العظيم.
في الإسلام التقليدي بلادة وتفريق وانحراف.
وفي الإسلام الحقيقي، سمو بالنفس وتوحيد للأمة، واستقامة سوية توصل إلى النور الأبيض الذي تبعثه المحجة البيضاء ".

وفي الكتاب عبارات ساخطة أشد ما يكون السخط على ذلك الضرب من التدين، عنّف فيها محمد حسن عواد بعلماء الدين وأشياخ الطرق الصوفية. وعلى ما في تلك العبارات من سخط، وعلى ما فيها من عنف، فإنها تكشف عن قدر ما بلغته تلك الطبقة من المتدينين من سطوة على عقول الناس وأفئدتهم، وعلى قدر ضيق الطبقة المثقفة بهم.
" - لا تُفلح أمة يكثر فيها أرباب الطرق الذكرية.
- مما أنتجته تجاربي (الصغيرة) أن لا فرق بين الدرويش والشيطان ، فكم كنت أغتر بهؤلاء الدراويش، وبالأحرى هؤلاء اللصوص، وأعتقد أنهم خيرة الله في خلقه، حتى هدتني التجارب إلى عكس ما كنت أظن.
- يجب أن نتعلم من الحوادث، فكم كنا نقدس ونجل من نراه مجببًا معممًا ممتطيًا للجياد بدون تفريق، فرأينا منه ما يُسيء الأمة ويخجل الوطن!
- كم جلبت لنا من المصائب تلك العمائم المشادة فوق الرؤوس.
- أفكار متحجرة، فوقها عمائم مكبرة .. تلك هي كابوس الأمم وسموم الحياة " ) .

انتهى كلام الأستاذ حسين – باختصار - .


 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية