بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا علمتني الحياة 1

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه.
نعوذ بالله منى شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة عبده وأبن عبده وأبن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته.
أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور وأنار به العقول، ففتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم باحسان وسلم تسليما كثيرا.
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران102) )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء1) )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في هذه الحياة تحت ظل لا إله إلا الله، وأن يجعل آخر كلامنا فيها لا إله إلا الله، ثم يجمعنا أخرى سرمدية أبدية في جناة ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أشهد الله الذي لا إله إلا هو على حبكم فيه، ولعلكم تلحظون ذلك فالوجه يعبر عن ما في النفس:
والنفس تعرف في عيني محدثها......... إن كان من حزبها أو من أعاديها
عيناك قد دلتا عيني منك على......... أشياء لولاهما ما كنـت أدريها
اللهم لا تعذب جمعا التقى فيك ولك، اللهم لا تعذب اللسنة تخبر عنك، اللهم لا تعذب قلوبا تشتاقُ إلى لقائك، اللهم لا تعذب أعينا ترجو لذة النظرِ إلى وجهك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحسن الظن أخوتي بي إذ دعوني فأجبت الدعوة، وما حالي وحالكم هذه الليلة إلا كبائع زمزم على أهل مكة، أو كبائع التمر على أهل المدينة، أو كبائع السمك على أهل جده.
لكني اسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني خيرا مما تظنون، وأن يغفر لي ما لا تعلمون، وأن لا يؤاخذني بما تقولون.
يا منزل الآيات والقرآن................ بيني وبينك حرمة الفرقان
إشرح به صدري لمعرفة الهدى......... واعصم به قلبي من الشيطان
يسر به أمري وأقض مآربي ........... وأجر به جسدي من النيران
واحطط به وزري وأخلص نيتي.........واشدد به أزري وأصلح شاني
واقطع به طمعي وشرف همتي ..........كثر به ورعي واحي جناني
أنت الذي صورتني وخلقتني............وهديتني لشرائع الإيمان
أنت الذي أطعمتني وسقيتني............ من غير كسب يد ولا دكان
أنت الذي آويتني وحبوتني............. وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودة.......... والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسنا.......... وسترت عن أبصارهم عصياني
والله لو علموا قبيح سريرتي............ لأبى السلام علي من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي.......... ولبؤت بعد كرامة بهوان
لكن سترت معايبي ومثالبي ............وحلمت عن سقطي وعن طغياني
فلك المحامد والمدائح كلها............. بخواطري وجوارحي ولساني

هكذا علمتني الحياة:
أي حياة تعلم، وأي حياة تدرس، وأي حياة تربي أيها الأحبة ؟
أهي حياة اللهو واللعب؟
أهي حياة العبث واللعب ؟
أهي حياة الضياع والتيه ؟
لا والذي رفع السماء بلا عمد، إنها الحياة في ظل العقيدة الإسلامية، إنها الحياة التي تجعلك متفاعلا مع هذا الكون تتدبر فيه وتتفكر. حياة على الحق نعم الحياة......وبئس الحياة إذا لم نحق
إنها الحياة الحقيقة، حياة تحت ظل الإسلام، تعلم وتربي وتدرس.
حياة على الهدى والنور، حياة الحبور والنعيم والسرور، من عاش تحت ظلها عاش في نور وعلى نور ومات على نور ولقي الله بنور وعبر الصراط ومعه النور: ) نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )(النور35)
إذا جاء يوم القيامة وقسمت الأنوار بين المؤمنين والمنافقين، عندما توضع الأقدام على الصراط يتبين من بكى ممن تباكى.
سرعان ما تنطفئ أنوار المنافقين فهم في ظلمات لا يبصرون، ينادون:
) انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد13)
في تلك اللحظات وفي هذه الساعات يكون المؤمنون قد عبروا بنورهم: )يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ
الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)(الحديد12)
فلا يرضى المؤمنون إلا بجوار الرحمن في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
)أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )(الأنعام122)
كلا وألف كلا. )وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ) (فاطر:22) لا يستوي عاقل كلا وذي سفه....... لا والذي علم الإنسان بالقلم
هل يستوي من على حق تصرفه.... ومن مشى تائها في حال الظلم
لا يستوون أبدا.
أحبتي في الله، الحياة في ظل العقيدة مدرسة وأي مدرسة عظات وعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فأليكم هذه الليلة أزف دروسا علمتنيها الحياة تحت ذلك الظل، وهي تعلم كل شخص كان من هذه الأمة إن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
أسال الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح والنظر الثاقب والبصيرة النافذة، والعظة والاعتبار، وأن يظلنا تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن سهلا إذا شئت.

علمتني الحياة في ظل العقيدة الإسلامية أن توحيد الله هو محور الرسالات السماوية:
ومحور حياة الإنسان الحقة، فقيمة الإنسان تظهر عندما يجعل ربه محور حياته، فيستعبد كل ذرة من ذرات جسده، وكل حركة من حركاته، وكل سكنة من سكناته ونفسه لله رب العالمين.
فصلاته لله، ونسكه لله، وحياته لله، وموته لله، وشعاره:
)قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) وبذلك تتفق وجهة الكون مع وجهة هذا الإنسان، تتفق وجهة الإنسان مع هذا الكون الذي يعيش فيه.
الكون - أيها الأحبة - كله مطيع لله جل وعلا خاضع لسلطان الله، مسبح بحمد الله، فإذا تمرد العبد على ربه أصبح نشازا في هذا الكون، إذا تمرد هذا العبد أصبح شاذا في هذا الكون الهائل المتجه إلى الله وحده بالطاعة والخشوع والخضوع. الكون كله في اتجاه وهو في اتجاه مضاد:
)مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الروم:44) خلق الله سوانا كثير وكثيُر وكثير لا يعلمهم إلا خالقهم، وطاعتك أيها العبد لك، ومعصيتك أيها العبد عليك ولن تضر الله شيئا. في صحيح مسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومه إلا نفسه).
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل....... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة............. ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن توحيد الله هو نقطة البداية في حياة المسلم والأمة:
وأن التوحيد هو كذلك نقطة النهاية في حياة المسلم والأمة، من ضل عنه خسر الدنيا والآخرة، فهو أضل من حمار أهله، قلبه لا يفقه، وعينه لا تبصر، وأذنه لا تسمع بهيمة في مسلاخ بشر، حياته ضنك وسعيه مردود، وذنبه غير مغفور:
)إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48)
( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(الحج: الآية31)
) إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: الآية72)
نعوذ بالله من النار.
وفي المقابل من ضفر توحيد الله جل وعلا فقد ربح الدنيا والآخرة، وسعد الدنيا والآخرة، فسعيه مشكور وذنبه مغفور وتجارته لن تبور، يقول الله جل وعلا: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً، خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) (الكهف:108) العز في كنف العزيز ومن.......... عبد العبيد أذله الله.

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن بلسم الجراحات هو الإيمان بالقضاء والقدر.
(وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خيرن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له). قد علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وعلم أن ما أخطئه لم يكن ليصيبه.
علم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عز وجل عليه.
فرضي فرضيَ الله عنه، وسعد بدنياه وأخراه، واطمأن قلبه وسكنت روحه، فهو في نعيم وأي نعيم.
في الموقف العظيم يوم يقول الله للناس وهم يدوكون في عرصات القيامة، يقول لأناس من بين الخلائق جميعهم:
ادخلوا الجنة بلا حساب.
فيقولون يا ربنا ويا مولانا قد حاسبت الناس وتركتنا؟
فيقول قد حاسبتكم في الدنيا، وعزتي وجلالي لا أجمع عليكم مصيبتين ادخلوا الجنة.
فيتمنى أهل الموقف أن لو قرضوا بالمقاريض لينالوا ما نال هؤلاء من النعيم.
في الحديث الصحيح كما في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول:
(ما لي عبدي المؤمن عندي من جزاء إذا قبضت صفيه وخليله من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).
ويا له من جزاء، ما لا عين رأت ولا أذن سمعة ولا خطر على قلب بشر.
في الحديث الصحيح كما في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول لملائكته:
( قبضتم أبن عبدي المؤمن، قبضتم ثمرة فؤاده –وهو أعلم سبحانه وبحمده- فتقول الملائكة نعم، فيقول وماذا قال –وهو أعلم جل وعلا- قالوا حمدك واسترجع، فيقول الله جل وعلا ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد).
) وَبَشِّرِ الصَّابِرِين ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:156) فطب نفس إذا حكم القضاء:
ولا تجزع لحادثة الليالي........ فمالي حوادث الدنيا بقاء
ومن نزلت بساحته المنايا....... فلا أرض تقيه ولا سماء
مروا بيزيد أبن هارون عليه رحمة الله وقد عمي، وكانت له عينان جميلتان قل أن توجد عند أحد في عصره مثل تلك العينين، فقالوا له وقد عمي:
ما فعلت العينان الجميلتان يا أبن هارون ؟
فقال ذهب بهما بكاء الأسحار وإني لأحتسبهما عند الواحد القهار.
فالإيمان بالقضاء والقدر نعمة على البشر وبلسم وظل وارف من الطمأنينة وفيض من الأمن والسكينة ووقاية من الشرور وحافز على العمل وباعث على الصبر والرضاء، والصبر مر مذاقه لذيذة عاقبته.
صبرت ومن يصبر يجد غب صبره......ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم
فأحرص على ما ينفعك وأرضى بما قسم الله لك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
ولست بمدرك ما فات مني...........بلهف ولا بليت ولا لو أني

علمتني الحياة في ضل العقيدة أنه كما تدينُ تدان، وكما تزرعُ تحصد، والجزاءُ من جنسِ العمل:
) وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف الآية49).
حصادك يوما ما زرعت وإنما............يدان الفتي يوما كما هو دائن
إن زرعتَ خيراً حصدتَ خيراً، وإن زرعتَ شراً حصدتَ مثلَهُ، وإن لم تزرع وأبصرتَ حاصداً ندمتَ على التفريطِ في زمنِ البذرِ.
هاهوَ رجلُ كان له عبد يعملُ في مزرعته، فيقولُ هذا السيد لهذا العبد:
ازرع هذه القطعةَ برا.
وذهبَ وتركه، وكان هذا العبد لبيباً عاقلا، فما كان منه إلا أن زرعَ القطعة شعيراً بدل البر.
ولم يأتي ذلك الرجل إلا بعد أن استوى وحان وقت حصاده.
فجاء فإذا هي قد زُرعت شعيراً.، فما كان منه إلا أن قال:
أنا قلت لك ازرعها برا، لما زرعتها شعيرا؟
قال رجوت من الشعيرِ أن ينتجَ برا.
قال يا أحمق أفترجو من الشعيرِ أن يُنتجَ برا؟
قال يا سيدي أفتعصي اللهَ وترجُ رحمتَه، أفتعصي اللهَ وترجُ جنتَه.
ذعر وخافَ واندهشَ وتذكرَ أنه إلى اللهِ قادم فقال تبتُ إلى الله وأبت إلى الله، أنت حرٌ لوجه الله.
كما تدين تدان والجزاء من جنس العمل، ولا يظلمُ ربك أحدا.
)مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل:97) وفي المقابل:
( فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(القصص:الآية84)
هاهوَ رجلٌ كان له أبُ قد بلغَ من الكبر عتيا، وقام على خدمته زمناً طويلا ثم مله وسئمه منه.
فما كان منه إلا أن أخذه في يومٍ من الأيامِ على ظهر دابةٍ، وخرجَ به إلى الصحراْء.
ويوم وصل إلى الصحراء قال الأبُ لأبنهِ يا بني ماذا تريدُ مني هنا ؟
قال أريدُ أن أذبحَك، لا إله إلا الله ابنٌ يذبحُ أباه.
فقال أهكذا جزاءُ الإحسانِ يا بني.
قال لا بد من ذبحِك فقد أسأمتني وأمللتـني.
قال إن كان لابدَ يا بني فاذبحني عند تلكَ الصخرةِ.
قال أبتاه ما ضركَ أن أذبحك هنا أو أذبحك هناك ؟
قال إن كان الجزاءُ من جنسِ العمل فاذبحني عند تلك الصخرةِ فلقد ذبحتُ أبي هناك.
ولك يا بنيَ مثلُها والجزاءُ من جنسِ العمل، وكما تدينُ تدان، ولا يظلمُ ربكَ أحدا.

علمتني الحياة في ضل العقيدة أن العقيدة قوة عظمى:
لا يعدلها قوة مادية بشرية أرضية أي كانت هذه القوة والأمثلة على ذلك كثيرة، وبالمثال يتضح المقال.
هاهي جموع المسلمين وعددها ثلاثة آلاف في مؤته تقابل مؤتي ألف بقلوب ملئها العقيدة.
يقول قائل المسلمين والله ما نقاتلهم بعدد ولا عدة وإنما نقاتلهم بهذا الدين.
فسل خالدا كم سيف أندق في يمينه؟
يجبك خالد، اندق في يميني تسعة أسياف.
وسل خالدا ما الذي ثبت في يده وهو يضرب الكافرين ؟
يجب إنها صحيفة يمانية ثبتت في يده.
أنظر إليه يوم يقبل مائتا ألف مقاتل إلى ثلاثة آلاف فيهجموا عليهم هجمة واحدة يوم يأتي بعض المسلمين ويرى هذه الحشود فيقول لخالد:
يا خالد إلى أين الملجئ، إلى سلمى وأجا.
فتذرف عيناه الدموع وينتخي ويقول لا إلى سلمى ولا إلى أجا، ولكن إلى الله الملتجأ.
فينصره الله الذي التجأ إليه سبحانه وبحمده.
بربك هل هذه قوة جسدية في خالد أبن الوليد؟
لا والذي رفع السماء بلا عمد، إنها العقيدة وكفى.
إن العقيدة في قلوب رجالها.............من ذرة أقوى وألف مهند
وها هو صلاح الدين في عصر آخر غير ذلك العصر، صلاح الدين الأيوبي عليه رحمة الله، تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى وكان أسيرا في يد الصليبيين يوم ذاك. تقول الرسالة:
يا أيها الملك الذي............. لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة............ تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهرت ...........وأنا على شرفي أنجس.
فينتخي صلاح الدين، ويقودها حملة لا تبقي ولا تذر ويشحذ الهمم قبل ذلك فيمنع المزاح في جيشه ويمنع الضحك في جيشه ويهيأ الأمة لاسترداد المسجد الأقصى الذي هو أسير في يد الصليبيين يوم ذاك.
ثم يقودها حملة لا تبقي ولا تذر فيكسر شوكتهم ويعيد الأقصى بأذن الله إلى حظيرة المسلمين.
ثم ماذا بعد صلاح الدين أيها الأحبة ؟
عادوا بعد صلاح الدين بفترة يوم تخلى من تخلى عن مبادئ صلاح الدين، عادوا فاحتلوه وذهبوا إلى قبر صلاح الدين ورفسوه بأرجلهم وقالوا ها قد عدنا يا صلاح الدين، ها قد عدنا يا صلاح الدين. وهم ينشدون:
محمد مات خلّف بنات.
فما الحال الآن أيها الأحبة ؟
إن ما يجري هناك تتفطر له الأكباد، إن المسجد الأقصى بلسان حاله ليصيح بالأمة المسلمة.
هل من صلاح، هل من عمر ؟ فلا آذن تجيب ولا قلوب تجيب. أواه ......أواه.
إني تذكرتُ والذكرى مؤرقةٌ..............مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
أن اتجهت إلى الإسلام في بلد............. تجده كالطير مقصوصا جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها................وبات يملكنا شعب ملكناه
استرشدَ الغربُ بالماضي فأرشده...........ونحنُ كان لنا ماضٍ نسيناه
إنا مشينا وراء الغربِ نقبسُ من...........ضيائهِ فأصابتنا شظاياهُ
باللهِ سل خلفَ بحرِ الروم عن عرب....... بالأمسِ كانُ هنا واليومَ قد تاهوا
وانزل دمشقَ وسائل صخرَ مسجِدها......عن منً بناهُ لعل الصخرَ ينعاهُ
هاذِ معالمُ خرسٌ كل واحدة ...............منهن قامت خطيباً فاغراً فاهُ
اللهُ يعلمُ ما قلبتُ سيرَتهم يوماً.............وأخطاءَ دمعُ العينِ مجراهُ
لا درَ درُ إمرءٍ يطري أوائله...............فخراً ويطرقٌ إن سألتُه ما هو
يا من يرى عمراً تكسوه بردتُه.............والزيتُ ادمٌ له والكوخُ مأواهُ
يهتزُ كسرا على كرسِيه فرقاً..............من خوفه وملوكُ الرومَ تخشاه
يا ربي فأبعث لنا من مثلهم نفراً...........يشيدونَ لنا مجداً أضعناه
هاهو قلب أرسلان ذلكم الفتى المسلم الشجاع المؤمن بالله كان عائدا من إحدى معاركه متجها ببقية جيشه إلى عاصمة خرسان، سمع به إمبراطور القسطنطينية رومانس.
فجهز جيشا قوامه ست مائة ألف مقاتل، والله ما جمعوا هذه الجموع إلا بقلوب ملئها الخور والضعف والهون.
جاء الخبر لأرسلان ومعه خمسة عشر ألف مقاتل في سبيل لا إله إلا الله.
انظروا ووازنوا بين الجيشين، ستمائة ألف تقابل خمسة عشر ألف مقاتل، بمعنى أن الواحد يقابل أربعمائة، هل هذه قوى جسدية ؟ إنها قوى العقيدة وكفى أيها الأحبة.
نظر هذا الرجل في جيشه، جيش منهك من القتال ما بين مصاب وما بين جريح قد أنهكه السير الطويل.
فكر وقدر ونظر في جيشه أيترك هذا الجيش الكافر ليدخل إلى بلاده ويعيث فيها الفساد، أم يجازف بهذا الجيش، خمسة عشر ألف مقابل ستمائة ألف.
فكر قليلا ثم هزه الإيمان وخرجت العقيدة لتبرز في مواقفها الحرجة، فدخل خيمته وخلع ملابسه وحنط جسده ثم تكفن وخرج إلى الجيش وخطبهم قائلا:
إن الإسلام اليوم في خطر، وإن المسلمين كذلك وإن أخشى أن يقضى على لا إله إلا الله من الوجود.
ثم صاح وإسلامهَ، وإسلامه، ها أنا ذا قد تحنطت وتكفنت فمن أراد الجنة فليلبس كما لبست ولنقاتل دون لا إله إلا الله حتى نهلك أو ترفع لا إله إلا الله.
فما هو إلا الوحي أو حد مرهف............تقيم ظباه اخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل عاقل.......... وهذا دواء الداء من كل جاهل
فما هي إلا ساعة ويتكفن الجيش الإسلامي، وتفوح رائحة الحنوط وتهب رياح الجنة وتدوي السماوات بصيحات الله كبر، يا خيل الله اثبتي يا خيل الله اركبي، لا إله إلا الله.
هل سمعتم بجيش مكفن ؟
هل سمعتم بجيش لبس ثياب حشره قبل أن يدخل المعركة ؟
هل شممتم رائحة حنوط خمسة عشر ألف مسلم في آن واحد ؟
هل تخيلتم صور جيش كامل يسير إلى معركة يظن ويثق أنه من على أرضها يكون بعثه يوم ينفخ في الصور ؟
التقى الجمعان واصطدم الفئتان، فئة تؤمن بالله وتشتاق إلى لقاء الله، وفئة تكفر بالله ولا تحب لقاء الله، ودوت صيحات الله أكبر، واندفع كل مؤمن ولسان حاله وعجلت إليك ربي لترضى.
تطايرت رؤوس، وسقطت جماجم، وسالت دماء، وفي خضم المعركة إذ بالمنادي ينادي مبشرا أنهزم الرومان وأسر قائدهم رومانس. الله أكبر، لا إله إلا الله صدق وعده ونصر جنده.
( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(البقرة: من الآية249)
ذهب من جند الله كثير وكثير نحسبهم شهداء، وبقي الباقون يبكون، يبكون على ما فاتهم من غنائم؟ لا والذي رفع السماء بلا عمد. لكنهم يبكون لأنهم مضطرون إلى خلع أكفانهم وقد باعوا أنفسهم من الله.
أما القائد المسلم فبكى طويلا، وحمد الله حمدا كثيرا، وبقي يجاهد حتى لقي الله بعقيدة لا يقف في وجهها أي قوة، ويوم حلت به سكرات الموت كان يقول: آه ...آه أمال لم تنل وحوائج لم تقضى وأنفس تموت بحسراتها.
كان يتمنى أن يموت تحت ظلال السيوف ولكن شاء الله له أن يموت على الفراش.
إن العقيدة في قلوب رجالها .......... من ذرة أقوى وألف مهند
فتعرف يا أبن أمي في العقيدة
يا أخ الإسلام في الأرض المديدة
ما حياة المرء من غير عقيدة
وجهاد وصراعات عنيدة
فهي طوبى واختبارات مجيدة
فانطلق وأمضي بإيمان وثيق
وإذا ما مسك الضر صديقي
فلأن قد مشينا في الطريق.

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن من حفظ الله حفظه الله.
ومن وقفَ عند أوامرِ الله بالامتثال، ونواهيهِ بالاجتناب، وحدودِه بعدمِ التجاوزَ حفظَه الله.
من حفظَ الرأسَ وما وعى، والبطنَ وما حوى حفظَه الله.
من حفظَ ما بين فكيه وما بين رجليه حفظَه الله.
من حفظَ اللهَ في وقتِ الرخاء حفظَه اللهَ في وقتِ الشدةَ.
من حفظَ اللهَ في شبابه حفظَه الله عند ضعفِ قوتِه:) فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف64).
هاهوَ الإمامُ الأوزاعي ذلكم الإمامُ المحدثُ الورعُ الفقيه.
حين دخل عبدُ الله ابن علي ذلكم الحاكمُ العباسيُ دمشقَ في يوم من الأيام فيقتلُ فيها ثمانيةً وثلاثين آلفَ مسلم.
ثم يُدخلُ الخيولَ مسجدَ بني أميةَ، ثم يتبجحُ ويقول:
من ينكرُ علي في ما أفعل؟
قالوا لا نعلمُ أحداً غير الإمامُ الأوزاعي.
فيرسل من يستدعيه، فعلمَ أنه الامتحان وعلم أنه الابتلاء، وعلم أنه إما أن ينجحَ ونجاحٌ ما بعدَه رسوب، وإما أن يرسبَ ورسوبٌ ما بعده نجاح، فماذا كان من هذا الرجل ؟
قام واغتسلَ وتحنطَ وتكفن ولبس ثيابه من على كفنه، ثم أخذَ عصاه في يده، ثم اتجه إلى من حفظه في وقت الرخاء فقال: يا ذا العزةِ التي لا تضام، والركنَ الذي لا يرام.
يا من لا يهزمُ جندُه ولا يغلبُ أوليائهُ أنتَ حسبي ومن كنتَ حسبَه فقد كفيتَه، حسبي اللهُ ونعم الوكيل.
ثم ينطلقَ وقد اتصلَ بالله سبحانه وتعالى انطلاقة الأسد إلى ذلك الحاكم.
ذاك قد صفَ وزرائَه وصف سماطين من الجلود يريد أن يقتله وأن يرهبه بها.
قال فدخلت وإذ السيوف مصلته، وإذ السماط معد، وإذا الأمور غير ما كنت أتوقع.
قال فدخلت ووالله ما تصورت في تلك اللحظة إلا عرش الرحمن بارزا والمنادي ينادي:
فريق في الجنة وفريق في السعير.
فوالله ما رأيته أمامي إلا كالذباب، والله ما دخلت بلاطه حتى بعت نفسي من الله جل وعلا.
قال فأنعقدَ جبينُ هذا الرجل من الغضب ثم قال له أأنتَ الأوزاعي ؟
قال يقولُ الناسُ أني الأوزاعي.
قال ما ترى في هذه الدماء التي سفكناها ؟
قال حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن جَدُك أبن عباس وعن ابن مسعود وعن أنس وعن أي هريرة وعن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
( لا يحلُ دمُ امرأ مسلمٍ إلا بأحدِ ثلاث، الثيبُ الزاني، والنفسُ بالنفسِ، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة).
قال فتلمظَ كما تتلمظُ الحيةَ وقام الناس يتحفزون ويرفعون ثيابهم لألا يصيبَهم دمي، ورفعتُ عمامتي ليقعُ السيفُ على رقبتي مباشرة.
وإذ به يقول وما ترى في هذه الدور التي اغتصبنا والأموالِ التي أخذنا ؟
قال سوفَ يجردُك اللهُ عرياناً كما خلقَك ثم يسأُلك عن الصغيرِ والكبيرِ والنقيرِ والقطميرِ، فإن كانت حلالاً فحساب، وإن كانت حراماً فعقاب.
قال فأنعقدَ جبينُه مرة أخرى من الغضبِ وقام الوزراء يرفعون ثيابهم وقمت لأرفع عمامتي ليقع السيف على رقبتي مباشرة.
قال وإذ به تنتفخ أوداجه ثم يقول أخرج.
قال فخرجت فوالله ما زادني ربي إلا عزا.
ذهب وما كان منه إلا أن سار بطريقه حتى لقيَ الله جل وعلا بحفظه سبحانه وتعالى.
ثم جاء هذا الحاكم ومر على قبره بعد أن توفي ووقف عليه وقال:
والله ما كنتُ أخافُ أحداً على وجهِ الأرضِ كخوفي هذا المدفونُ في هذا القبر.
واللهِ إني كنتُ إذا رأيتُه رأيتُ الأسدَ بارز.
اعتصمَ بالله وحفظَ اللهَ في الرخاء فحفظَه اللهُ في الشدة:
( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
والأمثلة كثيرة أيها الأحبة.
وما ندري أنحن مقبلون على مرحلة عزة وتمكين أم نحن مقبلون على مرحلة ابتلاء.
يجب أن نحفظ أنفسنا ونحفظ الله وحدوده وأوامره ونواهيه في الرخاء ليحفظنا سبحانه وبحمده في وقت الشدة.
ولا بد من الابتلاء: )أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:2) هاهوَ الأسودُ العنسيُ ذلكم الساحرُ القبيحُ الظالمُ الذي ادعى النبوةَ في اليمن:
يجتمعُ حولَه اللصوصُ وقطاعُ الطرق، ليكونُ فرقةً تسمى فرقةُ الصدَ عن سبيلِ الله، ليذبحَ الدعاة في سبيل الله، ذبح من المسلمين من ذبح، وأحرقَ منهم من أحرق، وطردَ منهم من طرد، وهتكَ أعراضَ بعضهم وفر الناس بدينهم، عذب من الدعاة من عذب وكان من هؤلاء أبو مسلمٍ الخولاني عليه رحمةُ الله ورضوانه.
عذبَه فثبتَ كثباتِ سحرةِ فرعون، حاول أن يثنيَه عن دعوته قال كلا والذي فطرني لن أقف فأقضي ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.
فما كان منه إلا أن جمع الجموع كلها وقال لهم:
إن كان داعيتكم على حق فسينجيه الحق، إن كان على غيرِ ذلك فسترون.
ثم أمرَ بنارِ عظيمةِ فأضرمت، ثم جاءَ بأبي مسلم الخولاني عليه رحمة الله فربط يديه وربط رجليه ووضعوه في مقلاع ثم
نسفوه في لهيب النار ولظاها، وإن هذه النار كما يقولون كان يمر الطير من فوقها من عظم ألسنة لهبها فتسقط الطيور في وسطها. وهو بين السماء والأرض لم يذكر إلا الله جل وعلا وكان يقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
ليسقطَ في وسط النار، وكادت قلوبُ الموحدين أن تنخلع وكادت أن تتفطر، وانتظروا والنارُ تخبو شيئاً فشيئاً وإذ بأبي مسلم قد فكتُ النارُ وثاقَه، ثيابه لم تحترق، رجلاه حافيتان يمشي بهما على الجمر ويتبسم، ذهل الطاغية وخاف أن يسلم من بقي من الناس فقام يتهدد هم ويتوعُدهم.
أما هذا الرجل فأنطلق إلى المدينة النبوية، إلى أصحابِ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) في خلافةِ أي بكر، ويصلُ إلى المسجد ويصلي ركعتين، ويسمعُ عمرُ رضي الله عنه بهذا الرجلِ، فينطلقُ إليه يأتي إليه ويقول:
أأنت أبو مسلم قال نعم.
قال أنت الذي قذفت في النارِ و أنقذك اللهُ منها ؟
قال نعم، فيعتنقُه ويبكي ويقول الحمد لله الذب أراني في أمةِ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) من فعلَ به كما فعلَ بإبراهيم عليه السلام.
من حفظَ أبا مسلم ؟
إنه الله الذي لا إله إلا هو، حفظ الله عز وجل فحفظَه الله. ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وها هو أبن طولون والي من ولاة مصر ولا زالت مصر ترزأ بظالم وراء ظالم، نسأل الله أن يفرج عن إخواننا في كل مكان، هذا الوالي - يا أيها الأحبة - قتل ثمانية عشر ألف مسلم في تلك الأرض، وقتلهم بقتلة هي أبشع أنواع القتل، حبس عنهم الطعام والشراب حتى ماتوا جوعا وعطشا، فسمع أبو الحسن الزاهد عليه رحمة الله، فأقض مضجعه أن يسمع بأخوته يعذبون ثم لا يذهب، وقد سمع قبل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول:
(أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر).
ذهب إليه وقال له أتق الله في دماء المسلمين وخوفه بالله.
فأرغى وأزبد وأمر بأن يسجن في سجن وأمر بأسد أن يجوع لمدة ثلاثة أيام.
ثم جاء فجمع الناس جميعهم وجاء بهذا الرجل، وأطلق ذلك الأسد المجوع ثلاثة أيام.
قام هذا الرجل يصلي متصلا بالله الذي لا إله إلا هو، أما الأسد فأنطلق حتى قرب منه ثم توقف وقام ينظر إليه ويشمشمه ويسيل اللعاب على يديه وفيها من الجراح ما فيها.
فما كان من الناس إلا أن ذهلوا وما كان من الطاغية إلا أن ذهل، وما كان من الأسد إلا أن رجع وهو جائع ثلاثة أيام.
من الذي حفظه إلا الله الذي يحفظ من يحفظه في وقت الرخاء.
ما كان من الناس إلا أن اجتمعوا بشيخهم وإمامهم بعد ذلك وقالوا:
يا أبا الحسن في ما كنت تفكر يوم قدم عليك الأسد ؟
قال والله ما فكرت قي ما فيه تفكرون، ولا خفت مما منه تخافون، ولكني كنت أقول في نفسي ألعاب الأسد نجس أو طاهر لأن لا ينقض وضوئي وأنا متصل بالله الذي لا إله إلا هو.
حفظوا اللهَ فحفظَهم الله، ما اعتصمَ عبدُ بالله فكادتُه السماءُ والأرض إلا جعل الله له منها فرجاً ومخرجا.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بك الله أن نغتال من تحتنا.

علمتني الحياة في ظل العقيدة الإسلامية أن الظلمَ مرتَعهُ وخيمٌ.
وأن الظلمَ يفضي إلى الندم، وأنهُ ظلماتٌ يومَ القيامة.
وأن الله لا يغفلُ عما يعملُ الظالمون، لكن يؤخرُهم ليومٍ تشخصُ فيه الإبصار.
في الحديثِ القدسي يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يقول الله :
( يا عبادي إنيِ حرمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرما فلا تظالموا).
وظلموا ذوي القربى أشد مضاضة........على المرء من وقع الحسام المهند.
ها هم أهل قرية من القرى قبل وقت من الزمن:
نقص عددهم نتيجة الحروب التي كانت تقام بين القبائل لأتفه الأسباب، فما كان منهم إلا أن فكروا في أن يزيدوا عددهم، فاجتمعوا وعقدوا مؤتمرا لهم وكان قائدهم في ذلك المؤتمر إبليس عليه غضب الله جل وعلا، ونعوذ بالله منه.
فاتفقوا على أن يرجع كل واحد من أهل هذه القرية فيقع على محارمه، يقع على أخته وعلى بنته ليكثر العدد، والحادثة معروفة ومشهورة والقرية معروفة ومشهورة وهي عبرة وعظة لكل من يعتبر.
فما كان منهم إلا أن رجعوا من اجتماعهم فمنهم من رجع إلى أهله ونفذ ما اجتمعوا عليه، ومنهم من رضي بذلك ولم يفعل والراضي كالفاعل. أي ظلم أيها الأحبة وأي ظلمات أن يقع الأب على أبنته أو يقع الأخ على أخته، أو يقع المحرم على محارمه ؟ إنه والله الظلم والظلمات.
ماذا كانت النتيجة وماذا كان منهم.
يرسل الله عز وجل جندي من جنوده : ) وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ )(المدثر:31).
يخرج عليهم نمل، تقوم النملة فتلدغ الواحد منهم فيذبل ثم يذبل ثم يذبل ثم يموت، وهكذا واحدا وراء الأخر.
فما كان من أحدهم إلا أن أراد أن يفلت فسرق من أموالهم ما سرق وجمع من الذهب والفضة ما جمع، ثم أخذه في وعاء معين وحفر له تحت صخرة من الصخرات وعلمه بهذه الصخرة وذهب هاربا إلى مكة.
ولم يبقى في تلك القرية إلا النساء.
بقي ذلك الرجل في مكة ردحا من الزمن، قيل أنه عشرون سنة أو أكثر من ذلك.
فما كان منه بعد عشرين سنة وقد تذكر ذلك الذي حصل إلا أن أرسل واحد من أهل مكة، ما استطاع هو بنفسه أن
يرجع إلى هناك، وقال أذهب إلى ذاك المكان وستجد في المكان الفلاني تحت الصخرة الفلانية وعاء فيه كذا وكذا خذه
وأتنا به ولك كذا وكذا.
ذهب الرجل على وصفه وسأل على المكان واستخرج ذلك الكنز وجاء به إليه في مكة، وكان ذلك الرجل أمينا فلم يغير
فيه ولم يبدل بل أخذه كما هو وجاء به إلى مكة.
وعندما فتحه ذلك الرجل وإذ بنملة على ظهره فتقفز إلى أنفه فتلدغه فيذبل ثم يذبل ثم يموت.
)وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (ابراهيم:42) وهاهوَ المعتمدَ حاكمُ بعضِ ولايةِ الأندلس:
ذلكم الشجاعُ القويُ المترف، يستعينُ به حاكم ولاية مجاورة التي غزى عليها أحدُ أعدائه، فيسرعُ المعتمدُ لنجدة ذلك الرجل ويرجع ذلك الغازي مدحورا لما رأى جيوش المعتمد.
هنا انتهت مهَمةُ المعتمد، لكنَه في ظلام الليل يقوم ليبثَ جيوشَه في المدينة وحول قصر من استنجد به ويحتلُ المدينة، ويالها من مجير: والمستجير بعمر عند كربته........كالمستجير من الرمضاء بالنار
أصيب ذلك الحاكم بصدمةٍ عنيفةٍ شُل منها، قبضَ عليه وعلى والده وأخذت أمواله وأودع لسجن، وسبيت زوجاتُه وبناتُه، ثم أخرج من ولايته مهانا ذليلا، يقول أبوه:
والله إن هذا بسبب دعوة مظلومٍ ظلمناه بالأمس، ثم يرفعُ يديه إلى من لا يغفل عن ما يعملُ الظالمون قائلا:
اللهم كما انتقمتَ للمظلومين منا، فأنتقم لنا من الظالمين.
وتصعدُ الدعوة إلى من ينصرُ المظلوم، ويظل المعتمد في ملكه فترة ينام والمظلوم يدعُ عليه وعينُ اللهِ لم تنمِ، وتجتاحُه دولةُ المرابطين في ليلةٍ من الليالي وتأسرُه في أخرِ الليل:
يا راقدَ الليلِ مسروراً بأولِه........... إن الحوادثَ قد يطرقنَ أسحارا
ويقضي حياتَه في أغمات في بلاد المغرب أسيرا حسيرا كسيراً، وأصبحَ بناتُه المترفاتُ الآتي كنا يخلطُ لهن التراب بالمسكِ ليمشينَ عليه، أصبحن حسيراتٍ يغزلنَ للناس الصوفَ، ما عندَهن ما يسترن به سوءتهن، ويأتين أباهن يوم العيد في السجنِ يزرنه، فيتأوه ويبكي وينشد وكان شاعرا:
في ما مضى كنتُ بالأعيادِ مسرورا............ فساءكَ العيدُ في أغمات مأسورا
ترى بناتِك في الأطمارِ جائعة................. يغزلنَ للناسِ ما يملكنَ قطميرا
برزنَ نحوكَ لتسليم خاشعةً................... أبصارُهن حسيراتٍ مكاسيرا
يطأنَ بالطينِ والأقدام حافية...................كأنها لم تطىء مسكاً وكافورا
من باتَ بعدك في ملكٍ يسرُ به................فإنما بات بالأحلامِ مغرورا
كم من دعوةِ مظلومٍ قصمت ظهر طاغيةٍ، والعدل أساس الملك ولا يظلمُ ربُك أحد.
هاهوَ حمزة البسيوني الجبار الطاغية الظالم، كان يقول للمؤمنين وهو يعذبهم وهم يستغيثون الله جل وعلا، وما عذبوهم إلا أن أمنوا بالله، يقول لهك متبجحا:
أين إلهكم الذي تستغيثون لأضعنه معكم في الحديد – جل الله وتبارك سبحانه وبحمده -.
ويخرجَ ويركبَ سيارتَه وظن أنه بعيد عن قبضة الله جل وعلا، وإذ به يرتطم بشاحنةٍ ليدخل الحديدُ في جسده فلا يخرجونَه منه إلا قطعة قطعه.
( إن اللهَ ليملي للظالم حتى إذا أخذَه لم يفلتِه).
)وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) لما أهينَ الإمامُ أحمد عليه رحمةُ اللهِ من قبل أبن أبي دؤاد، رفع يديه إلى من ينصر المظلوم وقال:
(اللهم إنه ظلمني ومالي من ناصرٍ إلا أنت، اللهم أحبسهُ في جله وعذِبه).
فما ماتَ هذا حتى أصابه الفالج فيبست نصف جسمه وبقي نصف جسمه حي.
دخلوا عليه وهو يخورُ كما يخور الثور ويقول:
أصابتني دعوةُ الإمامِ أحمد، مالي وللإمامِ أحمد، مالي وللإمامِ أحمد. ثم يقول واللهِ لو وقعَ ذبابُ على نصفِ جسمي لكأنَ جبال الدنيا وضعت عليه، أما النصف الآخر فلو قرضَ بالمقاريض ما أحسستُ به.
فإياك والظلم ما استطعت، فظلم العباد شديد الوخم.
في الأثر أن الله عز وجل يقول:
(وعزتي وجلالِ لا تنصرفون اليوم ولأحدٍ عندَ أحدٍ مظلمةٌ، وعزتي وجلالِ لا يجاورَ هذا الجسرَ اليومَ ظالم).
لا تظلمنَ إذا ما كنتَ مقتدرا.............فالظلمُ آخره يفضي إلى الندمِ
تنامُ عينُكَ والمظلوم ُمنتبهاً................ يدعُ عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن البناء جد صعب، والهدم سهل جد سهل.
فما يبنى في مئات الأعوام من المدن والقرى والقصور والدور يمكن هدمه في لحظات، وما يبنى من الأخلاق والقيم والمثل في قرون يمكن هدمه أيام وليالي.
ما رأيكم أيها الأحبة إن كان هناك ألف باني وورائهم هادم واحد هل يقوم البناء ؟
كلا لا يمكن أن يقوم، فما رأيكم إن كان الباني واحدا والهادم ألفا:
أرى ألف بان لا يقوموا لهادم.............فكيف بباني خلفه ألف هادم.
وسائل في غالبها تهدم ومجتمع في بعض أفراده يهدم، ومدارس في بعض أفرادها تهدم، وشوارع تهدم، وأندية تهدم، وبناة قلة إذا قيسوا بهؤلاء الهادمين، لكن الحق يعلو والباطل يسفل:
فهل يستقيم الظل والعود أعوج.
أعمى يقود بصيرا لا أبا لكمو.............قد ضل من كانت العميان تهديه

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن لا أيئس وأن لا أقنط.
وأن أعمل وأدعو إلى الله ولا أستعجل النتائج وأن أبذر الحب قطفت جنيه أم لم أقطف جنيه، فلا ييئس من روح اله إلا القوم الكافرون. )قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56) لو تأملت أخي الحبيب قصة نوح عليه السلام الذي طالما دعا بالليل والنهار، بالسر والإعلان، ولم يزدهم دعائه إلا فرارا، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا،والدعوة لمدة تسع مائة وخمسين عاما، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل:
قيل اثنا عشر وغاية ما قيل أنهم ثمانون بمعنى أنه في كل خمس وثمانين سنة يؤمن واحد أو في كل اثنتي عشرة سنة يؤمن واحد، ولم ييئس صلوات الله وسلامه عليه وما كان له أن ييئس.
يقول (صلى الله عليه وسلم) كما في الصحيح:
(يأتي النبي ومعه الرجل، ويأتي النبي ومعه الرجلان، ويأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي وليس معه أحد).
ولم ييئسوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وهاهم أصحاب قرية إنطاكية يرسل الله لهم رسولين فكذبوهما فعززنا بثالث فكذبوه، ثالثة رسل إلى قرية واحدة ثم يقوم داعية من بينهم قد آمن بالله الذي لا إله إلا هو، فما كان منهم إلا أن قتلوه، فما النتيجة:
)قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) (يّـس:26) أيها الأحبة: النملة تلكم الحشرة الصغيرة تعمل وتجمع الحب في الصيف لتأكله في الشتاء، ينزل المطر فتخرجه من جحورها ومخازنها لتعرضه للشمس، ثم تعيده مرة أخرى، وتحاول صعود الجدار مرة فتسقط، ثم تحاول أخرى فتسقط، ثم تحاول مرتين وثلاثا وأربعا حتى تصعد الجدار.
أفيعجز أحدنا أن يكون ولو كهذه الحشرة ؟.
أيها الأحبة (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين).
إن الله جل وعلا يقول: )أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:20) ثم ماذا قال بعدها ؟ )فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (الغاشية:21) وكأن الله عز وجل يريد من الذين يدعون إلى الله:
أن يأخذوا صبر الأبل، وسمو السماء، وثبات الجبال، وذلة الأرض للمؤمنين، ثم بعد ذلك:
)فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)
ليس لليأس مكان عند المؤمن، وليس للقنوط مكان عند المؤمن.
هاهو رجل يركب البحر وتنكسر به سفينته، فيسبح إلى جزيرة في وسط البحر ويمكث ثلاثة أيام لم يذق طعاما ولا شرابا، ويأس من الحياة فقام ينشد:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي............وصار القار كاللبن الحليب
لا يمكن أن يكون القار كاللبن، ولا يمكن أن يشيب الغراب، ومعنى ذلك أنه يئس وأيقن بالموت.
وإذا بهاتف يهتف ويقول:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه...............يكون ورائه فرج قريب
وبينما هو يسمع هذا النداء وإذ بسفينة تمر فيلوح لها فتأتي وتحمله وإذ على ظهر السفينة أحدهم يردد منشدا:
عسى فرج يأتي به الله إنه.............له كل يوم في خليقته أمر
إذا لاح عسر فأرجو يسؤ فإنه.........قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
ولن يغلب عسر يسرين، فأعمل أخي لا تيئس وأبذر الحب.
فعليك بذر الحب لا قطف الجنى..........والله للساعين خير معين
ستسير فلك الحق تحمل جنده.............وستنتهي للشاطئ المأمون
بالله مجراها ومرساها فهل.................تخشى الرد والله خير ضمين
ولنا بيوسف أسوة في صبره..............وقد ارتمى في السجن بضع سنين
لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى...........وطغى فإن يقين قلبي أكبر
في منهج الرحمان أمن مخاوفي............. وإليه في ليل الشدائد نجأر

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن أنظر في أمور دنياي إلى من هو تحتي فذلك جدير أن لا أزدري نعمة الله علي.
وأن أنظر في أمور آخرتي لمن هو فوقي فأجتهد اجتهاده لعلي الحق به وبالصالحين، فلا أحقد على أحد ما استطعت، ولا أحسد أحدا ما استطعت.
يقول أحدهم عن أبن تيمية عليه رحمة الله:
(وددت والله أني لأصحابي مثله –يعني أبن تيمية- لأعدائه وخصومه، يقول:
والله ما رأيته يدعو على أحد من خصومه بل كان يدعو لهم، جئته يوما مبشرا بموت أكبر أعدائه، قال:
فنهرني واسترجع وحوقل وذهب إلى بيت الميت فعزاهم، وقال إني لك مكان أبيكم فسألوا ما شئتم، فسروا به كثيرا ودعوا له كثيرا وعظموا حاله ولسان حالهم والله ما رأينا مثلك).
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمو .......لطالما ملك الإنسان إحسان
لا يحمل الحقد من تعلوا به الرتب...... ولا ينال العلا من طبعه الغضب
ماذا استفاد الحاقدون ؟ ماذا استفاد الحاسدون ؟
ما استفادوا إلا النصب وما استفادوا إلا التعب، وما استفادوا إلا السيئات.
ووالله لن يردوا نعمة أنعم الله على عبد أي كان، ولله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله.
أصبر على مضض الحسود...... فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل نفسها............إن لم تجد ما تأكله

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن من عرف الحق هانت عندَه الحياة.
فيتعالى على مُتع الحياة وزخارفِها لأنه ينتظرُ متعةً أبديةً سرمدية في جناتٍ ونهر في مقعد صدق عن مليك مقتدر.
فيقدمُ مراد على شهواتِه ولذائذه،ويقدم مراد الله على كل ما يلذ لعينه وما يلذ لقلبه فيسعدُ في دنياه ويسعدُ في أخراه.
في الأثر أن الله جل وعلا يقول:
( وعزتي وجلاليِ ما من عبدٍ آثرَ هوايَ على هواه ( أي قدم مرُاد الله على لذائذ نفسه) إلا أقللتُ همومَه، وجمعةُ له ضيعتَه ونزعتُ الفقرَ من قلبِه، وجعلتُ الغناء بين عينيه، واتجرتُ له من وراءِ كلِ تاجر).
هاهوَ أحدُ صحابة أحدُ صحابةِ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)، دميمُ الخِلقة، لكنه رجلُ أعطاه اللهُ من الإيمانِ ما أعطاه، وما ضرَه أنه دميمُ الخِلقة.
تقدم ليتزوجَ من أحد البيوت، وكلما تقدم إلى بنت رفضته لأنه دميمُ الخلقةَ ولأنه قصير لا ترغبُ فيه النساء.
فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يشكو أصحابَه ويقول:
يا رسولَ الله أليسَ من أمن بالله وصدقَ بك يدخلُ الجنة ويزوجُ من الحورِ العين ؟
قال بلى، قال فمالُ أصحابكَ لا يزوجوني.
قال اذهب إلى بيتِ فلان وقل لهم رسولُ اللهِ يطلبُ ابنتَكم.
فذهبَ إلى بيتِ رجلٍ من الأنصار، وطرق الباب عليهم فخرجَ صاحبُ البيت فسلم عليه وقال:
رسولُ اللهِ يطلبُ ابنتَكم.
قالوا نعم ونعمةٌ عين من لنا بغير رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) أي نسبٍ نريدَه غيرَ هذا النسب.
قال لكنَه يطلبُها لي أنا.
فقال اللهُ المستعان، ثم ذهب ليستشير زوجه، فأخبرها بذلك فقالت رسول الله يطلب ابنتنا نعم ونعمة عين.
قال لكنه يطلبها لفلان وسماه بأسمه.
فما كان منها إلا أن ترددت وقالت أما كان أبو بكر أو عمر أو عثمان ألم يجد رسول الله غير هذا.
وكانت البنتُ التقيةُ العابدة الزاهدة التي تقدمُ مراد اللهِ على لذائذ وشهوات النفس تسمع ذلك، فخرجت إليهم وقالت:
ما بكم؟
قالوا إن رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يطلبكِ لفلان، قالت وما تقولان ؟
قالوا نستشير ونرى، قالت أتردانِ أمرَ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)، أين تذهبانِ من قول الله:
)وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )(الأحزاب36)
ادفعوني إليه فإن الله لا يضيعني.
ويسمعُ الرجل وينتقل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ويخبرُه الخبر .
وتبرقُ أساريرُ وجهُه (صلى الله عليه وسلم) ويفرحُ بها، ويدعو لهذه المرأة ففازت بدعوته (صلى الله عليه وسلم).
قيل أن المال كان يأتيها لا تعلمُ من أين يأتيها.
وفي ليلةِ الزفاف ليلةِ الدخول وإذ بمنادي الجهاد ينادي أن يا خيل الله أركبي.
هنا يقف موقف أيدخلُ على زوجتهِ في أولِ ليلة في كاملِ زينتِها، أم يجيبَ داعي الله جل وعلا.
فما كان منه إلا أن تركَ هذه البنت وأنطلقَ يطلبُ الحور العين، وانتهت المعركة.
وقام النبي (صلى الله عليه وسلم) يتفقدُ أصحابه، فيقول هل تفقدون من أحد؟
قالوا نفقدُ فلاناً وفلاناً وفلانا وما فقدوا هذا الرجل خفي تقي.
قال هل تفقدون من أحد ؟، فقالوا نفقدُ فلاناً وفلاناً وما فقدوه.
فما كان منه (صلى الله عليه وسلم) إلا أن قال لكني أفقدُ أخي جليبيب، قوموا معي لنطلبه في القتلى.
ذهبَ يبحثُ عنه (صلى الله عليه وسلم)، ووجدَه قد قتل سبعة من المشركين وقتلوه.
فأخذَه (صلى الله عليه وسلم) على ذراعيه ومسحَ التراب عن وجهه وقال قتل سبعة من المشركين وقتلوه هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه.
لا إله إلا الله ماذا قدمَ هذا الرجل ؟ قدمَ قليلاً وأخذَ كثيراً وكثيراً وكثيرا.
وها هو الشيخ الحامد أحد مشايخ الشام عليه رحمة الله، ذلك الورع التقي كما نحسبه، يتوفى أخوه الأكبر فيثنى على علمه ودينه في يوم من الأيام، فيقولون له كيف أولاده وزوجته ؟
قال لقد تحولت زوجته بالأمس إلى منزل آخر، والله ما رأيتها خلال إثني عشر عاما وهم يسكنون معي في المنزل إلا يوم خرجت، وكانت مولية ظهرها لنا وألقت علينا السلام.
يعيش معها ولم ينظر إليها ولم يجلس معها وهم في بيت واحد لأنه يعلم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:
(الحمو الموت، الحمو الموت).
لقد آثر أن يكون خطيب جامعا عن أن يكون رئيسا للقضاة في عهده رحمه الله.
هاهوَ صاحبيٌ أسمه أبو لبادةَ يختلفُ مع يتيمٍ على نخلةٍ كانت بين بستانينِ لهما، يدعي اليتيمُ الصغير أن هذه النخلةَ له، فيخرجُ النبيُ (صلى الله عليه وسلم) ليعاين المكان، فإذا النخلةُ في بستانِ الصحابي أبي لوبادة فيحكمُ بها لهذا الصحابي فتذرفُ دموع اليتيم، ما كان الرسولُ (صلى الله عليه وسلم) أن يغيرَ حكمَه أبدا لأنه العدل والحقُ، لكنَه أعلنَ عن مسابقةٍ قال لأبي عبادة أتعطيه النخلةَ ولك بها عذقٌ في الجنة ؟
لكنه كان مغضباً إذ كيف يشكوه والحقُ له، كان في المجلسُ أبو الدحداج عليه رحمة الله وهو رجل يبحثُ عن مثلِ هذه الأمنية فقال: يا رسول الله ألي العذقُ في الجنة إن اشتريتُ نخلته بحديقتي وأعطيتُها هذا اليتيم ؟
قال لك العذق، فما كان من أب الدحداح إلا أن لحقَ بأبي لبادةَ رضي الله عنه وقال له أتبيعُني النخلةَ بحديقتي كلها ببستاني كُله ؟
قال بعتك إياها لا خيرَ في نخلةٍ شكيتُ فيها لرسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)، فباعه إياها.
فذهبَ أبو الدحداح ودخل ونادى على أم أبي الدحداد وأولاد أبي الدحداح أن أخرجوا فقد بعناها من الله بعذقٍ في الجنة، حتى قيل أن بعض أطفالهِ في أيديهمُ بعض الرطب فكان يأخذَه ويقول قد بعناه من الله ويرميه في البستانَ.
خرج ولم يكتفِ بذلك ولم يرضى ثمنا للجنة إلا أن يقدم دمَه ليزهق في سبيل الله عز وجلِ.
وتأتي موقعة أحد، ويشارك الجيش ويكون الرسول فيها في حالة تعلمونها في آخر المعركة وقد شج وجهه وكسرت رباعيته بأبي هو وأمي (صلى الله عليه وسلم).
ولم ينسى أصحابه في تلك اللحظة الحرجة، يمر فإذا هو بأبي الدحداح فيمسحُ التراب عن وجهه ويقول:
يرحمُك الله، كم من عذقٍ مذللٍ الآن لآبي الدحداح في الجنة.
ماذا خسر أبو الدحداح ؟
خسر تراب، وشجيرات ونخيلات، لكنه فاز بجنةٍ عرضها الأرضُ والسماوات. وذلك هو الفوز، ومن عرف الحق هانت عنده التضحيات.

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن لا أحقر شيء مهما قل:
بل أتعلم وأعمل وأدأب وأداوم ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأحب العمل إلى الله ادومه وإن قل، والقليل إلى القليل كثير وإنما السيل اجتماع النقط: اليوم شيء وغدا مثله....... من نقب العلم التي تلتقط
يحصل المرء به حكمة........ وإنما الشي اجتماع النقط

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن أحسن الظن بالمؤمنين:
وأن أحملهم على خير المحامل ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ذلك الخلق الذي لا يتصف به حقا إلا المؤمنون:
)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35) ها هو أبو أيوب بعد حادثة الإفك التي عاش فيها نبينا (صلى الله عليه وسلم) شهرا من المحنة والابتلاء، يوم رمي في عرضه وفي صميم دعوته وفي قواعد رسالته، يأتي أبو أيوب بعد أن تنـزلت البراءة من فوق سبع سماوات إلى أم أيوب ويقول: يا أم أيوب ارأيت لو كنت مكان عائشة أيمكن أن تفعلي ما رميت به عائشة رضي الله عنها؟
قالت لا والله، قال فوالله لعائشة خير منك وخير من نساء العالمين.
قال يا أبا أيوب ارأيت لو كنت مكان صفوان أيمكن ن تفعل ما رمي به صفوان ؟
قال لا والله، قالت فصفوان واله خير منك.
إحسان ظن بالمؤمنين وهذا هو الخلق الذي لا يتصف به إلا المؤمنون، بل إن عائشة رضي الله عنها صاحبة المعاناة في حديث الإفك والذي بقيت وقتا من الزمن لا يرقأ لها دمع، دموعها وقلبها يتفطر، تسمع رجلا يسب حسان لأن حسان كان ممن وقع وتكلم في حديث الإفك، فتقول دعوه، أليس هو القائل:
فإن أبي وولده وعرضي..........لعرض محمد منكم وقاء

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن أعداء الأعداء من لا يواجهك.
وإنما يغدر بك ويقتلك ويتقمص شخصك، ويتقمص عملك أحيانا لينقض عليك وهو يتبسم وهذا هو أشرس الأعداء، وهو أقوى الأعداء ظاهريا وإلا ففي باطنه فهو على شرف حرف هار.
إذا رأيت نيوب الضبع بارزة........... فلا تظن أن الضبع يبتسم
إنه النفاق والمنافقون:
إن النفاق لآفة فتاكة إن.......... أهملت أدت إلى الأسقام
وقضت على آمالنا في أمة........ راياتها في البحر كالأعلام
المنافقون ذلكم السوس الذي ينخر في جسد الأمة المسلمة منذ عهد النبوة وإلى اليوم، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ما يريدون أن يتكلم داعية، ما يريدون أن يؤمر بمعروف ولا أن ينهى عن فاحشة فقبحهم الله وأرداهم في الحافرة.
إذا ذكر الله اشمأزت قلوبهم وإذا ذكر الذين من دون إذا هم يستبشرون.
لهم ألف وجه بعد ما ضاع وجههم.......... فلم تدري فيها أي وجه تصدق
ملعونين أينما ثقفوا فهم في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيرا.
إن المنافقين جراثيم تسمم وبكتيريا عفونة يتربصون بالمؤمنين الدوائر، خذلوا المؤمنين في أحد وتبوك، ولا زالوا يخذلونهم إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لسان حالهم:
لن تستريح قلوبنا إلا إذا........... لم يبقى في الأرض الفسيحة مسلم
يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون قائدهم وكبيرهم ومنظرهم الذي علمهم الخبث أبن سبأ الذي ظهر في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه وأندس في الصفوف على أنه مسلم، وكم من مندس في الصفوف على أنه مسلم:
ولو كان سهما واحدا لاتفيته.......... ولكنه سهم وثاني وثالث
يدير رحاها ألف كسرى وقيصر........وألف مدير للمدير مدير
تقولون من هم؟
نقول: ) وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ )(محمد30).
ظهر هذا الرجل في عهد عثمان وقام يجوب البلدان ليجمع قطاع الطرق والمفسدين ليكون عصابة من المنافقين وبعض المغفلين ليفسد نفوسهم على عثمان رضي الله عنه، وقد نجح إلى حد ما، ونجاحهم دائما مؤقت. وهو خسارة وإنما تسميته بالنجاح من باب تسمية اللديغ بالسليم.
حتى أنه ليأتي في يوم من الأيام مع عصابته ليدفعهم ليحاصروا عثمان رضي الله عنه وأرضاه في بيته.
ولينفردوا به ليضربه الغافقي بحديدة معه، ثم بضرب المصحف برجله وهو يقرأ منه رضي الله عنه ليستدير المصحف ويستقر مرة أخرى بين يدي عثمان، ويتخضب بالدماء .
ويغشى عليه ويجر برجله رضي الله عنه وأرضاه، ويأتي أحدهم في سيفه يريد وضعه في بطنه فتقيه إحدى الناس بيدها فيقطع يدها قطع الله دابره.
ثم يتكأ بالسيف على صدر عثمان، وبينما هو كذلك إذ وثب شقي آخر على صدر عثمان وبه رمق رضي الله عنه فطعنه تسع طعنات قائلا: أما ثلاث منها فلله وأما ست فلشيء كان في صدري عليه.
ثم يثب آخر عليه فيكسر ضلعا من أضلاعه، فلا إله إلا الله.
إنها مجزرة دموية يدبرها السبئيون في كل مكان وفي كل زمان يريدون قطع رأس هذا الدين وكسر أضلاع معتنقيه، والمبرر أنها لله، ولو صدقوا لقالوا: ستا منها لما في الصدور.
) قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة30)
وبصيحة لله الصادرة من المنافقين في كل زمان ضاع كثير من شباب المسلمين، وثبط شباب آخرون وكشفت أسرار وملأت سجون وكلها لله كما يزعمون ولو صدقوا وأنصفوا لقالوا:
ستا منها لما في الصدور، وولله إنها كلها لما في الصدور.
حتى عثمان وهو يُذهب به ليدفن يرجم سريره ويحاول أن يمنع من الدفن في البقيع، ويقتل معه عبدان كان يدافعان عنه ويرمى بهما لتأكلهما الكلاب ولما تدفن جثثهم بعد.
أنظر أخي الكريم كيف وصلت الأمور بالمنافقين إلى أن يقدموا جثثا أعزها الله طعاما للكلاب.
لهم أشد على المؤمنين من الكلاب والنصارى.
)ْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:4) ولا إله إلا الله، يقول الحسن:
لو كان للمنافقين أذنابا لما استطعنا أن نمشي في الطرقات.
قوله على عهده رضي الله عنه وأرضاه، فما نقول نحن الآن، لكن نقول كل سيلقى الله بسريرته وعلانيته وعندها يتبين من بكى ممن تباكى.
يذكر أأمتنا أن رجلا تاب من عمل كان يقوم به وهو من أرذل الأعمال، كان يأتي على قبر الميت في أو ليلة من لياليه فيفتح القبر ويسرق الكفن ويذهب ليبيعه، هذه حالته لفترة طويلة ثم ترك هذا العمل فسأل:
قيل له لما تركت هذا العمل؟
قال والله لقد فتحت ألف قبر من قبور أهل القبلة فما وجدت واحدا منهم موجه إلى القبلة، وأنا أفتحه في أو ليلة من ليالي الدفن.
فما الذي حوله عن القبلة؟ ما الذي حوله عن ذلك إلا ما كان يظهره هنا ويسر، ما كان يخادع به هنا ظهر هناك.
بيننا وبينهم يوم تبلى السرائر، بيننا وبينهم يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور.
وأقول مع ذلك:
فتنبهوا يا معشر الإسلام من............ أحلامكم فالضعف في الأحلام
لا تغفلوا عن حاقد يقضان يرقب....... نومكم كالوحش في الأجام
حرب المعاصي والنفاق صراحة......... ليست سوى حرب على الإسلام
لا تقل زال عصر النفاق، فلكل عصر رجاله:
ما زال فينا ألوف من بني سبأ..........يؤذون أهل التقى بغيا وعدوانا
ما زال لأبن سلول شيعة كثروا........أضحى النفاق لهم وسما وعنوانا
لكن أخي لا تبتئس فالكون يملكه......رب إذا قال كن في أمره كانا
) وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)(آل عمران120)
والمؤمنون على عناية ربهم يتوكلون........... لا شيئا يرهبهم ولا هم في الحوادث يحزنون
لو مر واحدهم على فرعون يجتز الرؤوس...... لأراك في لإفصاح هارون وبالإقدام موسى
)َّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(المنافقون8)

علمتني الحياة في ظل العقيدة أنه لا نجاح للدعوة ولا ثمرة لها إن نحن أعطينها فضول أوقاتنا.
إذا لم ننسى معها طعامنا وشرابنا وراحتنا، إذا لم نجند كل طاقاتنا فلن نفلح في إيصال الأمانة التي كلفنا الله بها.
يقول (صلى الله عليه وسلم): (بلغوا عني ولو آية).
لم يدع فرصة لكسول ولا لخامل ولا لتنبل ولا لبطال، بلغوا عني ولو آية.
ألا فليكن الوجود للإسلام، والرسالة الإسلام والهوية الإسلام، له نحي وبه نحي وعليه نموت، حزننا لله وغضبنا لله ورضانا لله، حياتنا لله، ومماتنا لله لسان حال الواحد منه:
قد اختارنا الله في دعوته.........وإنا سنمضي على سنته
فمنا الذين قضوا نحبهم......... ومنا الحفيظ على ذمته
ها هو نوح يدعو ويسعى كما سمعتم لا يفتر ولا ييئس بالليل والنهار لمدة تسع مائة وخمسين عاما، ماذا بقي من حياة نوح لم يسخر للدعوة إلى الله، وما النتيجة كما سمعتم لم يؤمن معه لا قليل.
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحمل هم هذا الدين ويدخل الهم به حتى يواسيه ربه سبحانه بقوله:
) فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات)(فاطر: من الآية8)
يريد حياتهم ويريدون موته، يريد نجاتهم ويريدون غرقه، يأخذ بحجزهم وهم يتهافتون كالفراش على النار.
ثم أنظر من بعده إلى صحابته رضوان الله عليهم تجد حياتهم قد أوقفت لله رب العالمين، في اليقظة يعملون لهذا الدين، في الليل يعملون لهذا الدين، أمانيهم لخدمة هذا الدين، لم تكن حول قضايا شخصية ولا هموما أرضية، يجمع عمر أصحابه يوما من الأيام ويقول تمنوا:
فيقول أحدهم أتمنى أن يكون معي ملئ هذه البيت جواهر فأنفقها في سبيل الله.
ويقول الآخر أتمنى أن يكون معي ملئ هذا البيت ذهبا أنفقه في سبيل الله.
فيقول عمر لكني أتمنى أن يكون معي ملئ هذا البيت رجالا أستعملهم في طاعة الله.
حملوا هم هذا الدين:
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم.......... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
لكن هل أعجبتك خصالهم ؟
إذا أعجبتك خصال أمرء ........ فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات...... إذا جئتها حاجب يحجبك
ليسأل كل واحد منها نفسه كم جعل من وقته للدعوة إلى الله ؟
ماذا قدم لدين الله عز وجل ؟
ماذا قدم لنفسه ؟
كم اهتدى على يديه ؟
إن الإيجابيات واضحة ومخجلة.
لم نعطي للدعوة سوى فضول أوقاتنا، وسوى فضول جهودنا إلا عند من رحم الله.
لكن الفرصة لا زالت قائمة فجد واجتهد عبد الله، وسارع فستبقى طائفة على الحق منصورة فجند نفسك أن تكون في ركاب هذه الطائفة:
لأن عرف التاريخ أوسا وخزرج.......... فلله أوس قادمون وخزرج
وإنا لندعو الله حتى كأنما.................نرى بجميل الظن ما الله صانع

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن صوت الحق لا يخمد أبدا إذ هو أبلج، والبطل زبد لجلج.
الباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة.
والحق يعلو والآباطل تسفل.......... والحق عن أحكامه لا يُسأل
وإذا استحالت حالة وتبدلت.......... فالله عز وجل لا يتبدل
ها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقف صفا واحدا في بداية دعوته والبشرية كلها ضده تريد إطفاء النور الذي جاء به ومع ذلك خسروا وما كيد الكافرين إلا في ظلال، يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ولو كره المنافقون، ولو كره الفاسقون.
ويأتي صحابته من بعده (صلى الله عليه وسلم) فيصدعون بالحق لا يخشون في الله لومة لائم، ومن بعدهم وإلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا تزال هناك طائفة فيها خير عظيم قد أخبر بها النبي (صلى الله عليه وسلم).
ولأن لا نيئس ولأن لا نقنط نأتي بهذه الحادثة:
الشيخ عبد الحميد الجزائري رحمه الله كما ورد في تاريخ الجزائر ورد أن المندوب الفرنسي أيام الاستعمار كان يقول بكل صراحة: جئنا لطمس معالم الإسلام، واستدعى الشيخ عبد الحميد وقال له إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار وإلا أرسلت الجنود لقفل المسجد وإخماد أصواتكم المنكرة، فقال الشيخ بثبات المؤمن:
إنك لن تستطيع فاستشاط غضبا وأرغى وأزبد وقال كيف ؟
قال إن كنت في حفل عرس علمت المحتفلين.
وإن كنت في اجتماع علمت المجتمعين.
وإن ركبت سيارة علمت الراكبين.
وإن ركبت قطارا علمت المسافرين.
وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين.
وإن قتلتموني ألهبتم مشاعر المسلمين.
وخير كم ثم خير لكم ثم خير لكم أن لا تتعرضوا للأمة في دينها.
فوالله لا نقاتلكم لا بهذا الدين ووالله لا نقاتلكم إلا لهذا الدين:
إذا الله أحياء أمة لن يردها......... إلى الموت جبار ولا متكبر
ديننا الحق والكفر ذا دينهم........كل دين سوى ديننا باطل

علمتني الحياة في ظل العقيدة أن الأذى لا يهزم دعوة أبدا.
ولن يصل الطغاة إلى قلب مؤمن مهما فعلوا:
)إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) أبو بكر النابلسي عليه رحمة الله، ذلكم الزاهد الورع العابد يوم ملك الفاطميون الروافض بلاد مصر عطلوا الصلوات وحاربوا أهل السنة وذبحوا من علماء السنة الكثير، واستدعى المعزٌ الحاكم أبا بكر النابلسي عليه رحمة الله فقال له:
بلغني عنك أنك قلت لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت الفاطميين بسهم.
قال أبا بكر لا... فظن المعز أنه رجع عن قوله، قال المعز كيف ؟
قال أبا بكر بل ينبغي رميكم أيها الفاطميون بتسعة ورمي الروم بالعاشر.
فأرغى وأزبد وأمر بضربه في اليوم الأول، ثم أمر بإشهاره في اليوم الثاني، ثم أمر في اليوم الثالث بسلخه حيا.
فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن حتى أشفق عليه اليهودي فلما وصل في سلخه إلى قلبه طعنه بالسكين ليلقى ربه فكان يسمى بالشهيد.
علو في الحياة وفي الممات، فهل انتهت دعوة أبي بكر بقتل أبي بكر، هل خلف أبو بكر أحدا ؟
نعم خلف أبو بكر ألف أبي بكر من أهل السنة، وأهل السنة يقوم بذمتهم أدناهم.
إذا سيد منا مضى قام سيد........... قئول بما قال الكرام فعول
وهكذا كم عالم سقط على الطريق وعاشت كلمة الحق، وكم عالم عذب وأهين من أجل أن تبقى كلمة الحق عالية، وبقيت كلمة الحق، وكم من عالم حُرم جميع حقوقه من أجل أن يُحفظ حق الله، وبقيت كلمت الحق:
) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(المنافقون8)
تالله ما الدعوات تهزم بالأذى ........... أبدا وفي التاريخ بر يميني
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي......... بالسوط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة......... أو كبح إيماني ورد يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي........... ربي وربي حافظي ومعيني

علمتني الحياة في ظل العقيدة الإسلامية أن سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أمد وللأمد انقضاء.
فإذا ادهمت الخطوب وضاقت عليك الأرض وعز الصديق وقل الناصر وقل الناصر وزمجر الباطل وأهله، ودعم الفساد وأهله وكبت الحق وأهله ونطقت الرويبظة وغدا القرد ليثا وأفلتت الغنم، فأرفع يديك إلى من يقول:
)وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر60)
يا من أجبت دعاء نوح فأنتصر........ وحملته في فلكك المشحون
يا من أحال النار حول خليله.......... روحا وريحانا بقولك كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ يونس...... وسترته بشجيرة اليقطين
يا رب إنا مثله في كربة............... فأرحم عبادا كلهم ذو النون
تم الكلام وربنا محمود........وله المكارم والعلا والجود
وعلى النبي محمد صلواته.... ما ناح قمري وأورق عود
سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا هو سبحانه وبحمده.

فضيلة الشيخ / علي عبد الخالق القرني