كتب الخ محمد بن يوسف المليفي (
الكاتب بجريدة الوطن الكويتية )
بعد أن صليت
الفجر .. اقترب مني شاب في العشرينات من عمره .. قال لي جئـتك زائراً من
المملكة السعودية .. فقلت له حياك الله وبياك .. ولكني لم أتشرف بمعرفتك بعد
.. فقال أنا أخوك ( ســعـد ) ابن الشيخ سعــيد آل الزعير ..!
الحق أقول .. بأن مثلي يتشرف أن يجالس أشبال هذا الأسد .. كانت الجلسة حميمية
.. إيمانية .. ثم بعد أن أفطرنا .. ودعني ورحل إلى وجهة هو موليها .. فلقد
عرفت أنه ممن يستبق الخيرات أثابه الله ..
وجدت متسعاً من الوقت لأتــفقد بريدي الاكتروني .. قبل أن أتوجه إلى عملي ..
كانت الرسائل كثيرة كالعادة ، ولكن لفت انتباهي منها رساليتن .. الأولى من
شاب يتوقد حماساً ويلقب نفسه بوحش الجهاد .. كانت رسالته ثناء عطراً ، وأقسم
أني لا أستحق قطرة منه .. ولكنه يحسن الظن بي كثيراً وأسأل الله أن أكون
خيراً مما يظن وأن يغفر لي ما لا يعلم .. ولو أنه علِـم بحـالي لما أثنى ولو
بحرف واحد .. فالله المستعان وهو أرحم الراحمين ..
وأمــا الرسالة الثانية
.. فلقد كانت مفاجئة لــي .. حيث أنها من أخت فاضلة .. زكا بها نسبها ..
وحسبها .. ودينها.. كيف لا ؟ ومن بيت أبيها يخرج الورع .. إنها الأخت الفاضلة
نورة بنت العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي .. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ..
آمين .
كانت الرسالة عبارة عن مرثية عطرية .. ورثاء معطر من بنت ابـيـها .. وقد
تقدمــت في مقدمة هذه المرثية بطلب منـي ، أثقلت به كاهلي المثقل .. حيث اني
لا أملك تنفيذه وعــاجز عن تحقيقـه .. والله تعالى يعلم لو أني استطعت إلى
تلبـيته سبــيلاً ما تأخــرت عنه فـتــيلا .. ولكن الله المستعان ..
لقد طلبت مني الأخت الفاضلة أن أضع رثائها في زاويتي بجريدة الوطن الكويتية
.. ولكن كيف لي أن أضعه وقد منعت الجريدة أصلاً رثائي أنا فيــه ..!؟ فلقد
فوجئت بالقائمين على الصحيفة يخبروني بأنهم لا يريدون ان يحرجوا أنفسهم مع (
جهات خارجية ) !! .. وتلك الجهــات لا تــريد أن يكتب في حق هذا الشيخ ثناء
عطراً ورثاء .. ! فما كان مني إلا أن نقـلت رثائــي فيه قبل أسابيع إلى
الساحة .. ليندثــر بعد ساعات بين أكوام المواضيع .. ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيــم ..
وإنــي إذ أُقــدم إعتــذاري العريــض لهذه السيــدة الفاضلة .. فإني لا اجد
حرجـاً من نقل مرثيتها المباركة في ساحتنا التي يدخل الناس عليها أفــواجــا
.. فلعلها أن تصــل إلى اسماع محبـي هذا الشيخ الجليل وأبصارهم .. ويتحقق ولو
شيئاً قليلاً من المقصود .. وأسأل الله القبول والرضوان ..
والآن اضع بين يديــكم الكريمة
رسالتها اليتيــــمة كما جائتني ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكاتب
محمد بن يوسف المليفي .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
أرجو إذا كان بالإمكانِ نشر هذه المقالة في صحيفة الوطن الكويتية وجزاك الله
خيراً والتي هي بعنوان (( وانطفــأ
السِــراج ))
الله أكبر .. هل إنهد الجبل الشامخ ..
الله أكبر .. هل اختفى القمر الساطع .. الله أكبر .. هل انثـلم الإسلام ..
الله أكبر .. هل انهدم حصن الدين ..!؟
الله أكبر .. هل ترجل الفارس الهمام .. الله أكبر .. هل دنى وقت رفع العلم
بقبض أرواح العلماء ..الله أكبر .. هل انطفأت شمس الحق ..
الله أكبر .. هل رحل الشيخ الإمام
العلامة ماليء الدنيا وشاغل الناس .. نعم أقولها وقلبي يعتصر بالحزن والألم
.. نعم أقولها بكل فخر واعتزاز .. نعم أقولها إيماناً بالقضاء والقدر ..
نعم رحل الشيخ : ( حمود بن عبد الله بن عقلاء الشعيبي ) ..
رحل وترك الدنيا وزينتها.. رحل وترك كتب العقيدة والتوحيد بل كتب الدين كلها
تبكي رحيله .. رحل وترك محبيه في ذهول لعظم المصيبة .. رحل وترك مسجده يئن
لفقده ..
رحل الشيخ ففرح كل مبتدع لموته ولم يستطع الصبر فأخرج كرهه الدفين وسمه
الزعاف فقط حينما مات ، ولسان حال الفقيد يقول :
إذا أتـتـك مذمتـي من ناقـص ... فهي
الشهادة لـي بأني كامل ..
رحل حبيبي ونور عيني ... رحل من كنت
أرى الدنيا من خلاله وبرحيله أظلمت الدنيا في وجهي ولم يعد لها طعم بعده ..
ولكن عزائي فيك يا والدي الحبيب وشيخي المبجل :
أن من صلى عليك وشيعك لا يُحصون لكثرتهم ...أن كبار العلماء من أقرانك قد
حزنوا لفقدك وأتوا لتعزيـتـنا من كل فج عميق أن العلماء وطلبة العلم وجمع
غفير من داخل المملكة وخارجها قد ساروا خلف جنازتك التي عدّها أعدائك قبل
أصدقاؤك من أكبر الجنائز مشهداً... أن رنين الهاتف من جميع أصقاع الأرض لم
يهدأ لتعزيتنا فيك ...
لقد عزى فيك المشايخ والعلماء ... لقد عزى فيك الأمراء والوزراء ... لقد عزى
فيك الرجال والنساء ...عزائي فيك يا والدي الحبيب نور وجهك الساطع وابتسامتك
المضيئة حين موتك راجيةً أن تكون دليلاً على حسن خاتمتك ... عزائي ياوالدي
الرؤى التي رآها الناس فيك قبل موتك وبعده فعبرها المعبرون أنك قُبضت على خير
وأنك صرت إلى خير أحسبك والله حسيبك ولا أزكيك على الله ... عزائي فيك يا
والدي أنك كنت دائما تتلو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .. فلقد
نصرت الله حيّاً فنصرك حيّاً وميتاً ..
وأخيراً سأتسلى بقول الذي لا ينطق عن الهوى حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى
الله عليه وسلم ( اللهم آجرني في
مصيبتي واخلف لي خيراً منها ) وقوله
بعد وفاة ابنه إبراهيم ( إنا لله وإنا
إليه راجعون ، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك .. ياوالدي
لمحزونون ) ...
فاهنأ بقبرك يا والدي فلقد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة
وأبرأت الذمة ، وأقمت الحجة ، وصدعت بالحق ، وأعذرت إلى الله ولم تخش فيه
لومة لائم .. أحسبك كذلك ولا أزكي على الله أحداً ..
ابنتك المكلومة / نورة بنت حمود الشعيبي ..