البيان الثاني من فضيلة
الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي
إلى عموم المسلمين عما يدور في فلسطين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
فقد سبق أن أصدرت بيانا يتعلق بالأوضاع في فلسطين وأوضحت فيه ما امتازت به
عصابات صهيون من صفات خبيثة وطباع قذرة تخالف طباع البشر كلهم : كالغدر
والخيانة ونقض المواثيق وسفك دماء الأنبياء وأكل السحت . كل هذه الصفات الذميمة
جبلت عليها اليهود منذ تاريخهم القديم , وهم مع هذه الصفات الرذيلة متصفون أيضا
بالجبن والخور والخوف من الآخرين كما بين ذلك المولى سبحانه وتعالى في قوله : {
لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم
جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } , فهم جبناء لا يستطيعون الدفاع
عن أنفسهم إلا بدعم وتأييد من غيرهم كما بين ذلك سبحانه وتعالى في قوله { ضربت
عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله
وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير
حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } , ولولا حبل أمريكا ودعمها لهم بالسلاح والمال
والخبرات لما استطاعوا ملاقاة أطفال الفلسطينين فضلا عن الرجال المقاتلين .
وفي هذا البيان الثاني سوف أركز على أهمية الجهاد وإيضاح مكانته في الإسلام ,
إذ بدون الجهاد لا يستطيع المسلمون الدفع عن بلادهم وحرماتهم ومقدساتهم , وقد
أثبتت التجارب أن الشجب والإدانة والتنديد وعقد المؤتمرات واللجوء إلى هيئة
الأمم الكافرة ومجلس الخوف لا يجدي شيئا في ردع المعتدين وإيقافهم عند حدهم لأن
الكفر أمة واحدة .. ولا يجدي في ذلك إلا الجهاد بأنواعه التي سأذكرها فيما بعد
.
إن المستعرض لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يجد فيهما الكثير
مما يحث على الجهاد ويبين فضله ويحذر من القعود عن الجهاد .
إن الجهاد في سبيل الله من أوجب الواجبات على المسلمين لاسيما إذا حاصر العدو
بلاد المسلمين كحصار الروس قاتلهم الله لجمهورية الشيشان المسلمة , وحصار
اليهود لفلسطين ومقدساتها , وحصار الهند لكشمير المسلمة , وكذا فعل النصارى ضد
المسلمين في الفلبين فإن الجهاد والحال هذه تكون فرض عين على كل قادر عليه لأنه
بدون الجهاد قد يجتاح العدو الكافر بلاد المسلمين فينتهك حرماتهم ويدوس
مقدساتهم .
ومما يدل على أهمية الجهاد وعلو مكانته في الإسلام قوله صلى الله علية وسلم (
رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامة الجهاد في سبيل الله ) , فإذا كان
الجهاد في الإسلام بمنزلة ذروة سنام البعير - ومعلوم أن ذروة السنام هي أعلى
شيئ في جسم البعير - عُلم أن الجهاد من أهم الواجبات وأعلاها .
ومما يستدل به على وجوب الجهاد قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا
قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من
الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا
أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيئ قدير } , وقوله
سبحانة وتعالى { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله }
, وقوله سبحانه وتعالى {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم
عشرون صابرون يغلبوا مئتين } الآية .
وقد أوضح سبحانه في كتابه العزيز أن القعود عن الجهاد من علامات النفاق والكذب
على الله ورسوله حيث قال تعالى { وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد
الذين كذبوا الله ورسوله ..} الآية ، كما دل القرآن العزيز أيضا على أن القعود
عن الجهاد موجب للطبع على القلوب كقوله تعالى { إنما السبيل على الذين
يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا
يعلمون } . والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ترك الجهاد والقعود عن الغزو ,
قال صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم
بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم ) ..
فيفهم من هذا الحديث الشريف أن الذي يترك الجهاد ويقعد عنه على خطر كبير من
الخروج عن الدين ، يفهم هذا المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم ( حتى تراجعوا
دينكم ) . وقال صلى الله عليه وسلم ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات
على شعبة من نفاق ) رواه مسلم . وهذا طرف من النصوص التي تقتضي وجوب الجهاد
وتحذر من تركه والتخلف عنه .
أما فضل الجهاد والحث عليه فإن الكتاب العزيز والسنة المطهرة مملوءان من النصوص
التي تدل على فضل الجهاد وتبين ثواب المجاهدين عند الله سبحانه وتعالى , ولو لم
يكن في فضل الجهاد إلا أنه سبب لحب الله سبحانه وتعالى ورضاه عن المجاهدين في
سبيله قال تعالى { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }
وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم
تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تـجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة
في جنات عدن } وقال سبحانه وتعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة ....} الآية . وهم إنما بايعوه على الجهاد ، وقال تعالى { إن الله اشترى
من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون
ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله }
وقوله تعالى { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن
يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما } وروي عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال ( مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم الذي لايفطر والقائم
الذي لايفتر ) أو كما قال علية الصلاة والسلام .
والجهاد في سبيل الله على مراتب : تارة يكون بمقارعة العدو بالقوة المسلحة في
جبهات القتال , وتارة يكون بالمال , وتارة يكون باللسان , وتارة يكون بالقلم .
وأعلى هذه الدرجات وأفضلها الجهاد بالنفس لأنه أشق على المقاتلين وأكثر تضحية
ولأنه قد ترتب عليه الشهادة ، ومعلوم ما أعد الله للشهداء من الأجر والثواب ,
ولأنه أشد نكاية بالعدو مما سواه من أنواع الجهاد ولأن ما سواه من أنواع الجهاد
مكمل له ، والجهاد بالنفس هو الذي يرهب العدو ويحطم معنوياته وهو الذي يتحقق به
النصر غالبا وتتم به حماية حوزة المسلمين والذب عن حرماتهم وقديما قيل :
السيف أصدق أنباء من الكتب ~~~~~ في حدة الحد بين الجد واللعب
أما الجهاد بالمال فهو لا يقل أهمية عن الجهاد بالنفس إذ بدونه لا يتمكن
المجاهدون من الحصول على السلاح , وبدونه لا يستطيعون تأمين النفقات الأخرى
التي تتطلبها المعركة من دفع نفقات الجند وتكاليف علاج الجرحى وغير ذلك مما
يحتاجه المجاهدون .
أما الجهاد في سبيل الله باللسان والقلم فالمراد به دور الإعلام من خطب وقصائد
ودعاية للمعركة وإذاعة لانتصارات المجاهدين وهزائم أعدائهم , والإعلام له أثر
كبير في تغيير موازين المعارك إذا كان القائمون عليه على مستوى المسئولية وخلُص
قصدهم ؛ أما إذا كان القائمون على الإعلام في وا دٍ وقضايا المسلمين و مشاكلهم
في وادٍ آخر كما هو واقع الإعلام العربي والإسلامي اليوم فإنه فضلا عن أن يكون
عونا للمجاهدين فقد يصير ضررا عليهم بحيث تأثره بالإعلام الكافر وتقليده في
مضامينه وأساليبه .. وعندما أصاب إخواننا في فلسطين من تقتيل وتشريد وهدم
للمنازل والمساجد على من فيها على أيدي إخوان القردة والخنازير أيقنا بأن
الإعلام في الدول العربية والإسلامية سيشمر عن ساعديه ويترك أساليبه الهابطة
التي كان يسير عليها , فإذا هو لم يعبأ بهذه الكوارث واستمر على الاهتمام
بالأمور التافهة كالاهتمام بالحفلات الرياضية والحفلات الغنائية وعرض الصور
الخليعة المتهتكة والبرامج المنحطة كالمسلسلات الخليعة التي ما أقيمت إلا
لإفساد عقائد المسلمين وأخلاقهم , وكذلك اهتمام الإعلام بالإشادة بإنجازات
الحكام التي لا وجود لها وكيل المديح والإطراء لهم بدون حياء ولا خجل .
والآن وحيث قد تبين أن ما يقوم به رؤساء الدول في العالم الإسلامي منذ وجدت
عصابات يهود في فلسطين من أساليب موجهة ضد اليهود كالشجب والإستنكار والتنديد
بما يقوم به اليهود المجرمون من تدنيس للمقدسات وقتل للمواطنين قد أثبتت فشلها
, فإننا نهيب بهؤلاء الرؤساء أن ينبذوا خلافاتهم ويوحدوا كلمتهم ويتركوا هذه
الأساليب العقيمة وأن يعلنوا الجهاد المسلح على عصابات يهود , فإن ما أخذ
بالقوة لا يعاد إلا بالقوة .. كما أنه يجب على الدول المجاورة لدولة اليهود أن
يفتحوا حدودهم معها للمجاهدين المتطوعين لينضموا إلى اخوانهم من مجاهدي فلسطين
والعرب ، والمسلمون بعد توفيق الله وإعانته لهم لديهم أسباب النصر متحققة
فالعنصر البشري متوفر إذ يزيد تعداد المسلمين على مليار , نسمة والأموال متوفرة
لديهم إذ معظم الدول العربية تصب في خزاناتها أودية من الذهب من موارد متعددة
كالبترول والضرائب والجزاءات والرسومات وغيرها . فيجب عليهم أولا أن يسلحوا
الشعب الفلسطيني بكل ما يحتاجه من سلاح وأن يسلحوا جيوشهم بأحدث أنواع السلاح
لأن أموال بيوت المال في الدول الإسلامية يتحتم صرفها على مصالح بلدانهم كتقوية
وإعداد الجيوش وإقامة المشاريع ودعم المجاهدين في جميع الجبهات التي تحارب
أعداء الله سواء في فلسطين أو الشيشان أو الفلبين أو في كشمير أو في أي بقعة من
بقاع المسلمين تجري فيها معارك بين المسلمين والكفار .
ومن المؤسف أننا عندما نستعرض جوانب الضعف في الأمة الإسلامية والعربية نجد أن
من أبرزها الضعف الواضح في العدد والعدة فلا أسلحة ولا رجال ، وإن مما يؤسف له
حقا بل يؤلمنا كثيرا أننا كنا نسمع في ما مضى عبر وسائل الإعلام عن عقد صفقات
أسلحة متطورة بأنواعها المختلفة من طائرات ودبابات وغيرها وقد رصدت لهذه
الصفقات مليارات الدولارات والتي أعلن عنها في حينها ومع أن هذه المبالغ
الطائلة قد أرهقت بيت مال المسلمين ومع هذا فقد كان الكثيرون يستبشرون بعقد مثل
هذه الصفقات ظنا منهم أنها ستكون حصنا واقيا بعد الله تعالى لصد أي اعتداء على
المسلمين وأراضيهم المقدسة , ولكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما !! ودليل ذلك أن
بعض الدول العربية عندما هوجمت من قبل إحدى الدول المجاورة لم تستطع الصمود
أمام من هاجمهم وذلك عائد إلى ضعف استعدادهم العسكري فقد أثبتت هذه الحرب خلو
خزائن الأجهزة العسكرية في هذه الدول من الأسلحة التي كان الناس يأمّلون بها
والتي عقدت لها الصفقات .. كما أن قلة الأسلحة صاحبها شح واضح في الكفاءات
البشرية المدربة ولذلك كله لم تتردد هذه الدول في استدعاء الدول الكافرة
لحمايتها والدفاع عنها غير مكترثين بالحكم الشرعي المترتب على ذلك ! أليس عار
ما بعده عار وخزي ما بعده خزي أن نلجأ إلى طلب الحماية من دول الكفر ؟ نهيئ لهم
الإستقرار في أراضينا التي حرم المصطفى صلى الله عليه وسلم إقامتهم فيها وأمر
بإخراجهم منها مع توفر أسباب القدرة بأنفسنا على صد عدوان المعتدي ؟!
وبعد ما تقدم من بيان وجوب الجهاد عسكريا فلا بد من أمور يجب على المسلمين
والعرب فعلها حكاما ومحكومين كلاً فيما يخصه :
أولا : مقاطعة دولة اليهود مقاطعة كاملة دبلوماسيا لمن له علاقات دبلوماسية مع
دولة الصهاينة , واقتصاديا وتجاريا ممن لهم ارتباط مع هذه الدولة الفاجرة
بعلاقات اقتصادية أو تجارية أو ثقافية .
ثانيا : مقاطعة الشركات اليهودية التي تدعم اليهود بالمال وحتى لو لم تكن
الشركة يهودية وهي تدعم اليهود فتجب مقاطعتها وهذا يتم بالرجوع إلى نظام
المقاطعة العربية التي كانت قائمة قبل خدعة الاتفاق السلمي المزعوم الذي ذهب
أدراج الرياح وغير خافٍ ما ترتب على تلك المقاطعة من تضييق الخناق على دولة
اليهود اقتصاديا .
ثالثا : تجب مقاطعة أمريكا مقاطعة كاملة , وهذه المقاطعة تكون عن طريق الحكام
والشعوب ، فعلى الحكام منع التجار من استيراد المنتوجات الأمريكية من أي نوع
كانت ومنع تصدير البترول إلى أمريكا لأنها هي التي قامت دولة الصهاينة على
دعمها وتأييدها سياسيا واستمرت على مواصلة هذا الدعم , فيجب على حكام الأمة
الإسلامية أن يضيقوا الحصار على أمريكا بالحصار الاقتصادي بحيث يمنعوا
الاستيراد منها ويوقفوا التصدير إليها . كما يجب على الشعوب المسلمة مقاطعة
البضائع الأمريكية بجميع أنواعها .
هذا ونرجو من المولى عز وجل أن ينصر المجاهدين ضد أعداء الدين في كل مكان ويعلي
كلمته ويعز دينه إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبة
أجمعين .
أملاه فضيلة الشيخ
أ . حمود بن عقلاء الشعيبي
27/8/1421هـ