أخي العزيز / أختي العزيزة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعلي أقتطع من وقتك الثمين وأنت تقرأ هذه الرسالة والتي ترددت كثيراً في
كتابتها حتى أجد الوقت المناسب لديكم . لكني لما تذكرت حقوقك الكثيرة عليّ
استعجلت في كتابتها وإرسالها إليك قبل أن يحول بيني وبينك حائل فلا أستطيع
الوفاء بحقك .
لو كان هناك رجل أعمى تراه يمشي ، وتخشى أن يقع في حفرة أو نحو ذلك . أكُنْت
تنقذه ؟! لا شك أنك لا تتحمل رؤية سقوطه وهذا من رجاحة عقلك ، وكذلك لو رأيت
شخصاً متهوراً في قيادة سيارته يسرع ويقطع الإشارات الضوئية ويكثر من استعمال
المنبهات لإزعاج الناس هل ستنبهه على خطئه أم لا ؟! لاشك أن الرجل العاقل
والمتبصر مثلك لا يرضى بمثل هذه الأمور ويرى أن هذا غير عاقل و مُهْلِك لنفسه
، وقس على هذا من الأخطاء التي نشاهدها كثيراً ولا نرضاها جميعاً .
وبعد هذا إني أسألك : لو أن شخصاً أنقذ شخصاً من موت محقق وأنعم عليه وأنفق
عليه وأسكنه أحسن المساكن وأركبه أجمل المراكب وبعد هذا كله يجْحَد نِعَم
صاحبه عليه ويعصيه وينكر جميع ما فعله به . فماذا يقول أصحاب العقول السليمة
في هذا وأمثاله ؟! إني أترك لك الجواب .
:
إن مثل هذا في خطر من عقوبة الله خاصة وأنه يتقلب في نِعَم الله ليل نهار من
مأكل ومشرب وصحة وعافية وسلامة من المصائب وغير ذلك ، ثم هو يسخرها في غير
طاعته تبارك وتعالى ، وينكر نعمة الله عليه .
إذا أردت أن ترى مقدار فضل الله ونعمته عليك فَزِر المستشفيات فسوف ترى فيها
عجباً . هذا يستغيث وهذا يئن من الآلام ، وهذا لا يستطيع إخراج الفضلات إلا
بالأنابيب ، وهذا منتفخ بطنه ، وهذا في غيبوبة ، وهذا في شلل رباعي أو نصفي
يتمنى أن يرجع إليه ولو بعض صحته ليتلذذ بمظاهر الدنيا أو ليذهب إلى الأقارب
ولكن حال بينه وبين ذلك المرض .
هل تنتظر أن يَحلّ بك مرض يفقدك لذة الحياة التي تعيشها وأنت بعيد عن ذكر
الله تعالى وطاعته . وهنا تفقد لذة الدنيا ونعيم الآخرة ؛ ولذة الدنيا لا
تقارن بنعيم الآخرة الذي فيه مالا رأت عين ولا خطر على قلب بشر .
أو هل تنتظر أن تخطف الملائكة روحك من بين أصحابك ووالديك وأنت على تفريطك .
وهناك لا ينفع ندم ولا قول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً .
مادمت بهذه الصحة والعافية ومادام في العمر مهلة وفسحة ولا ندري إلى متى .
فلنتدارك سوياً أعمارنا قبل الفوات ، ولنرجع إلى ربنا ، ولنتب إليه فإن
التوبة تمحو ما سبق من الآثام . وتذكر أن النار التي أعدها الله للعاصين لا
تتحملها الأجسام .
فهيا إلى جنة الدنيا فإن من دخلها دخل جنة الخلد ، ومن حرمها حرم من جنة
الخلد . ألا إن جنة الدنيا محبة الله ورسوله . ألا إن جنة الدنيا طاعة الله
ورسوله . ألا إن جنة الدنيا ذكر الله .
وفي الختام :
هذا نصيحة وهي حق من حقوقك عليّ ، وأنا على يقين أني وجّهتها إلى الشخص
المناسب ، فتقبلها مني بقلب رَحِب كما هي عادتك ، وستثمر بإذن الله لك نجاحاً
وفلاحاً .