اطبع هذه الصفحة


حقوق ولاة الأمر بين الإفراط والتفريط

إبراهيم بن توفيق البخاري
@ebraheembuk


بسم الله الرحمن الرحيم
 

المقدمة :
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ، قل أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه ، وما ذلك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه ، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا ، وبالافتيات عليهم قولا أو فعلا فساد الدين والدنيا.
وقد عُلم بالضرورة من دين الإِسلام أنه لا دين إلاَّ بجماعة، ولا جماعة إلاَّ بإمامة ، ولا إمامة إلاَّ بسمع وطاعة.
واهتمام السلف الصالح بهذا الأمر تحمله صور كثيرة نُقلت إلينا عنهم ، من أبلغها وأجلّها ما قام به الإمام أحمد بن حنبل أمام أهل السنّة- رضي الله عنه - ، حيث كان مثالاً للسنة في معاملة الوُلاة.
ومن الصور ما جاء في كتاب "السنّة" للإمام الحسن بن علي البربهاري - رحمه الله تعالى - حيث قال: إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان ، فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ، فاعلم أنه صاحب سنّة إن شاء الله تعالى.
يقول الفضيل بن عياض : لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان.
فأُمرنا أن ندعو له بالصلاح ، ولم نؤمر أن ندعو عليهم ، وإن جاروا وظلموا ، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين ، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين .
يقول الحسن البصري - رحمه الله تعالى - في الأمراء : "هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلاَّ بهم ، وإن جاروا وظلموا. والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون ، مع أن طاعتهم والله لغبطة ، وأن فرقتهم لكفر" .

لقد كان السلف الصالح - رضوان الله عليهم - يولون هذا الأمر اهتماماً خاصاً ، لاسيما عند ظهور بوادر الفتنة ، نظراً لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد" [1] .
قال ابن عثيمين : "لا بُدّ للأمة من ولي أمرٍ يُبيِّن لها الحق وذلك هم العلماء، ولا بُدّ للأمة من ولي أمرٍ يُلزمها بتنفيذ شريعة الله ويسوسُها بما تقتضيه المصلحة "[2].
وقال "والحقيقة أن اجتماع الناس على الإمام في الصلوات هو كالصورة المصغّرة على اتّباع الإمام في جميع الأمور إذا لم يكن في معصية الله؛ ولهذا لو قام الإمام إلى خامسة في الظهر مثلاً فإن المأموم لا يتابعه؛ لأنه لا يحل للإمام أن يزيد في الصلاة؛ ولهذا لو قام الإمام إلى خامسة فإنه يجب على المأمومين أن ينبِّهوه ويجب عليه أن يرجع إذا كانت هذه الخامسة زائدة، يجب عليه أن يرجع حتى لو قرأ الفاتحة بل حتى ولو ركع، يجب عليه أن يقطع ركوعه ويجلس؛ لأنه لا تحل الزيادة "[3].
وأخيرا .. فقد تيسر لي جمع جملة من حقوق ولاة الأمر من كلام الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم وكلام علمائنا الكبار , راجياً من الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه على كل شيء قدير .

المطلب الأول : معنى حقوق ولاة الأمر :

أ‌- تعريف حقوق لغة : جمع حقّ "وحقَّ عليه الأمرُ: وجَب ، وحقَّ له الأمرُ: ساغ "[4].
والتعريف اصطلاحاً : "هو اختصاص ثابت شرعا لتحقيق مصلحة يقتضي سلطة أو تكليفا" [5]

ب‌- أما ولاة الأمر : "فأولو الأمر صنفان من الناس، أحدهما: العلماء، والثاني: الأمراء، فلا بُدّ للأمة من علماء يقودونها إلى شريعة الله بيانًا وإيضاحًا: تعليمًا وتربية، ولا بُدّ للأمة من أمراء يُطاعون في غير معصية الله، وإذا لم يكن للأمة علماء ولم يكن للأمة أُمراء صارت في جهل عميق وفوضى شديدة وفسدت الأمة"[6].
وقد رجح القرطبي[7] وابن كثير[8] في تفسيريهما شموله للعلماء والأمراء.
"فالعلماء هم أولو الأمر من ناحية إنهم يبلغون عن الله سبحانه وتعالى ما ورثوه عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم من العلم، كما قال صلى الله عليه وسلم (إن العلماء ورثة الأنبياء) ، فتجب طاعتهم ولا يجوز الاختلاف عليهم، فهم أولوا الأمر من ناحية أنهم يحملون الشريعة ويبلغونها للناس، أمراً ونهياً، والأمراء لهم أمر من ناحية السياسة، وتنفيذ شرع الله سبحانه وتعالى، لأنهم بيدهم السلطة، فالعلماء من أولي الأمر من ناحية الشرع، والأمراء بل هم من رأس أولي الأمر من ناحية السلطة التنفيذية".[9]

وقال العلامة ابن باز :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء 59 ، وأولو الأمر هم العلماء والأمراء ، أمراء المسلمين وعلماؤهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله "[10].

المطلب الثاني :حقوق ولاة الأمر :

الحق الأول : "السمع والطاعة في المعروف , ولو جار ولو استأثر بالأموال , ما لم يقع منه الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان , مع الاستطاعة على ترك طاعته والخروج عليه فيجب ذلك , وأما مع عدم الاستطاعة فلا يجوز الخروج عليه لما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة وشرور مستطيرة منها سفك الدماء واغتصاب الأعراض وزوال الأمن وتسلط الكفار وغير ذلك , أما إذا كان مسلماً لكن فاجراً ظالماً كالحجاج الثقفي يقتل العلماء أو يمنع الناس حقوقهم من بيت المال , أو يشرب الخمر ويزني ونحو ذلك , لكن الشريعة قائمة والحدود ماضية فيجب الصبر عليه وعدم الخروج عليه هكذا مضت السنة . ولم يخالف في هذا إلا الخوارج والمعتزلة , كان فيه خلاف بسبب عدم وصول الأدلة لبعض العلماء ثم استقر إجماع أهل السنة على المنع من الخروج عليه بعد وصول السنن ومعرفة المفاسد الحاصلة بالخروج"[11].
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء:58[
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلاَّ أن يؤمر بمعصية ، فلا سمع ولا طاعة).
وفي صحيح مسلم عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال: يا نبي لله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه، ثم سأله ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة ؟ فجذبه الأشعث بن قيس ، وقال : ( اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ).
وفي صحيح مسلم - كتاب الإمارة – عن عبدالله بن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات ليس في عنقه بيعه ، مات ميتة جاهلية).
"إن أمرَ ولاةُ الأمور بما يخالف شريعة الله فلا سمع لهم ولا طاعة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "[12].
"ويدل لطاعة الأمراء قوله صلى الله عليه وسلم: ((السمعُ والطاعةُ على المرء المسلم فيما أحبَّ وكرِهَ ما لم يُؤمَر بمعصيةٍ، فإذا أُمر بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعة)) رواه البخاري (7142) ومسلم (1839) مِن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقولُه صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما الطاعةُ في المعروف)) رواه البخاري (7145) ومسلم (1840) من حديث عليّ رضي الله عنه، وقولُه صلى الله عليه وسلم: ((عليك السمعَ والطاعةَ في عُسرِك ويُسرِك، ومَنشَطِك ومَكرَهِك، وأثرَةٍ عليك)) رواه مسلم (1836) ، ففي سنن الدارمي (257) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة)).وقال الطحاوي كما في عقيدة أهل السنَّة: ((ولا نرى الخروجَ على أئمَّتِنا ووُلاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا نَنْزِعُ يداً مِن طاعتهم، ونرى طاعتَهم مِن طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصيةٍ، وندعو لهم بالصّلاح والمعافاة)) ، وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (2/117): ((وأمَّا السمعُ والطاعةُ لوُلاة أمور المسلمين ، ففيها سعادةُ الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشِهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربِّهم)) "[13].
"إن طاعة العلماء وطاعة الأمراء مربوطة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما لم يخالف كتاباً ولا سنة تجب طاعتهم لا لذاتهم وإنما لما يبلغونه عن الله ورسوله، وهم أمناء، أما إذا أمروا بمعصية، السلطان أمر بمعصية فإنه لا يطاع في هذه المعصية، لكن تبقى طاعته فيما عاداها مما ليس بمعصية"[14].
قال العلامة ابن باز : " أما إذا أمروا بمعصية سواء كان الآمر أميرًا أو عالمًا فإنهم لا يطاعون في ذلك، إذا قال لك أمير: اشرب الخمر فلا تشربها أو إذا قال لك كل الربا فلا تأكله، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه، والتقي لا يأمر بذلك لكن قد يأمر بذلك العالم الفاسق. والمقصود أنه إذا أمرك العالم أو الأمير بشيء من معاصي الله فلا تطعه في معاصي الله إنما الطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقال أيضا : "وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق وأن تسمع لأمرائها في المعروف"[15].

الحق الثاني" : الدعاء له بالصلاح والمعافاة , كما قال الفضيل : لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان , فيلح أهل السنة في أوقات الإجابة في الدعاء له بالهداية والصلاح والمعافاة"[16] .
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعيَّة (ص129): ((ولهذا كان السَّلَفُ كالفُضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوةٌ مجابةٌ لدعونا بها للسلطان)) . ، وقال الشيخ أبوإسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص92ـ93): ويرى أصحاب الحديث الجمعةَ والعيدين وغيرهما مِن الصلوات خلف كلِّ إمامٍ مسلمٍ، برًّا كان أو فاجرًا، ويرون جهادَ الكفرة معهم وإن كانوا جوَرَةً فجَرةً، ويرون الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيق والصّلاح وبسط العدل في الرَّعيَّة"[17].

الحق الثالث
" : ترك غيبته , وترك إسقاط هيبته التي تجر إلى الخروج عليه , بل يُربى الناس على الدعاء له والصبر على جوره وظلمه , وعلى النصيحة له بالطرق الصحيحة , ويخبرونهم أن ظلمه بسبب ذنوب العباد فليشتغلوا مع نصيحته بإصلاح نفوسهم , ولا يشتغلوا بسب السلاطين"[18].
قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )الحجرات: ١٢.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ يُعَذَّبُ صَاحِبَاهُمَا فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَبَلَى ن أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَغْتَابُ النَّاسَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَتَأَذَّى مِنَ الْبَوْلِ)[19]
هذا في التحذير والوعيد في غيبة الأخ المسلم فكيف لو كان ولي أمر المسلمين ؟! خصوصا إن كان ذلك علنا فتسقط هيبته ومكانته من قلوب الناس !!

الحق الرابع :
"نصيحته , والأصل أن يكون ذلك سراً , وما جاء عن بعض السلف من الإغلاظ فحين تكون النصيحة سراً لا فائدة منها , ولا يصلح السلطان إلا بذلك , ويكون ظالماً وهذه يراعيها العلماء ويصدعون بالحق المر ولا تأخذهم في الله لومة لائم .[20]"
روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»
قال العلامة ابن عثيمين :"إن الولاة لا يمكن أن يُحيطوا بكل شيء علمًا ولا يمكن أن يُحيطوا على كل شيءٍ قدرة، فلا بُدّ لهم من مُعينين يعينونهم على طاعة الله، ينصحونهم ويوجّهونهم ولكن بسلوك أقرب الطرق إلى توجيههم وإرشادهم "[21].
وقال العلامة عبدالمحسن العباد : "ومن حقوق ولاة الأمر المسلمين على الرعية النصح لهم سراً وبرفق ولين والسمع والطاعة لهم في المعروف، ومِن أدلَّة النُّصح لهم قولُه صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصيحةُ، قلنا: لِمَن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتِهم)) رواه مسلم (95)، وروى الإمامُ مالك في الموطأ (2/990) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثاً، ويسخطُ لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا مَن ولاَّه اللهُ أمرَكم، ويسخطُ لكم قيلَ وقالَ، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال))، ورواه أيضاً الإمامُ أحمد في مسنده (8799)، وهو حديثٌ صحيحٌ، وفي مسند الإمام أحمد (21590) بإسنادٍ صحيحٍ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه في حديثٍ طويلٍ، وفيه: ((ثلاثُ خصال لا يغِلُّ عليهنَّ قلبُ مسلم أبداً: إخلاصُ العمل لله، ومناصحةُ وُلاة الأمر، ولزومُ الجماعة؛ فإنَّ دعوَتَهم تُحيطُ مِن ورائهم))، قال ابن القيِّم في مفتاح دار السعادة (ص:79) في معنى ((لا يغِلُّ عليهنَّ قلبُ مسلم)): ((أي لا يحمل الغِلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنَّها تنفي الغِلَّ والغِشَّ وفسادَ القلب وسخائمَه)) إلى أن قال: ((وقولُه (ومناصحةُ أئمّة المسلمين): هذا أيضاً منافٍ للغلِّ والغشِّ؛ فإنَّ النَّصيحةَ لا تجامعُ الغلَّ؛ إذ هي ضدّه، فمَن نصح الأئمَّةَ والأمَّةَ فقد برِئَ مِن الغلّ ، وقال النووي في شرحه على مسلم (2/38): ((وأمَّا النَّصيحةُ لأئمَّة المسلمين فمعاونَتُهم على الحقِّ وطاعتُهم فيه، وأَمْرُهم به، وتنبيهُهم وتذكيرُهم برِفقٍ ولطفٍ، وإعلامُهم بما غفلوا عنه ولم يبلغْهم مِن حقوق المسلمين، وتركُ الخروج عليهم، وتألُّفُ النَّاس لطاعتهم"[22].

الحق الخامس :
"التعاون معه على البر والتقوى , ومشاركته في الخير كالحج والجهاد والجماعة ونحو ذلك كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم مع الحجاج"[23] .
" قال الخطّابي رحمه الله : ومِن النَّصيحة لهم الصلاةُ خلفَهم، والجهادُ معهم، وأداءُ الصّدقات إليهم ، وقال الشيخ أبو إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص92ـ93): ((ويرى أصحاب الحديث الجمعةَ والعيدين وغيرهما مِن الصلوات خلف كلِّ إمامٍ مسلمٍ، برًّا كان أو فاجرًا، ويرون جهادَ الكفرة معهم وإن كانوا جوَرَةً فجَرةً، ويرون الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيق والصّلاح وبسط العدل في الرَّعيَّة))"[24].

الحق السادس
" : الصبر على جوره وظلمه , وإن جلد ظهرك وأخذ مالك , وسجنك بغير حق , وهذه السنة تكاد تنسى عند كثير من الفضلاء ممن تعرض لشيء من الظلم , فيخرجوا إلى البدعة وربما أحبطوا أعمالهم السابقة , ولم يتذكروا مسألة الإيمان بالقدر , وأن هذا ابتلاء لهم واختبار ليعرف صبرهم ولتكفر سيئاتهم , مع أن الظالم سيلقى جزاءه العادل , فيجب معرفة منهج السلف مع مثل هذه المسائل .
يقول الحسن البصري - رحمه الله تعالى – في الأمراء: (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلاَّ بهم، وإن جاروا وظلموا. والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأن فرقتهم لكفر)"[25].
"وقال ابن أبي جمرة كما في فتح الباري لابن حجر (13/7) في شرح حديث: ((مَن رأى مِن أميره شيئاً يكرهُه فليصبر عليه؛ فإنَّه مَن فارق الجماعةَ شبرًا فمات إلا مات مِيتةً جاهليّة)) قال: ((المرادُ بالمفارقة السعيُ في حلّ عقد البيعة التي حصلتْ لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار الشِّبر؛ لأنَّ الأخذَ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حقٍّ)) "[26].

قال ابن باز :

"ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور وشق العصا إلا إذا وجد منهم كفر بواح عند الخارجين عليه من الله برهان ويستطيعون بخروجهم أن ينفعوا المسلمين وأن يزيلوا الظلم وأن يقيموا دولة صالحة. أما إذا كانوا لا يستطيعون فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرًا بواحًا. لأن خروجهم يضر الناس ويفسد الأمة ويوجب الفتنة والقتل بغير الحق - ولكن إذا كانت عندهم القدرة والقوة على أن يزيلوا هذا الوالي الكافر فليزيلوه وليضعوا مكانه واليًا صالحًا ينفذ أمر الله فعليهم ذلك إذا وجدوا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان وعندهم قدرة على نصر الحق وإيجاد البديل الصالح وتنفيذ الحق".[27]
ومما يحزُّ في النفس أن نرى عددا من شباب المسلمين يتأثر ببعض الأفكار الهدّامة من بعض المواقع أو أشباه طلبة العلم فأصبحوا يُكفروا الحكام والعلماء بلا هوادة ولا تواني مستحلين دماءهم وأعراضهم .
ولقد كثر في هذا الزمن الإفراط والتفريط في حقوق ولاة الأمر من العلماء والحكام مما أدى لذهاب هيبتهم وزعزعة الثقة فيهم , لذا وجب على كل ناصح ومحب للخير أن يوضح وينشر حقوق ولاة الأمر بلا إفراط ولا تفريط .

أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا , وأن يرزقنا اتباع هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم , وأن يوفق ولاة أمور المسلمين والعلماء لتطبيق شرع الله الحكيم إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

بقلم : إبراهيم بن توفيق البخاري
محرم عام ١٤٣٦هـ

----------------------------------
[1]نبذة مفيدة في حقوق ولاة الأمر بتصرف ، عبدالعزيز العسكر ، صيد الفوائد الرابط هنا
[2] خطبة الحث على طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله للشيخ ابن عثيمين الرابط هنا
[3] المرجع السابق
[4] معجم اللغة العربية المعاصر ، أحمد عمر ، عالم الكتب ط1 (1/530).
[5] . مجلة البحوث الاسلامية العدد 44 عام 1414هـ الصادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
[6] خطبة الحث على طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله للشيخ ابن عثيمين الرابط هنا
[7] الجامع لأحكام القران (5/260)
[8] تفسير القران العظيم ( 2/304)
[9] واجبنا تجاه ولاة الأمر والعلماء ، صالح الفوزان ، موقع الشيخ صالح الفوزان الرابط هنا
[10] فتاوى ابن باز ( 7/118 )
[11] تذكرة بحقوق ولاة الأمر ، عبدالقادر الغامدي ، صيد الفوائد الرابط هنا
[12] خطبة الحث على طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله للشيخ ابن عثيمين الرابط هنا
[13] حقوق ولاة الأمر المسلمين ، عبدالمحسن العباد ، موقع الشيخ عبدالمحسن العباد الرابط هنا
[14] واجبنا تجاه ولاة الأمر والعلماء ، صالح الفوزان ، موقع الشيخ صالح الفوزان الرابط هنا
[15] فتاوى ابن باز ، الرابط هنا
[16] تذكرة بحقوق ولاة الأمر ، عبدالقادر الغامدي ، صيد الفوائد الرابط هنا
[17] حقوق ولاة الأمر المسلمين ، عبدالمحسن العباد ، موقع الشيخ عبدالمحسن العباد الرابط هنا
[18] تذكرة بحقوق ولاة الأمر ، عبدالقادر الغامدي ، صيد الفوائد الرابط هنا
[19] رواه البخاري في الأدب المفرد , كتاب بَابُ الْغِيبَةِ، وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} , (735) (1/256) , وصححه الألباني .
[20] تذكرة بحقوق ولاة الأمر ، عبدالقادر الغامدي ، صيد الفوائد الرابط هنا
[21] خطبة الحث على طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله للشيخ ابن عثيمين الرابط هنا
[22] حقوق ولاة الأمر المسلمين ، عبدالمحسن العباد ، موقع الشيخ عبدالمحسن العباد الرابط هنا
[23] تذكرة بحقوق ولاة الأمر ، عبدالقادر الغامدي ، صيد الفوائد الرابط هنا
[24] حقوق ولاة الأمر المسلمين ، عبدالمحسن العباد ، موقع الشيخ عبدالمحسن العباد الرابط هنا
[25] تذكرة بحقوق ولاة الأمر ، عبدالقادر الغامدي ، صيد الفوائد الرابط هنا
[26] حقوق ولاة الأمر المسلمين ، عبدالمحسن العباد ، موقع الشيخ عبدالمحسن العباد الرابط هنا
[27] فتاوى ابن باز ، الرابط هنا

 

وقفه مع الأحداث
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية