صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أشداء على الكفار رحماء بينهم

د.ناصر بن يحيى الحنيني

 
الحمدلله الهادي إلى سواء السبيل ، والحمدلله أقام على الأمة الحجة وأوضح لها الدليل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليس له من خلقه نظير ولا مثيل ،والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله خير خلق الله والهادي إلى أفضل سبيل، وعلى آله وأصحابه الذين مدحهم الرب جل وعلا في محكم التنزيل { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب على كل صغير وجليل أما بعد :
أيها المسلمون : إن من دعائم هذا الدين العظيم ، وأسُسِه المتينه ، ومبانيه القويمه ، ما شرعه الله عزوجل من وجوبِ التراحم والتلاحم ، ونبذِ الفرقة والتشاحن ، فالمؤمنون أخبر الله عنهم بقوله { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } ، والله عزوجل لما مدح خير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة الكرام ، البررة الأطهار ،كان أخصَّ صفة اتصفوا بها ، والوسام الذي شَرُفوا به ، والعنوان الذي عُرفوا به هو التراحم بينهم فقال عز من قائل حكيم { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } وتأمل كيف قدم تراحمَهم على عبادتهم وتهجدِهم وابتغاءِهم الفضل من الله ، بل إن الله جل وعلا في غير ما آية بين أن أساس علاقة المسلم بأخية المسلم لها من القدسية والمكانة ماليس في أي علاقة مع أحد من البشر فقد قال جل وعلا في محكم التنزيل :{ فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه } ماهي أعلا وأسمى صفاتهم { أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم } ،يقول ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية : "هذه صفات المؤمنين الكُمَّل ، أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه ، متعزِّزاً على خصمه وعدوه ، كما قال تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } ، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه (الضَّحُوك القَتَّال ) فهو ضحوك لأوليائه قتَّال لأعدائه "أ.هـ ، والله سبحانه أكد وبين أن أساس العلاقة بين المسلم والمسلم والمؤمن والمؤمن هي الأخوة الإيمانية فقال جل وعلا :{ إنما المؤمنون إخوة } ، وأعظم نعمة امتن الله بها على أفضل مجتمع وهو مجتمع الصحابة رضي الله عنهم نعمة الأخوة الإيمانية { فأصبحتم بنعمته إخوان} ، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه ).

أيها المسلمون:
لهذا كله فإن شريعة الإسلام حرمت وجرمت كل عمل يضاد هذه الأخوة وهذه الرحمة بين المؤمنين ،كل عمل يفت في عضد هذه الأمة المباركة المنصورة ، وقد أعلن هذا المنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم في يوم الحج الأكبر في آخر حياته فقال (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) فهو حرام بنص كتاب الله وسنة المصطفى نصاً صريحاً لا يقبل التحريف ولا التأويل ولا التلبيس وبإجماع الأمة بل وأصحاب الملل والأديان كلها ، ومن اعتقد حل دماء المسلمين فقد استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وهذا يعتبر مكذباً بالكتاب وبما تواتر في السنة بلا ارتياب .

أيها المؤمنون :
إن هذا الحادث الأليم وما سبقه من أحداث ونسأل الله أن يلطف بنا في الأيام القادمة يستوجب منا أن نقف بعض الوقفات مع استحضار ما سبق من المسلمات التي لا يجوز أن يكون لدى أي مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أدنى شك فيها ولا ارتياب ،ويمكن أن نوجز هذه الوقفات فيما يلي :
الوقفة الأولى : يقول جل وعلا :{ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيم} ، والنبي صلى الله عليه وسلم تواترت عنه الأحاديث في حرمة دماء المسلمين فقد قال صلى الله عليه وسلم : (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (لايزال الرجل مُعْنِقاً صالحاً مالم يصب دماً حراماً ، فإذا أصاب دماً حراماً بلَّح ) (قوله مُعْنِقاً: خفيف الظهر سريع السير ، وبلَّح : أعيا وانقطع ) ،ويقول أيضاً: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) ، وفي الحديث الآخر : (لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار)، وقال صلى الله عليه وسلم : (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينية آيس من رحمة الله ) وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة للقاتل عمداً لمؤمن وهذا صح عنه كما في البخاري، وجاء عند الإمام أحمد وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجلاً أتاه فقال : أرأيت رجلاً قتل رجلاً متعمداً ؟فقال : { جزاؤه جهنم خالداً فيها } الآية ، قال : لقد نزلت في آخر ما نزل مانسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومانزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟، قال : وأنَّى له التوبة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ثكلته أمه رجل قتل رجلاً متعمداً يجيء يوم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو يساره ، وأخذاً رأسه بيمينه أو بشماله ، تَشْخُبُ أوداجُه دماً في قُبُل العرش ،يقول يارب : سل عبدك فيم قتلني ). وهذا أمر لا يحتاج إلى كثير كلام حوله فهو معلوم لدى كل فئات المجتمع ولكن عندما تختلط الأمور وتغلب العاطفة العقل والعلم فلا تسل عن طرق الهلكة والغواية نسأل الله السلامة والعافية ، فيجب على كل امرئٍ مسلم عاقل أن يتورع أن تتلطخ يده بدماء المسلمين الطاهرة أما يكفي الجروح النازفة في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان وكشمير ، اللهم ارحم موتى المسلمين وتقبلهم في الشهداء وارفع منزلتهم في عليين يا أرحم الراحمين ،أيها المسلمون : إن قتل المسلمين والأبرياء المعصومين يضاد كل معاني الرحمة والمودة والأخوة التي جاء الإسلام لتوطيدها وتأكيدها وغرسها في قلوب المسلمين حتى يصبح مجتمعاً قوياً متماسكاً .

الوقفة الثانية : يقول جل وعلا: { ومن يرتدد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } فجيل النصر الذي وعدهم الله بالنصر والتمكين من أبرز صفاتهم أنهم أذلة متواضعين محبين للمؤمنين ، فإذا أردنا النصر والتمكين علينا بهذا الشرط وهذه الصفة ولن يكون نصر وبعضنا يقتل بعضاً وبعضنا لا يرحم بعضاً، إن النصر لن يكون إلا إذا كانت الأمة متماسكة مترابطة ولهذا لما ذكر الله قتال المؤمنين للكفار ذكر هذا الشرط فقال سبحانه : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } فيا شباب الأمة يامن تغلي قلوبكم حرقة على ما يمر بالأمة من هجمات ظالمة من قبل أعداءها لا تخطئوا طريق النصر على أعدائكم لا توجهوا سهامكم إلى إخوانكم في الدين والعقيدة ، وفروا وقتكم وجهدكم ومالكم في مواجهة الخطر المحدق ببلدان المسلمين لا تنقلوا المعركة إلى دياركم الآمنة التي تقام فيها الصلوات ويعبد الله فيها ويدعى فيها إلى الله فالحذر الحذر والمؤمن كيس فطن ، والله هو الهادي إلى سواء السبيل .

الوقفة الثالثة:
يقول المولى جل وعلا : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقو} ويقول جل وعلا : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } ويقول سبحانه { ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ويقول سبحانه :{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } .
أيها المسلمون : إن شعار أهل السنة الذي تميزوا به عن أهل البدع بل شعار أهل الإسلام الذي تميزوا به عن أهل الأديان الأخرى أنهم يحرصون على الألفة والاجتماع ويكرهون ويحرمون الفرقة والتنازع ، لما فيها من أضرار وعواقب وخيمة على الأفراد والمجتمعات؛ بل إن الاجتماع والألفة عند أهل السنة من أصول الإسلام الكبرى التي لا تقل أهمية إن أصول الدين الأخرى وهي مرتبطة بالاعتقاد وليست من فروع الدين كما يظن من قل نصيبه في العلم ،ولعلي أسوق لك كلاماً نفيساً يكتب بماء الذهب لشيخ الإسلام ابن تيمية وأرجوا منك أخي أن ترعني سمعك وتفتح قلبك لكلام هذا الإمام الذي أجمعت الأمة على إمامته وجلالته يقول رحمه الله [مجموع الفتاوى22/356-376، مجموعة الرسائل المنيرية 3/115-127]،:"وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن لا يُتَفرق هو من أعظم أصول الإسلام ، ومما عظُمت وصية الله تعالى به في كتابه ، ومما عظُم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم ، ومما عظُمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن عامة وخاصة مثل قوله : (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ) ، وقوله : (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد ) ، وقوله : (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ) وقوله : (ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : إصلاحُ ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ) ....(إلى أن قال): .. وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة ، بل وفي غيرها ، هو : التفرق والاختلاف ، فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم ، وإن كان بعض ذلك مغفوراً لصاحبه لاجتهاده الذي يُغفر فيه خطؤه ، أو لحسناته الماحية أو لتوبته أو لغير ذلك ، لكن يُعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام "أ.هـ ، فيا شباب الأمة إذا أردنا اقتفاء الكتاب والسنة فلنراع هذا الأصل في كل ما يجد علينا وما ينزل بنا من نوازل وحوادث في المستقبل نسأل الله أن يلطف بهذه الأمة .

الوقفة الرابعة : ليُعلم أن من رحمة الله بهذه الأمة أن جعل من مقاصد الشرع العظمى : النظرَ إلى مصلحة الجماعة والأمة وتقديمها على المصالح الفردية والحظوظ الشخصية مع عدم إهمال المصالح الفردية وتضييعها ولكن عند التعارض تقدم المصلحة العظمى والكبرى ،وهذا المقصد واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن تأمل وتتدبر التشريعات العظيمة في هذا الدين العظيم ، ولهذا أمر الناس بالصبر على جور وظلم الولاة المسلمين لأن مصلحة لمِّ الشمل وعدمِ التفرق وحقن الدماء مقدمةٌ على الانتصار لحق شخص واحد مع عدم إهمال حق هذا الشخص بل لابد من السعي لرفع الظلم عنه بشرط عدم الإخلال بمصلحة الجماعة وتفريق الصف ، وهذا الكلام قرره العلماء في أكثر من موطن بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعيش في ظل حكم قريش الجاهلي الكافر المحاد لله ورسوله لما كان ضعيفاً ويخشى أن ينفرط عقد الدعوة أو توأد الدعوة في مهدها صبر على الأذى فتربى الصحابة ليس على العاطفة التي لا يضبطها الشرع بل تربوا على الاتباع والإئتمار والانصياع لأوامر الله ورسوله، وكانوا لايقدمون شيئاً من حظوظ أنفسهم على أمر الله وأمر رسوله لم تكن عاطفتهم الجياشة هي التي تسيرهم بل الشرع والشرع وحده فكان ذلك العربي صاحب النخوة والحمية الذي لا يرضى أن يهان في كرامته ولا أن تمس هيبته يضرب ويسحل في رمضاء مكة والله سبحانه كان يقول لهم { كفوا أيديكم } فامتثلوا أمر الله وامتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لما ضاق بهم الحال وقالوا ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا فقال لهم (ولكنكم تستعجلون )، ولم ينتقم لهم حفظاً للمقصد الأعلى وهو حماية الدين المقدمة على حماية النفس والمال ، ومقدمةً على المصالح الفردية ، فيا شباب الأمة أين أنتم عن فهم مقاصد دينكم فإن تمسكتم بدليل واحد فقد يغيب عنكم أدلة ، وإن أخذتم بظاهر نص ولم ترجعوا إلى فقهه واستنباطه فسوف تضلون ضلالاً بعيداً فليس العبرة في جمع النصوص وقراءتها ولكن في فهمها واستنبطاها وتنزيلها على الواقع وهذا لا يستطيعوه كل أحد ولكن يستطيعه الراسخون في العلم ،يقول ابن القيم رحمه الله مقرراً بكلام نفيس هذه المقاصد العظيمة لشريعة الإسلام فيقول[إعلام الموقعين3/4]:" فإن الشريعة مبناها وأساسَها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدلٌ كلُّها ، ورحمةٌ كلُّها ،ومصالحٌ كلُّها ، وحكمةٌ كلُّها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة ، وإن أُدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه.. (إلى أن قال )... أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ماهو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لايسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله ، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : ( لا ما أقاموا الصلاة ) ،وقال : ( من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعته ) ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته ، فتولد منه ماهو أكبر منه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها ، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغييرِ البيت وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعَهُ من ذلك مع قدرته عليه خشيةُ وقوعِ ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك ، لقرب عهدهم بالإسلام وكونِهم حديثي عهد بكفر ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه "أ.هـ ،وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وهدانا وإياكم سبيل الرشد والهداية . أقول ما تسمعون وأستغفرالله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله مفرجِ الكروب ، ومنيرِ المسالك والدروب ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجةً على الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :أيها المؤمنون : ونقف معكم الوقفة الخامسة وهي :
لابد أن نتجاوز مجرد الاستنكار ، مع أهميته ووجوبه ووجوب بيان عظم حرمة دم المسلمين ووجوب التعاون على البر والتقوى ومن أعظم البر التعاون لاستتباب الأمن في بلاد المسلمين ، ولكن لايصح لأمة تريد أن تنتصر على أعداءها وتتجاوز محنها ومشاكلها لايليق بها أن تكتفي بالعويل والويل والثبور لمن فعل ودبر مثل هذه الأعمال ، وعليه فإننا نوجه هذه الوصايا حتى يكتمل الحل وتحصل النجاة من هذه المحن بإذن الله فنقول وبالله التوفيق ومنه الإعانة والتسديد :
أولاً: لابد أن تؤصَّل كلُّ قضايانا تأصيلاً شرعياً علمياً يجتمع فيه المتخصصون في علم الشريعة بكافة تخصصاتهم الفقهية والأصولية والحديثية والعقدية واللغوية ، ويخرجون أبحاثاً قائمة على الدليل والاستنباط والقواعد الشرعية والمقاصد المرعية مع تفيند الشبهات وردها رداً علمياً بعيداً عن العاطفة التي مل الناس من سماعها والاستماع إليها فهي لا تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً.
ثانياً: إعطاءُ العلماءِ الربانيين مكانةً عاليةً في المجتمع ،وتعزيز دورهم في المجتمع بشكل أكبر ، واستشارتهم في أمور الأمة العظيمة وأن لا يحرص على إظهارهم إلا وقت النكبات والمحن فقط بل لابد أن يكون حضورهم دائماً ومستمراً ، العلماء الذين لهم قبول عند العامة والخاصة عند عامة الناس وطلاب العلم ، ويكون ذلك بالسماع لفتاواهم ونشرها في كل مكان ، وفتح المجال لهم في كل وسائل الإعلام ليبلغوا دين الله ويبينوا للناس ، إن تهميش دور العلماء من أعظم الأسباب في تردي أوضاع العالم الإسلامي كله ، فالناس إذا لم يكن للعالم عندهم مكانة ولا تُسمع كلمته فإنهم سوف يجتهدون ويرجعون إلى الجهلة الذين يفتون بغير علم فيَضِلُّون ويُضِلُّون.
ثالثاً: إيصال كلمةِ الدعاة وطلاب العلم والمربين والموجهين وأهل الرأي والحكمة والعقل في كافة تخصصاتهم إلى أكبر شريحة في المجتمع وخاصة الشباب ولن يكون ذلك إلا بفسح المجال لهم في إقامة الدروس والخطب والمحاضرات وإقامة المنتديات والمؤتمرات العلمية حتى يوجهون الشباب ، وحين يمنع الموجهون والمصلحون من إيصال الحق للشباب سوف يتجهون إلى المجاهيل والنكرات الذي هم أنصاف المتعلمين وحينها لا تسل عن ظهور التوجهات الفكرية المنحرفة ، والأهواء المضلة .
رابعاً : إيقاف أي شكل من أشكال محاربة الدين وشعائره وسننه أومحاربة رموزه وعلماءه وإيقاف الحملات الظالمة التي طالت المناهجَ و حجابَ المرأة المسلمة وثوابتَ الأمة حتى لا يكون مبرراً للجهلة والمتحمسين والغيورين من أبناء المسلمين الذين يجدون مبرراً من خلال هذا الاستفزاز المتواصل فلابد أن يكون الحل من جميع الجوانب ولا يقتصر على جانب دون آخر .
خامساً : تعزيز جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه صمام أمان للأمة ،وهو أمر رباني لا خيار لنا فيه وهو سر سعادتنا وحفظ أمننا ، وأيضاً فإن الشباب لما يرون هذه الشعيرة قائمة وظاهرة بالأساليب السلمية المعروفة تهدأ نفوسهم وتستريح أفئدتهم فلا يتجهون إلى البدائل غير المشروعة مثل هذه الأعمال التخريبية التي تهدم ولا تبني وتفسد ولا تصلح .
سادساً: لابد من توجيه نداء لكل الأمة حكاماً ومحكومين أفراداً وجماعات للقائمين على التعليم والإعلام لكل فئات المجتمع نقول لهم لابد من إعلان التوبة والرجوع إلى الله وامتثال أمر ربنا جل { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} فهو طريق الفلاح والنجاح ، وليعلم الجميع أن من أعظم العقوبات الربانية على الأمم والشعوب التي يتفشى فيها المنكر ويعلن عبر وسائل الإعلام وغيرها من أعظم العقوبات ماجاء في قول الله تعالى:{ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلم يفقهون} قال ابن عباس وغير واحد : " يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل "أ.هـ
ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : " { ويذيق بعضكم بأس بعض }: أي في الفتنة وقتل بعضكم بعضاً فهو قادر على ذلك كله فاحذروا من الإقامة على معاصيه فيصيبكم من العذاب ما يتلفَكم ويمحقَكم "أ.هـ .
فاللهم أصلح أحوال المسلمين وانشر الأمن في ربوعهم واهدهم إلى مافيه مرضاتك ورحمتك يا أرحم الراحمين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حول التفجيرات
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية