اطبع هذه الصفحة


قراءة في وجوه المصابين

د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري

 
 ليس الخبر كالمعاينة، وليس راء كمن سمع، وفرق بين أن تسمع الإصابات أرقاماً وأن تراها جراحات وآلاماً، .. استشعرت هذا المعنى بعد أن ذهبت مع جمع من المشايخ:

الدكتور: سعود الفنيسان ، الدكتور: ناصر العمر ، والدكتور: محمد العريفي

لزيارة مصابي حادث التفجير، لنقاسمهم آلامهم، ونشاركهم مصابنا ومصابهم، ورأينا مشاهد مؤثرة، وسمعنا كلمات معبرة، وجاشت في النفس مشاعر هي شيء آخر عما يمكن أن يعتمل في النفس – على قوته – عند سماع الأخبار، لقد كنا وجهاً لوجه مع آثار الجريمة وجراحات في الوجوه، وأشد منها في النفوس والقلوب.

رأينا المصابين وشعرنا أن ما هو أشد من أشد آلامهم ألماً، طبيعة الحادث الذي أصيبوا فيه، ولقد كانوا وكنا معهم سنتقبل هذه الآلام وأشد منها بنفس رضية؛ لو كانت في مواجهة مع عدو خارجي، لو كانت آثار عملية إنسانية في إنقاذ من كارثة أو إصابة في حادث، ولكن الجرح الممض الغائر أن كل هذه الجراحات والإصابات قد أصابتنا غيلة ومخالسة من بني أبنائنا الذين جنح بهم فكرهم ليجعلوا إخوانهم هدفاً لجهادهم، وأرضهم ساحة لمعاركهم، لتصبح لأحياء السكينة الآمنة مسرح العمليات وميدان المعركة.

دخلنا على الأخ مطلق العماش في غرفة العناية المركزة وحدثنا فأحسن الحديث، ووعظنا فأبلغ الموعظة حدثنا عن لحظات الإفاقة من غيبوبة الانفجار: كانت لحظات لم أظن إلا أنها لحظات الاحتضار مرت في ذهني كل أحداث الحياة تذكرت كل تقصير بأسف وكل تفريط بحرقة وشعرت بحياء من مقابلة الله، ثم علمت بعد أني ولدت من جديد، وشعرت بمعنى الحياة بعد هذا الدرس، تذكرت أن كل ساعة وكل لحظة عشناها بعافية وأمان كانت نعمة عظيمة ما كنا نشعر بقيمتها ولا عظيم فضل الله علينا بها. كان يتكلم بهذا المعنى ولا يقطع كلماته إلا تأوهات مكضومة من الألم، وتساءلنا نحن أيضاً بألم أهذه النفوس الحية الشفافة يمكن أن تكون هدفاً لشيء يسمى جهاداً؟!

زرنا الأخ فهد البشر مدير الإدارة العامة للمرور في عيادة الطبيب الذي كان يستخرج شظايا الزجاج من داخل عينه فإذا به يحتفي بنا بتواضع الكبار، ثم حدثنا عن لحظات الحادث بإيمان عجيب: كنت قبل لحظات قد اجتمع رأسي ورأس الأخ إبراهيم المفيريج على ورقة واحدة نناقشها لا يفصل بيننا إلا سنتيمترات أو أقل ثم وقع الحادث وغبنا عن الوعي ولما أفقت محمولاً سألت: عن الأخ إبراهيم، ثم تبين بعد ذلك أنه قد توفي – رحمه الله – لم يفصل بينا إلا سنتمترات أو أقل وكنا منكبين على ورقة واحدة وشاء الله أن يموت أحدنا ويبقى للآخر بقية من عمر يستتمها، وكان يتحدث عن ذلك بإيمان وعجب، وكنا نحن في حال عجب آخر أن يكون أهل هذا الإيمان هدفاً لمن يظنون أن عملهم جهاد يقربهم إلى الله زلفى.

زرنا في غرفة العناية المركزة بالمستشفى المركزي الأخ منصور الفوزان وكانت الإصابة بليغة والمنظر مؤثراً، رأينا صور الأشعة وكيف أن شظايا الزجاج هشمت الجمجمة وخالطت المخ، وحدثنا مرافقونا عن نجاح العملية وأنها تمت بأعجوبة، وكانت صور الأشعة مرعبة، والإصابة بالغة لو لا لطف الله، ولا زالت الحالة صعبة، كان مشهداً أنطقنا جميعاً بالدعاء الصادق، وكنت الأشد تأثراً فالمصاب جاري، يجمعني وإياه الحي والطريق والمسجد، كان مسلماً سلم المسلمون من لسانه ويده، ووسعهم بره ولطفه، نعرفه في الحي خلوقاً كريماً، ونعرفه في المسجد مصلياً محافظاً، ويعرفه زملاء عمله جداً وإخلاصاً وتفانياً، تساءلت مراراً أيمكن أن يكون هؤلاء المصلون المخلصون، هدفاً لمن يحسبون عملهم جهاداً.

زرنا كثيرين وكان لكل منهم قصته وخبره وقد أختصر زميلهم الأخ خالد الفريحي ذلك بقوله: ليس أحد يصاب في هذا الحادث رخيصاً علينا لكن الخسارة كانت مضاعفة لأن المصابين هم من خيرة زملائهم صلاحاً وخلقاً وإخلاصاً.

وعدنا مرة نتعجب بألم من هذا الجنوح إلى حد الانتكاس أن تدمي وجوهنا بأصابعنا، وتحرق بيوتنا وبأيدينا، ونُقاتل ولكن من أبناءنا "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً".

رحم الله إخواننا الذين قضوا، وشفى وعافا المصابين والجرحى، وعصمنا وإخواننا المسلمين من مضلات الفتن، وحفظ لنا ديننا وأمننا، وجمع على الحق كلمتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 

المصدر الإسلام اليوم
 

حول التفجيرات
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية