اطبع هذه الصفحة


ماذا فعلنا بكِ يا مصرُ ؟

إسلام شمس الدين
مدير تحرير جريدة السفير العربي

 
( ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ )
نعم .. سيدخلونها إن شاء الله آمنين ، وستبقى مصر – بعهدٍ من الله – آمنة مستقرة ، ترفل في الأمن والأمان ؛ رغم أنف الكارهين والحاقدين والطامعين والمتربصين ، ورغم أنف الحمقى والجُهّال والعابثين والضآلين المُضلين ، ورغم أنف المتخذين من الإسلام ستارا ، أو الوطنية شعارا ، أو الديمقراطية والإصلاح والتغيير سُلماً يصعد بهم نحو تحقيق أطماعهم ؛ أولئك الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ؛ أولئك الذين تلاعبوا بأحلام البسطاء في غدٍ أفضل ومستقبل أرحب ينعمون فيه بالحرية والرخاء ، أولئك الذين اتخذوا من آمالنا ورقة لعب لتحقيق مكاسب سياسية ولو على حساب أمننا واستقرارنا وأرواحنا ودمائنا ومصادر رزقنا ؛ إما عمداً أو غفلةً وجهلاً .

يقيني أن تفجيرات القاهرة الأخيرة التي هزت وجدان كل مصري ؛ إنما هي حوادث فردية ، لكن الجميع يتحمل مسؤوليتها ، وما الجناة إلا إصبع صغير ؛ في ذراعٍ طويلةٍ تحركها العشوائية والفوضى ؛ غُرر بهم باسم "الجهاد" و"النضال" و "الإصلاح" و "الوطنية" والشعارات التي لا يعي رافعوها منها إلا ألفاظها ، وكان عليهم أن يعوا أن الإسلام دين السلام وليس دين الغدر ، ولا غدر لمن كان له عهد مهما كانت الظروف والأحوال ، ومهما بلغت مشاعر اليأس والإحباط والضيق والألم . وكان عليهم أن يعوا أن للإسلام تعاليمه التي ترقى وتسمو به عما سواه ، وأن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت بإقرار الأمن في بلاد المسلمين ، وعصمة دماء المسلمين والمعاهدين على حد السواء ، وحفظ الدين والنفس والمال والعرض للمسلم وغير المسلم على حد السواء ، و تغليظ القيود لكي لا تنتهك هذه الأحكام .
وكان عليهم أن يعوا أن "الإصلاح" معول بناء لا معول هدم ، وأن "الوطنية" رمزٌ للحياة وإعمارها بالأمل والإصرار ، لا رمز للموت والتخريب واليأس .

إن هذه التفجيرات تدق ناقوس تحذير ، وتطلق إنذاراً أخيراً للتحرك قبل فوات الأوان ، داعيةً إلى إصلاح حقيقي ؛ لا إصلاح شعارات ودعايات سياسية ؛ إصلاح يطول كل ما تسبب في هذه التفجيرات ، بدءاً من السياسات الأمنية التي أثبتت فشلها بعدما صارت تتخبط مرتكنةً إلى العشوائية والمعالجة الخاطئة وغير المحسوبة للعديد من القضايا الأمنية ، وما صاحب تلك السياسات من ممارسات رسخت في نفوس الكثيرين مشاعر القهر والظلم ، ليقعوا فريسة يجد فيها الطامعون والطامحون ضالتهم .
مروراً بالإصلاح الإداري الذي أضحى ضرورة لمحاربة الفساد المتغلغل في غالبية المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية ، والذي ألقى بأحلام الكثيرين من الشباب على أرصفة اليأس والإحباط في ظل سيادة "المحسوبية" و"الواسطة" وغياب المساءلة والرقابة ، والذي هو حجر الزاوية في الإصلاح الاقتصادي بما يضمن حسن استغلال موارد الأمة ، وترتيب أولويات توزيعها بالشكل الصحيح والنافع لتخفيف أثقال المعيشة التي باتت كالرحى فوق ظهور السواد الأعظم من "المطحونين" ، وبما يضمن القضاء على أمراضنا الإقتصادية المزمنة والتي تتحمل الحكومة المسؤولية الأولى في معالجتها.
ولا سبيل إلى أي تقدم نحو الإصلاح ، ما لم يكن هناك إصلاح سياسي جاد ؛ قادر على احتواء جميع الإتجاهات والرؤئ في إطار سليم ومناخ حر يغلق الأبواب أمام الجنوح إلى التطرف ، أو الانحراف عن الطريق ، ويسد الثغرات التي يجيد البعض استغلالها لنفث سمومهم تحت ظلال من الشعارات الوردية الزائفة .

وصولاً إلى أولئك الذين سارعوا بإطلاق بيانات الإدانة وتصريحات الاستنكار ؛ دون أن يفوتوا على أنفسهم الفرصة لاستغلال هذه الحوادث في اغتنام مكاسب سياسية ؛ رافعين شعاراتهم الجوفاء ومؤكدين مطالبهم ؛ التي لا يعلم إلا الله نواياهم من ورائها ، وملتفين بهذه الحوادث للربط بين أسبابها وبين "أطماعهم" المستترة في عباءة "الحق الذي يراد به باطل".
أولئك كان الأولى بهم التحلي ببعض الشجاعة للإعتراف بمشاركتهم في مسؤولية تلك الحوادث ؛ بإثارتهم للفوضى وإنمائهم لمشاعر اليأس والإحباط والسوداوية في نفوس الجميع ؛ خاصة الشباب ممن يفتقدون الوعي والنضج والخبرة ، مرسخين في أذهانهم أن الفوضى نضالاً ، وأن الإثارة حرية ، وأن العبث وطنية ، وأن الصراخ والشتم وتوزيع الإتهامات في كل إتجاه ؛ إنما هي رموزٌ للحرية التي نحتاجها!.

إن التفجيرات الأخيرة تؤكد أنه لم يعد هناك وقت للإبطاء ، وعلينا أن نسرع الخطى ؛صادقين؛ نحو الإصلاح ؛ الإصلاح الحقيقي ، لا ذاك الذي يتخذه البعض ستاراً لتحقيق أغراضهم .
ما أحوجنا في هذه الفترة لإصلاح منابر الرأي وتطهيرها من أولئك الذين اعتلوها بالتزوير أو الشعارات أوالصفقات السياسية الخارجية والداخلية أو مغازلة أطراف أجنبية استجداءً لدعمها ؛ مستغلين أوضاع سيئة نسعى إلى الخلاص منها .
أولئك الذين يعبثون بأحلامنا وطموحاتنا ، فيعمدون إلى إثارة المزيد من الفوضى لتحريك الجمود السياسي الذي صادر رؤانا وتطلعاتنا ؛ ربما تقودهم عجلة الفوضى إلى اعتلاء منابر أقرب إلى بقع الضوء التي يسعون إليها ، وتنتشلهم من الهامش الذي يقبعون في ظلمته.
أولئك الذين يظهرون غير ما يبطنون ، ويعلنون غير ما يخفون ، ويشترون طموحهم السياسي بمستقبل جيلٍ بأكمله.
أولئك الذين أحالوا حياتنا جحيماً وصبغوها بالألوان السوداء والرمادية ، فحجبوا عنا كل ضوء يمكن أن يتسلل إلى عقولنا ونفوسنا ، وسدوا كل منفذ قد ينفذ منه قبس من ضياء ينير بصيرتنا ويهدينا إلى الإيجابية التي تتطلبها الفترة الحالية.
أولئك الذين لا نذكر لهم موقفاً واحداً "صالحاً" سوى الصراخ والهتاف والتشدق بشعارات هم أحوج ما يكونون لممارستها قبل المطالبة بها .

نعم حان الوقت للإصلاح والتطهير ، تطهير مجتمعاتنا من "الأراجوزات السياسية" التي تجيد اللعب على أوتار أحلامنا البسيطة ، فكل نقطة دم أريقت على تراب القاهرة ؛ يتحمل هؤلاء مسؤوليتها ؛ بما في ذلك دماء الجناة "الضحايا" ، كل نظرة فزع في عين طفل أو أم ؛ يتحمل هؤلاء مسؤوليتها ، كل جنيه حرمه عائل أسرة جراء تأثير تلك الحوادث على حركة السياحة في مصر ؛ يتحمل هؤلاء مسؤوليته.

فياأيها المتلاعبون بآمالنا وأحلامنا ، والباحثون عن دورٍ على حساب استقرارنا :
كفاكم تشدقا وصياحاً ودقّا على المناضد .
كفاكم شعاراتٍ وخطباً وبياناتٍ .
كفاكم إثارةً للفوضى وتأجيجاً لمشاعر الشباب الملتهبة ، دافعين بهم إلى التردي في ما يهلكهم ويهلكنا.
ورغم أنف أنوفكم ، ستبقى مصر أبد الدهر آمنة مستقرة ، وسيدخلها الجميع ؛ إن شاء الله ؛ آمنين .

 

حول التفجيرات
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية