اطبع هذه الصفحة


ثمانية أسئلة لمؤيدي التفجيرات في السعودية ... مع أجوبتها

 
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ثمانية أسئلة أو إشكالات لدى من يؤيد القيام بالتفجيرات في السعودية ؛ مع أجوبتها لبعض العلماء وطلبة العلم – وفقهم الله - ؛ أحببتُ نشرها بعد أن رأيت تعاطف عدد من الإخوة – هداهم الله – مع هذه التفجيرات وتسويغهم لها في بلاد المسلمين ؛ متعللين بشبهات عليلة ، خالطين بينها وبين الجهاد " الشرعي " لأعداء الإسلام ؛ منساقين وراء العواطف المخالفة للنصوص الشرعية ؛ متساهلين إلى درجة مؤسفة في دماء المسلمين التي تُزهق بغير حق من جراء هذه الأعمال . إضافة إلى ما تجره من تسليط للأعداء على بلادهم ، وإيجاد المسوغات للضغط عليها أو فتنتها . اسأل الله أن ينفع بها ، وأن يجعلها مجلية للغبش الذي ران فوق عيون هؤلاء الإخوة وقلبهم .
والله الهادي ..
سليمان الخراشي
 


السؤال الأول
قالوا : ما الذي يجعل التفجيرات في الجزيرة عملاً إرهابياً، وفي غيرها من بلاد المسلمين جهاداً وعمليات استشهادية؟ لماذا يكون قتل المدنيين المسلمين (تبعاً) في غير بلاد الجزيرة من الجهاد!! وتفجير المباني في غير الجزيرة من الجهاد!! أليست كلها بلاداً إسلامية؟.
فما الفرق بين عملية في فلسطين يموت فيها يهود ومخابرات يهود مع بعض الفلسطينيين وعملية هنا ؟؟ أعني من ناحية فقهية بغض النظر عن المصلحة؟ فلو بعد عشرين سنة صارت المصلحة في التفجير فهل يجوز؟!


الجواب:
يجاب عن هذا السؤال من عدة وجوه:
الوجه الأول: الفرق بين التفجيرات في الجزيرة، والعمليات الاستشهادية في فلسطين والشيشان وأفغانستان هو أن الكفار في المملكة العربية السعودية معاهدون، فلا يجوز إيذاؤهم ولا الاعتداء عليهم ما داموا مقيمين لعهدهم لم يباشروا شيئاً مما يعتبر نقضاً له. وربما لا يرضون بسياسة دولتهم ولا معاملتها للمسلمين، فلا ينبغي أن يحملوا أوزار غيرهم، والله يقول:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" [الأنعام: 164]، ويقول:"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" [المائدة: 8].
وأما الكفار في فلسطين والشيشان وأفغانستان فهم حربيون معتدون محتلون، ليس بينهم وبين أهلها عهد ولا أمان، وإنما هم محاربون، ولذا فقتالهم بالوسائل الممكنة أمر مشروع، بل هو جهاد في سبيل الله؛ لقوله تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير.." [الحج:39]، ولقول النبي –صلى الله عليه وسلم- كما ورد في النسائي (4095)، والترمذي (1421) وأبو داود (4772) وابن ماجة (2580) من حديث سعيد بن زيد – رضي الله عنه - :"من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد".
فلابد من التفريق بين أنواع الكفار؛ فإنهم على أربعة أقسام:
ذميون، ومعاهدون، ومستأمنون، وحربيون .
فالذمي: هو من أقام بدار الإسلام إقامة دائمة بأمان مؤبّد .
والعهد: هو عقد بين المسلمين وأهل الحرب على ترك القتال مدّةً معلومة .
والمعاهَدون: هم أهل البلد المتعاقد معهم .
وأهل الحرب: هم أهل بلاد الكفر التي لم يجرِ بينهم وبين المسلمين عهد .
وأما المستأمن: فهو الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ مؤقت لأمرٍ يقتضيه. (الدر النقي لابن عبد الهادي 1/290, المبدع (3/313 , 398)، كشاف القناع (3/100).
فالفرق بين الحربي والمعاهد أن الحربي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا صلح، بخلاف المعاهد .
والفرق بين الذمي والمستأمن أن الذمي هو من يقيم إقامة دائمة بأمان مؤبد، أما المستأمن فحربي دخل بلاد الإسلام لغرض متى انتهى ذلك الغرض خرج لبلده.
والمعاهد والذمي والمستأمن جميعهم معصومو الدم، لا يجوز الاعتداء عليهم ولا التعرّض لهم . قال تعالى:"فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِم" [التوبة: 4].
وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- مرفوعاً " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً " أخرجـه البخاري (3166) .
وقد عاهد النبي – صلى الله عليه وسلم - أصنافاً من المشركين كبني قريظة وبني النضير، وهادن قريشاً في الحديبية على ترك القتال عشر سنين، وأن من جاء من قريش مسلماً رده النبي إليهم. وهذا كله معلوم في كتب السنة والسيرة.
أما الحربيون فجواز قتلهم ليس على الإطلاق، بل منهم من يجوز قتله، ومنهم من لا يجوز قتله إلا إذا قاتل بنفسه أو برأيه.
فكل حربي بُنيته صالحة للقتال فهو من المقاتلة، سواء باشر القتال ضد المسلمين أو ساعد على قتالهم بماله أو رأيه أو مشاعره.
وأما من ليست بنيته صالحة للقتال كالنساء والصبيان والشيوخ والمعاقين ونحوهم ممن لا يعين على القتال بنفس ولا رأي، فإنه لا يقتل؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، كما في الحديث المتفق عليه عند البخاري (3015) ومسلم (1744) من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- إلا إذا أعانوا الكفار على القتال، أو تترسوا بهم أولم يمكن التمييز بينهم. لحديث الصعب بن جثامة – رضي الله عنه - أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؟ فقال: "هم منهم". متفق عليه عند البخاري (3021)، ومسلم (1745).
فتلخص أن الذمي والمعاهد والمستأمن لا يقتلون. وأما الحربي فمن كان من أهل القتال جاز قتله، ومن لم يكن من أهل القتال فلا يجوز قتله إلا تبعاً.
إن من المتقرر لدى علماء الإسلام –وما نظن المخالفين ينازعون في ذلك- أن الكفر ليس موجباً للقتل بكل حال؛ لأدلة كثيرة:
منها: قوله تعالى:"لا إكراه في الدين" [البقرة:256].
ومنها: ما شرع من تخيير الكفار بين الإسلام وبذل الجزية والقتال.
ومنها: النهي عن قتل من لا شأن له بالقتال، كالنساء والصبيان وكبار السن والمنقطعين للعبادة الذين لا يشاركون المقاتلين بالفعل أو الرأي.
وفي تقرير هذا الأصل يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:"وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزَّمِن (الضعيف) ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان –والأول هو الصواب- وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى:"والفتنة أشد من القتل" [البقرة:191] أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر" [السياسة الشرعية صـ (132) وما بعدها].
الوجه الثاني: أنه لا يلزم من جواز القتل ابتداءً جوازه بالفعل في زمن أو مكان معين؛ لأن مشروعية القتال منوطة بإعزاز الدين وظهور الغلبة للمسلمين وإذلال الكفار، فإذا ظهر لدى أهل الاجتهاد أن القتال في حالة معينة مفسدته أعظم من مصلحته لم يجز القتال حينئذ، ونصوص أهل العلم طافحة بهذا الأمر في الكلام عن صور عديدة تندرج تحت هذا الضابط العام، ومن ذلك ما جاء في مغني المحتاج (4/226):"إذا زادت الكفار على الضعف ورُجي الظفر بأن ظنناه إن ثبتنا استحب لنا الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية وجب علينا الفرار لقوله تعالى:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة: 195] أو بنكاية فيهم استحب الفرار".
وقال الشوكاني في السيل الجرار (4/529):"إذا علموا –أي المسلمون- بالقرائن القوية أن الكفار غالبون لهم مستظهرون عليهم فعليهم أن يتنكبوا عن قتالهم ويستكثروا من المجاهدين ويستصرخوا أهل الإسلام، وقد استدل على ذلك بقوله عز وجل:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة:195]، وهي تقتضي ذلك بعموم لفظها... ومعلوم أن من أقدم وهو يرى أنه مقتول أو مأسور أو مغلوب فقد ألقى بيده إلى التهلكة".
الوجه الثالث: ما ذكروه في السؤال خارج موطن النزاع؛ فإن المسألة المتحدث عنها هي قتالهم في غير هذه البلاد، لا سيما وأنهم قد دخلوها بعهود أمان. وما حدث في بعض بلدان المسلمين لا يقتضي نقض كل عهد في كل بلدان المسلمين، خاصةً إذا تذكرنا أن بلدان المسلمين أصبحت ولايات متعددة تنفرد كل ولاية بسلطة مستقلة، ولها علماؤها وأهل الحل والعقد فيها، كما قرره فقهاء الإسلام، كإمام الحرمين والشوكاني وصديق حسن خان والشيخ محمد أبو زهرة (يراجع الإرشاد صـ (425)، السيل الجرار (4/512)، الروضة الندية (2/18) الوحدة الإسلامية صـ (64) وما بعدها)، وهو الرأي الذي لا يسع المسلمين سواه، إذ لو قيل بخلافه لبطلت ولايات الإسلام المتعددة من عهد بني أمية، حيث نشأت ولاية الأندلس إلى يوم الناس هذا، ولا يزال علماء الإسلام يبايعون أهل تلك الولايات، ويحرمون الخروج عليهم، ويرون وجوب طاعتهم في غير معصية الله.
وإذا تقرر عدم انتقاض العهود في كل بلاد الإسلام بانتقاضها في بعضها بمباشرة القتال، فمن باب أولى عدم انتقاضها بالتسبب والإعانة، كما في الشيشان وفلسطين.
إلا أنه مما يجب أن يفطن له أنه مع عدم انتقاض هذه العهود، فإنه لا يجوز الوفاء بما يتضمن التخاذل عن نصرة المسلمين في البلدان المعتدى عليها، فإن وقع هذا الشرط فهو باطل لا يلزم، بل لا يحل الوفاء به.
 


السؤال الثاني
يقول البعض: إن هذه التفجيرات لا تحرم لكون بعض قتلاها من المسلمين الأبرياء الذين لا ذنب لهم. فمثل هؤلاء يجوز قتلهم تبعاً لا قصداً، قياساً على قتل المسلمين الذين يتترس بهم الكفار.
قال ابن تيمية:"وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم" (الفتاوى 28 / 546 – 537، جـ 20 / 52)..
وقال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار ، وهذا بلا نزاع" ( الحاشية على الروض 4 / 271 )
ويمكن القول بأن هؤلاء القتلى ولو كانوا مسلمين فإنهم أشبه بالطائفة الممتنعة، وقد أفتى بكفرها أبو بكر والصحابة، وهو الصحيح، وأجمع العلماء المتقدمون والمتأخرون على قتالهم، فهم طائفة ممتنعة بالشوكة عن إقامة أحكام الله داخل مجمعهم..
فما تعليقكم على هذا الكلام؟


الجواب:
أولاً: قياس قتل المسلمين في عمليات التفجير في الرياض على قتل المسلمين إذا تترّس بهم الكفار قياسٌ مع الفارق من عدة وجوه:
الوجه الأول : ما قرره أهل العلم من أن قتل المسلمين المتترس بهم لا يجوز إلا بشرط أن يُخاف على المسلمين الآخرين الضرر بترك قتال الكفار، فإذا لم يحصل ضرر بترك قتال الكفار في حال التترس بقي حكم قتل المتترَّس بهم على الأصل وهو التحريم. فجوازه ـ إذاً ـ لأجل الضرورة، وليس بإطلاق. وهذا الشرط لا بد منه، إذ الحكم كله إعمال لقاعدة دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص96). قال القرطبي : ( قد يجوز قتل الترس وذلك إذا كانت المصلحة ضروريَّة كلية، ولا يتأتى لعاقل أن يقول لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه, لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين) الجامع لأحكام القرآن (16/287).
أما لو قتل المسلمون المتترَّس بهم دون خوف ضرر على المسلمين ببقاء الكفار، فإننا أبطلنا القاعدة التي بني عليها الحكم بالجواز. فقتل المسلمين ضرر ارتكب لا لدفع ضرر عام بل لمجرد قتل كُفَّار. قال ابن تيمية : (ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك) مجموع الفتاوى (20/52).
فأين هذه الضرورة في قتل المسلمين الذين يساكنون النصارى في تلك المجمعات السكنية المستهدفة؟؟
الوجه الثاني: أن مسألة التترس خاصة بحال الحرب (حال المصافّة والمواجهة العسكرية)، وهؤلاء الكفار المستهدفون بالتفجير لسنا في حال حرب معهم، بحيث يكون من ساكنهم من المسلمين في مجمعاتهم في حكم المتترَّس بهم. بل هم معاهدون مسالمون.
الوجه الثالث: بيَّن أهل العلم أن قتل المسلمين الذين تترس بهم الكفار لا يجوز، إلا إذا لم يتأتَ قتل الكفار وحدهم. والكفار المستهدفون في تلك التفجيرات يمكن قتلهم -على فرض أنه لا عهد لهم ولا ذمة وأن دماءهم مهدرة- دون أذية أحد من المسلمين، فضلاً عن قتله.
الوجه الرابع: اختلاف حال المتترَّس به عن حال الحراس ونحوهم؛ فالمتترَّس به عادة هو أسير لدى الكفار ينتظر الموت غالباً على أيديهم، لكنهم يتقون به رمي المسلمين، أما الحراس –فضلاً عن المارة والجيران – فهم آمنون في بلادهم فبأي وجه يفاجؤهم أحد من المسلمين بأن يقتلهم لكي يقتحموا على من يحرسون من المعاهدين والمسلمين المقيمين معهم أو المتعاملين معهم؟.
الوجه الخامس: أن الله تعالى بيّن أن من مصالح الصلح في الحديبية أنه لو سلط المؤمنين على الكافرين في ذلك الحين لأدى إلى قتل أقوام من المؤمنين والمؤمنات ممن يكتم إيمانه، فلولا ذلك لسلط المؤمنين على أولئك الكافرين، قال تعالى: "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً" [سورة الفتح 25].
قال القرطبي رحمه الله (الجامع لأحكام القرآن 16/285): "لم تعلموهم أي لم تعرفوا أنهم مؤمنون أن تطأوهم بالقتل والإيقاع بهم...والتقدير: ولو أن تطأوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم لأذن الله لكم في دخول مكة، ولسلطكم عليهم، ولكنَّا صُنَّا من كان فيها يكتم إيمانه. وقوله (فتصيبكم منهم معرّة) المعرة العيب...إي يقول المشركون: قد قتلوا أهل دينهم...
لو تزيّلوا أي تميزوا، ولو زال المؤمنون عن الكفّار لعذب الكفار بالسيف...
وهذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن" أهـ بتصرف.
فتبين من هذه الأوجه أن قياس المسلمين الذين يساكنون الكفار في المجمعات السكنية على مسألة التترُّس قياسٌ غير صحيح.
ثانياً: الطائفة الممتنعة هي التي تمتنع عن إقامة شيء من شعائر الإسلام الظاهرة ولها شوكة، فلا تلزم بإقامة هذه الشعيرة إلا بالقتال، كقرية اجتمعت على ترك الأذان مثلاً وكان لها شوكة لا يمكن إلزامهم بالأذان إلا بالقتال . أما لو امتنع أفراد أو جماعة لا شوكة لها ولم يقاتلوا فلا يقاتلون، بل يلزمون بأمر الشارع .
ومن امتنع عن أداء الزكاة من العرب بعد موت النبي –صلى الله عليه وسلم- كان لهم شوكة وقوة لا يتأتى إلزامهم إلا بقتال، وقد قاتلوا فقاتلهم أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم. انظر ما رواه البخاري (1457)، ومسلم (20) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
أما الممتنع عن الزكاة بدون شوكة فقد حكم فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله:"فإنا آخذوها وشطر ماله" رواه أبو داود (1575) والنسائي (2444) من حديث معاوية بن حيدة – رضي الله عنه-.
وعليه فإن من أقام في مجمع سكني لا تقام فيه أحكام الله لا يكون في حكم الطائفة الممتنعة التي يجب على الإمام إنذاره وأمره بإقامة شرع الله، فإن امتنع وكانت له شوكة أو قاتل جاز قتاله حتى يذعن.
قال ابن تيمية : (ولا يقتل من ترك الصلاة أو الزكاة إلا إذا كان في طائفة ممتنعة فيقاتلهم لوجود الحراب كما يقاتل البغاة) مجموع الفتاوى (20/100).
والقول بأن حراس المجمعات من المسلمين وكذلك السائقون والطباخون وعمال الصيانة ونحوهم ممتنعون عن الشعائر لا أساس له من الشرع أو الواقع، ولا يوجد أي وجه للشبه بينهم وبين الطائفة الممتنعة. بل لو فرضنا أن بعضهم يخدم الكفار بما هو محرم كإدخال الخمور لهم فإن ذلك منكر تجب إزالته وعقوبة فاعله، ولكنه لا يعد من الطائفة الممتنعة في شيء.
 


السؤال الثالث
وجود بعض المدنيين الأبرياء من الكفار في عداد القتلى لا يحرم هذه العمليات، فقد روى الصعب بن جثامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أهل الديار من المشركين يبيّتون فيصاب من نسائهم وذرياتهم، قال: هم منهم .
فهذا الحديث يدل على أن النساء والصبيان، ومن لا يجوز قتله منفرداً يجوز قتلهم إذا كانوا مختلطين بغيرهم ولم يمكن التمييز؛ لأنهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن البيات وهو الهجوم ليلاً، و البيات لا يمكن فيه التمييز، فأذن بذلك لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.
ويلزم لمن قال بمسألة قتل الأبرياء من دون تقييد ولا تخصيص أن يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم بأنهم من قتلة الأبرياء على اصطلاح هؤلاء القائلين ، لأن الرسول نصب المنجنيق في قتال الطائف، ومن طبيعة المنجنيق عدم التمييز، وقتل النبي عليه الصلاة والسلام كل من أنبت من يهود بني قريظة ولم يفرق بينهم، قال ابن حزم في المحلى تعليقا على حديث: عرضت يوم قريظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أنبت قتل ، قال ابن حزم : وهذا عموم من النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يستبق منهم عسيفا ولا تاجراً ولا فلاحاً ولا شيخاً كبيراً، وهذا إجماع صحيح منه . المحلى (7/ 299) .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وكان هديه صلى الله عليه وسلم إذا صالح أو عاهد قوماً فنقضوا، أو نقض بعضهم وأقره الباقون ورضوا به غزا الجميع ، وجعلهم كلهم ناقضين كما فعل في بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع ، وكما فعل في أهل مكة ، فهذه سنته في الناقضين الناكثين . وقال أيضا : وقد أفتى ابن تيمية بغزو نصارى المشرق لما أعانوا عدو المسلمين على قتالهم فأمدوهم بالمال والسلاح ، وإن كانوا لم يغزونا ولم يحاربونا ورآهم بذلك ناقضين للعهد ، كما نقضت قريش عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بإعانتهم بني بكر بن وائل على حرب حلفائه .
ولا يزال القادة المسلمون يستعملون في حروبهم مع الكفار ضربهم بالمنجنيق، ومعلوم أن المنجنيق إذا ضرب لا يفرق بين المقاتل وغيره، وقد يصيب من يسميهم هؤلاء بالأبرياء ، ومع ذلك جرت سنة المسلمين على هذا في الحروب ، قال ابن قدامة رحمه الله: ويجوز نصب المنجنيق لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف، وعمرو بن العاص نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية . (المغني والشرح 10 / 503).
وقال ابن قاسم رحمه الله في الحاشية : ويجوز رمي الكفار بالمنجنيق ولو قتل بلا قصد صبياناً ونساء وشيوخاً ورهباناً لجواز النكاية بالإجماع ، قال ابن رشد رحمه الله : النكاية جائزة بطريق الإجماع بجميع أنواع المشركين (الحاشية على الروض 4 / 270).
ثم نقول لهؤلاء: ماذا تقصدون بالأبرياء؟
فهؤلاء لا يخلون من الحالات الآتية :
الحالة الأولى: أن يكونوا من الذين لم يقاتلوا مع دولهم، ولم يعينوهم لا بالبدن ولا بالمال ولا بالرأي والمشورة ولا غير ذلك، فهذا الصنف لا يجوز قتله بشرط أن يكون متميزاً عن غيره، غير مختلط به، أما إذا اختلط بغيره ولم يمكن تميزه فيجوز قتله تبعاً وإلحاقاً، مثل كبار السن والنساء والصبيان والمرضى والعاجزين والرهبان المنقطعين.
قال ابن قدامة: ويجوز قتل النساء والصبيان في البيات وفي المطمورة إذا لم يتعمد قتلهم منفردين، ويجوز قتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم ، وليس في هذا خلاف. ( المغني والشرح 10 / 503).
وقال (ويجوز تبييت العدو، قال أحمد بن حنبل لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلا البيات، قال ولا نعلم أحداً كره البيات (المغني والشرح 10 / 503)
الحالة الثانية: أو هم من الذين لم يباشروا القتال مع دولهم المحاربة، لكنهم معينون لها بالمال أو الرأي ، فهؤلاء لا يسمون أبرياء، بل محاربين ومن أهل الردء ( أي المعين والمساعد ) .
قال ابن عبدالبر -رحمه الله- في الاستذكار : لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل . الاستذكار ( 14 / 74 ) .
ونقل الإجماع أيضا ابن قدامة رحمه الله في إباحة قتل النساء والصبيان وكبار السن إذا أعانوا أقوامهم , وقال ابن عبدالبر رحمه الله: وأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمة يوم حنين؛ لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب، فمن كان هكذا من الشيوخ قتل عند الجميع . التمهيد (16 / 142).
الحالة الثالثة: أن يكونوا من المسلمين ، فهؤلاء لا يجوز قتلهم ما داموا مستقلين، أما إذا اختلطوا بغيرهم، ولم يمكن إلا قتلهم مع غيرهم جاز، ويدل عليه مسألة التترُّس وسبق الكلام عنها.


الجواب:
إن مما نحمده للسائل لياذه بكلام أهل العلم، ونقل نصوص من عباراتهم، وهو منهج إذا اكتمل واضطرد وحسن معه القصد أفضى بصاحبه إلى طريق الصواب، وإن من أهم ما ينبه إليه طالب العلم ضرورة ضم النصوص بعضها إلى بعض، والصدور عن دلالتها مجتمعة، وعدم ضرب بعضها ببعض، أو الانتقاء منها بإعمال بعضها والإعراض عن بعض، ولهذا ألّف العلماء في الجمع بين النصوص والتوفيق بين دلالاتها وتنـزيل كل نص على ما يناسبه، وكذلك كلام أهل العلم فإنه يُجمع بعضه إلى بعض، ويصدر عن مجموعه ولا يعامل باجتزاء منقوص وإنما باستقراء متكامل، ولذا فإن دلالة هذه النقول المذكورة في السؤال لا بد أن تُستكمل بذكر النصوص الشرعية الأخرى في هذه المسألة وكلام أهل العلم عليها، وأن يتكون الرأي بعد البحث والنظر، لا أن ينطلق الإنسان في بحثه ليحشد لرأي قد حسمه وفرغ منه، وإن كان منطلقه عاطفة جيّاشه وحميّة صادقة، فالمقام مقام امتحان القلوب للتقوى، وصدق التحري لمراد الله –عز وجل-، والخضوع والتسليم لحكمه، وبذلك يكتمل النظر، ويتحقق –بتوفيق الله- الوصول إلى الحق بتجرد وإنصاف.
فإذا نظرنا بهذا النظر إلى هذه المسألة فإنا نجد أصلاً عاماً قررته النصوص الشرعية ببيان جلي، وهو تحريم قتل النساء والأطفال ومن ليس من أهل القتال منها:
1- قوله تعالى:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
قال القرطبي (2/348): قال ابن عباس وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد هي محكمة، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم.
2- عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال:"إن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مقتولة فأنكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان" أخرجه البخاري (3014) ومسلم (1744)، قال النووي في شرح مسلم (12/73):"أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا.
3- عن سلمان بن بردة قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ثم قال:"اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً..." رواه مسلم (1731).
4- عن رياح بن ربيع قال: كنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: انظر إلى ما اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال:" ما كانت هذه لتقاتل"، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً فقال:"قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً" أخرجه أبو داود (2324) وصححه الألباني.
فاستنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- قتل المرأة، وبين سبب استنكاره وهو كونها ليست من أهل القتال، فقرن النبي –صلى الله عليه وسلم- كونها لا تقاتل بمنع قتلها، فدل على أن علة القتل هي القتال.
وكذا ذكره –صلى الله عليه وسلم- العسيف، وهو الأجير لحفظ المتاع والدواب فلا يقتل إلا إن قاتل، وبناءً عليه فكل مستأجر لأعمال غير قتالية لا يجوز قتله ولو حضر لأرض المعركة.
5- عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- أنه خرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أميراً على جيش فقال له: ( إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له). أخرجه مالك (973).
6- عن عمر –رضي الله عنه- أنه قال : ( اتقوا الله في الفلاحين). أخرجه البيهقي (9/19).
إن هذه النصوص مجتمعة تدل على أن القتال إنما هو لأهل المقاتلة والممانعة، أما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة فلا يقتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وإذا كان أصل القتال المشروع في الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى:" وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" انتهى مختصراً من مجموع الفتاوى (28/354).
إن هذه النصوص من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وعلماء الأمة الراسخين متواردة على حرمة دم من ليس من أهل القتال، وأنها مصانة بحكم جليّ واضح، فإذا وجد من النصوص ما يظن أن ظاهره يخالف هذا جمع بين هذه النصوص بحيث تأتلف ولا تختلف قائلين (آمنا به كل من عند ربنا)، عائذين بالله أن نشابه من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
ولذلك فإن هذه النصوص المتظاهرة لا يمكن أن تعطل دلالتها، ويبطل معناها بحديث التبييت المشهور.
فإن الاستدلال بحديث (التبييت) المروي في البخاري (3021) ومسلم (1745) عن الصعب بن جثامة – رضي الله عنه - على إباحة قتل الأبرياء من الكفار غير المحاربين استدلال بالشيء في غير موضعه، فلا يصح من وجهين:
الوجه الأول: أن الذين أجاز النبي تبييتهم -ولو أصيب نساؤهم وأطفالهم- إنما هم الكفار المحاربون الذين يقيمون في ديار الحرب، وليس بينهم وبين المسلمين ميثاقٌ ولا عهد، فيدخل النساء والذراري تبعاً. بخلاف هؤلاء المستهدفين في المجمعات السكنية، فهم معاهدون معصومون.
ولذا جاء في لفظ الحديث : "سئل عن الذراري من المشركين". وهؤلاء الأبرياء الذين قتلوا في التفجيرات مقيمون في ديار الإسلام لا في ديار الكفر، ولسنا معهم في حالة حرب، وحتى لو فرض غلط المسلمين بعقد الأمان لهم، فإن الذمة لهم باقية وذمة المسلمين واحدة. وقد نص ابن تيمية مراراً في على أنه شبهة الأمان تنـزل منـزلة الأمان. انظر الصارم المسلول (2/522).
الوجه الثاني: على التسليم بأن هؤلاء حربـيون ، فإن مسألة التبييت إنما جازت للحاجة، وليست هي الأصل، بل الأصل تحريم قتل نساء الكفار وصبيانهم وشيوخهم حتى في ساعة القتال، إذا لم يظهر منهم قتال أو إعانة عليه.
ويبقى جواز التبييت مقيداً بما إذا تعذر تمييز المقاتلة زمن الحرب والقتال، أولم تكن مقدوراً عليها إلا بالتبييت،: إما لقوتهم أو لتحصنهم أو نحو ذلك؛ جمعاً بين النهي عن قتل النساء والأطفال والترخيص بالتبييت.
ولذا لم يقع من الرسول تبييت لليهود وهم مجتمعون في حصونهم وقلاعهم؛ لأنه قد قدر عليهم بغير التبييت .
قال ابن حجر في فتح الباري (6/146) في شرحه لحديث التبييت : " قوله : (هم منهم) أي في حكم تلك الحالة, وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم, بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتله" أهـ.
وقال الشافعي في الأم 7/370 : " وتمنع الدار من الغارة إذا كانت دار إسلام أو دار أمان بعقد عقده المسلمون لا يكون لأحد أن يغير عليها, وله أن يقصد قصد من حل دمه بغير غارة على الدار. فلما كان الأطفال والنساء -وإن نهي عن قتلهم- لا ممنوعي الدماء بإسلامهم ولا إسلام آبائهم، ولا ممنوعي الدماء بأن الدار ممنوعة استدللنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن قصد قتلهم بأعيانهم إذا عرف مكانهم" أهـ.
وكذلك القول في نصب المنجنيق فإنها نصبت على محاربين تحصنوا في حصونهم التي هي دار حرب، وليست كالحال هنا.
أما إذا ثبت أن هؤلاء المعاهدين ردء للعدو أو جواسيس فإن عهدهم ينتقض وهذا من اختصاص ولي الأمر، فينبذ إليهم ويبلغهم ويطردون من البلاد وليس ذلك مبيحاً لقتلهم ابتداءً بلا إنذار ولا ثبوت تهمة فضلاً عن قتل من لا يجوز قتله ممن ساكنهم أو عمل عندهم.


السؤال الرابع
قوله صلى الله عليه وسلم: (أخرجو المشركين من جزيرة العرب) متفق عليه. فدل الحديث على أن كل المشركين من اليهود والنصارى لا يجوز لهم الإقامة في جزيرة العرب، إلا لفترة وجيزة لقضاء حاجة أو استيفاء دين أو غيره، وأنه ليس لهم عهد ولا أمان ولا ذمة، في جزيرة العرب، وخاصة الأمريكان.
وبناءً عليه فالمقيمون في المجمعات السكنية لا ينطبق عليهم هذا الجواز، فلذلك يجب إخراجهم ولو بالقوة.
أما كونهم ليسوا بأهل ذمّة: فالذي نعرفه بأن أهل الذمة هم: أناس يعيشون في بلاد الإسلام، وتجري عليهم أحكام المسلمين ، وهؤلاء لا يكونون في جزيرة العرب؛ لأن الكافر لا يسمح له باستيطان جزيرة العرب ..
أما كونهم ليسوا بأهل هدنة : فنحن تعلّمنا بأن المهادن هو حربي عقدنا معه اتفاقاً على وقف الحرب بيننا وبينه لمدة معلومة على أن يكون في بلاده ، ولا يحارب المسلمين أو يُعين على حربهم.. فالجنود الأمريكان في بلاد المسلمين ، وهم يحاربون المسلمين الآن في العراق وأفغانستان ...إلخ، فكيف يكونون أهل هدنة؟!
ثم ألم ينقض الأمريكان عهدهم في كل حين ، فهل نبقى نحن على عهدٍ هم نقضوه ؟
طبعاً هذا إذا فرضنا مجرد فرضية أن العهد الذي دخلوا به هو عهد صحيح يثبت أثره لعاقده ، لكن الصحيح أن العقد الذي يجيز للكفار الإقامة في جزيرة العرب إقامة طويلة هو عقد باطل، كما ذكر ذلك الشيخ العلاّمة بكر أبو زيد – عضو اللجنة الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء – في كتابه "خصائص جزيرة العرب" (ص 34).
هذا بالإضافة إلى أن الأمريكان محاربون بالاتفاق ، وقد حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن تقتل مقاتلتهم ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال (أصبت حكم الله من فوق سبعة أرقعة) ، فكان الصحابة يأتون بالصبي، فينظرون فإن كان أنبت قتلوه، وإلا تركوه!
فكان هذا دليلاً على أن البالغ من العدو الخائن للعهد ، والمحارب لله ورسوله والمسلمين يعتبر مقاتلاً، يجوز استهدافه وقتله.
فالأمريكان محاربون، خانوا العهد، وحاربوا المسلمين في كل مكان، سواء بالمباشرة كما في أفغانستان، والعراق، أو بالمساعدة كما في الشيشان، وفلسطين بدعمهم للروس، واليهود هناك .
فإن قيل تلك بلاد حرب.. فهل الأمريكان -الذين يدفعون الضرائب، وأيد 70% منهم رئيسهم في الحرب على العراق- ليسوا محاربين ؟ فإن قيل بعضهم ليس محاربا فهل في حالة عدم القدرة على التفريق بينهم يلزمنا أن نكف عنهم جميعا ؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن الذين يبيتون فيصاب من ذراريهم: (هم منهم)؟
ثم إنهم بعد الإنذار بأنهم لا عهد لهم في بلاد المسلمين لا يبقى لهم عهد.
أما كونهم أهل أمان: فنحن نتساءل: من أعطاهم الأمان !! أحاكم اتفق العلماء على كفر مثله لموالاته الكفار، أم حاكم اتفق العلماء على كفر مثله لتحكيمه غير شرع الله؟!


الجواب:
الجواب عن الاستدلال بحديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) من وجوه:
الوجه الأول:
هذا الحديث لا يدل على جواز قتل مَن في جزيرة العرب من اليهود والنصارى والمشركين ألبتة، لا بدلالة منطوقه ولا بدلالة مفهومه.
ولا يدل كذلك على انتقاض عهد من دخل جزيرة العرب من اليهود والنصارى لمجرد الدخول، ولم نجد من قال بذلك من أهل العلم.
وغاية ما فيه: الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وهو أمر موكول إلى إمام المسلمين، ولو كان فاجراً.
ولا يلزم من الأمر بإخراجهم إباحة قتلهم إذا بقوا فيها، فهم قد دخلوها بعهد وأمان، حتى على فرض بطلان العهد؛ لأجل الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمانٍ أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يُعلِمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له.
فقد ذكر المرداوي في "الإنصاف" (10/348-352) (مع المقنع والشرح الكبير) عن الإمام أحمد أنه قال : "إذا أشير إليه ـ أي الحربي ـ بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العلج ( أي العدو من الكفار ) أنه أمانٌ فهو أمان، وقال : إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمّنه، قال الشيخ تقي الدين ـ يعني ابن تيمية ـ : فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده العلج، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه" أ.هـ .
كما أن الأمان يجوز من الإمام الأعظم للكفار، ومن سائر المسلمين لآحاد الكفار، قال في الروض (4/296):"ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنا –أي عبداً- أو أنثى بلا ضرورة من إمام لجميع المشركين ومن أمير لأهل بلدة ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين". فيصح الأمان لهؤلاء الكفار من الإمام ومن سائر المسلمين.
الوجه الثاني:
لا يُسلَّم بقول من قال بأن هؤلاء لا عهد لهم ولا أمان ولا ذمة، فقد قال الشافعي:"فرض الله - عز وجل - قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وقال تعالى:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة:286] فهذا فرض الله على المسلمين ما أطاقوه، ولا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم، وقد كفَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عند كثيرٍ من أهل الأوثان، بلا مهادنة إذا انتاطت دورهم عنه مثل بني تميم وربيعة وأسد وطي، حتى كانوا هم الذين أسلموا، وهادن الرسول –صلى الله عليه وسلم- ناساً، ووادع حين قدم المدينة يهوداً على غير ما خرج أخذه منهم" انظر الأم (4/188).
قال شيخ الإسلام في الاختيارات (ص: 455): "ويجوز عقدها –أي الهدنة- مطلقاً ومؤقتاً، والمؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء، وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة".
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/874): "والقول الثاني هو الصواب أنه يجوز عقدها مطلقاً ومؤقتاً، فإذا كان مؤقتاً جاز أن تجعل لازمة ولو جعلت لازمة جعلت جائزة بحيث يجوز لكل منهما فسخها متى شاء كالشركة والوكالة والمضاربة ونحوها جاز ذلك، لكن بشرط أن ينبذ إليهم على سواء، ويجوز عقدها مطلقة وإذا كانت مطلقة لا يمكن أن تكون لازمة التأبيد بل متى شاء نقضها، وذلك أن الأصل في العقود أن تعقد على أي صفة كانت فيها المصلحة، والمصلحة قد تكون في هذا وهذا، وعامة عهود النبي –صلى الله عليه وسلم- كانت كذلك مطلقة غير مقيدة، جائزة غير لازمة، منها عهده مع أهل خيبر مع أن خيبر فتحت وصارت للمسلمين، ولكن سكانها كانوا هم اليهود".
الوجه الثالث:
أن لأهل العلم في تحديد جزيرة العرب المقصودة في الحديث كلاماً طويلاً وخلافاً مشهوراً بعد اتفاقهم على تحريم استيطانهم لحرم مكة، وليس هذا موضع بسط الخلاف.
الوجه الرابع :
أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب يُحمل على ما إذا لم يحتج المسلمون إليهم في عمل لا يحسنه غيرهم، أو لا يُستغنى عن خبراتهم فيها.
ويدل لذلك إقرارُ النبي –صلى الله عليه وسلم- اليهود على الإقامة بخيبر ليعملوا فيها بالفلاحة، لعجز الصحابة وانشغالهم عن ذلك.
ولذا أبقاهم أبو بكر طيلة حياته، وعمر صدراً من خلافته؛ لحاجة المسلمين إليهم.
ولما كثر عدد المسلمين في آخر عهد عمر، وقاموا بشأن الفلاحة والزراعة؛ استغنوا عن اليهود ونقض بعضهم ذمته، فأجلاهم عمر –رضي الله عنه- إلى الشام.
يقول الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/189) بعد ما ساق مصالحة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليهود خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ما بدا لرسول الله أن يبقيهم:"فلما كان زمن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- غالوا في المسلمين وغشوهم ورموا ابن عمر من فوق بيته ففدعوا يده (والفدع ميل في المفاصل من عظام اليد) فقال عمر -رضي الله عنه-: من كان له سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم، فقال رئيسهم: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله، فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لك: "كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً". وقسمها عمر –رضي الله عنه- بين من كان شهد خيبر يوم الحديبية"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/88-89) : "لما فتح النبي –صلى الله عليه وسلم- خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحةً؛ لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسَّم النبي –صلى الله عليه وسلم- بينهم أرض خيبر، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم –يعني الجهاد- فلما كان زمن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وفتحت البلاد، وكثر المسلمون، واستغنوا عن اليهود؛ فأجلوهم وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد قال:"نقركم فيها ما شئنا". وفي رواية :"ما أقركم الله". وأمر بإجلائهم عند موته –صلى الله عليه وسلم- فقال:"أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب". ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين –الجزيرة- بالجزية، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، وفي المسألة نزاع ليس هذا موضعه" أ.هـ.
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/476) ـ بعد أن ذكر أن الكفار: إما أهل حرب أو أهل عهد، وأن أهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان، قال عن أهل الأمان ـ : "وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام : رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجوا، ولا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، و لم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربيا كما كان" اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله ـ شرح صحيح مسلم (مخطوط): ـ عندما سئل: هل يجوز استخدام العمال من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ؟ ـ فقال : "نعم يجوز ذلك ، لكن لا يجوز أن يسكنوا ويكونوا مواطنين، هذا ممنوع في جزيرة العرب لكن إذا دخلوا في تجارة أو عمل غير مقيمين دائماً فلا بأس"أهـ.
ويشهد لذلك ما رواه البخاري في صحيحه (3700) في قصة مقتل عمر رضي الله عنه الطويلة، وفيه أنه لما قُتل أمر ابن عباس أن ينظر من الذي قتله، فلما أخبره أنه أبو لؤلؤة ـ قال عمر : "قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال ـ أي ابن عباس ـ : إن شئت فعلت ! ـ أي إن شئت قتلنا، قال: كذبت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم !..." .
قال ابن حجر : في الفتح (7/64) : قوله : "قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة" في رواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين، عن ابن عباس، فقال عمر : "هذا من عمل أصحابك ! كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي ، فغلبتموني"، وله من طريق أسلم مولى عمر قال : قال عمر : "من أصابني ؟ قالوا : أبو لؤلؤة ، واسمه فيروز ، قال : قد نهيتكم أن تجلبوا عليها من علوجهم أحداً فعصيتموني". ونحوه في رواية مبارك بن فضالة .
وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال : "بلغني أن العباس قال لعمر ـ لما قال : لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء ـ : إن عمل المدينة شديد ، لا يستقيم إلا بالعلوج" .
قوله : "إن شئت فعلت" قال : ابن التين : إنما قال له ذلك ؛ لعلمه بأن عمر لا يأمر بقتلهم .
قوله : "كذبت" هو على ما أُلِفَ من شدة عمر في الدين ؛ لأنه فهم من ابن عباس ـ من قوله : "إن شئت فعلنا" ، أي قتلناهم، فأجابه بذلك ، وأهل الحجاز يقولون: "كذبت" في موضع "أخطأت"، وإنما قال له "بعد أن صلوا" ؛ لعلمه أن المسلم لا يحل قتله ، ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم " انتهى .
فهذا الصنيع من عمر رضي الله عنه ـ وهو الذي أجلا اليهود إلى تيماء وأريحاء ـ دليل على أنه فَهِمَ من الأمر بالإخراج أنه إخراج خاص بالمواطنين، وأما المقيمون من هؤلاء إقامة غير دائمة، أو الواردون على المدينة ـ وهي من الجزيرة بالإجماع ـ فلا يشملهم النهي .
ولم يكن عمر ـ وهو مَنْ هو في قوته في دين الله ـ ليجامل العباس أو ابنه في بقاء العلوج وهو يرى أن ذلك محرم ،ولكنه كان يرى أن ذلك ـ أي عدم استقدامهم ـ أولى، ولكنه لم يلزم به، مع أنه إمام هدى، وأمير المؤمنين، وأحد الخلفاء الراشدين، ومثله ـ لإمامته العامة ـ يسوغ له أن يأمر بما يرى مصلحته، وإن كانت المسألة من مسائل الاجتهاد، ويجب السمع والطاعة له، ومع ذلك لم يفعل عمر من ذلك شيئاً ! .
فأي برهان أوضح من هذا على دلالة حديث الأمر بإخراج اليهود والنصارى ـ الذي كان عمر أحد رواته ـ كما ثبت في صحيح مسلم.
كما يشهد لهذا ما رواه ابن خزيمة في صحيحه (1329) عن جابر -رضي الله عنه - في قوله تعالى: "إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"..الآية، [التوبة: 28] قال: "إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة -أي له عقد أمان مع المسلمين، وليس المقصود أهل الذمة بالاصطلاح الفقهي المعروف-.
فتُحمل ـ إذاً ـ دلالة حديث إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب على المنع من استيطان المشركين لجزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت، أو التجارة كما هو شأن الكفار الوافدين.
الوجه الخامس:
أن الكفار في البلاد في الجملة أهل وفادة وليسوا من أهل الإقامة، وهذا لا يسوّغ الدخول لكل وافد من الكفار، فإن هذا يُمنع بمناط آخر، لكن من احتاجه المسلمون ساغ وفوده , وقد قاله النبي في وصيته التي فيها ذكر إخراجهم: ( وأجيزو الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) كما في الصحيح، البخاري (3053)، ومسلم (1637)، وكأنه تنبيه على الجمع بين الحكمين, وأنه لا تعارض بينهما. ولهذا فإن عمر لما أخرج اليهود؛ استند إلى الحديث, لكنه مع ذلك ترك بعض أعيان الكفار من الرقيق وغيرهم لم يخرجهم فتأمل هذا.
الوجه السادس:
أن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب يلزم منه أن تكون دماء الكفار من غير الأمريكيين والأوروبيين مهدرةً، وأموالُهم مباحةً؛ فليس انتقاض العهد بالإقامة في الجزيرة مخصوصاً بالنصارى الأمريكان والأوربيين وحدهم!
فيلزم من القول بإهدار دماء نصارى الأمريكان والأوربيين القولُ بإهدار دماء وإباحة أموال نصارى الدول الأخرى، إذ جميعهم نصارى مشركون، وهم في الحكم سواء.
ولا شك أن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب، ومن ثم إهدار دمه وإباحة ماله يفضي إلى فوضى واضطراب وظلم.
ومما يعجب له أنه على مدار عشرات السنين لم يثر هذا الأمر ليكون سبباً لقتال أهل الأمان مع وجودهم بين ظهرانينا.
إن هذا ظاهر في أن مسألة جزيرة العرب لم تكن مسألة أصلية لدى هؤلاء، وإنما استدعيت لتقوية الموقف الحادث من هذه التفجيرات.
الوجه السابع:
أن فساد الوصف لا يلزم منه فساد الأصل، ولو فرض أن الأمان المعطى لطائفة من الكفار قد تضمّن شروطاً فاسدة، فإن هذا لا يلزم منه فساد عقد الأمان وإهدار دم الكافر.
ثم إن إنذار العدو (أمريكا مثلاً) بنقض العهد وإعلان الحرب ليس موكولاً لآحاد الناس ؛ بل هو موكول إلى أولي الأمر من العلماء والسلطان الأعلى للدولة. ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الجهاد مع ولي الأمر، براً كان أو فاجراً، والسمع والطاعة بالمعروف كما في الحديث: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" أخرجه البخاري (7142) من حديث أنس – رضي الله عنه –. وفرقٌ بين إنكار المنكر وحض الحاكم على إنكاره بقدر المستطاع، وبين الإقدام على التغيير باليد، وارتكاب مفاسد لا حصر لها.
الوجه الثامن:
ليس كل موالاة للكفار تكون كفراً، فقد اشترط بعض العلماء مع مساعدة الكفار المودة لهم؛ لقول الله عز وجل:"تلقون إليهم بالمودة" [الممتحنة:1] واشترط بعض العلماء ألا يخشى المسلم سطوة الكافر وظلمه عن المساعدة، لآية الممتحنة وقصة حاطب بن أبي بلتعة (راجع تفسير القرطبي سورة الممتحنة).
قال الشيخ عبداللطيف بن حسن في الدرر السنية (1/466): "وأما إلحاق الوعيد المترتب على بعض الذنوب والكبائر فقد يمنع منه مانع في حق المعين كحب الله ورسوله ... إلى قوله: وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة وما فيها من الفوائد، ففعل حاطب نوع من الموالاة بدليل سبب نزول الآية في قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة..." الآية، فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به ولم يكفر لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:"خلوا سبيله".
كما أنه يلزم من هذا تكفير المعين، وتكفير المعين لا بد من شروطه وانتفاء موانعه، قال الشيخ ابن تيمية في الفتاوى (12/498) : "وأما الحكم على المعين، بأنه كافر أو مشهود له بالنار فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه أنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وقال ابن تيمية –رحمه الله- عن الإمام أحمد في المجلد (23/348):"وإنما يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته والقائلين بخلق القرآن، وقد ابتلي بهم الإمام حتى عرف حقيقة أمرهم، ومع ذلك ما كان يكفر أعيانهم" انتهى.
وأيضاً قال ابن تيمية في المجلد (12/466):"وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبيَّن له، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد قيام الحجة وإزالة الشبهة".
الوجه التاسع:
أن كفر الحاكم ليس موجباً لبطلان عقد الأمان؛ لأن الكافر دخل بلد الإسلام على أن الحاكم نافذ الكلمة وله الولاية والسلطة.
والأمان ليس من الأمور التي لا تقام إلا بأمر الأمير وحده، ولا يشترط فيها تمام شروط الولاية بل الثابت عكس ذلك؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المؤمنين: (يسعى بذمتهم أدناهم) أخرجه البخاري (3179)، ومسلم (1370)، وأحمد (993)، من حديث علي – رضي الله عنه - وكذلك أمان أم هانئ للمشركين: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336/82 – كتاب الصلاة، من حديث أم هانئ -رضي الله عنها-، ولذا نص العلماء –كما سبق- على أن الأمان يصح من كل مسلم ولو عبداً أو أنثى.
ومهما يكن من شيء: فقد اختلف العلماء في المقصود بإخراجهم, وهي مسألة محل اجتهاد، وفيها خلاف معروف. ومن تمسك برأي سابق للأئمة فلا يجوز الطعن عليه, فضلاً عن نقض العهد برأي آخر، وإلا لسقطت كثير من العقود في المعاملات والعقود بين المسلمين أنفسهم , لوجود من يقول ببطلان أو فساد هذا العقد أو ذاك، ومعلوم أن مسائل العقود والعهود فيها نزاع كثير معروف في كلام الفقهاء، وليس لمن رأى رأياً مخالفاً أن يحمل الناس عليه، أو يفتات على جماعة المسلمين بتنفيذه.
 


السؤال الخامس
المجاهدون ـ أو ما تسميه أمريكا تنظيم القاعدة ـ ليس بينهم وبين أمريكا عهد، فيجوز لهم قتالهم، قال ابن القيم: "ومنها: أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم . وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -قدس الله روحه- نصارى ملطية وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين)".

الجواب:
صحيح أن المجاهدين أو ما يسمى بـ"تنظيم القاعدة" ليس بينهم وبين أمريكا عهد ولا ذمة، فيجوز لهم قتال الجنود الأمريكان اللذين غزوهم واحتلوا ديارهم، ولكن لا يجوز لهم قتال الأمريكان المدنيين في بلادٍ لهم فيها عهد وأمان حتى يخرجوا منها.
أما أبو بصير -رضي الله عنه- حينما قاتل كفار قريش، فإنه لم يقاتلهم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي محلُ أمان لمن تحيَّز إليها منهم؛ لأنهم فيها معصومون مستأمنون.
بل لم يقتل أبو بصيرٍ رسولَ قريش حين رآه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الرسول قد فرّ من أبي بصير بعد أن قتل أبو بصير صاحبَه، مع أنه لم يكن ثمة عهد بينه وبين هذا الرجل. فالذي منعه من هذا هو أن الرجل قد تحيَّز إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا التقييد مستفادٌ من النص ذاته، المنقول عن ابن القيم رحمه الله، حيث قال: "ومنها ـ أي من فوائد قصة أبي بصيرـ : أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم".
فنلحظ أن ابن القيم قد قيَّد جوازَ قتلِ الطائفة التي لم تدخل في عقد الإمام وعهده (كأبي بصير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للمعاهدين بألاّ تتحيَّز الطائفة إلى الإمام؛ إذ من مقتضى المعاهدة والأمان أن يحمي الإمام المعاهدين من أي اعتداء عليهم متى كانوا في سلطانه.
وهذا صريح في استقلال كل دولة أو جماعة بذمتها وعهودها، ولذا لم يكن مشروعاً للذين ليس بينهم وبين الأمريكان عهد أن يعتدوا عليهم في بلادٍ لهم مع أهلها عهدٌ وذمة.
 


السؤال السادس
كنّا نظن بأن هؤلاء الكفار كانوا يتدخلون في شؤوننا -وما زالوا- منذ أكثر من أربعة قرون ، يعني : قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن ، وقبل تفجيرات الرياض والخُبر، وقبل احتلال فلسطين وأفغانستان، بل منذ أن أوجد الرسول صلى الله عليه وسلم نواة المدينة الإسلامية الأولى في مدينته صلى الله عليه وسلم !! فما الذي تغيّر !!
نحن كنا نظن بأن هؤلاء الكفار لا يزالون يقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا ، قاتلناهم أم لم نقاتلهم !! نحن كنا نظن بأن هؤلاء الكفار لم ولن يرضوا عنّا حتى نتبع ملّتهم ، فجّرناهم أم لم نفجّرهم !! نحن كنا نظن بأنهم ينفقون أموالهم ليصدونا عن سبيل الله ، ترصدنا لهم أم لم نترصّد لهم !! نحن كنا نظن أنهم يريدون لنا الشرّ وما زالوا يحاربون ديننا ، جاهدناهم أم لم نجاهدهم !!
لم يقل الصحابة: يا رسول الله: لا تُغير على قوافل قريش فتستعدي قريشاً!! يا رسول الله: لا تقاتل الكفار في الجزيرة فيجتمعوا على حربك!! يا رسول الله: لا تحشد الجيوش لقتال قيصر، وإنْ حشد الجيوش لاستئصال الإسلام، فإنه لا قبل لنا بهرقل وجنوده ، وعليك بالحوار والنقاش البنّاء، عليك بحوار الشجعان، وجهاد البيان لا السنان!! يا رسول الله لا تُنفذ بعث أسامة، يا خليفة رسول الله لا تنفذ بعث أسامة، لا تستعدِ علينا الروم!! لا قِبَل لنا بالروم.. أين نحن وأين الروم؟!! يا خليفة رسول الله: وماذا لو ارتدّت العرب؟!! ابق في المدينة ولا تخرج لهم وادعهم إلى الإسلام بالرفق واللين فنحن ضعفاء، وماذا لو تركوا دفع الزكاة، ما زالوا يُصلُّون!! يا خليفة رسول الله: لا تقاتل القوى العالمية الكبرى، فلا قِبَل للمسلمين بهم، وعليك بدعوتهم بالندوات والمحاضرات والبيانات والنقاشات والحوارات عبر الوسائل الإعلامية المُتاحة!!.


الجواب:
ونحن نسألكم: متى بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يغير على قوافل قريش، ويبعث السرايا والجيوش، ويغزو قبائل العرب، ويخرج لغزو الروم ؟! إنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن قويت شوكة المسلمين وكثر عددهم، وصارت لهم دولة تؤويهم وتحميهم.
ألم يمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة ممنوعاً من قتال كفار قريش، مأموراً بالصبر والصفح وكف اليد، حتى إذا هاجر إلى المدينة، وصارت له قوة ومنعة وشوكة أُمر بالجهاد والنفير لقتال الأعداء.
لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بجهاد اللسان والبنان قبل السيف والسنان، وجاهد بالقرآن وحاور وراسل وكاتب، فمن فعل فعله فقد اهتدى بهديه، واستن بسنته، ولا يصح أن يقال من أخذ بهذا إنه خوار جبان.
ثم ما تبلغ هذه التفجيرات في بلاد المسلمين -والتي يقتل فيها عشرات من الكفار المدنيين- من النكاية بالأعداء والإثخان فيهم؟!
لا نشك أن هذه الأعمال تمنح الأعداء الذريعة بالمجان؛ للتدخل في شؤون البلاد الداخلية وتحقيق بعض مآربهم.
إن هذه الأعمال ظاهرة المفسدة عديمة المصلحة، حتى ظن بعض الأخيار أنها من تدبير الاستخبارات الصهيونية والأمريكية، وليست من عمل المسلمين.
ما منا من أحد ألا وهو يفرح بالنكاية في الأعداء والإثخان فيهم وقتلهم، ولكن حيث يكون العمل مشروعاً ظاهر المصلحة، ينفع المسلمين ولا يضرهم.
وقد ذكر العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام (95):"أن أي قتال للكفار لا يتحقق به نكاية بالعدو فإنه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من فوات النفوس وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا صار مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة". انتهى مختصراً.
وليت هؤلاء فعلوا فعلتهم هذه في المعسكرات اليهودية في فلسطين أو في الثكنات العسكرية الصليبية في العراق، لكان فعلاً مشروعاً لا يجد أحدٌ مدخلاً لإنكاره وتخطئة فاعله. فهو جهاد في سبيل الله، وقتال للمحتل الغاشم، ودفاع عن بلاد المسلمين .
 


السؤال السابع:
لو اقتصرتم على إبداء وجهة النظر في تقدير المفسدة المترتبة على هذه الأعمال، لكان أخير من الحكم عليها شرعاً بالتحريم ، وأمر هذه العمليات لا يخرج عن الإطار الذي تشكل ملامحه النقاط السابقة المذكورة . لكنكم حرمتم وجرمتم ولم يقتصر الحديث عن المصالح والمفاسد . علماً أن تقدير المصالح أمر نسبي، وفي ظل عدم وجود حكومة مسلمة معتبرة تتولى الفصل في هذه المسائل ، فإن كلاً سيبقى يغني على ليلاه .
فإن صدق أن من قام بتلك العمليات من المجاهدين ، فإن المجاهدين يعتبرون أمريكا مستهدفة في كل مكان، ولا يقسمون السياسات الأمريكية وفق مصالح الحكومات ونظرة مشايخنا –غفر الله لهم-، كما أن المجاهدين لا يعتدون بتحالفات الحكومات مع أمريكا المحاربة للإسلام والمسلمين، وينظرون لتلك الحكومات على أنها معطلة لأحكام الشريعة.


الجواب:
الذي ندين الله به، ونرى أنه لا يسعنا السكوت عنه هو إنكار هذه التفجيرات في بلاد الإسلام، فهو منكر عظيم، فيه سفك للدماء البريئة، وترويع للآمنين وإفساد في الأرض، لذا يجب إنكاره والبراءة منه ـ كما هو الواجب في سائر المنكرات ـ ، وتخطِئة فاعله، فالمنكرات التي يجب على المسلم إنكارُها ليست مختصةً بالفواحش، وتضييع الفرائض، وأكل المال الحرام، ونحو ذلك مما هو من قبيل التفريط في التدين. ولكنه يطال أيضاً مظاهر الإفراط، كالغلو والعنف التي هي أشد فتكاً وأعظم خطراً.
فالمسألة ليست مجرد موازنةٍ بين المصالح والمفاسد، حتى يقول لنا أحد: إنه يسعكم أن تسكتوا ولا تثرِّبوا، وتعذروا ولا تُدينوا!
ومع ذلك فنحن لا نكفر من فعلها لمجرد فعلها، ولا ننهى ولا نتورع من الترحم عليه والاستغفار له والصلاة عليه.
إن التفريق بين النظر المصلحي والحكم بالحرمة والقول بأن التقدير للمصالح نسبي، وأنه لا جهة مسؤولة عن تقدير هذه المصلحة، بل كل يجتهد ويقدر ما يشاء، فهذا أمر لا يصدر عن فقه للاعتبارات الآتية:
الأول: أن أهل العلم قد نصوا على حالات يحرم فيها القتال، وذلك إذا أدى إلى ضرر بليغ بالمسلمين، ومعلوم أن تقدير هذا الضرر نتاج النظر المصلحي.
الثاني: أن هؤلاء النافين للربط بين النظر المصلحي والتحريم هم يربطون بالفعل بين النظر المصلحي والوجوب، فيوجبون مثل هذه التصرفات بناء على ما ارتأوه من المصلحة، فكيف تكون المصلحة موجبة للفعل، ولا تكون المفسدة محرمة لفعل آخر؟!.
الثالث: أن كون المصلحة من الأمور النسبية لا يعني عدم حاجتها للضوابط الشرعية، فإن الاجتهاد الشرعي من الأمور النسبية، ومع ذلك لم يجز لكل أحد أن يجتهد حتى يستكمل الأدوات التي نص عليها أهل العلم، ومن المعلوم أن أمور السياسة الشرعية العامة أحوج إلى هذا الضبط من الأمور الفقهية الخاصة، فإنها تحتاج مع العلم إلى معرفة بواقع الناس، وتجربة واسعة وحسن تقدير للأمور وتشاور بين أهل الاختصاص.
من المقرر لدى أهل العلم أنه يجب الرجوع حين التنازع إلى الكتاب والسنة من خلال أهل الاجتهاد والنظر، ولا يكاد ينازع أهل العلم والنظر في مفسدة ما حدث من هذه التفجيرات.
 


السؤال الثامن
إذا كانت إدانة هذه التفجيرات لأنها نقض لأمان ولي الأمر لمن استأمنه من هؤلاء الكفار المستهدفين، وبالتالي فهو خلل في الالتزام بالبيعة في أعناقنا لولي الأمر، فنحن ليس في أعناقنا بيعة لولي الأمر، حيث لم يبايعه أي واحد منا، وعلى فرض أن في أعناقنا بيعة، فأين العهد والأمان اللذين أعطاهما ولي الأمر لهؤلاء الكفار من يهود ونصارى؟

الجواب:
أما ما يتعلق بالبيعة فأهل الحل والعقد في البلاد من علماء ووجهاء وأعيان قد بايعوا ولي الأمر بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن القوم من رجال ونساء، كما كان الشأن في ذلك حينما قام المقدمون في قومهم عن عموم المسلمين في مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم من جاء بعدهم من ملوك المسلمين، فلم تكن المبايعة من العموم فرداً فرداً من ذكور وإناث، وإنما كانت مبايعة المقدمين منهم من أهل الحل والعقد مبايعة عامة عن جميع المسلمين في تلك البلاد، ولم يقل أحد من علماء المسلمين كافة أن مبايعة ولي الأمر عينية على كل مكلف من ذكر أو أنثى، بل هي فرض كفاية إذا قام بها البعض من أهل الحل والعقد صار ذلك القيام عن الباقين، ولزمت البيعة الجميع.
أما التساؤل عن العهد المعطى لهؤلاء الكفار في بلادنا من قبل ولي الأمر، فهو التأشيرة التي لا يدخل الأجنبي البلاد إلا بحصوله عليها، وهي تعني عقداً يقتضي العهد والأمان لحاملها من حيث حمايته وحماية حقوقه حتى يبلغ مأمنه، كما تعني رعاية هذا الأجنبي لتعليمات وتنظيمات البلاد ورعايته لأعرافها وتقاليدها وحقوقها، فالتأشيرة عقد بين حاملها ومصدرها تعني الحقوق والواجبات، والله سبحانه يقول:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، وقال تعالى:"وأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم".
والنصوص من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- في الحض والتأكيد على الوفاء بالعقود والعهود متضافرة في ذلك، والله المستعان.

 

حول التفجيرات
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية