اطبع هذه الصفحة


حول أحداث تفجير الرياض

محمد بن عبدالله الدويش

 
تركت التفجيرات التي حصلت مؤخرا في مدينة الرياض صدى في الساحة الفكرية والدعوية، وهذا الصدى يتجاوز بكثير دوي الانفجار وآثاره المادية.
ومن الطبيعي أن يكثر الحديث والتعليق على مثل هذه الأحداث، وترد الأسئلة كثيرا حول الموقف منها، والتعامل معها.
لذا رأيت أن أسطر في هذه العجالة رأيي الشخصي في هذه الأحداث وهو لايعدو أن يكون رأيا شخصيا لا يخلو بالضرورة من الخطأ والزلل، فإن اصبت فيه فبتوفيق الله وتسديده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله بريئان مما أقول.
وأرى أن ضخامة الحدث لا ينبغي أن تؤدي إلى فقدان التوازن في تفكيرنا، وأننا ينبغي أن نتعامل مع الحدث بعيدا عن مجرد الألفاظ الصحفية التي تقتصر على ترديد الشجب والاستنكار.
لماذا حصلت هذه الأحداث؟
حتى الآن ليست هناك أدلة قاطعة على الفاعل، لكن هناك بلا شك من يتبنى القيام بمثل هذه الأعمال من المحسوبين على التيار الجهادي، فما الذي يدفع أمثال هؤلاء لمثل هذا العمل.

ثمة أسباب عدة يمكن أن نحيل إليها هذه الظاهرة:
الأول: أن هناك اتجاه للغلو والتطرف لدى بعض الناس بطبعيته، ولذا رأينا هذه الظاهرة ظهرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم رغم انتفاء العوامل التي نعيشها اليوم.
الثاني: الضعف والذل والهوان الذي سيطر على الأمة في هذه الأيام، فأدى ذلك إلى إحباط وشعور باليأس، وبحث عن التغيير بمثل هذه الأعمال.
الثالث: التسلط الغربي، والإرهاب العالمي الذي تمارسه أمريكا، أو تمارسه إسرائيل بحمايتها ودعمها.
الرابع: أساليب الضغط والتعذيب التي تمارس في حق بعض الشباب، واعتبار السفر إلى مواطن الجهاد تهمة وانحراف.
الخامس: عدم قدرة كثير من الدعاة وطلبة العلم على استيعاب الشباب وقلة من يفتح صدره لهم ويستمع إليهم.
السادس: الموقف السلبي الذي يتخذه بعض الدعاة من أعمال الجهاد، أو من الشباب الذين يسافرون إلى مواطن الجهاد، والنفور منهم.
السابع: غياب الرؤية الإصلاحية البعيدة المدى، وسيطرة التفكير العاطفي المتعجل لدى فئة كبيرة من شباب الصحوة.

الموقف من العمل نفسه:
لا شك أن الإقدام على مثل هذا العمل لايجوز شرعا، ولا يحقق المصلحة الدعوية المرجوة لما يلي:
1- أن كثيرا من ضحايا هذا الحدث من المسلمين، ودماء المسلمين معصومة، فقتل النفس المسلمة قتل بغير حق وهو من السبع الموبقات، وقد يُحرم المرء من الجنة بدم أراقه، عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :"مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقْ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَقَالُوا أَوْصِنَا فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ"( رواه البخاري). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا"(رواه النسائي)
2- أن غيرهم من الكفار فيهم من ليس من المقاتلين بل هو ممن قدم إلى بلاد المسلمين بعهد أو شبهة عهد، وقد ثبت في الصحيح من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا.
وينطلق بعض الشباب في استباحة من يفدون معاهدين إلى بلاد الإسلام من منطلق عدم شرعية الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية، ويترتب على ذلك بطلان عهودهم.
وحتى لو سلمنا بهذا المنطلق فإن الواقع أن هؤلاء المعاهدين من قبل الأنظمة التي تعلن الإسلام وتنتسب له لهم شبهة عهد، وقد روى عبد الرزاق في المصنف (5/222) والبيهقي (9/94) وسعيد بن منصور، وأبو عبيد في الأموال (ص181) عن فضيل الرقاشي قال: شهدت قرية من قرى فارس يقال لها شاهرتا فحاصرناها شهرا، حتى إذا كنا ذات يوم وطمعنا أن نصبِّحهم انصرفنا عنهم عند المقيل، فتخلف عبد لنا فاستأمنوه، فكتب إليهم في سهم أماناً، ثم رمى به إليهم، فلما رجعنا إليهم خرجوا في ثيابهم، ووضعوا أسلحتهم، فقلنا: ما شأنكم؟ فقالوا: أمنتمونا، وأخرجوا إلينا السهم، فيه كتاب أمانهم، فقلنا: هذا عبد، والعبد لا يقدر على شيء، قالوا: لا ندري عبدكم من حركم، وقد خرجوا بأمان، قلنا فارجعوا بأمان، قالوا: لا نرجع إليه أبداً، فكتبنا إلى عمر بعض قصتهم، فكتب عمر: أن العبد المسلم من المسلمين، أمانه أمانهم، قال: ففاتنا ماكنا أشرفنا عليه من غنائمهم.
وروى عبد الرزاق (5/222) وسعيد بن منصور عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما رجل دعا رجلا من المشركين، وأشار إلى السماء فقد أمنه الله، فإنما نزل بعهد الله وميثاقه.
وعقد الأمان ليس قاصرا على السلطان، فالمسلمون يجير بذمتهم أدناهم، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبيد:"فقوله صلى الله عليه وسلم: يسعى بذمتهم أدناهم: هو العهد الذي إذا أعطاه رجل من المسلمين أحداً من أهل الشرك جاز على جميع المسلمين، ليس لأحد منهم نقضه ولا رده، حتى جاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في النساء" (ص180).
3- أن مثل هذا العمل لايحقق المصالح المرجوة منه، بل الواقع أن مفاسده أكثر من مصالحه، ومن مفاسده مايلي:
أ – تحقيق مزيد من تسلط الغرب على بلاد المسلمين، ومطالبتها بمزيد من التنازلات وتغيير الواقع.
ب – استغلال مثل هذا العمل من قبل فئات كبيرة من المفسدين، وهم اليوم أعلى صوتا وأمكن كلمة، فيستثمرون هذا الحدث وغيره لتحقيق مزيد من أهدافهم.
ج – تشويه صورة الصالحين لدى الناس، وظهورهم بمظهر القتلة ومريقي الدماء، بخلاف موقف الناس ممن يجاهد في فلسطين والشيشان وغيرها فمعظمهم يدعمونهم ويؤيدونهم وقد رأينا ذلك في تعاملهم مع من استشهد منهم.
د – أن ذلك يكون سببا لتعويق كثير من المجالات الدعوية المفتوحة، والتضييق عليها، ومحاصرة الدعاة وطلبة العلم.
وغاية مايتحقق –لو كانت الضربات للقوات- هو مجرد استنزاف لا تتلاءم مصلحته مع المفاسد الناشئة عنه.

محاذير:
وفي هذا المقام ينبغي التأكيد على مايلي:
1. يجب أن يحذر الشاب المسلم من التعجل في اتخاذ المواقف، وكلما عظمت المواقف وزاد أثرها تأكد التروي والتثبت في اتخاذها، ومما يؤكد التروي والتثبت في مثل هذه المواقف أمران مهمان:
1-1- أن من يعمل هذا العمل يتعمد قتل نفسه، وليس للمرء إلا حياة واحدة، فلا مجال بعد الموت للتوبة أو التراجع، نسأل الله أن يختم لنا وإياكم بطاعته.
1-2- أن آثار هذه الأعمال تمس المجتمع وتمس الأمة، ومفاسدها خطيرة، فهي ليست احتسابا على منكر محدود، أو على شخص من الناس، وليست تجربة دعوية محدودة يمكن تقويمها، بل إن مثل هذا العمل عرضة لأن يجر المجتمع بأسره إلى فوضى وفتن لا تنتهي، فكيف يرضى الشاب لنفسه أن يكون سببا في ذلك؟
2. في مثل هذه المواقف يجب الصدور عن العلماء الربانين، والأمة تملك بحمد الله العديد من أهل العلم الصادقين المستقلين في مواقفهم، وليحذر الشاب أن يتخذ له إماما من الناس لم يبلغ درجة الرسوخ في العلم، وغاية ما يبرر له اتباعه أنه يتفق معه، ثم يلغي الآخرين بعد ذلك.
والسؤال المهم اليوم: من هو العالم الذي يجيز مث هذا العمل ممن يدين المسلم ربه بفتواه؟ وهي يسوغ أن يتتخذ الموقف في مثل هذه القضايا العظام فئة من الشباب الذين لم يتحقق لديهم الرسوخ في العلم؟ فكيف حين يكون جمهور الأمة بخلاف هذا العمل؟
3. يجب الحذر من القول بأن أمثال هؤلاء مجتهدين، فهذه المسائل قطعية في الدين، والقائمون بذلك ليسوا أهلا للاجتهاد.
4. لا بد من أن تتسع نظرتنا الإصلاحية في المجتمع، ولنعلم أن مسيرة الإصلاح مسيرة طويلة، ومن سنة الله ألا يتم إصلاح الأوضاع المعقدة من خلال أعمال متسرعة، وهاهي التجارب السابقة في الشام، وفي مصر، وفي الجزائر، هاهي يتراجع أصحابها عنها بعد أن أراقوا الآلاف من الدماء، وأخروا الإصلاح في مجتمعاتهم إلى مراحل، فلم نكرر التجربة مرة أخرى؟
5. ينبغي ألا تشغلنا فداحة الأمر عن حسن المعالجة، فالذين قاموا بمثل هذا العمل مضوا وانتهوا، لكن بقي غيرهم ممن يحمل الفكر نفسه، أو هو معرض لذلك، وهؤلاء لن يمكن صرفهم وإقناعهم من خلال التهجم واللوم العنيف، فإن كنا نريد تسجيل موقف فنعم، أما إن كنا نريد إقناع الشباب وحماية المجتمع فالهدوء في التعامل معهم، والسعي لإقناعهم، وتحمل ما قد يصدر من بعضهم، كل هذا هو الطريق الطبيعي لتحقيق الهدف.
6. يجب أن نحذر من توسيع الدائرة، فلا يسوغ انتقاد الأعمال الجهادية المشروعة القائمة في فلسطين والشيشان وكشمير وغيرها من المواقع، وكون بعض هؤلاء الشباب المنفذين ممن شاركوا في تلك المواقع ليس مبررا للتهجم عليها، فالجهاد حصن للأمة، وذروة سنام الإسلام، ولا بد من دعم هذه المواقع الجهادية والوقوف معها، والبعد عن خلط الأوراق.
7. يجب الحذر مما يسعى
8. إليه طائفة ممن يسعون لتوسيع الدائرة بحسن نية أو سوء نية، فيتهمون الشباب الصالح ، ويربطون التدين بهذه الأعمال، وينادون بالحد من الأنشطة الدعوية، بل إن هذه المقالات تزيد النار اشتعالا، وتزيد الشباب غلوا واقتناعا بمثل هذه الأعمال.
وفي الختام فوصيتي لنفسي وإخواني تقوى الله تبارك وتعالى، والرجوع إليه في السراء والضراء، والإلحاح عليه بالدعاء.

محمد بن عبدالله الدويش
 

حول التفجيرات
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية