اطبع هذه الصفحة


تفجيرات الأردن.. أخطاؤها وتأثيرها على مسار القاعدة

ياسر الزعاترة

 
لم يحدث أن حظيت عملية بذلك الكم من الإدانة والرفض الذي وقع لتفجيرات التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني في العاصمة الأردنية عمان، ربما إلى جانب عمليات الدار البيضاء التي كانت أقل شهرة بكثير، رغم السياق المتشابه.

واللافت أن الرفض قد شمل أيضاً جحافل من المتعاطفين مع القاعدة وأسامة بن لادن، بل ومع الزرقاوي الذي تبنى العمليات، حيث رأى هؤلاء جميعاً أن خطأ فادحاً قد وقع وفق كل المقاييس الشرعية والأخلاقية والسياسية وحتى الأمنية والإعلامية.

الأخطاء السياسية للعملية
يبدأ الخطأ في عمليات عمان من اختيار الساحة، إذ لا يعقل أن يبادر تنظيم يخوض حرباً شرسة ضد عدو يعتبره أساسياً، بل الأساسي في جميع أدبياته، وفي ساحة يواجه فيها مائة وخمسين ألف جندي من جنوده، يبادر إلى تركها نحو ساحة أخرى ملتبسة بدعوى أنها تمنح بعض التسهيلات لتحركات ذلك العدو.

يضاف إلى ذلك ما يمكن أن يترتب على تلك التفجيرات من تداعيات، إذ معلوم أن الأردن، مهما بذل من جهود لمنع مرور بعض الدعم للمقاومة في العراق، فلن يفلح ما دام آلاف العراقيين يتدفقون منه وإليه بشكل يومي.

وما من شك في أن ما جرى سيضاعف الجهود الأمنية الأردنية لمراقبة هؤلاء وما يحملونه ذهاباً وإياباً، الأمر الذي سيصيب بدوره بعضاً من خطوط الإمداد للمقاومين.

صحيح أن بعض الإمداد للقوات الأميركية يأتي من الأردن، ولكن الثابت أيضاً أن الأردن وفق إمكاناته وخياراته السياسية لا يمكنه رفض ذلك ومقاومة الضغوط المترتبة عليه، الأمر الذي ينطبق على الكويت والسعودية، وربما البحرين وقطر أيضاً، وهو ما ينسحب على قضية تدريب القوات العراقية التي تشارك فيها دول عديدة من بينها مصر، من دون أننا نبرر ذلك، فنحن هنا نتحدث في شأن سياسي أولاً وأخيراً، فضلاً عن أن رفض تلك الممارسات ينبغي أن يتم من خلال القوى الحية في الأمة، وليس من خلال ممارسات من هذا اللون لا تصيب غير الناس الأبرياء.

صحيح أيضاً أن أركان الحكومة العراقية التابعة للاحتلال يأتون ويذهبون من الأردن، لكن ذلك لا ينبغي أن يتجاهل حجم الهجمة التي تشن عليه من قبل أركان حكومة الجعفري ومن يوالونها، بل إن شماتة ما بعدها شماتة قد فاضت من فضائياتهم وتصريحاتهم طوال الأيام التي تلت التفجيرات.

أما الأهم من ذلك فهو أن التحركات التي تتم من خلال الأردن لا تنحصر في أركان الحكومة العراقية، بل تبدو أكثر حجماً وأهمية بالنسبة لمن يعارضونها، سواء كانوا من الفريق الشيعي على شاكلة إياد علاوي والشعلان وسواهما، أو كانوا -وهذا هو الأهم- من الفريق العربي السُني، وعلى رأسه أولئك الذي يوفرون غطاءً سياسياً للمقاومة مثل هيئة علماء المسلمين، وبعض القوى والرموز السياسية الأخرى من العرب السُنة.

وفي العموم فقد وجد قطاع عريض من العرب السُنة أن هامش حركتهم من خلال الأردن يبدو جيداً إلى حد كبير، الأمر الذي عرضه لانتقادات كثيرة من قبل مجموعة الحكيم، بل إن بعضهم قد اعتبره بعد سوريا منبراً للهجوم على العراق.

هكذا يمكن القول مرة أخرى إن التفجيرات ستؤثر سلباً على حركة العراقيين بكل فئاتهم من وإلى الأردن، الأمر الذي لا يبدو صائباً بميزان الأرباح والخسائر بالنسبة لعملية من هذا النوع، وبالطبع ضمن الميزان السياسي قبل أي شيء آخر.

الخطأ السياسي الآخر في العملية هو تأثيرها على جمهور عريض من الناس ممن يؤيدون المقاومة، وهنا يمكن القول إن الشارع الأردني من أكثر الشوارع العربية تأييداً للمقاومة في العراق، وما من شك أن تفجيرات كالتي جرت لا يمكن إلا أن تؤدي إلى قدر من التراجع في مسيرة ذلك الدعم.

ويتم ذلك بالطبع في ظل ارتفاع أصوات الذين يرفضون المقاومة جملة وتفصيلا ويعتبرونها محض إرهاب في إرهاب، وقد لاحظنا كيف علت أصوات هؤلاء على نحو استثنائي خلال الأيام الأخيرة، فيما جاهد المؤيدون في رد الهجمة من دون أن يقلل ذلك من قيمة الخسائر التي ترتبت.

خطؤها من الناحية الشرعية
من الناحية الشرعية يمكن القول إن ما جرى في عمان لم يكن يملك أدنى مبرر شرعي على الإطلاق، ليس من زاوية من وقفوا خلفها، بل أيضاً من نفذوها، إذ أن مبدأ التترس الذي أسرف البعض في استخدامه لا يمكن أن يصح هنا بحال من الأحوال.

إذ من المعلوم أن الفنادق التي استهدفت هي مواقع للناس العاديين والسياح بشتى أصنافهم، ولو سألت أي إنسان عادي من الطبقة المتوسطة أو الغنية في البلاد لأخبرك أنه دخل واحداً أو أكثر من تلك الفنادق في يوم من الأيام، بما في ذلك الفقراء الذين ربما جاؤوا لمقابلة وفد خليجي من أجل التوظيف على سبيل المثال.

وإذا صح أن أجانب يرتادونها، وهو صحيح بالفعل، فهم ليسوا أغلبية، ثم إن أحداً لم يقل للشعب الأردني إن عليه تجنب غشيان تلك الأماكن لأن أجانب أو أميركيين أو إسرائيليين يرتادونها.

هكذا يغدو مبدأ التترس مقلوباً، إذ يقتل العشرات من المسلمين من أجل قتل أميركي أو إسرائيلي، هذا لو تجاوزنا مسألة عقد الأمان الذي تحدث عنه قادة الجماعة الإسلامية المصرية في مراجعاتهم، ويؤيدهم فيه العلماء الآخرون، لكننا نتحدث هنا عن فرادة العمليات، حتى ضمن نهج القاعدة ذاته، وليس من حيث مبدأ الصحة أو الجواز الشرعي من عدمه.

الأسوأ كان قد وقع بالنسبة للمنفذين، ففي حين قد يعذرهم البعض بسبب عدم معرفتهم للأماكن المستهدفة، خلافاً لمن أرسلوهم وأخبروهم بأنها مرتع للموساد والأميركان، فإن ما شاهدوه بأعينهم كان حرياً به أن يردعهم، فقد دخل أحدهم ومعه زوجته قاعة العرس، وشاهد بأم عينه النساء المحجبات، والرجال والأطفال الذين يتحدثون لغة القرآن ولم يكن بينهم لا أميركان ولا من يتحدثون العبرية، فكيف راق له أن يفجر نفسه في جمع كهذا؟!

نتذكر هنا بقصد المقارنة واقعتين اثنتين لاستشهاديين من حماس في فلسطين، في الأولى سمع الاستشهادي فتاتين تتحدثان العربية في الحافلة التي كان بصدد تفجير نفسه فيها، فكان أن غامر بالطلب إليهما النزول، وبعد ارتباك وخوف نزلتا، وبعد مسافة قام بتفجير نفسه.

أما الثاني فرأى في المطعم الذي دخله طفلة صغيرة مع أمها، فقرر ترك المكان والبحث عن هدف آخر لكنهم كانوا قد انتبهوا إليه فتم اعتقاله وها هو الآن في السجن.

الخطأ الأمني والإعلامي
من الناحية الأمنية والإعلامية كان ثمة خطأ كبير آخر، إذ بادر المسؤول الإعلامي لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بإعلان مسؤولية التنظيم عن العملية رغم اتضاح بؤس العملية وطبيعة الضحايا، وفي ذلك ما فيه من استهتار بالجانب السياسي والإعلامي.

أما الأسوأ فهو إعلانه عن عدد المنفذين ووجود امرأة من بينهم، ولما كانت المرأة المعنية قد فشلت في تفجير نفسها، فقد أصبحت مهمة الأمن الأردني سهلة إلى حد كبير، الأمر الذي تحقق سريعاً باعتقالها.

ولنتابع بعد ذلك تداعيات الموقف على أهلها وأسرتها، وهي ابنة عشيرة معروفة في العراق.

ولتصور حجم المفارقة فيما جرى، نشير إلى أن أحد أنصار القاعدة على أحد مواقع الإنترنت قد طالب في لحظة غضب أبا مصعب الزرقاوي بإعدام أبي ميسرة العراقي مسؤول الإعلام في التنظيم، ونشر صور إعدامه على الإنترنت بسبب ما فعله!!

هل تنطوي العملية على تحول منهجي؟
في ضوء ما جرى يمكن القول إن العملية قد سجلت فرادة استثنائية بين سلسلة العمليات التي تبنتها القاعدة، مع ضرورة الإشارة إلى صعوبة الفصل بين القاعدة الأصلية وبين قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين.

وسبب الفرادة هنا هو أن حكاية التكفير ليست واردة بحق المجتمعات في خطاب القاعدة، ولم تعرف لا عن أسامة بن لادن ولا عن الظواهري ولا حتى عن الزرقاوي في الرسائل المكتوبة أو المسجلة، فضلاً عن أبي محمد المقدسي.

وقد رفض الظواهري قتل الشيعة في رسالته، كما رفض ذلك المقدسي أيضاً في لقائه مع الجزيرة وبعض اللقاءات الأخرى.

ويبقى أن أخطاءً تقع في ساحة حرب كما هو الحال في العراق أو في أفغانستان هي شيء، والموقف في الساحات العربية الأخرى شيء آخر.

يشار هنا إلى أن البعض قد قرأ في التفجيرات رسالة مختلفة عنوانها تطور القاعدة نحو استهداف الأنظمة ثم المجتمعات، بعد استهداف الأميركان أو اليهود والصليبيين، الأمر الذي يستدعي موقفاً جديداً يوضح حقيقة هذا التحول، وما إذا كان صحيحاً أم لا.

ويرجح أنه ليس كذلك بناء على رسالة الظواهري الأخيرة، ومعها جملة الرسائل السابقة لأسامة بن لادن، التي وصل به الحال في إحداها حد السؤال "لماذا لم نستهدف السويد مثلاً" ومن ثم عرض الهدنة على الأوروبيين؟

كيف ستؤثر التفجيرات على منهجية القاعدة؟
ليس من العسير القول إن ما جرى في عمان سيترك آثاراً واضحة على مسيرة القاعدة، ومن ضمنها قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وبالطبع في اتجاه إعادة النظر في بعض حيثيات العمل الجهادي والإعلامي والسياسي، إذ ما من شك أن التفجيرات قد أساءت كثيراً إلى صورة القاعدة وزعمائها في ذهن المواطن العربي والمسلم.

بل إنه من غير العسير القول إنها ستترك آثاراً سلبية على صورة المقاومة المشروعة للاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان، وستجاهد هذه جميعاً من أجل محو تلك الصورة السيئة التي تركتها التفجيرات في الوعي العربي والإسلامي.

يلاحظ هنا ميل البعض إلى التشكيك في إمكانية تأثير ما جرى في مسار القاعدة وممارساتها على الأرض، وهو ما لا يبدو صحيحاً بأي حال، اللهم إلا إذا اعتقدنا أننا إزاء زمرة من الأغبياء الذين لا يعنيهم الرأي العام العربي والإسلامي، وهو ما تنفيه مسيرتهم طوال السنوات السابقة.

وفي حين يبدو الإجماع منعقداً على جملة الأخطاء بل الخطايا التي انطوت عليها تفجيرات عمان، فإن تأثيرها على مسيرة التنظيم تبدو متوقعة، بل ربما مرجحة.

نقول ذلك لأن القاعدة، وقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين على وجه الخصوص، هي تنظيم يعتمد أساساً على الفضاء الشعبي والدعم الجماهيري، إذ من دون حاضنة شعبية من العرب السُنة لن يكون بوسع التنظيم التحرك والاستمرار في العراق، ومن دون قناعة في أوساط الشبان المسلمين بمسيرته ستجف ينابيع الدعم البشري ومن ثم الدعم المالي تبعاً لذلك، مما يعني أنه ليس بوسع التنظيم تجاهل ضرورة إعادة النظر في خطابه وممارساته على نحو ينسجم مع وعي الأمة من أجل استمرار الفعل والتأثير.

وفي حين تجدر الإشارة إلى أخذ كلام المقدسي ورسالة الظواهري كعامل مساندة تؤكد ضرورة إعادة النظر في الخطاب والممارسة، فإن ما جرى يجعل ذلك أكثر من ضروري.

وفي كل الأحوال فإن النتيجة ستتكشف مع الوقت من خلال الممارسة في الساحة العراقية وفي الخارج، حيث يمكن أن يعاد النظر في فعل التنظيم الذي يمكنه في حال تعديل مساره أن ينسجم أكثر مع قوى المقاومة الأخرى في الساحة العراقية وأن يتعاضد معها في سياق إفشال المشروع الأميركي في العراق، وهي مهمة بالغة الأهمية للأمة، بل لعلها من أكثر المهمات حيوية في تاريخ الأمة القديم والحديث.

 

وقفه مع الأحداث
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية