اطبع هذه الصفحة


القول والتدقيق .. في جريمة بقيق !!

دكتور استفهام

 
أظن الكثير يتسائل الى أي مدى ستقف هذه الأحداث ، وماهو الأمر الذي سيكتفي عنده هؤلاء الذين يستحلون الأموال والانفس ، ويقتلون ويقاتلون داخل بلاد المسلمين ؟؟

أسئلة كثيرة تدور في ذهن المطالع لهذه الأحداث :

ماهي المصلحة التي ستنعكس على " المسلمين " عندما يقام بمثل هذا العمل الشنيع الذي يستهدف مصادر رزق المسلمين ، ويخل أمنهم ، ويخلق في ناديهم الشقاق والفتنة ؟؟

أي جرم يرتكب بحق " الجهاد " عندما يعرض بهذه الصورة المزرية التي تقدم " الإسلام " للناس بأنه دين لا يحترم " دم " الانسان ، ولا ماله ولا حرمته ، ثم بعد ذلك نريد أن يكف الناس عن وصفنا بــ " الارهابيين " و " القتلة " و " المجرمين " ...!!

إن انعكاس مثل هذه التصرفات ليست على " أسامة بن لادن " ومن معه ، بل هي انعكاس على سمعة " المسلمين في العالم الذين يقدمون أنفسهم بأنهم أهل رسالة عالمية خالدة ، يقراون فيها كل يوم قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ، ثم يفاجأون بأن هؤلاء لم يرحموا أهلهم وبلادهم وذويهم وإخوانهم في الديانة والاسلام ، فكيف لو استحكموا على الكافر الأصلي ماذا سيفعلون ؟؟

وقد يقول قائل : وما أدراك أن هؤلاء من أتباع القاعدة .. ولماذا تستعجل ؟؟

فأقول : بأن القاعدة قد أعلنت بموقع شبه رسمي لها " الحسبة " عن تبنيها لهذه العملية ، ولو لم تعلن ، فإن العمل هذا متسق مع منهجها ، ومتسق مع نظرية " الفسطاطين " الذين من خلاله شطروا العالم إلى حزبين لاثالث لهما ، فإما أن تكون معهم في معسكر الايمان الذين لا كفر فيه ، أو تكون في معسكر " الكفر " الذي لا نفاق فيه ، وهذا يجعل كل من سواهم مستهدف بأي عمل ، وعلى هذا فلا يستبعد أن يقوموا بهذا العمل ، وهو متماش مع منهجهم واصولهم الفكرية التي أوصلتهم الى هذا الأمر ، بل لا استبعد أبدا أن توصلهم الى ماهو أشد واعتى .. فهي " فتن " يرقق بعضها بعضا ، وكل مرحلة يعيشون فيها تهيئ للمرحلة التي بعدها ، وما عليك سوى أن تدرس الحراك التاريخي للعمليات التي قامت بها القاعدة لتدرك أنها في تصاعد نوعي تجعل الانسان لا يتفاجأ أبدا بمثل هذه العمليات الخطيرة ..!

إن الحادث الأخير يدل على أننا لا نزال نعيش في أجواء " الفتنة " التي اكتوينا بنارها في السنوات الأربع الماضية ، وأن الجهود المبذولة " الأمنية والفكرية والسياسية والثقافية " لم تؤت أكلها بشكل يقضي على ظاهرة العنف ، وأن الجهود تحتاج الى زيادة وعمق أكثر مما كانت حتى نحفظ أبناءنا من مستنقعات الأفكار المضلة ، فأي أحد منا يسره أن يرى ولده يقتل في مثل هذه المحارق والمعارك التي ذهب ضحيتها ابناء هذا الوطن ، وأي شخص منا يفرح حين يرى فئاما من أبناء هذا الوطن يخربون بيوتهم ووطنهم بأيديهم ، وهم بلا شك ينطلقون من منطلق فكري ، سواء المنظرين لهؤلاء الذين يرسمون لهم " شرعنة " هذه الأفكار ، او الشباب الذين يتبعون هؤلاء ، ويجندون من قبل أطراف خفية تسعى الى خلخلة الأمن في بلد الأمن والإيمان ، وتؤكد يوما بعد يوم أن هذه الأجواء هي مسرح مفتوح يستغله كل مغرض للنيل من الوطن ، ويكون ميدانا لاختراق البلد من خلال قوى أجنبيه لا تريد ان ترى هذا البلد مستقرا ، وخاصة أن " تفكير " القاعدة لا يمنع من التعاون مع أي طرف من الأطراف وهو ما يسمونه " تقاطع المصالح " ، وهذا ما اعلنه قادة التنظيم قبل الحرب على العراق ، وفي هذا منحى خطير ، واستعداد للتعاون مع أي قوة في سبيل قتال العدو المفترض للقاعدة والذي لا يقتصر على " أمريكا " بل هو يوسع هذا العدو ليشمل كل من هو في حلف او عهد معها حتى لو كان من المسلمين معصومي الدم الذي لا يجوز قتالهم ولا قتلهم ..

إن استهداف " مفاصل الاقتصاد الامريكي " الذي أعلنه ابن لادن بعد حرب افغانستان الثانية لا يستثني آبار النفط في السعودية ، والرؤية الاستراتيجية للقاعدة لا ترى إلا من منظور خاص ، فهي لا تقيم لاعتبار أمن المسلمين ، ولا أوضاعهم كافة أي اعتبار ، بل هي تقيس المصلحة والمفسدة من خلال انعكاسها على التنظيم فقط ، حتى لو أدى ذلك الى إزهاق ارواح الالاف ، او إفقار الملايين من المسلمين ، أو جعل بلادهم مسرحا كبيرا للقتل والقتال ، وما حادثة استهداف المصافي في السعودية إلا جزء من هذه الرؤية القاصرة التي تنطلق القاعدة من خلالها ...

كنت ولا أزال اقول بأن " البعد الفكري " هو المحرك الأساس لمثل هؤلاء ، وهو المنطلق الذي من خلاله يجند الاتباع ، وهو في مقابل هذا السبيل الى حل المشكلة حين تكون هناك فضاءات رحبة للحوار ، ومراقبة أفكار وسلوك الشباب من بدايتها ، وتأهيل القادرين على المحاورة والمحاجة لمثل هذا التوجه الفكري الذي يقوم على أسس ومنطلقات تحتاج الى خلخلة وتفكيك حتى يتردد الشاب في الاقدام على مثل هذه الاعمال ، لأنه لا يقدم على عملية " انتحارية " إلا وهو يحمل قناعة لا يتطرق اليها شك بصحة قوله وفعله ..

لقد حدثني أحد الشباب وهو يدرس في جامعة سعودية شهيرة ، ويتكلم عن كثرة من يحمل هذه الأفكار في الجامعة كردة فعل لذلك الفكر الاستفزازي الذي يقوم على استعداء المقابل وكيل التهم له ، مع فقدانه لأبسط مناهج المحاجة والمناقشة والحوار ، ويقول هذا الأخ بأن استاذا في الجامعة يناقش بعض من يحمل هذه الأفكار ، فلا يخرج منه الشاب المتأثر بقضية " التكفير والجهاد " إلا وهو ناقم على كل شي ، ومستفز حتى الثمالة ، وهذا للأسف يزيد الطين بله ، ويحيد هؤلاء الشباب ، ويرسم لهم صورة سلبية عن طلبة العلم والمشائخ حين لا يحمل المناقش أقل آداب الحوار واسلوب النقاش ..

إنني لا أدعي أن التركيز على " البعد الفكري والمنهجي " في حوار هؤلاء الشباب هو الحل الناجح والوحيد ، بل لا بد من تظافر الجهود كافة لحل المشكلة ، والعمل على كافة الصعد لتقليل التأثر بهذه الأفكار ابتداء من البيت ، والمدرسة ، والبرامج الاعلامية ، ومواقع النت التي تعتبر ميدانا كبيرا لتبني هذه الأفكار بالخفاء مع غياب الرقيب ، واتاحة الفرص في الفضاءات المفتوحة لعرض الشباب ما يحمل من فكر بلا تردد ، فإن هذا هو الخطوة الأولى للتأثير على تفكيره ، ومحاولة اقناعه بالعدول عن هذه الأفكار .

كذلك ، فإن المنهج " الوقائي " مهم في مثل هذه الأحوال ، فإن كثيرا من الشباب يتلقون الافكار المنحرفة وهم صفحات بيضاء ، لم يسبق لهم أن سمعوا بما ينقض أفكار هؤلاء ، فيتلقونها باعتبارها من الحق المطلق المحض الذي لا معارض له ، وهؤلاء يعتبرون صيدا سهلا لهؤلاء ، فاذا ما " حصنا " الشباب ابتداء من هذه الأفكار من خلال زرع القيم الكلية التي تجعل الشاب يفكر في الأمر قبل ان يقبله مرات عديدة ، ويعرضه على أهل العقل والعلم قبل ان يقدم على أي فعل ، او يتبنى أي رأي ، فان هذا يصعب معه أن يكون الشاب لقمة سائغة لأهل الشهوات وأهل الشبهات ، ولا يتأتى هذا إلا باحترام عقلية الشباب وفهمهم ، وأنهم يستوعبون مثل هذه القضايا ويناقشونها في سن مبكرة ، مع أهمية تواضع أهل العلم وتفريغ جزءا من اوقاتهم لهؤلاءالشباب احتسابا لوجه الله ، ومساهمة في رد عاديات الشبهات التي تعلق في أذهان هؤلاء الشباب ، ثم يسفكون بعده الدم الحرام في البلد الحرام .. والله المستعان .

إن إدانة مثل هذه الأحداث لا بد ان تقال بلغة واضحة لا تلجلج فيها ، ولا بد ان تتكاتف الجهود كافة للوقوف أمامها ، فنحن لسنا أمام حدث عادي ، بل هو حدث يستهدف أمن البلد ومستقبله ، ويفتح للمستعمر بابا يتمناه ، في وقت بحثه عن بدائل للنفط ، او احتلال مواطن النفط ، وكل هذه الاحتمالات مفتوحة أمام المستعمر ، وهو سيحمد لهؤلاء في المستقبل هذا الدور الذي يؤدونه بالوكالة عنه ، وحينها سيكون الخاسر الجميع ... عافانا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن !

وفق الله الجميع !

 

وقفه مع الأحداث
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية