صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الارهاب بضاعة الغرب

حمدى شفيق

 
من أكثر المصطلحات شيوعاً الآن فى كل وسائل الإعلام العالمية (الإرهاب)، ورغم هذا لا يوجد اتفاق على تحديد تعريف دقيق للإرهاب . وتشتق كلمة (إرهاب) من الفعل المزيد (أرهب)؛ فيقال أرهب فلاناً : أى خوَّفه وفزَّعه، وهو نفس المعنى الذى يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَة ورَهْبًا فيعنى خاف، فيقال: رَهِبَ الشىء رهبًا ورهبة أى خافه(1) . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعنى انقطع للعبادة فى صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهينة والرهبانية ...إلخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعديًا فيقال: ترهب فلانًا : أى توعده. وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة استفعل من نفس المادة فتقول : (استرهب) فلانًا أى رَهَّبَه .(2)
ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح (الإرهاب) بالمعنى الشائع فى الغرب وهو استخدام القوة لأهداف سياسية ، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات فى مواضع مختلفة فى الذكر الحكيم(3) لتدل على معنى الخوف والفزع كالتالى :
- (يَرْهَبُون) : (وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الأعراف:154 .
- (فارْهبُون) : (وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون) البقرة:40. (إنما هو إله واحد فإياى فارهبون) النحل:51 .
- (تُرْهِبُونَ) : (ترهبون به عـدو الله وعـدوكم وآخرين من دونهم) الأنفال:60.
- (اسَتْرهَبُوهُم) : (واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) الأعراف:116 .
- (رَهَبًا) : (ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء:90 .
بينما وردت مشتقات من نفس المادة (رهب) أربع مرات فى مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد كالتالى :
ورد لفظ (الرهبان) فى سورة (التوبة:34)، كما ورد لفظ (رهبانًا) فى (المائدة:82)، ولفظ (رهبانهم) فى (التوبة:31) وأخيرًا (رهبانية) فى (الحديد:27) .
بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيرًا فى الحديث النبوى ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) فى حديث الدعاء : (رغبة ورهبة إليك) . ويلاحظ أيضًا أن القرآن والحديث قد اشتملا على بعض الكلمات التى تعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم : العقاب والقتل والبغى والعدوان والجهاد ... إلخ .

وعن مفهوم الإرهاب فى الثقافة الغربية يقول الدكتور يحيى عبد المبدى بجامعة القاهرة :
تتكون كلمة (إرهاب) فى اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسم Terror بمعنى فزع ورعب وهول ، كما يستعمل منها الفعل Terrorize بمعنى يرهب ويفزع(4) .
ويرجع استخدام مصطلح Terrorism في الثقافة الغربية تاريخيًا للدلالة على نوع الحكم الذى لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة . وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التى يطلق عليها Reign of Terror اعتقال ما يزيد عن 300 ألف مشتبه وإعدام حوالى 17 ألفًا، بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة .
وإن كان هناك من يرجع بالمصطلح والمفهوم إلى أقدم من هذا التاريخ كثيـرًا، حـيث يفـترض أن الإرهـاب حدث ويحدث على مدار التاريخ الإنسانى وفى جميع أنحاء العالم. وقد كتب المؤرخ الإغريقى (زينوفون Xenophon 430-349 ق.م) – فى سياق الثقافة الغربية – عن المؤثرات النفسية للحرب والإرهاب على الشعوب(5) .
وقد استخدم حكام رومان من أمثال Tiberius (14-37م) ، Caligula (37-41م) العنف ومصادرة الممتلكات والإعدام كوسائل لإخضاع المعارضين لحكمهما .
وقد تبنت بعض الدول الإرهاب كجزء من الخطة السياسية للدولة مثل دولة هتلر النازية فى ألمانيا ، وحكم ستالين فى الاتحاد السوفيتى آنذاك ، حيث تمت ممارسة إرهاب الدولة تحت غطاء أيديولوجى لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية .
وهناك مئات من المنظمات الإرهابية فى العالم من أشهرها جماعة (بادر ماينهوف) الألمانية ، ومنظمة (الألوية الحمراء) الإيطالية ، والجيش الأحمر اليابانى , والجيش الجمهورى الأيرلندى , والدرب المضىء البيروية ، ومنظمة (إيتا) الباسكية، اعتبرت من أشهر المنظمات الإرهابية فى تاريخ القرن العشرين من منظور غربى. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هى معقل مئات من أخطر العصابات الإرهابية فى العالم مثل جماعة كوكوكس كلان التى تخصصت فى قتل السود وغيرها .. وإذا كان اليهود هم أول من أسس منظمة إرهابية فى التاريخ فقد كونوا بعد ذلك عددًا من أشهر المنظمات الإرهابية فى العالم مثل عصابات الهاجاناه وأرجون وشتيرن ،بل إن إسرائيل هى أخطر كيان إرهابى عرفه التاريخ منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا. وتكفى نظرة سريعة على جرائمها البشعة طوال تاريخها حتى الآن لإدراك هذه الحقيقة بوضوح .
وهناك استبيان هام أجراه ألكس شميد Schmid في كتابه عن الإرهاب السياسى (1983) على مائة من الدارسين والخبراء في هذا المجال لتحديد مفهوم الإرهاب . توصلت نتائج الاستبيان إلى وجود عناصر مشتركة في تعريفات عينة المدروسين المائة ، وهى :
- الإرهاب هو مفهوم مجرد بلا كنه محدد .
- التعريف المفرد لا يمكن أن يحصى الاستخدامات الممكنة للمصطلح .
- يشترك العديد من مختلف التعريفات في عناصر مشتركة . وينحصر الإرهاب بين هدف وضحية .
وقد عرَّف المجمع الفقهى الإسلامى التابع لرابطة العالم الإسلامى الإرهاب بأنه : (هو العدوان الذى يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان – دينه ودمه وعقله وماله وعرضه – ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وكل صور الحرابة والإفساد في الأرض) .
وهناك عشرات التعريفات لمفكرين ومؤسسات غربية للإرهاب تدور حول مفهوم : استخدام غير مشروع للقوة أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية . ويؤكد جوناثان وايت (1991) فى مدخله عن الإرهاب على ضرورة عدم اكتفاء فهمنا من خلال مداخل سياسية ، بل إن علم الاجتماع فى غاية الأهمية فى هذا السياق . ويؤكد على عدم وجود تعريف واحد لمفهوم الإرهاب ؛ ولذلك فقد اقترح أن يعرف الإرهاب من خلال أنماط مختلفة للتعريف :
- نمط التعريف البسيط والعادى للإرهاب ، ويعنى عنفًا أو تهديدًا يهدف إلى خلق خوف أو تغيير سلوكى .
- النمط القانونى لتعريف الإرهاب ، ويعنى عنفًا إجراميًا ينتهك القانون ويستلزم عقاب الدولة .
- التعريف التحليلى للإرهاب ، ويعنى عوامل سياسة واجتماعية معينة تقف وراء كل سلوك إرهابى .
- تعريف رعاية الدولة للإرهاب ، ويعنى الإرهاب عن طريق جماعات تُستخدم بواسطة دول للهجوم على دول أخرى .
- نمط إرهاب الدولة ، ويعنى استخدام سلطة الدولة لإرهاب مواطنيها (والمثال الصارخ له إسرائيل) .
وبعيدًا عن الأسباب التى تساعد على انتشار الإرهاب الدولى فقد طرأت فى الحقبة الأخيرة مستجدات عديدة زادت كثيرًا من أخطاره ومضاعفاته الدولية ، منها على سبيل المثال : ضلوع العديد من الدول والحكومات مع منظمات الإرهاب الدولى , والتكاثر السرطانى لخلايا وشبكات الإرهاب الدولى ، والتقدم التكنولوجى الكبير الذى استفادت منه هذه المنظمات فى نطاق الاتصالات وجمع المعلومات والتزود بمعدات فنية متطورة . وكلها منظمات إرهابية غربية التكوين ومعظم أعضائها من غير المسلمين .

الإرهاب والمقاومة المشروعة
ربما كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال هو السبب الرئيسى لعدم وجود اتفاق يذكر حول مفهوم وتعريف الإرهاب، فقد دأب الخطاب الغربى (الأمريكى أساسًا) على وصم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين وجنوب لبنان وكذلك المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكى البريطانى بصفة الإرهاب . ولاتزال منظمات مثل حزب الله وحماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها مصنفة فى تقارير وزارة الخارجية الأمريكية بوصفها منظمات إرهابية . وبطبيعة الحال لا يُشار إلى الجرائم الإسرائيلية والأمريكية عند ذكر الإرهاب والإرهابيين على طريقة العم سام (!!!) .

نماذج من إرهاب الآخرين
وهكذا يتضح لنا أن (الإرهاب) مصطلح غريب عن بيئتنا العربية والإسلامية، فهو غربى المنشأ والتطبيق أيضًا .. كذلك نشير إلى عدد من أبرز الجرائم الإرهابية فى التاريخ وسوف يلاحظ القارىء فورًا أنها كلها من صنع غير المسلمين :
1- إحراق روما على يد الطاغية نيرون .
2- ضرب بغداد وأفغانستان وفيتنام باليورانيوم الناضب ، وقصف المستشفيات والمدارس ومراكز توزيع الخبز والمياه وغيرها من أماكن تجمع المدنيين بالعراق وأفغانستان مما نتج عنه استشهاد مئات الألوف من المدنيين .
3- الإبادة الجماعية لعشرين مليون مسلم على يد جوزيف ستالين .
4- إبادة عشرات الملايين من الأفارقة أثناء اختطافهم وتهجيرهم الإجبارى من أفريقيا إلى أمريكا لاستصلاح الأراضى هناك والعمل فى مزارع السادة البيض .. وكان جزاء من يتمرد على الرق والتعذيب وإهدار الآدمية هو الإعدام فورًا بلا تحقيق أو محاكمة من أى نوع !!
5- الحربان العالميتان الأولى والثانية نـجم عنهما مصـرع ما يتراوح بين 60 إلى 100 مليون أوروبى . والمذابح المروعة المتبادلة بين الكاثوليك والبروتستانت فى أوروبا كذلك .
6- ضرب مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانتين بالقنبلة النووية بواسطة طائرات أمريكية ومصرع ربع مليون شخص وإصابة ملايين آخرين بالسرطان بسبب الإشعاع .
7- مذابح دير ياسين وصابرا وشاتيلا ومدرسة بحر البقر وملجأ قانا وإعدام عشرت الألوف من الأسرى المصريين عامى 1956 و 1967 على أيدى عصابات بنى صهيون .
8- قتل 250 ألف مسلم بوسنى على أيدى الصرب والكروات ، وعشرات الآلاف من الشيشان على أيدى الروس .
9- إبادة 70 ألف مسلم بالقدس عندما اجتاحتها الجحافل الصليبية بعد أن وعدهم القائد الصليبى بالعفو إن استسلموا ثم غدر بهم !! فى المقابل عفا صلاح الدين الأيوبى عن الصليبيين عندما فتح القدس .
10- إعدام أكثر من مليون مسيحى مصرى على أيدى الاحتلال الرومانى لمصر قبل الفتح الإسلامى .

محاكم التفتيش
ولعل أبشع نماذج الإرهاب الغربى هو ما كان يعرف باسم : محاكم التفتيش التى نشأت أولاً فى أسبانيا ، وفى عام 1492م فور دخول الإسبان إلى غرناطة إذ نقضوا المعاهدة التى أبرموها مع حكامها المسلمين . وكان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه، عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق على أبراجها وترتيل صلاة (الحمد) الكاثوليكية ، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسبانى يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين فى غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكًا، وذلك تنفيذاً لرغبة السيد المسيح الذى زعم أنه ظهر له وأمره بذلك . فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع فى غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعًا عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مئتين من رجال الدين المسلمين حرقًا فى الساحة الرئيسية بتهمة مقاومة المسيحية(6) .
وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم فى الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال (سيسزوس) بتصفية بقية المسلمين فى إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى ، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة ، وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء، وتم تحويل مئات المساجد إلى كنائس أو اصطبلات للخيل أو مخازن ، وصدر مرسوم بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية ، فأحرقت آلاف الكتب فى ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب فى جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية ، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية فى السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدًا من الأسر الغنية المسلمة ، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين، ثم أعلن الكاردينال (خيمينيث) أن المعاهدة التى تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة . وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين فى غرناطة دون الاعتداد برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذى يساقون إليه ، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين : إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا من دون أن يحمل معه أى شىء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علناً فى ساحات غرناطة باعتباره رافضًا للمسيحية .
كان من الطبيعى أن يختار عدد كبير من أهالى غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيرًا على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الإسبان فأعدموا الكثيرين منهم وأسروا آخرين ونهبوا كل ما معهم .
وعلى المنوال نفسه ، سارت حملات كاثوليكية فى بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم (المسيحيون الجدد) تمييزًا لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضًا باسم (الموريسكوس) أى المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق (الموريسكيين)، فعلى سبيل المثال صدر فى العام 1507 أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، ويعاقب المخالف للمرة الثانية بالإعدام، وفى العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامى، وفى سنة 1510م طُبقت على (الموريسكيين) ضرائب اسمها (الفارضة)، وفى سنة 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقى من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات بالطريقة الإسلامية .
فى حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التى مهمتها التأكد من (كثلكة) المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال (الكثلكة) لم تؤت نفعًا، فقد تكثلك المسلمون ظاهرًا، ولكنهم فعليًا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرًا، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن فى مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم فى منطقة بلنسية أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان فى الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية .
لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسبانى والبابا، فى أحد التقارير التى رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمى غرناطة للكاردينال، ورد أن (الموريسكوس) لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإذا لم توجد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيى غرناطة وبلنسية ومدن أخرى فى الإسلام بشكل جماعى .
وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع (الموريسكوس) فى إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية فى التاريخ الكنسى الغربى، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه .
ومحاكم التفتيش فى الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست طرقًا فى التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ . وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة الإسلامية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربى، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية, ووضعت عقوبات صارمة جدًا بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجًا على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش .
كان المتهم الذى يمثل أماما المحكمة يخضع لاختبار أولى ، وهو أن يشرب كؤوسًا من الخمر يحددها المحاكمون له، ثم يُعرض عليه لحم الخنزير ويطلب منه أن يأكله، وبذلك يتم التأكد من أنه غير متمسك بالدين الإسلامى وأوامره، ولكن هذا الامتحان لا يكون عادة إلا خطوة أولى يسيرة جدًا إزاء ما ينتظر المتهم من رحلة طويلة جدًا من التعذيب إذ يعاد بعد تناوله الخمر وأكل لحم الخنزير إلى الزنزانة فى سجن سرى، ودون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، وهو مكان من أسوأ الأمكنة, مظلم، ترتع فيه الأفاعى والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفى هذا المكان على المتهم أن يبقى شهورًا طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أى ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضًا للمحاكمة, وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهى وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب(7) .
وعادة كان يسأله المحقق فى المرة الأولى إن كان يعرف لماذا أُلقى القبض عليه وأُلقى فى السجن، وما التهم التى يمكن أن توجه إليه، ثم يطلب منه أن يعود إلى نفسه وأن يتأمل واقعه، وأن يعترف بجميع الخطايا التى يمليها عليه ضميره، ويسأله عن أسرته وأصدقائه ومعارفه وجميع الأماكن التى عاش فيها أو كان يتردد عليها ، وخلال إجابة المتهم لا يُقاطع، ويُترك ليتحدث كما يشاء ويسجل عليه الكاتب كل ما يقول، ويُطلب منه أن يؤدى بعض الصلوات المسيحية ليعرف المحققون إن كان بالفعل أصبح مسيحيًا أو مازال مسلمًا، ودرجة إيمانه بالمسيحية .
وبعد هذه المقابلات البطيئة الروتينية، يقرأ أخيرًا المدِّعى العام على المتهم قائمة الاتهامات الموجهة إليه، وهى اتهامات تم وضعها بناء على ما استنتجته هيئة المحكمة من استنطاق المتهم، ولا تستند إلى أدلة من نوع ما، ولا يهم دفاع المتهم عن نفسه، إذ أن قانون المحكمة الأساسى أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التى يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهربًا من التعذيب الذى سينتظره، أضاف المدعى العام إليه تهمًا أخرى، وفى النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب لأنه إنما يعترف تهربًا من قول الحقيقة، أى أن التعذيب لابد منه، سواء أعترف المتهم أم لم يعترف(8) .
ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتى عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكى بالحديد المحمى ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع.. وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل.. وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يومًا واحدًا ثم يُعرض عليه ما قاله فى أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضى أن الله التى لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفى هذا الاتهام أو يؤكده، وفى كلٍ يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر فى سلسلة لا تنتهى من التعذيب .

أخيرًا، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل فى ثلاثة أنواع :
البراءة : وهو حكم نادرًا ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئاً، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذى تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التى أُلصقت به عينها .
الجلد : وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ به الجلد ، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن أفلت وكُتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له .
الإعدام : وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش ، ويتم الإعدام حرقاً وسط ساحة المدينة .
وفى بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكاماً بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أى محاكمات، وفى بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباساً معيناً طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار فى الشارع أو خرج من بيته، وفى هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مائتى جلدة، وجلد شيخ فى التسعين من عمره ثلاثمائة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة ويتم نبش قبورهم لإحراق جثثهم والتمثيل بها!!
وفى 5/1611م صدر قرار إجرامى للقضاء على المتخلفين من المسلمين فى بلنسية، يقضى بإعطاء جائزة لكل من يأتى بمسلم حى، ولـه الحق فى استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتى برأس مسلم قُتل . وقد بلغ عدد من طُرد من إسبانيا فى الحقبة بين سنتى 1609-1614 نحو 327.000 شخص مات منهم 65.000 غرقوا بالبحر، أو قتلوا فى الطرقات، أو ضحية المرض، والجوع، والفاقة، وقد استطاع 32.000 شخص من المطرودين العودة إلى ديارهم فى الأندلس، بينما بقى بعضهم متستراً فى بلاده بعد الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامى بشكل سرى ومحدود فى الأندلس فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وهكذا حكمت محاكم التفتيش فى غرناطة سنة 1726م على ما لا يقل عن 1800 شخص (360) عائلة بتهمة اتباع الدين الإسلامى، ونقل كاتب إسبانى أخبار محاكمة وقعت فى غرناطة سنة 1727م، وفى 9/5/1728م، احتفلت غرناطة بـ (أوتودافى) ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 46 غرناطيًا بتهمة الإنتماء للاسلام، وفى 10/10/1728،حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء للإسلام، وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل (الموريسكيين) حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد.
وفى سنة 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سرى فى مدينة (قرطاجنة) (مقاطعة مرسية) فتم إلقاء القبض على أكثر من مائة (مورسكى) حوكموا وأعدمهم معظم علناً .

المسيحيون أيضًا
مهما أسهبنا فى استعراض محاكم التفتيش فإننا لن نلم إلا بجزء يسير جداً من صفحاتها السوداء الوحشية، ولن نستطيع استعراض إلا جزء يسير جداً من جرائمها . وقد بلغ الرعب الذى سببته المحاكم حداً لا يوصف بين سكان إسبانيا . فقد كان جر أى إنسان إلى محاكم التفتيش عملية سهلة، وقد يقوم الاتهام لمجرد إشاعة أو يذهب الإنسان بنفسه ليعترف رعباً، أو دليلاً على حسن نيته، بلفظ تفوه به عرضاً ودون أن يعنى له شيئاً ويخشى أن يكون قد سمعه أحد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الضغائن الشخصية، الذى يطمع بزوجة جاره، والمالك الذى يريد أن يهرب من أجر عامله، والتاجر الذى يخشى من منافسة زميل له، حتى الأطفال فى أثناء لعبهم مع بعضهم بعضاً كانوا معرضين للاتهام، كأن يذهب طفل ويشى بطفل آخر متهماً إيّاه أنه قال كذا وكذا فى أثناء اللعب، فيلقى القبض على الطفل المتهم ويحاكم، وغالباً يموت لأنه لا يتحمل أهوال التحقيق والتعذيب والسجن.. وهكذا صار الطريق واسعاً وعريضاً لكل من يريد أن يتخلص من أى إنسان، وأى تهمة صالحة لأن تدفع بمسلم سابق إلى أعماق السجون سواء كان هذا المسلم السابق رجلاً أو طفلاً أو شيخاً مسناً .
ومن الإنصاف أن نذكر أن ضحايا التفتيش لم يكونوا فقط من المسلمين السابقين، بل كانوا من المسيحيين أيضاً، فقد انتهجت الكنيسة السلوك الإرهابى عينه تجاه المسيحيين عن طريق (محاكم التفتيش) التى أوكلت إليها مهمة فرض آرائها على الناس باسم الدين والبطش بجميع من يتجرأ على المعارضة والانتقاد، فنصبت المزيد من المشانق وأعدمت الكثيرين من المسيحيين عن طريق حرقهم بالنار، حيث يقدر عدد الضحايا المسيحيين ممن جرت عملية إعدامهم من قبل محاكم التفتيش (300.000) أُحرق منهم (32.000) أحياء، وقد كان من بينهم العالم الطبيعى المعروف (برونو) الذى نقمت عليه الكنيسة نتيجة آرائه المتشددة التى منها قولـه بتعدد العوالم ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعالم الطبيعى الشهير (غاليليو) الذى نفذ فيه القتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس(9) .
إن الصهاينة بسبب ما زعموه من محارق (الهولوكوست) وما ادَّعوه من حرق النازية لآلاف اليهود فى المحارق مازالوا يضعون الغرب بشكل خاص والعالم بشكل عام أمام تلك المحارق التى كانت أحد تبريراتها لاحتلال فلسطين، بينما مازال العالم يجهل الكثير عن محاكم التفتيش التى ذهب ضحيتها مئات الألوف بل ملايين من المسلمين . وإذا كانت محارق النازية قد استمرت أعوامًا، فقتل وإحراق وتعذيب المسلمين عبر محاكم التفتيش استمر مئات من الأعوام، وفى الوقت الذى تفتح فيه دول الغرب النصرانى أرشيفها، ووثائقها للصهيونية لتؤلف منه ما تدَّعى أنه وثائق عن محارق اليهود فى عهد النازية ، مازال الفاتيكان والكنائس ترفض فتح أرشيفها وكشفه أمام المسلمين وغير المسلمين كى لا تظهر وثائق جديدة عن فظائع محاكم التفتيش!! .
إن المسلمين بحاجة الآن لدراسة متمعنة لتاريخ محاكم التفتيش وفظائعها وضحاياها من المسلمين، وأن تُعتمد وثائق أرشيف الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية فى إسبانيا وغيرها من الدول النصرانية لوضع تاريخ حقيقى لتلك المحاكم ، وإبراز هذا التاريخ للعالم مع مقارنة موضوعية بين التعسف الكنسى والجرائم التى ارتكبت ضد المسلمين باسم المسيحية، وبين التسامح الإسلامى وكيف عاش المسيحيون بأمان وسلام فى الدولة الإسلامية بحماية الإسلام الحنيف، مع ملاحظة أن معظم ما كُتب عن محاكم التفتيش حتى الآن يعتمد على رؤية نصرانية من قِبَل مستشرقين ومؤرخين غير مسلمين،وبما تسمح به السلطات النصرانية(10) .

إبادة الهنود الحمر
وهذا نموذج للإرهاب الأمريكى نقدمه للسادة الذين يتطاولون على الإسلام ويصفونه بالإرهاب ويسموننا إرهابيين ، ليعلموا من هو الإرهابى حقاً .
فى دراسة فريدة بعنوان (أمريكا والكنانيون الحمر) فى مجلة أخبار الأدب 9/6/2002م كتب منير الحمش عن الفظائع التى ارتكبها الأمريكيون إبان قيامهم بالمواجهة الدامية مع سكان الأرض الأصليين حيث تمت إبادة ما مجموعه 112مليون آدمى كانت ترتسم على وجوههم ضحكة الحياة وذلك ببساطة من أجل قيام العالم الجديد !! وتم تسجيل 93 حرباً جرثومية شاملة شنها الأمريكيون بغرض إبادة ذلك الشعب البرىء . أما تلك القلة الضئيلة المشاغبة من الهنود فقد حفروا قبورهم بأيديهم فى حرب متكافئة شريفة شفافة (مبررة) وفق المنطق الاستعلائى الأمريكى، وأن الهنود (الآثمين) كانوا هم المسئولين عن إضرام الحرب وكل أضرارها، أو أنهم ماتوا قضاءً وقدراً بالأمراض التى حملها الأوروبيون معهم دون قصد (!!!) . لاحظ حجم المغالطات والأكاذيب .
إن دراسات محايدة غير قليلة تشير إلى أن الهنود كانوا ينتشرون فى مساحة تزيد على مساحة أوربا بنصف مليون هكتار ، ولكن المؤرخ الأمريكى قام باختزال العدد عن سابق إصرار وتصميم من عدد يزيد عن مائة مليون إلى مليون أو مليونين فقط عند وصول الغزاة الأوروبيين وهو رقم تم حسمه فى إحصاء 1900 بأنهم يبلغون مليوناً فقط (!!!) .
وتمضى الكتب المدرسية الأمريكية فتصف هذا الموت القدرى بأنه مأساة مشئومة (يؤسف لها)، غير مقصودة، ولم يكن تجنبها ممكناً تماماً كما جرى فى (هيروشيما وناجازاكى) ، حيث اضطر نسور الجو الأمريكى (البواسل) إلى إفراغ قنابلهم النووية فوق رؤوس الأبرياء بدافع (شريف) يهدف إلى إيقاف الحرب العالمية، وأن ما جرى من مقتل مئات الألوف من الأطفال والنساء فى ساعة واحدة وخراب الأرض والحرث والنسل ، هو فى الواقع مجرد أضرار (هامشية) تواكب انتشار الحضارة وطريقة انتشارها ، وليس لك هنا بالتالى أن تلوم إذا أردت أن تلوم إلا القضاء والقدر، وبانتفاء النية والقصد والمسئولية عن فناء هؤلاء (الأشرار) من وجهة النظر الأمريكية طبعًا !!! .
ويعتبر الحديث عن (الهولوكست) الأمريكى متحاملاً، متهوراً، سلبياً، غير مسئول، وينبع من روح الكراهية للحضارة الأمريكية!!!
ويشير على عزت بيجوفتش إلى القانون الأمريكى الذى ظل ساريًا إلى عام 1865م والذى ينص على حق الأمريكى فى الحصول على مكافأة مجزية إذا هو قدم لأى مخفر شرطة أمريكى فروة رأس هندى أحمر !! على أساس أن جريمته تلك أيضاً هى إنجاز حضارى يساهم فى تنظيف البيئة من الأمم المتخلفة حضارياً وفكرياً ، وأنه تنظيف للأرض من (الريش) الذى تتورط فى نشره تلك القبائل غير المتحضرة !!!. وهكذا تأسست الولايات المتحدة الأمريكية بلد الحريات المزعومة على جماجم وأشلاء الهنود الحمر المساكين!!.
وفى عام 1846م احتلت جيوش الولايات المتحدة كاليفورنيا ، وتقول الإحصائيات إن عدد هنود كاليفورنيا فى تلك السنة كانوا أضعاف ما كانوا عليه فى عام 1769م ومع ذلك فخلال العشرين سنة الأولى من احتلال هذه الولاية أبيد 80 بالمائة منهم وتلاشى الباقون بسبب نظام السخرة . إن ثروة الأمم التى أعطت السلطة السياسية لأصحاب مناجم الذهب والمزارع الأسطورية سرعان ما تم استغلالها فى استعباد الهنود كسلاح غير مباشر، لإبادتهم كما تم قبل ذلك فى كولورادو وغيرها من ولايات الذهب . ولأنه لابد من يد عاملة رخيصة لاستثمار هذه الولاية الغنية، فقد نشطت تجارة خطف أطفال الهنود . ولطالما كتبت صحف تلك الفترة عن الشاحنات المليئة بأطفال الهنود، وهى تهوى فى الطرقات الريفية الخلفية إلى أسواق العبيد فى سكرامنتو وسان فرانسيسكو. ومع نهاية القتال فى سنوات الاحتلال الأولى فقد زاد الإقبال على خطف الفتيات اللواتى يقدمن خدمة مضاعفة : العمل والمتعة. وهذا حول الساخطين من آباء هؤلاء المخطوفين إلى (عناصر شغب) تستأهل العقاب، وأدى إلى هرب معظم الأسر الهندية من منعزلاتها وأماكنها التقليدية. أما شركات الخطف فقد تحولت إلى مليشيات خيرية، إذ صار الخاطفون يقتلون الآباء ويشاركون الدولة فى قتل عناصر الشغب، وهكذا فقد اعتبر قتل الهنود أو بيعهم مهمة نبيلة وعملاً أخلاقياً يتباهى به الأمريكان!!!
وفى أوائل 1850م، وفى أول جلسة تشريعية لكاليفورنيا سنت الولاية قانون حماية الهنود الذى أضفى الشرعية على خطف الهنود الحمر واستعبادهم، واقتضت حماية الهنود بموجب الملحقات التى أضيفت إلى القانون عام 1860م إجبار أكثر من عشرة ملايين منهم على القيام بأعمال السخرة، ولأن معظم الذين هربوا بأرواحهم وفراخهم إلى الغابات والجبال الواعرة صاروا يعيشون فيما أصبح اسمه الولايات المتحدة، فقد تحولوا بموجب قوانين الذين سرقوا بلادهم إلى لصوص معتدين على أملاك الغير!! ولم تمض سنوات على صدور قانون حماية الهنود حتى ضاق حاكم الولاية بيتر بيرنت ذرعاً بحمايتهم وعبر عن الحاجة إلى إبادة هذا العنصر الهندى الأحمر، ووجه رسالة إلى المجلس التشريعى قال فيها : إن الرجل الأبيض الذى يعتبر الوقت ذهباً، والذى يعمل طول نهاره لا يستطيع أن يسهر طول الليل لمراقبة أملاكه.. ولم يعد أمامه من خيار سوى أن يعتمد على حرب إبادة. إن حرباً قد بدأت فعلاً، ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندى تماماً (هذا هو الوجه الأمريكى الحقيقى) ..
إن إبادة حضارة المايا والأزيتا والبوهاتن وغيرها ليست تهمة ينفيها الأمريكيون، إنها جزء من كفاحهم المقدس فى سبيل إقامة أمريكا قوية وعادلة و(جاهزة) لمحاسبة الآخرين على أساس المثل الأخلاقية إياها(1) .

تعليق من المؤلف
بعد هذه الأمثلة والنماذج الصارخة للإرهاب الأمريكى والصهيونى والأوروبى نتساءل أين هو الإرهاب حقًا ؟ ومن هو الإرهابى فعلاً ؟ ونذكر أخيرًا بأن أخطر الإرهابيين عبر العصور لم يكونوا من المسلمين، بدءًا من كاليجولا ونيرون ، مرورًا بهتلر وستالين وموسولينى ، إلى شارون وبوش الأب والابن وتيموثى ما كفى منفذ مذبحة أوكلاهوماسيتى ، وكارلوس وبيريا وغيرهم.. والتاريخ خير شاهد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..


----------------------------
المــراجــــع
(1) لسان العرب لابن منظور - الجزء الثالث - مادة (رهب) .
(2) المعجم الوسيط - الجزء الأول - مادة (رهب) .
(3) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - دار الشعب - القاهرة .
(4) الموسوعة البريطانية Britannica Encyclopedia .
(5) د. يحيى عبد المبدى - معهد الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة - دراسة بعنوان : مفهوم الإرهاب بين الأصل والتطبيق .
(6) وائل على حسين - محاكم التفتيش والمسؤولية الغربية - مجلة الراية - العدد 186 - بيروت 1982م .
(7) عبد الرحمن حمادى - نحو منهج جديد لإعادة كتابة التاريخ العربى - ندوة إعادة كتابة التاريخ العربى - الرباط - 1991م - مجلة الوحدة - عدد خاص عن الندوة - الرباط 1991م .
(8) د. طاهر مكى - مسلم إسبانى أمام محاكم التفتيش - مجلة الدوحـة - قطـر 1981م.
(9) وول سميث - تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى - دار الحقائق - بيروت 1980م. ويلاحظ أن تركيز المؤرخين النصارى على عدد المسيحيين الذين كانوا ضحية لمحاكم التفتيش يأتى من باب تقليل أعداد الضحايا من المسلمين ، والإيحاء بأن المسيحيين كانوا هم الضحايا الأكثر.
(10) مـجلة الوعـى الإسـلامى - العدد 455 – رجـب 1424هـ - مقال لعبد الرحمن شيخ حمادى - محاكم التفتيش .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
وقفه مع الأحداث
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية