اطبع هذه الصفحة


القاعدة تقول : استهداف أمن المملكة العربية السعودية خطأ فادح

سليمان بن أحمد الدويش

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :
فلنكن أكثر صراحة وواقعية في الوقوف على المشكلة ومعالجتها .

القاعدة كتنظيم , والتي تبنت أعمال العنف في الداخل , تنطلق في عملياتها من منطلقات شرعية , وتستند في أحكامها لنصوص قطعية الثبوت وهذا ما يزيد المشكلة تعقيدا , ليس لأنه لايوجد حلٌّ لها , كلا فالحق لايعجز عن علاج كل مشكلة , وحلِّ كل معضلة , وتيسير كل عسير , وتذليل كل صعب بفضل الله ورحمته.

إنما المشكلة تقع في اختلاف أفهام المتلقِّين للنص , وقدرتهم على الاستيعاب , ومقارنة المصالح الشرعية المعتبرة بضدها من المفاسد .

وتقع أيضا في مدى قوة الإدراك لخطورة ما يتم تبنيه من رؤى وتنفيذها على أرض الواقع , وفي مستوى القدرة المعرفية على تنزيل النص القطعي الثابت على القضايا والأحكام , وفي التفريق بين ماهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة , وماهو قطعي الثبوت ظني الدلالة , وماهو قطعي الثبوت لا علاقة له بأصل المسألة .

لذلك كانت المشكلة كبيرة , بل وكبيرة جدا .

كل المآخذ التي ارتكزت عليها القاعدة لتبني مواجهتها الداخلية أو معظمها لم تكن حديثة النشوء بل هي قديمة متوارثة من عقود , وهذا لا يعني أن الخطأ يسقط بالتقادم , بل الخطأ خطأ لا يبرره تقادمه ولسنا كمن يقول ( ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ) .

وجلُّ المرتكزات التي ترتكز عليها أعمال القاعدة في الداخل قائمة على فهم المنفذين لها , أو غيرهم من الموجِّهين للنص , أو لقول العالم المبني على فهمه للنص .

ولكي تدرك أيها القارىء الكريم أن ماقدمته قبل من خطورة المشكلة كان بسبب تباين الأفهام , فسأضرب لك مثالا لثلاث فئات تنطلق من قاعدة واحدة وتتبنى منهجا واحدا ولكنها تختلف عن بعضها اختلاف الليل عن النهار في تنفيذ ذلك المنهج وتطبيقه واقعا :


الفئة الأولى : العلماء الذين أكرم الله هذه البلاد بوجودهم , والذين جمعوا بين صفاء المعتقد , والصدق في النصيحة , وسلامة المنهج , من أئمة الدعوة إلى يومنا هذا ولله الفضل والمنة .

وهم ينطلقون من النص الشرعي , ويتبنون منهج السلف , لكنهم لم يركبوا مركب العنف , ولم يسلكوا مسالك المواجهة بالسلاح , وقد رأوا المنكر من الحاكم فناصحوه بما يرون به براءة الذمة , وإقامة الواجب , فكانوا خير معين له على مواصلة الحق , وترك ماهو ضده , أو على الأقل تذكيره بما غفل عنه مما ظنه موافقا للحق فتدارك نفسه فيه .

لم يكونوا يستجيزون السكوت عن الخطأ , ولم يكونوا يعالجون الأخطاء بالمواجهة بالسلاح .

ولعل من أبرز الشواهد على ذلك مواقف الأئمة الجهابذة الأعلام سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله , وسماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله , وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن بازرحمه الله وغيرهم من أشياخهم , وأقرانهم , وطلابهم رحم الله الأموات وأمدَّ في أعمار الأحياء منهم على طاعته , ممن سطرت الأحداث لهم أعظم المواقف وأصدقها وأنبلها .

ومن أراد معرفة شيء من ذلك فليقرأ كتاب الدرر السنية وما حواه من تقارير ومسائل ورسائل أئمة الدعوة وفرسان الملة , وكتاب فتاوي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله , ومجموع فتاوي الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله , وفتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

وسيرى التأصيل في الطرح , والصدق في النصح , والبعد عن الثلب والجرح , وفي مطالعتها مايغني عن الشرح .

الفئة الثانية : قوم زعموا أنهم على منهج السلف , ويستندون إلى الكتاب والسنة في طريقتهم , ويأخذون برأي من سبقهم من أهل العلم المشهود لهم بصفاء المعتقد .

لكنهم اتخذوا من أقوال العلماء سلاحا يطعنون به إخوانهم , ويتهمون به كل من خالفهم بالفساد والحزبية , وجعلوا الحاكم كالمعصوم عن العيب والخطأ , وصاروا يمتحنون الناس به , ويرون مناصحته بغير طريقتهم تهييجا , وذكر بعض المنكرات لمعالجتها خروجا .

وهؤلاء بالغوا في طريقتهم مبالغة لا أصل لها حتى أودت ببعضهم إلى الانقسام والتشرذم ثم لم يسلم منهم مَن زعموا الأخذ بقوله من العلماء الربانيين الصادقين , فطعنوا في محدث العصر الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله , واتهموه بالحزبية والتخطيط السياسي , وانقلبوا على الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد شفاه الله وصنفوه واتهموه , ثم على الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان حفظه الله وشنعوا عليه , ثم صبوا جام غضبهم على عضو الإفتاء الإمام عبدالله بن جبرين حفظه الله فجعلوه حزبيا إخوانيا هالكا والعياذ بالله , واستطالت السنتهم وأقلامهم في أعراض علماء ودعاة نحسبهم والله حسيبهم من أهل الصدق والفضل والنبل وصفاء العقيدة وسلامة المنهج والطريقة , ولانزكيهم على الله تعالى .

وقد بلغ الحال ببعضهم أن يتفرغ تفرغا كليا لنقد العلماء وتتبع أقوالهم بُغية تصيُّد الهفوات , واقتناص العثرات .

واعتبروا من خالفهم خارجيا ضالا , أو حزبيا مبتدعا , وصنفوا الناس في هذا تصانيف ربما جمعت المتناقضات في الشخص الواحد .

كما حكموا على أنفسهم وحدهم بصحة الطريقة , وصفاء المنهج رغم اختلافهم بينهم وتبديع بعضهم لبعض .

الفئة الثالثة : تنظيم القاعدة ومن سلك مسلكهم وهم ينتسبون إلى منهج السلف , ويعتمدون النص الشرعي , لكنهم يرون كفر الحاكم , وفساد العلماء ومداهنتهم , وأن التغيير لا يمكن أن يكون إلا بالسلاح والمواجهة .
وهؤلاء يسندون رؤاهم تلك بأقوال الفئة الأولى التي خالفتهم في طرق المعالجة !!!
ويعتمدون في أغلب مسلكهم على أقوال العلماء التي يعتمد عليها من سبقهم من الفئتين .

أيها القارىء الكريم

بعد هذا المثال الذي اتفقت فيه الفئات الثلاث على المصدر وهو النص من الكتاب والسنة , والمنهج كما تعلن وهو منهج السلف الصالح , واختلفت بينها اختلافا لا حدَّ له , حتى إن بعضها كفَّر بعضا وبدَّعه وضلَّله , فهل ترى أن الحقَّ متعدد ؟ .

أو أن الحقَّ يقبل هذه التناقضات ؟ .
أو أن الحقَّ ومنهج السلف الصالح أكثر من منهج , وأكثر من طريقة ؟ .
أو أن منهج السلف الصالح يقبل المزايدات , ويتسع للمهاترات ؟ .
فأي تلك الفئات الثلاث على المنهج , وأقرب للحق , وأبعد عن الفتنة والشر؟
إن منهج السلف الصالح منهج واضح نقي , لا يقبل التزييف , ولا يرضى بالانتماء الكاذب , ولا يحمي فشل المنتمين إليه اعتباطا .
لقد كان السلف الصالح مثالا واضحا في الصدق مع الله تعالى , ومع رسوله صلى الله عليه وسلم , ومع من ولاَّه الله أمرهم , ومع أمتهم , ومع أنفسهم .
لذلك كان منهجهم وسطا لا غلو فيه ولا تفريط .
منهجا حكيما يجمع بين الاعتدال والمحافظة .
لاهو بالذي بالغ في تعظيم الذوات حتى عصمها , ولاهو الذي اتهمها حين اختلف معها في بعض الرؤى حتى كفرها أو بدَّعها أو حزَّبها .

أخي القارىء الكريم
الطائفة التي حادت عن منهج السلف الصالح لايمكن أن يردها إليه ادِّعاء الانتساب إليه , بل لابد لها من الالتزام بالمنهج قولا وعملا , أخذا وردَّا .

ولهذا فإنك لو تأملت في سلوك بعض المنتسبين إلى السلفية وكيف وقعوا فيما حذروا الناس منه , وبدَّعوهم لأجله , وخاصة من وقع منهم في أعراض العلماء , وجدت أنَّهم وقعوا في التحزب المقيت , والتعصب المذموم , من حيث شعروا أو لم يشعروا .

اقرأ مثلا قول بعضهم امتحنوا الناس في فلان , أو وصفهم له بأنه فلان السنة أو وصفه بالريحانة , وكأنه ينطق بمشكاة النبوة عياذا بالله .

أو مبالغة كثير من أتباع القاعدة مثلا في شخص أبي عبدالله أسامة بن لادن واستدلالهم لبعض أفعالهم بعبارة ( قال أبو عبدالله ) وكأنه لا ينطق عن الهوى , مع أنه بشر غير معصوم , وهو رجل يُستَدَل له ولا يُستَدَل به , لأنهم إن جعلوا قوله دليلا وألزموا الناس به فقد جعلوه نصا , وهذا مالايكون , وإن اعتبروا قوله رأيا غير ملزم فهذا يُلزمهم بضرورة استيعاب الرأي المخالف .

وعلى هذا فلابد للدعوى من إثبات , ولابد للحجة من برهان ودليل .
إذْ هل يمكن أن نتصور أن يكون منهج السلف متنازعا بين طوائف يلعن بعضها بعضا ؟

نعم يلعن بعضها بعضا ليس لنزاعات شخصية , بل لمايراه بعضهم من فساد طريقة الآخر وسوء مسلكه رغم دعوى انتسابهم جميعا لمذهب السلف الصالح !!! , وصدورهم عن الوحيين !!!.

أخي القارىء الكريم
كان الاختلاف موجودا منذ قديم الزمن , وكانت الآراء تتباين في بعض المسائل , لكنها لم تبلغ هذا الحدَّ من التناقض .

لقد اختلف علماء السنة في مسائل متعددة وأصرَّ بعضهم على رأيه لكنه لم يجعل خلافه مع أخيه العالم مبررا له ليطعن في عرضه , أو يتهمه في نيته , أو يشِيَ به عند ذي سلطان , أو يؤلب الناس عليه .

تأول بعض أئمة السلف في مسألة خلق القرآن مع أنهم يرون كفر من قال بها , ولم يثبتوا كما ثبت الإمام أحمد رحمه الله , ومع هذا لم يكن تأولهم مبررا لغيرهم أو لمن ثبت أن يتهمهم على الإسلام والسنة , بل ولم يستجز هو لنفسه فعل ذلك , فرضي الله عنهم أجمعين .
لذلك لن يكون الحلُّ بالتصنيف والتكفير والتفجير والعنف .
بل الحل في الرجوع إلى المصدر الذي استقى منه السلف تعاليمهم وهو الكتاب والسنة , والرجوع إلى من يردُّ إلى الكتاب والسنة في قوله وفعله من أهل العلم والنظر .
يكون الحلُّ بالنظر في الأدلة ومعرفة المحكم منها والمتشابه , والمطلق والمقيد , والناسخ والمنسوخ , والعام والخاص .
يكون بمعرفة المصالح الشرعية وأضدادها , ومتى تكون المصلحة راجحة ومتى تكون مرجوحة , ومعرفة العلل والأسباب .
وهذا لايمكن أن يتأتى إلا لمن شاب مفرقه في الطلب والتحصيل , وانحنى عموده من كثرة المدارسة , ومزاحة العلماء في الركب .
وأين هذا ممن لم يتجاوز العقدين من عمره , ومع هذا تراه وقد اقتحم غمار مسائل لو عرضت على ابن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أشياخ بدررضي الله عنهم أجمعين !!.

لقد سَبَقَنا علماء لانتَّهمهم في دينهم , ونحسب أنهم حطوا رحلهم في الجنان بإذن الله ومنته وفضله , وكانوا أصدق في لهجتهم , وأصفى في طريقتهم , من الخلوف التي جاءت بعدهم , وأنصح للأمة وأبرَّ فيما يظهر , ومع هذا لم يتخذوا من العنف مسلكا , ولا من التفجير مركبا .

لقد رأوا أخطاء لم يسكتوا عنها , بل ناصحوا فيها أهل الشأن بصدق , وكاتبوا وواجهوا وأعذروا أمام الله , ولم يفتحوا باب شرٍّ على الناس , تستباح فيه حرماتهم , وتراق فيه دماؤهم .

لقد ناصح بعضهم في قضايا يراها من المنكرات مايزيد على ثلاثين سنة ولم يسكت حتى استجيب له , لكنه لم يقبل في يوم أن يجعل رفض قبول النصيحة سببا في ركوب موجة العنف والتفجير .
لقد ناصحوا وبينوا خفية وعلانية , وأنكروا مايرون أنه لاتبرأ الذمة إلا بإنكاره فحفظ الله زمانهم من الفتن والشرور , وعصم الله أنفسهم من الخوض في دماء الناس وأموالهم وأعراضهم .

أخي القارىء الكريم
تعال بنا لنستعرض وفي عجالة ما أنجزته تلك الأعمال التي اتخذت العنف وسيلة للإنكار , وما هي المكاسب التي تحققت للمسلمين ؟ .

لا أجد كمتابع للأحداث أن العنف حقق أي مكسب على أرض الواقع إلا زيادة التعاطف مع الدولة , واللحمة بين الحاكم والمحكوم , أما غير ذلك ففي ظني أنه لم يتحقق شيء ألبتة .

بل إن هذه الأعمال أحدثت من الشر والضرر والفرقة والانقسام والفتنة أضعاف أضعاف ما جاءت لإنكاره ومعالجته _ هذا على فرض صحة النوايا وسلامة المقاصد والبعد عن الدوافع الشخصية _ , وحققت للعدو الشامت بنا في الداخل والخارج أضعاف مايرجوه بعشرات بل بمئات المرات من المكاسب , وأتاحت له الفرص للضرب والطعن والتسلل .

لقد أصبح المسلم المحافظ المستمسك بالسنة متهما , وأضحى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مشبوها , وصار ت مناهجنا , ودور التحفيظ , والجمعيات الخيرية , والمراكز التوعوية والتوجيهية , ملاحقة بشبهة تفريخ الإرهاب .

لقد صار المسلم المحافظ , والداعية الناصح , والمعلم الصادق , والمفكر الغيور , والعالم الرباني في خانة أعداء قلعة الإسلام ( المملكة العربية السعودية ) , وطفا على السطح طفيليات كانت من أشد الناس عداوة للوطن وأهله , وأنفرهم عن الدين وتعاليمه , وأكثرهم ولاء للغرب ووفاء لمخططاته , وقاموا يتباكون على الوطن ومقدساته , وعلى الدولة وهيبتها , وعلى الأموال والأنفس المعصومة وحرمتها , وصبوا الزيت على النار ليزيدوا اشتعالها , ويوقضوا فتنة نائمة بين أهلها , مستغلين هذا الظرف الحرج الذي ساهم في إيجاده تصرف غير مسؤول من طائفة لم تقدِّر المصالح الشرعية والمفاسد .
بسبب تلك العجلة المقيتة , والغيرة غير المنضبطة , والجهل بأحكام الشريعة , وتنزيل بعضها على غير موضعه , والدخول في الإلزامات التي لا تنتهي , والخوض في مسائل تشيب لها الرؤوس , وقياس المسائل بالرأي , واتخاذ الهوى غرضا , واعتبار الحكمة في ما تميل له النفوس لافي ما تقتضيه المصالح الشرعية , وتقديم المصالح على درء المفاسد , ومجانبة آراء أهل الخبرة في أمر الشريعة وأهل الغيرة المحمودة , واتهام المخالف بالمداهنة والانبطاح , والتسرع في إطلاق الأحكام قبل النظر والتدقيق والفحص والتحقيق , و عدم الاعتبار في سيرة أصحاب المسالك المماثلة , وغير ذلك من الأمور .

أقول : بسبب ذلك كله وغيره , رأينا كيف استباح المسلم دم المسلم ووصفه بالطاغوتية , ومارس معه أبشع صفات الانتقام , من حزِّ الرؤوس , وتقطيع الأطراف , وتمزيق الأشلاء , وهدم المساكن .

وبسبب ذلك أصبح بعضهم يمارس سفك الدماء البريئة , ويدمر الممتلكات , ويفتخر بأن هذا من دين الله الذي نزل به جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم .

وبسبب ذلك رفع المنافق عقيرته , واستعلن اللبرالي الخسيس بدعوته ومطالبه , واتَّحَدت مطالب أعداء الشريعة مستغلين هذا الظرف لتشويه سمعة المسلم المحافظ , ولسان حالهم وقالهم هو : هذا هو الدين وتلك هي أخلاق المتدينين ومشاريعهم .

بسبب ذلك احتاج من يريد أن ينكر منكرا أن يقدِّم بين يديه صكوك البراءة , وأيمان الولاء , وربما لم يكفه ذلك حتى يقسم بين الحجر والمقام أنه ضدَّ استهداف الأبرياء أو الإخلال بالأمن .

في حين يمارس اللبرالي والمنافق فجوره عازفا على وتر الوطنية والتحذير من الإرهاب . لقد كان هذا البلد آمنا , وسيظل كذلك آمنا بإذن الله , وكان للعلماء فيه مكانتهم , ولكلمتهم وقعها , حتى أتانا من قسمهم إلى سلفيين وحزبيين , أو من اتهمهم بالمداهنة والانبطاح , أو من رآهم دون مستوى المسؤولية , وذلك بُغْيَة أن يتصدر في الناس الجهال والجهل , وتغيب الحكمة والعقل .

لقد انشغل رجال الأمن عن ملاحقة الجرائم الأخلاقية , والتعديات على الأموال والأنفس من قبل أهل الشهوات , إلى ملاحقة أهل الشبهات , وتتبع خطواتهم , مما أوجد ثغرة أمنية كبيرة يتولى وزرها من كان السبب وراءها .

وانشغل أهل الغيرة من القاعدين للشاذين في فكرهم كل مرصد , عن مقارعة الشواذ , وكشف زيفهم , وبيان فساد مذاهبهم , بالدفاع عن أنفسهم , وإثبات براءة طريقتهم وخلوَّها من تهمة العنف والإرهاب .

كما انشغل المراقبون عن رصد تحركات أعداء هذه البلاد من الخارج إلى تتبع السوس الذي يهدد البنيان من الداخل , مما أتاح للعدو الخارجي حرية التحرك بسهولة , وأوجد له فرصة النيل منَّا بيسر .

لم تكن أمريكا تتجرأ بمطالبها لتغريب المجتمع , وتستعلن بضرورة التغيير للمناهج وما تسميه البوليس الديني من قبل بمثل هذه القوة .

ولم يكن الرافضة يتحركون بحرية , ويعتبرون أنفسهم أصحاب حق بمثل حريتهم اليوم .

أخي القارىء الكريم
كم هو مؤلم أن يكتب فلان من الناس عن الوطن ومقدراته مع أنه أكثر الناس امتهانا له ولها , لكنه وجدها فرصة للاصطياد في الماء العكر .

وكم هو محزن أن يوصف عالم رباني بالإرهاب , ويتهم بالخيانة , وينتقص من قدره , ويشكك في حبه لبلده , وإخلاصه في نصيحة ولاة أمره , بسبب استغلال طائش لفتواه , أو احتجاج متعجل ببعض قوله مما لم يَستَوعب معناه !! .

أعلم يقينا أن بعض من سلكوا مسلك المواجهة لم يدفعهم لذلك إلا الغيرة , ولكني يجب أن أقول بوضوح تام إن الغيرة وحدها لاتكفي لعلاج الخطأ , ولهذا لم تقبل من سعد بن عبادة رضي الله عنه حين خالفت حكم الله تعالى .

الغيرة لابد أن يضبطها الشرع , ولابد أن تتوافق مع أحكامه , وإلا فقد تتحول من غيرة محمودة إلى غيرة مذمومة , وقد يأثم صاحبها بسببها من حيث يريد الأجر والقربة .

وأعلم أن بعض هؤلاء المندفعين يرى أن منهجه شرعيا , ويستند فيه إلى أقوال من يثق بهم , لكن هذا وحده لا يكفي للتصدر لمثل هذه القضايا العظام التي تراق فيها الدماء , وتستباح بسببها الحرمات , لأن هذه الأحكام لا يقررها إلا الجهابذة من العلماء , وفرسان الفتيا الذين يوقعون عن الله تعالى , ويغلِّبون جانب الحيطة في الدماء والأموال والأعراض . وأعلم أن هناك أخطاء تقع فيها الدولة يجب إنكارها , وعدم السكوت عليها , وبيان مخالفتها للشريعة , ولكن معالجة تلك التجاوزات والأخطاء لاتكون بأخطاء تساهم في تثبيتها , أو الإصرار عليها , أو تفتح مجالا لاستغلال المشبوهين من ذوي الأفكار المنحرفة بسبب سوء المعالجات لإثبات أنهم البديل الأكثر ولاء , والأصدق حبا , والأعقل طرحا ومعالجة .

معالجة الأخطاء التي تقع فيها الدولة تكون بالطرق المعتبرة شرعا , وبالأساليب التي يتحقق بها الغرض المنشود من الإنكار , وهو زوال المنكر أو تقليله , وبما يحفظ هيبة الدولة , وأمن المجتمع .

إنكار المنكر يحتاج إلى فقهٍ وسياسة شرعية , حتى لا يحدث بسبب ذلك مفاسد أبلغ مما يسعى المنكِر لإنكارها .
لقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحدِّ على رأس المنافقين وأقامه على من شهد بدرا لمصلحة عظمى , ودرءا لمفسدة كبرى .
كما ترك بناء الكعبة على قواعد إسماعيل عليه السلام خوفا من مفسدة أعظم قد تقع بسبب تلك المصلحة التي تمناها بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .

وصالح كفار قريش يوم الحديبية على أن يرد إليهم كلَّ من أتاه مسلما فارَّا بدينه , وأجابهم على محي ( رسول الله ) من عقد الصلح , وعدم كتابة ( الرحمن الرحيم ) في بدايته , حتى قال عمر رضي الله عنه علام نعطي الدنية في ديننا .

أقول هذا لمن ظنَّ أنه على شيء , وكان الدافع له الغيرة .
سائلا الله له الهداية للطريق المستقيم , والبعد عن الفتن وأسبابها .

أما غير هؤلاء ممن تدفعهم الأهواء , أو النزعات الشخصية , أو المصالح والأطماع , فأقول لهم :

فإن كان في سابق علم الله أن لكم هداية فاللهم عجل بها , وإن كان الله كتب عليكم الشقاء , فردَّ الله كيدكم في نحوركم , وكفا الأمة فسادكم وشروركم , وجعل تدبيركم تدميرا عليكم .
 

وأخيرا فالقاعدة الشرعية الصحيحة تقول :

استهداف أمن المملكة العربية السعودية خطأ فادح .


هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
 

وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش
أبو مالك

 

وقفه مع الأحداث
  • بيانات
  • مقالات
  • شبهات وردود
  • أحكام التكفير
  • حقوق الوالي
  • كتب وبحوث
  • مبادرة العفو
  • الصفحة الرئيسية