اطبع هذه الصفحة


كيف يتعاهد الداعية نفسه؟

د. حمزة بن سليمان بن راشد الطيار*

 
الحمد لله الذي لا مانع لما وهب ,ولا معطي لما سلب,طاعته للعاملين أفضل مكتسب , وتقواه للمتقين أعلى نسب ..والصلاة والسلام على عبده الذي اصطفاه وانتخب..وعلى اله والتابعين لهم بإحسان ما شرق النجم وما غرب...

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته *** أتعبت جسمك فيما فيه خسران
اقبل على الروح واستكمل شمائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

قضية خطيرة , أمر هام , منطلق أساسي لتأثير الداعية وفعاليته...إنها معاهدة الداعية لنفسه تربية الداعية نفسه....

تكمن أهمية الموضوع من خلال أسباب عديدة لعل من أهمها أربعة أسباب:
1. كثرة الفتن والمغريات وتنوع أصناف الشهوات والشبهات في هذا الزمن خاصة
2. كثرة حوادث الانتكاس والنكوص على الأعقاب من بعض المستقيمين هداهم الله وردهم إليه ردا جميلا
3. عدم العلم بالمرحلة التي نحن قادمين عليها مستقبلا : هل هي مراحل تمكين أم ابتلاء ... وفي كلا الحالتين نحن بحاجة لبناء وتعاهد أنفسنا حتى نثبت في الحالين.
4. وهو أهم الأسباب: إن المسؤولية ذاتية والتبعة فردية فكل شخص سيحاسب لوحده : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها
هذه الرباعية عليك آخي الكريم تذكرها وعدم نسيانها

لعلنا بعد هذه المقدمة والتمهيد ندخل لأهم عناصر الموضوع بل لبه ومتنه وهو كيف يبني ويتعاهد الداعية نفسه ؟؟؟ لعلكم تساءلتم هذا التساؤل من قبل بعد نهاية دورة شرعية أو نهاية مركز صيفي ...
واليكم هذه الأمور والعوامل المساعدة في بناء النفس :

أولا: التقرب إلى الله بالعبادة:
والعبادة نفهمها أحبتي بمفهومها العام الذي عرفه الشيخ المجدد ابن تيميه:كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأفعال الظاهرة والباطنة.. إذن فالعبادة تتناول قسمين :
أولاها : أعمال القلوب وعباداتها :
فأعمال القلوب مهمة وعلينا العناية بها وهي التي عليها الثواب والعقاب وهي التي بسببها تفاوت الخلق مع انهم أحيانا يؤدون نفس العبادة وهذا سر لطيف باح به العالم الرباني ابن القيم وسماه الإكسير الكيماوي الذي يقلب الحديد والنحاس ذهبا ,فلو عثرت عليه فالبتأكيد لن تتركه بل ستقاتل دونه وهو في العبادة :أعمال القلوب مثل :الخلاص والصدق والمحبة .....
وصدق العالم الجليل الفضيل بن عياض حين قال:كم من عمل صغير تعظمه النية وكم من عمل كبير تصغره النية.
ثانيها: أعمال الجوارح :
وهي العبادات المحظة : كالصلاة والحج.... ولعلي هنا انبه واذكر بأمر عجيب وسر خطير أطالب كال من عرفه أن يفشيه,وهو أن هناك فنا للعبادة ؟؟؟
انظر لابن مسعود سئل : نراك مقلا في الصيام ؟؟ قال : وجدت الصيام يتعبني ووجدت نفسي في الصلاة , فأنا اكثر منها.........قال الذهبي : ولم يكن يترك صيام الاثنين والخميس والثلاث أيام البيض من كل شهر.

ثانياً : المجاهدة :
المجاهدة والمصابرة للنفس أن تستقيم على الأمر ولا تتراجع ,يقول تعال(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين)
يقول ابن القيم في كتابه المفيد جدا الفوائد: الذين جاهدوا بالتوبة لنهدينهم سبل الإخلاص.
فعلى الداعية أن يجاهد نفسه
لله وبالله لله : أي مخلصا له لا ليقال : ما اتقاه واعبد
وبالله : بان يستعين بالله على ما سبق فيدعوه ويتوكل عليه
سئل إمام أهل السنة الصابر يوم المحنة : متى يجد العبد الراحة ؟؟ قال : عند أول قدم يضعها في الجنة.... الله اكبر فلا راحة في هذه الدنيا مطلقا فخي دار بلاء وامتحان .
ويا أحبتي في الله : تتنوع المجاهدات بتنوع الأمر الذي يجاهد العبد فيه , فهناك المجاهدة على الإخلاص وتسمى مجاهدة النيات حينما يجلس العبد مع نفسه ويجاهدها بأن يكون ما يقوم به كله لله لا لغيره ولا ليمدح ويثنى عليه..
وهناك مجاهدة الهوى والشيطان وهناك مجاهدة الشهوات ألا يقع فيها العبد إلا بالحلال وفيما نص عليه الوحي .....

ثالثا : المحاسبة :
ويا له من عامل مهم جدا فالتاجر الحاذق الذكي ينظر ماذا قدم وما هي أرباحه وخسائره . فكيف بمن يريد جنة الخلد...
يا سلعة الرحمن لست رخيصة *** بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر *** العشاق عنك وهم ذووو إيمان

يقول تعالى : {
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
قسم من الرب جل جلاله على السؤال فأفضل للمرء أن يسمع النصيحة العمرية التي تنص على : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر ........ الله اكبر الله اكبر ويا لها من قصة مؤثرة تهز القلب الحي ، ذكرها المقدسي في كتابه : منهاج القاصدين : عن عبد صالح جلس مع نفسه ونظر وقلب أمره فوجد عمره 60 عاما زمن ثم حسب أيامها فوجدها 21500 يوم فصرخ قائلا : يا ويلتى أألقى الله ب21500 ذنب هذا إن كل يوم ذنبا واحدا فكيف وفي كل يوم 1000 ذنب ثم صرخ فخر مغشيا عليه.
حق لنا والله أن نبكي على أنفسنا ,حق لنا والله أن نحاسب أنفسنا لنعلم من أي الفريقين نحن من العاملين أم منة البطالين.

رابعاً : الدعاء
فكيف يستطيع الداعية مجابهة أعداءه بدون أن يأوي إلى ركن شديد وهو تعالى الله وتقدست أسماؤه .
فالذل والانكسار تجعل من الداعية رجلا مرفوع الهامة شامخ القامة لا يخضع لغير الله .
نعم التذلل والانكسار بين يدي الله والتمسكن إليه وحدة تعالى ,أخي هل رأيت كيف يطلب السائل حينما يقوم بالمسجد , هل تصورت حالته , ذله,انكساره,نظراته , إحسان الظن بك حينما تمر به...... نريد نفس الشعور بل أكثر حينما ننطرح على سجادة الصلاة ولله تعالى المثل الأعلى ... الله اكبر الله اكبر التذلل الباب الواسع الفسيح , تأمل معي حبيبي قول طبيب القلوب ابن القيم ,فماذا يقول : يحكي عن نفسه انه مامن باب إلا وطرقه ووجد الزحام الكظيظ الذي لا يستطيع أن يقف فيه من كثرة الطلاب والراغبين ,فطرقت باب الصلاة فوجدت الزحام , ووليت نحو باب الصيام ويا للزحام الذي رأيت ,,وهكذا مع سائر الأبواب لكنما هناك باب ما إن اقتربت منه حتى اخذ بيدي !!!! أتدرى ما ذلك الباب : انه باب التذلل له تعالى...... وكيف لا يكون كذلك والعبادة مبنية على كمال الحب وكمال التذلل

الدعاء ,سهام الليل ..وتأمل معي هذه الأدعية:
اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى

الله اكبر هذا من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف بنا نحن ؟؟؟
نقطة مهمة آخي : تحسس أوقات إجابة الدعاء ألح على المولى وأكثر فيها من الدعاء , كالدعاء بين الآذان والإقامة,آخر الليل , آخر الصلاة قبل التسليم
ولا تنس أسباب إجابة الدعاء وهي كثيرة لا تخفى مثلك أيها الداعية,ومنها : إطابة المطعم , عدم التلبس بذنوب , الدعاء بحضور قلب......الدعاء باسم الله الأعظم

خامساً : طلب العلم المقرب إلى الله تعالى:
ولماذا العلم ؟؟ لأنه ما أكثر صرعى إبليس يتخبطون في الظلمات ويسبحون في وحل المعاصي في البدع المنكرة التي لم يدل عليها دليل..
فالعلم يا أخي الكريم يا أيها الداعية العلم : مهم جدا لنه عبادة بدون علم ستجرفك إلى منحدرات البدع .
وإذا تلقيت العلم فلا تتلقاه إلا على العلماء الربانيين الذين يخافون الله تعالى واهم شي في العلم .. اكرر أهم شي في العلم أعيد أهم شي في طلب العلم هو : التطبيق , التنفيذ .. التلقي للتنفيذ ... اقتضاء العلم العمل .. وإياك إياك أن تكون يا مشعل الخير كالمثل الذي ذكره ابن القيم لذلك المسافر الأحمق : المسافر الذي يحمل على راحلته رملا فلا يستفيد منه وهو أتعبه أضناه ... بل من ذاك حاله فان فيه خصلة من خصال اليهود المغضوب عليهم : ألم تكن التوراة بين أيديهم , ؟؟ فلم يعملوا بها , فشبههم الله تعالى بالحمار يحمل أسفارا

نأتي على آخر العوامل وسادسها وتاجها: وهو : الخلوة .......
نعم أيها الداعية الخلوة ولأهميتها شرع الاعتكاف ,, الخلوة : للتفرغ للعبادة , للتفكر في آلآء الله ونعمه وبديع خلقه فلا تملك نفسك إلا أن تهتف من أعماق أعماق قلبك:ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار....
الخلوة... للمناجاة .. نعم تلك المناجاة الندية , الحلوة , التي تحس حلاوتها في قلبك وطلاوتها في روحك.. فتسمو وترتفع...
ففي المناجاة : صفاء الذهن,وسلامة من الرياء ,وبعد عن فضول الخلطة...
وتذكر وتأمل ولا تنس انه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه......
تأمل : خاليا ... والنتيجة .. ففاضت عيناه

أيها الاخوة الكرام بهذا نخلص إلى أهمية تعاهد الداعية نفسه لكون المسؤولية فردية والتبعية ذاتية أمام الخالق لذا قال تعالى : قد افلح من زكاها... فنحتاج نعم نحتاج للتربية الذاتية : لتوافر المغريات والشهوات . ونحتاجها حتى لا ننكص على أعقابنا ... لذا فلنتذكر الوسائل المعينة على ذلك وهي : كلا لا تحفظها بل انقشها في قلبك:
تقرب وجاهد ثم ادعه في كل حين ولا تنس فالعلم قربة وإلا فالطريق إلى بدعة مظلة. واهرب إليه تعالى متدبرا باكيا في خلوة ولا أروع منها

يا أخوتي : هي تربية ذاتية وتعاهد إيماني زكت ورفعت آسية زوج اكبر طاغية على مر التاريخ –زوج فرعون- فرزقها الله لثباتها وإيمانها بيت في الجنة.......هي تربية ذاتية سببت تفاوت الخلق في الرتب يوم القيامة

فيا أخوتي درب الجنان طويل لكنما *** لا لاليس عنه بديل

رزقنا الله وإياكم جنانه ورضوانه.....واشكر لكم حسن صنيعكم بي في حسن الإنصات والتفاعل ,,,, فجزاكم الله خيرا
هذا والله اعلم ونسبة العلم إليه اسلم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين..........

أخوكم
أبو حسان
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية