صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







معالم النجاح في العمل الدعوي

 أبو أحمد ( مهذب )

 
البرامج والأعمال والمشاريع الدعوية من أهم الثروات المؤثرة في صياغة الإنسانية وتهذيب سلوكها
ولذلك فإن من أهم المهمات في أبجديات الدعاة والعاملين في مجال الدعوة ونفع الناس أن يكون لهم
مراجعات ودراسات متأنية حكيمة فيما يطرحونه من برامج وأعمال دعوية.
ومن هنا كانت هذه الأسطر حرفاً في باب المراجعات المهمة للدعاة .
إذ أن كل داعية إنما يرغب من وراء دعوته تبليغ الأمانة إرضاء لله جل وتعالى وامتثالا للأمر
ومن وراء هذا يرجو النفع للمسلمين وأن تظهر فيهم أثر هذه الدعوة ، وفي سبيل ذلك ينبغي عليه أن يراعي معالم النجاح في طريق دعوته .!
وحتى تكون برامجنا وأعمالنا الدعوية ناجحة فهذه ثمانية معالم على الطريق من عرفها حق معرفتها ورعاها حق رعايتها كان النجاح حليفه وحاديه في أعماله وبرامجه ومشاريعه الدعوية .

من معالم النجاح في العمل الدعوي

الأول : المرجعية .
المرجعية هي روح الأعمال وأسّها .
ولقد كان المرجع في عهد النبوة هو الوحي ، فما كان يحصل من أمر ذي بال إلا ويأتي ببيانه الوحي إما قرآنا يتلى أو سنة تقتفى عنه صلى الله عليه وسلم .
ولهذا كان زمن النبوة هو أفضل الأزمان وناسه خير الناس ، لأن الوحي كان حاضرا بينهم .
واليوم وبعد انقطاع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم لم تنقطع هذه المرجعية، بل مات صلى الله عليه وسلم وقد ترك فينا شيئين هما المرجعية الأولى لكل مؤمن ومؤمنة ( الكتاب والسنة ) قال صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ) .
وقال في صفة الطائفة الناجية ( هم : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) .
فتأمل كيف أن رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم ما مات حتى بيّن للدعاة من بعده - الذين هم ورثته - المرجعية التي يرجعون إليها .
إنه المرجعية المعصومة ( الكتاب والسنة ) . والتي رتّب عليها الفلاح والنجاة والنجاح .
وهذه المرجعية لا تختلف فيها الطوائف اليوم ، بل من حين أن نشأت الفرق - على العموم - لم تختلف في اعتمادها أو عدم اعتمادها فإن كل طائفة تزعم أنها تلتزم النص الشرعي الذي هو - المرجعية - ( القرآن والسنة ) .
لكن الخلاف - وقد يكون محط افتراق - منهجية التعامل مع النص - المرجعية - .
والمنهجية الحقة في تطبيقات النص والتعامل معه قد بيّنها صلى الله عليه وسلم في حديث الإفتراق بقوله : ( ما أنا عليه واصحابي ) وفي قوله ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين . . ) .
فبيّن صلى الله عليه وسلم المنهج السليم في التعامل مع نصوص الوحي .
إنه صلى الله عليه وسلم لمّا دلّ الأمة على المرجعية في العمل ( الكتاب والسنة ) دلّهم على منهجية التعامل مع هذه المرجعية وأن التعامل يكون معها بفهم السلف الصالح لها وتطبيقاتهم لهذه المرجعية ، وهذا المعنى الذي اكده القرآن في قول الله تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) سورة النساء{115} .
هذا هو المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه الدعوات وأن تقوم على أساسه الأعمال :

- المرجعية المعصومة . ( الكتاب والسنة )
- التطبيقات الصحيحة لهذه المرجعية . ( فهم السلف الصالح ) .

قواعد مهمة في فهم المنهج :
- المنهج التطبيقي عند السلف قائم على أمرين :

1 - الإخلاص لله جل وتعالى .
بعيدا عن الشعارات والرموز والأسماء والتحزبات والمسميات .
فأعمالهم إنما هي خالصة لله جل وتعالى .
وهذا الأمر مبسوط تفصيله في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم و في نصيحة كل مشفق وحريص على الإسلام وأهله .
وإنما كانت الحاجة للتذكير به لأن النفس تغفل ، ولأن النفس تغريها المنجزات و تنفشها تصفيق الجموع الغفيرة ويلهيها عن الإخلاص ( التكاثر ) .
والله تعالى يقول في ذمّ ذلك " الهاكم التكاثر " . من هنا كان لزاما على كل داعية أن يستحضر الإخلاص لله تعالى في عمله وجهده ، وأن لا ينتظر من الناس مدحا ولا حمداً !

2 - المتابعة .
والمقصود بها الاتباع لا الابتداع .
إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، لا يقدمون على سنته رأي شيخ او عالم أو مفكر أو غيره .
بل سبيلهم الإتباع لا الابتداع ، وهديهم دعوة الناس بالمعروف لا بالمنكر ، فإن من الناس من يستهجن بعض المحرمات ويستمرؤها زاعماً أن ذلك من أساليب الدعوة !!
كمن يكذب ليدعوا الناس .. فقد ينسب لنفسه أو لطائفته أو حزبه أموراً يتشبّع بها ليحوز بين الناس شهرة ويعلق ذلك على مصلحة الدعوة !!
أو تراه يسلك سبيل التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم ليبرأ ساحته وليجمع الناس من حوله بسلوك هذا السبيل .
بتفريق المؤمنين وإسقاط الآخرين . . . زعمه في ذلك مصلحة الدعوة !!!
فاي دعوة هذه الدعوة التي تقوم على الباطل والمنكر وتمكينه بين الناس على حساب المصلحة الدعوية ؟؟!!

- تعظيم الله وترك تعظيم المخلوق .
وهذه قاعدة عظيمة في المنهج التطبيقي .
فإن من أعظم الظلم والغبن اختصار الأمة في شخص فلان أو مجموعة أو طائفة . فإن كان هذاالفلان أو هذه المجموعة فإن الحق كائن !! وإن لم يكن فلن يكون !!
لكن الذي يقرأ في سير الصالحين من الصحابة الأولين يجد أنهم تربوا على غير هذا في جانب الموقف من المخلوق أو الطائفة الكائنة على الحق .
الأمر الذي يظهر في خطبة أبي بكر رضي الله عنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت !
وهذا الذي نقرأه في صيحة أنس بن النضر يوم أحد : موتوا على مثل ما مات عليه !!
وإنما دخل الشرك على الأمة بعد عشرة قرون من التوحيد من باب تعظيم المخلوق ، واليوم حين تعيش الطائفة أو المجموعة وهي تعظّم فلاناً أو تعظّم بنود المجموعة ونظامها
فهي إنما تنحدر في طريق الهلاك نسأل الله الحماية .
والذي له وعي بالساحة اليوم يعرف مدى اثر هذا التعظيم الذي بلينا به ، أعني تعظيم بعض الرموز من العلماء والدعاة أو رموز الجهاد أو رموز التربية والتعليم أو غيرهم .. تعظيما يصل ببعضهم
أن يقارن حبهم بحب النبيين - نعوذ بالله من الخذلان -
فهذه قاعدة مهمة في باب المنهج التطبيقي عند أهل السنة والجماعة .

- لا يعتبر موقف آحاد السلف هو منهج السلف .
قد يكون لبعض السلف موقفاً ما في قضية ما ، فليس من المنهج أن نجعل موقف هذا الإمام في هذه القضية هو منهج السلف ، ونجرّ على هذا الموقف كل موقف مشابه له .
بل قد يكون هذا الموقف كان في ظروف معينة وحالة معينة ، ونفسية لها ظروفها حال الموقف ، فليس من العقل في شي أن يقال أن هذا هو منهج السلف .
فمثلاً : كان لبعض السلف موقفاً من دعوة ( الأمرد ) ومخالطته ، كان موقفهم موقف المجافاة والتحذير ، لكن هذا الموقف لا يمكن أن يقال بحال من الأحوال أنه منهج السلف .
بل هو موقف لآحاد السلف كان لسبب معين أو ظرف له حالته الخاصة . وقس على هذا كثيرا من المسائل .

- الحرص على ربانية المنهج وترك التكثر .
قوة الدعوة وسلامتها تكمن في المحافظة على ربانية المنهج وصفائه أكثر مما تكمن في كثرة الاتباع
أو الأماني البشرية العارية عن التزام الصراط المستقيم ، ولن ينفعنا إذا فرطنا في سلامة المنهج
أن نحرص على الاجتماع أو وحدة الكلمة !!
فإن الكلمة التي ضمن الله الفلاح لمن التزمها هي كلمة التوحيد بكامل أبعادها : " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .."
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد الناس بهذا الإيمان ، وهذا المنهج وهذه الوحدة في الصف والكلمة فمن خالف ذلك الإيمان فقد وقع في الشقاق من حيث أراد التآلف ....
والله تعالى قد ذمّ هذا التكاثر الملهي فقال " الهاكم التكاثر " !
تكاثر الأفراد والأتباع .
تكاثر الشهادات والمنجزات .
تكاثر المراكز والفروع والقنوات .
تكاثر المدح والثناء على المنجزات . !!

- كلانا على خير !
فالأعمال الدعوية والبرامج المتنوعة والجهود المتوازية في المؤسسات الدعوية إنما هي ثغرات ؛ كلٌّ قائم فيها على ثغرة !
كتب أحد العبّاد إلى الإمام مالك رحمه الله ينكر عليه اشتغاله بالعلم ويدعوه للتفرغ إلى العبادة ، فكتب غليه الإمام مالك :
إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الجهاد ، ونشر العلم من أفضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فتح لي فيه وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر !!
وهذاالمعنى ينبغي أن يعيه العاملون في حقل الدعوة إلى الله ونفع الناس .
لأنك صرت ترى بعض من يلزم زاوية معينة في باب نفع الناس يحرص على أن يحصر الناس كلهم فيما يعمل ويدعو ، ويقلل من جهود غيره بل يشنأهم ويزدري ما هم عليه من العمل .
ومن هنا كانت هذه القاعدة قاعدة مهمة في المنهج التطبيقي عند السلف رحمهم الله .

الثاني : الاجتماع وعدم الافتراق .
والأصل في ذلك قول الله جل وعز : " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ . . "
ولازم هذا الإجتماع أن يكون إجتماعاً على الحق . والحق هو الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله ( واعتصموا بحبل الله ) .
وحبل الله هو كتابه جل وتعالى الموصل إليه .
ومقتضى هذا الإجتماع :
- التناصح لا التفاضح .
- التعاون .
" وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ..) وهو الأمر الذي عناه موسى عليه السلام فيما أخبر الله تعالى به في قوله : " { هَارُونَ أَخِي {30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي {32} كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا {33} وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا {34} .
فتأمل كيف كان التعاون سبيلاً لشدّ الأزر والمداومة على التسبيح والذكر .
- الصبر .
فإن الله خلق الخلق أزواجاً في أصنافهم وفئاتهم وأفهامهم وعقولهم وتصوراتهم ، فمقتضى الإجتماع أن يصبر أهل الإجتماع بعضهم على بعض .
فإنه قد لا تتفق أفهامهم على موقف أو معنى ، لكن من أجل الإجتماع ينبغي أن يكون الصبر حتى لا تقع الفرقة والإختلاف .
قا ل الله تعالى : " وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {46 "
فتأمل كيف بدأ الاية بلازم الإجتماع وأنه يكون على ما فيه طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم عقّب على مقتضى هذا الإجتماع من الصبر والمصابرة في سبيل بقاء الجماعة والإجتماع على الحق ، متناسين في ذلك حظوظ الذات والنفس ورغبتها في أن تكون الكلمة كلمتها .
وعلى هذا المعنى يكون الإجتماع من تمام إيمان العبد ، يقول ابن سعدي رحمه الله : " ولا يتم الإيمان إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويترتب على ذلك أيضا محبة اجتماع
المؤمنين والحث على التآلف والتحابب ، وعدم التقاطع ؛ ويبرأ أهل السنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض ، ويرون هذه القاعدة من أهم قواعد الإيمان ولا يرون الإختلاف في المسائل التي لا توصل إلى بدعة أو كفر موجبة للتفرق " أ.هـ
- الاستشارة .

خوارم الإجتماع .
- الإستقلالية .
وهو معنى من معاني قوله صلى الله عليه وسلم ( إعجاب كل ذي رأي برأيه ) فإن هذا الإعجاب بالرأي والاستقلالية به من أعظم ما يسبب الفرقة بين المسلمين .
ولا أدلّ على هذا مما نعايشه اليوم في شتى وسائل الاتصال والإعلام ، الذي نلمس فيه هذه الخصلة التي فرّقت بين المؤمنين على أهواء وأراء يلقيها أصحابها جزافاً من غير مراعاة لمصلحة الإجتماع وتوحيد الكلمة على كلمة التوحيد .
- الإتكالية .
التي هي ضد التعاون والتباذل ، فكلٌّ يجعل الهمّ همّ فلان لا همّه .
ومن جرّاء هذه الإتكالية يكثر التعاتب والتلاوم بين العاملين ، فكلٌّ يلقي باللائمة على فلان .
- العشوائية .
وعدم التفكير والتخطيط ، المر الذي يجعل المجموعة تعمل العمل ثم هي لا تبارح مكانها قيد أنملة - مكانك سر - !
ومن هنا تجد التفكك بين أفرادها فتجد من يشتكي عدم التقدم والتطور ذاتيا واجتماعياً ، فيترك المجموعة بحثاً عن آخر يجد فيه التطور والنماء .
- التباغض والتدابر .
وأمراض القلوب بشكل عام من الحسد والحقد والشحناء والبغضاء من أشد ما يفتك بالصف ويفرق الجمع .
ولذلك من أهم واجبات الدعاة والمخلصين التركيز على تزكية النفوس ، فمتى زكت النفوس سمت بأصحابها إلى العلياء .

الثالث : فقه المصالح والمفاسد .
فإن الله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها(1 ).
فقاعدة : ( جلب المصلحة ودفع المفسدة ) إذن هي مدار الشريعة كلها، فمن لم يفقه هذه القاعدة فلا علم له بالشريعة ؛ لأن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح للناس ولدفع المفاسد عنهم، فما أمرت بشيءٍ أو أباحته إلا وفيه مصلحة محققة، ولا نهت عن شيءٍ ومنعته إلا وفيه مفسدة محققة، وقد يكون في الشيء مصالح ومفاسد، ولكنها تمنعه لرجحان المفسدة، أو تبيحه لرجحان المصلحة.
إذ ليس كل من فَقِه الأحكام يفقه كيف يُنَزِّلها في مواقعها !!
من هنا كان هذا الفقه من أهم ما يجب أن يراعيه أهل الدعوة في سبيل إنجاح دعوتهم ، فإنه كم من فقه في موقف أتى على الدعوة وأخّر تقدمّها حقباً متواليات .
وهو الفقه الذي نقرأ مظاهره في بعض نصوص الوحي ومواقف السيرة ، فمن ذلك :
- موقفه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وموافقته على الصلح . الذي كان في ظاهره هزيمة وضعفاً والله تعالى سمّأه فتحاً فقال : " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا "
- عن قبيصة بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة ، فهي لكم ، وهي عليهم فصلّوا معهم ما صلّوا إلى القبلة " رواه أبو داود .
قال ابن سعدي رحمه الله :
يؤخذ من هذا الحديث فائدتان عظيمتان :
إحداهما : أنه إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها ، وأن العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره أفضل من غيره ، فإنه أمر بالصلاة مع هؤلاء الأمراء مراعاة لمصلحة الإتفاق والائتلاف ، وعدم الاختلاف ، وأن تؤخر الصلاة معهم مع أن الأفضل عدم تأخيرها .
الفائدة الثانية : أن من كان حريصاً على تكميل العبادات بأوقاتها وحدودها وتكميلاتها ، ولكنه تابع لغيره في عبادته ، وذلك الغير يأتي بها على وجه ناقص ؛ أن الحريص على التكميل الذي لا يتمكن منه لهذا السبب أنه يكمل له الأجر بنيته . ولا ملام عليه بسبب اتباعه لغيره وعدم استقلاله .
- الأمر بكف القتال في العهد المكي .
- قول الله تعالى : " فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى " فإن ضرّت فترك التذكير الموجب للضرر الكثير هو المتعين .
إلى غير ذلك من مظاهر هذا الفقه .

وفي سبيل وضوح هذا الفقه ينبغى أن تراعى الأمور التالية :
- مراعاة أن تكون المصلحة مصلحة شرعية لا تعارض النص .
- الجمع بين المصالح كلها . فإن لم يكن :
- فتقديم أعلى المصلحتين .
- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
- ارتكاب أهون المفسدتين .
- دفع الضرر العام بالضرر الخاص .
- ارتكاب المفسدة في سبيل تحقيق مصلحة عامة .
- ينبغي التفريق بين القضايا الثابتة والمتغيرة بتغير الأحوال والزمان .

إلى غير ذلك من الأمور التي تعين بعد تقوى الله ولزوم أمره ومعرفة مقاصد الشريعة على فقه الواقع والتطبيق .

الرابع : الإستشارة .
فالإستشارة والمشاورة من أعظم ما يحقق النجاح في أي عمل .
قال الله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "
فتأمل أمره له بالمشاورة مع أنه صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي .
قال علي رضي الله عنه : الإستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبير قبل العمل يؤمّنك من الندم !!
وقال الحافظ ابن عبد البر : الإستبداد مذموم عند جماعة الحكماء ، والمشورة محمودة عند عامة العلماء ، ولا أعلم أحداً رضي الإستبداد وحمده إلا رجل مفتون ، مخادع لمن
يطلب عنده لذته فيرقب غرته ، أو رجل فاتك يحاول حين الغفلة ويترصّد الفرصة ، وكلا الرجلين فاسق مائق !!
ولهذا فإن للمشاورة فوائد أهمها :
1– امتثال أمر الله جل وعز .
2 – اقتداء بالرسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله ، وتأييده بالوحي –
3 – اختصارا للوقت .
4 – أكثر أسباب إصابة الصواب .
5 – تلقيح الأذهان .
6 – ترك المشاورة يُخمد الأفكار ويضيّع الفرص التي يضر تضييعها .
7 – من أسباب الألفة بين المؤمنين .
8 - من أهم مقومات النجاح في الأعمال . إذ بالاستشارة جمع لزبدة أفكار العقلاء .
والمشورة نافعة في كل أمر كان ذاتيا أو جماعياً . في امور الدين والدنيا .

الخامس : حسم الأعمال الحاضرة والإهتمام بها في وقتها .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي له في بيته ، فذهب معه رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى بلغ دار الرجل ، فلما دخل قال الرجل : يارسول الله هل تجلس لتذوق طعاماً ؟!
فقال صلى الله عليه وسلم : اين تريد أن أصلي لك !!
هكذا يعلمنا صلى الله عليه وسلم حسم الأعمال الحاضرة والاهتمام بها في وقتها .
الأمر الذي نلمسه في تربية الشريعة للمؤمنين وذلك من خلال التشريعات والأحكام .
فالصلوات له ميقات محدود معلوم " إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا "
والحج له وقته المعلوم ، والصيام كذلك والزكاة بمقدارها وأصنافها ، وهكذا تعلمنا الشريعة كيف أن الأعمال لها أوقاتهاالتي بفواتها قد تفوت مصالحها .
وهو الأمر الذي تربى عليه السلف الصالح ، نقرأه في وصية أبي بكر رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله : واعلم أن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار ، وأن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل .
قال الله تعالى : " ..الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ {20} طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ .. "
اي : فأولى لهم أن يمتثلوا الأمر الحاضر المحتم عليهم ويجمعوا عليه هممهم ، وبذل الجهد في امتثاله .

وينبغي هنا مراعاة الآتي :
- حسن اختيار الأعمال الأهم فالأهم .
- التمييز بين ما تميل إليه النفس وبين ما تشتدّ الرغبة إليه ، وذلك باختيار الأنسب في الحال .
- مجاوزة العمل الذي لا تتوفر إمكانته ولا دواعيه الحسية والمعنوية .
إذا لم تستطع شيئا فدعه : : : وجاوزه إلى ما تستطيع !!
- استصحاب حسن التوفيق والتفكير الصحيح والمشاورة .

وخير وسيلة لإنجاز الأعمال الحاضرة :
دراستها قبل الإقدام عليها دراسة دقيقة من حيث جدواها ومصلحتها .

الأمور التي تفسد إنجاز الأعمال :
- تعلق النفس بالمستقبل ، والأمنيات الواهمة .
فإن النفس إذا تعلقت بالمستقبل ضعفت عن العمل بوظيفة وقته الحاضر ، وبوظيفة المستقبل .
أما الحا فلأن الهمّة انتقلت عنه إلى غيره ، والعمل تبع للهمة .
وأما المستقبل فإنه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليها .
- العجز والكسل .
- عدم التخطيط ووضوح الهدف .
- ملاحظة الناس .

السادس : حسن الجمع بين المثابرة والصبر والثبات وعدم الياس .
فالمثابرة على الأعمال والصبر عليها ، والثبات وعدم اليأس أسباب لحصول نتائج الأعمال وثمراتها - وضد ذلك سبب للخيبة - .
ولذلك كان سرا من أسرار تكرار سؤال العبد للهداية في كل ركعة من صلاته بقوله " إهدناالصراط المستقيم "
هداية توفيق وإرشاد ، وهداية ثبات ومثابرة عليها .
وعلى هذا كانت التربية النبوية : " أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل " !
فالعبرة بالثبات والدوام لا بالكثرة المنقطعة .

أسباب تحصيل الثبات والمثابرة :
- تعلق القلب بالله وحده دون سواه .
- اللهج بذكره والتسبيح بحمده وشكر نعمائه شكر عمل وتطبيق .
- قطع الطمع بالبشر . " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " .
- تفرغ القلب مما يكدره من الرهبة والرغبة لغير الله .
وهذان الأمران - أعني قطع الطمع ودفع الفزع - من أعظم ما يعين العبد على الصبر والثبات .
فإن الذي يطمع في دنيا أو حظ نفس أو رياسة أو مدح بشر لن يصبر على تبدد ذلك وعدم حيازته ، ولن يصبر حال الابتلاء لتعلق قلبه بالطمع .
والذي يفزع من الناس ، ويفزع من الشدة والبلاء فما أهون أن ينهار عند أي مصيبة تصيبه .
فكان قطع الطمع ودفع الفزع من أعظم ما يعين على الصبر والثبات .

السابع : معرفة طبائع الناس .
وهذه المعرفة من أعظم ما يدل على نجاح العمل وظهور أثره في الآخرين .
كان صلى الله عليه وسلم يعامل الأعراب غير معاملة الأصحاب ، وفي الأصحاب يعامل أبابكر وعمر على غير ما يعامل به عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً .
يجلس مرة هو وأبو بكر على بئر وهو كاشف عن فخذه فاستأذن عليه عمر فأذن له فاستأذن عليه عثمان فأرخى صلى الله عليه وسلم ثوبه على فخذيه واذن لعثمان وقال : " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " .
ويأتيه رجل فيسأله عن أحب الأعمال : فيقول له الصلاة على وقتها .
وآخر يدله على الذكر .
وآخر على الجهاد ، وآخر يلفت نظره إلى البر بوالديه ، وآخر إلى ترك الغضب . . وغير ذلك من المواقف العملية التي تشهد بنجاح دعوته صلى الله عليه وسلم التي كان يميزها
أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الناس بالشيء الذي يجده أنفع واقرب لأفهامهم .
فتذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم وأنسب إلى أحوالهم أولى من التذكيرات بطرق أخرى وإن كانت حقاً لكن الحق يتفاوت ، والمذكّر المعلّم هو الذي يصل إلى الناس من الطريق الذي يعقلونه ويفهمونه ، وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله في آخر قصة عاد : " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ . " أي نوعناها بكل فن ونوع  " .. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .." أي ليكون أقرب لحصول الفائدة .
وتلك هي سياسة القرآن في التعامل مع الآخرين ، قال الله تعالى : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " قال ابن القيم رحمه الله :
تدبر لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق واداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم .
فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم .
فإن العفو ما عفى من أخلاقهم وسمحت به طبائعهم ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم فهذا ما منهم إليه .
وأمّا ما يكون منه إليهم : فامرهم بالمعروف ..
وأمّا ما يتقي به أذى جاهلهم : فلإعراض عنه وترك الإنتقام لنفسه والانتصار لها .
فايّ كمال للعبد وراء هذا ؟
وأي معاشرة وسياسة لهذا العالم أحسن من هذه المعاشرة والسياسة ؟
انتهى كلامه رحمه الله .

الثامن : حسن التوكل .
قال الله تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )
وحسن التوكل على الله يعني حسن الترتيب والتنظيم والتخطيط وعدم التواكل والعشوائية .
قال الله تعالى : " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
قال ابن سعدي يرحمه الله : " وكان صلى الله عليه وسلم يرتب الجيش وينزلهم منازلهم ويجعل في كل جنبة كفأها ، ويسد الثغرات التي يخشى أن يتسرب منها العدو ويحفظ المكامن ، ويبعث العيون لتعرف أحوال العدو ، ويستعين بمشاورة أصحابه كما أمر الله بذلك ، خصوصا في هذا الأمر المهم ، وتعرّف أسرار العدو وبث العيون ووضع الجواسيس السريين الذي لا يكاد يشعر بهم ، كما أن من المهم التحرز من جواسيس العدو وعمل الأسباب لأخذ الحذر من ذلك بحسب ما يليق ويناسب الزمان والمكان "
وتلك هي حقيقة التوكل :
الثقة بالله جل وتعالى مع الأخذ بالأسباب الحسية والمعنوية .

أسأل الله أن يوفقني وإياكم للطاعة وحسن العمل . وبالله التوفيق .

أخوكم : أبو أحمد ( مهذب )
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية