اطبع هذه الصفحة


الإيجابية

الدكتور علي بن عمر بادحدح

 
إن الإيجابية بالنسبة للداعية هي الطاقة التي تشحذ الهمة، وتذكي الطموح،وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل، وانتهاز الفرص، واستثمار الواقع، وهي الحقيقة التي تجعل الدعوة محوراً للحياة، يتعلق بها القلب، وتتشوق إليها النفس، ولأجلها تحشد الطاقات ، وفي سبيلها تسخر الإمكانيات.

إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي السلبية، وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تكبلها القيود.

وعجباً لأقوام ينامون ملء جفونهم، ويأكلون ملء بطونهم، ويخلدون إلى الراحة، ويحبون السكون والدعة، ويبحثون عن المتعة والرفه، ثم يقولون : إنهم دعاة ! فهل يرتقب من مثل هؤلاء تعويض ما فات، وتحقيق المنجزات ؟ وهل يظن بأن مثلهم تعقد عليهم الآمال وتناط بهم المهمات ؟.

الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرد الأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال .

واللغة تسعفنا ، إذ تعطينا معاجمها دلالة الإلزام والتحمل في معنى الإيجاب " أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه" [ لسان العرب 1/793 ]،والإيجاب – كما في التعريفات ص 59- " إيقاع النسبة "، والمراد أن ما ينسب إلى أمر أو شيء بالإيجاب ؛ فإنه يقع، وهو - أي الإيجاب - " أقوى من الاقتضاء " لأن دلالته في اللزوم والحتم أقوى، والفقه يعضد المعنى" فالإيجاب أن يقول: بعتك أو ملكتك أو لفظ يدل عليهما، والقبول أن يقول اشتريت أو قبلت ونحوها" [المغني 3/501،502] فالإيجاب هنا الأمر الذي يترتب عليه عند القبول اللزوم والوجوب .

ومن هنا فالإيجابية تتضمن الإلزام والالتزام ، ومآلها إلى الحتم والوجوب، وتأنيثها – فيما أرى- أنه لداعي الصفة، فالإيجابية صفة كالأريحية والاستقلالية والعصامية، ومعناها في المفهوم المعاصر يتسع ليكون دالاً على إيجاب المرء على نفسه ما ليس بواجب ابتداءً، لما عنده من همة عالية، ورغبة عارمة في البذل .

وللإيجابية – عند المسلم عموماً والداعية خصوصاً – ركائز تقوم عليها، ودعائم تستند إليها وهذه أهمها :

1-الرسالة والأمانة
فالمسلم حامل رسالة ومبلغ أمانة، لم يخلق عبثاً، ولم يترك هملاً، ولا يتصور من حامل رسالة نوم ولا كسل إن أدرك رسالته وعرف مهمته، وتأمل الخطاب الرباني القرآني للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - في أوائل دعوته { يا أيها المدثر، قم فأنذر } أي " شمّر عن ساعد العزم وأنذر الناس " [تفسير ابن كثير 4/440]، " قم قيام عزم وتصميم " [الكشاف 4/156] " قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار"[ تفسير النسفي 4/307 ]، "إنه النداء العلوي الجليل للأمر العظيم الثقيل … نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان "[الظلال 6/3754] . " قم فما يُعهد من صاحب رسالة نوم قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة "[الظلال 6/3744]، إن هذا النداء كان " إيذاناً بشحذ العزائم، وتوديعاً لأوقات النوم والراحة، والتلفف بأثواب الهجوع والتلبث " بل كان " إشعاراً بطلب الجد الجاد في الأمر، جداً يسبق الأحداث ولا ينتظرها، ويسابق الزمن ولا يني في حركته، متوثباً إلى غايته "[محمد رسول الله1/589،590]، هل يعي المسلم والداعية على وجه الخصوص معنى انتصابه للدعوة والتحاقه بركبها ؟، إن الدعوة تغيير كامل، وإصلاح شامل، إنها إبطال الباطل وإحقاق الحق إنها أمانة عظمى ورسالة كبرى، إن على الداعية " أن يقيم مكان كل باطل يمحوه حقاً يدعمه بالبرهان، ومكان كل ضلال يقتلع جذوره من العقول والقلوب والأرواح هدياً يشرق نوره فيضيء به العقول، وترشد به القلوب، ومكان كل شر اجتماعي يبيده بدعوته وهديه خيراً يزرعه بعمله، ومكان كل ظلم يرعبه عدلاً ينشره، ومكان كل رذيلة يمزق أديمها فضيلة يؤسسها، ومكان كل سيئة ينفر منها إحساناً يحببه إلى النفوس لتتشرب بمحبته، ومكان كل عبث وفوضى اجتماعية تتهاوى أمام دعوته نظاماً يقون الناس في ظله بالقسط والحق ، ومكان كل تقاطع وتدابر إخاء ومواساة، بل إيثاراً وحباً، ومكان كل تسلط بالبغي والكبرياء الآثمة تراحماً ومساواة، ومكان الفرقة بدعوى الجاهلية وحدة تقوم على دعائم الإخاء الإيماني في الإسلام " [ محمد رسول 1/ 582،583] فهل يا ترى هذه مهمة تؤدى مع الراحة التامة والدعة الكاملة ؟ كلا وألف كلا ، فما من مدرك لمعنى الرسالة إلا وينتفض انتفاضة يسقط بها كل دثار وشعار ، ويزيح بها كل المبررات والأعذار ، وينحي بها كل قاطع ومانع ، ما من داعية يعرف أنه على طريق النبوة { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } ويفهم أنه وارث نبوة ( العلماء ورثة الأنبياء ) ثم بعد ذلك ترضى نفسه أن تخلد إلى الأرض ، وتسفل مع متطلبات الشهوات بعيداً عن مرامي الغايات ، وميادين الصعاب والمشقات ، إنها الأمانة العظيمة { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان } ولن يحملها ضعيف متخاذل ، ولا كسول متراخ ولا يصلح لها إلا الجد والقوة وذلك هو الوارد في القرآن { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } " أي بجد وحرص واجتهاد " [تفسير ابن كثير 3/113] ، { خذوا ما آتيناكم بقوة }

الإيجابية قوة روح وعزم ، قوة جد وهم ، وقوة عمل وكدح ، الإيجابية صفة " للرجل المقبل على الدنيا بعزيمة وصبر ، لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت ، ولا تصرفه وفق هواها، إنه هو الذي يستفيد منها ، ويحتفظ بخصائصه أمامها كبذور الأزهار التي تطمر تحت أكوام السبخ،ثم هي تشق الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة ، لقد حولت الحمأ المسنون ، والماء الكدر إلى لون بهيج وعطر فواح .. إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه ، والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد "[ جدد حياتك ص 13]، فالإيجابية مقاومة تغيرية نحو الأفضل تستثمر القليل فتنميه ، وتحول المسار فتقود المسيرة ، ومن هنا فهي دعوة رفض للاستسلام للواقع وتبرير القعود ، وانتظار الأقدار ، ومن هنا نهتف بكل سلبي قائلين :{ قم فأنذر }.

من بواعث الإيجابية وركائزها بعد الرسالة والأمانة :

2- المسئولية والمحاسبة
يمكن أن نعرف المسئولية بأنها" تحمّل المسلم التكليف الشرعي بشروطه وحدوده ، وتحمّل تبعة تصرفه إزاء التكليف في الدنيا والآخرة"،والمسئولية يتسع مفهومها لتشمل التبعة والمحاسبة والجزاء ، فالإنسان يتحمل تبعة أفعاله وأقواله، ويحاسب عليها ثم يجازى عليها؛ فإن أحسن فله المثوبة ، وإن أساء فعليه العقوبة، وتقرير المسئولية باعث عظيم على أداء متطلباتها والقيام بأعبائها، وإن المحاسبة على المسئولية مزيد من القوة في القيام بالمهمة، وفيها شعور بمغبة التفريط، وتهيب من عاقبة التقصير .

إن الإنسان الذي لا يتحمل المسئولية ولا يستشعرها ، يكون إنساناً خاوياً لا يحقق إنجازاً ولا يبلغ غاية ، وإذا وجدت المسئولية ولم يكن معها متابعة ، ولا بعدها محاسبة ؛ فإن المرتقب ظهور دواعي الكسل والتراخي ، وعوامل التهاون والتقصير ، بل صور الفساد والإفساد، وكما قيل" من أمن العقوبة أساء الأدب ".
والإسلام يجعل في أعناق أتباعه مسئولية عظيمة، ومنهجه يصورها تصويراً يغرس أهميتها في الفكر ، ويعمق عظمتها في النفس ، تأمل قول الحق جل وعلا:{ كل نفس بما كسبت رهينة} "والمعنى كل نفس رهن كسبها عند الله غير مفكوك"[ الكشاف4/161] فهي " محبوسة به عند الله تعالى " [تفسير القاسمي 16/74] " وإنما يكون الرهن لتحقيق المطالبة بحق يخشى أن يتفلت منه المحقوق به، فالرهن مشعر بالأخذ بالشدة "[التحرير والتنوير 29/324] فالمسلم مرهون أي موثق ومحبوس بمسئوليته التي يتعلق بها كسبه ؛ فإن شاء أن يعتق نفسه وبفك رهنه فلا بد من أداء الواجب والقيام بالمسئولية، وإلا فإنه سيؤاخذ بمقابل تفريطه، هذا المعنى يتطابق مع الحديث الوارد عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) [ رواه مسلم] .

إن الداعية الذي يعي هذه المسئولية لا يتصور منه التراخي، خاصة وأن هذه المسئولية شمولية{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} إنها لا تقتصر على شيء دون شيء ، اقرأ معي الحديث الذائع المشهور ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) [رواه الطبراني 20/60]، ويح امرئ يعلم أنه مسئول ومحاسب ثم لا يكترث ولا يعبأ، ويظل مطمئناً دون عمل .
كيف يمكن هذا ومسئوليته دقيقة يشملها قول الحق - جل وعلا -:{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ويجليها قوله :{ مال لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}.
كيف ومسئوليته لا تقتصر على نفسه فحسب ، بل تتعداها إلى كل من تولى أمره { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-:( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).

بل إن المسئولية أشمل من ذلك ؛ لأن الإسلام لا يرضى السلبية ، ولا يقر الاتكالية ، ولا يقبل في منهجه الانعزال ولا الأنانية ليس فيه " أنا والطوفان من بعدي " ولا يقر بمبدأ " مالي وما للناس" بل مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتة قائمة ليكون للفرد دوره تجاه المجتمع، وفي عنقه مسئوليته إزاء الإصلاح { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - :( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) [الطبراني الأوسط 2/224].

فإذا كانت هذه هي المسئولية فلا شك أنها عظيمة ، بل ويزيد عظمتها أن المحاسب عليها والمراقب لها هو الله - جل جلاله - { الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} الذي { لا تخفى عليه خافية} الذي { يعلم السر وأخفى } ثم هي مسئولية لا تغني فيها شفاعة ولا تخفف منها وساطة { فما تنفعهم شفاعة الشافعين} إنها المسئولية التي يواجهها المرء وحده{ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } وهذا أيضاً حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- القائل :( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة) [رواه البخاري 6/2729].

فهل بعد هذا يمكن الركون أو السكون ، أو ترك المهمات والتخلي عن المبادرات؟ كلا !إن استحضار المسئولية لا يترك فرصة لتوانٍ ولا مجالاً لتسيب أو تسويف، إنما هو العمل الجاد والبذل المتواصل والهمة العالية والعزيمة الماضية.

3- الأجر والأثر
إن الداعية معلق القلب بالمثوبة، متطلع للأجر، يحب أن يبقى له أثر، وأن يمتد أجره بعد انقضاء عمره ، وذلك كله لا يكون بالأمنيات ولا يتحقق بالشفاعات، وإنما ميدانه العمل{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، " إن الإسلام منهج حياة واقعية، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ما لم تتحول إلى حركة واقعية، وللنية الطيبة مكانها، ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء، إنما هي تحسب مع الأمل، فتحدد قيمة العمل"[الظلال 3/1709]، وهذا قول الحق جل وعلا {إن هذا لهو الفوز العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون} فهل تريد الجنة بلا عمل ؟ وهل تطمح في الفردوس دون كد وبذل وتضحية ؟ إن هذا " النعيم الذي لا يدركه فوت، ولا يخشى عليه من نفاد، ولا يعقبه موت، ولا يهدده عذاب، لمثل هذا فيعمل العاملون"[الظلال5/2988]، إنه العمل الحثيث، وأما الخسران المبين { والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات... } ولله در الشنقيطي في أضواء بيانه [9/494] حين قال:" فهذه السورة فيها دفع لكل فرد إلى الجد والعمل المربح، ودرجات الجنة رفيعة، ومنازلها عالية مهما بذل العبد من جهد، فإن أمامه مجال للكسب والربح نسأل الله التوفيق والفرح وقد قالوا : لا يخرج إنسان من الدنيا إلا حزيناً فإن كان مسيئاً فعلى إساءته وإن كان محسناً فعلى تقصيره"، ومن ترك العمل أو قصر فيه فإنه إلى الوراء يتراجع فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام ، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طئ إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ ومتقدم ومتأخر" [ مدارج السالكين 1/267 ] فاختر لنفسك أيها الداعية، واعلم أن دين الله ليس فيه محاباة، وميزان الحق ليس فيه مجاملات، ولقد صدع بها نبي الهدى عليه الصلاة والسلام يوم قال:( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)[رواه مسلم] .

والإسلام يوم دعانا إلى العمل لم يدعنا دعوة رخوة ولا متوانية، بل دعانا دعوة ملؤها الحث والحض والتحفيز، أليس قد قال الحق جل وعلا:{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وقال أيضاً: { وسابقوا إلى مغفرة من ربكم} وقال أيضاً{ فاستبقوا الخيرات} ووصف الحق جل وعلا أنبياءه في معرض المدح فقال{ أولئك يسارعون في الخيرات} ونبينا- صلى الله عليه وسلم - يقول :( بادروا بالأعمال سبعاً)[رواه الترمذي] ويقول :( اغتنم خمساً قبل خمس ) إنه ليس هناك مجال لوقت ضائع، ولا لجدل فارغ، ولا لعوارض مشغلة أو أعراض مثقلة، وما أعجب من يخاطب بتلك الآيات ثم لا يكون في غمرة العمل، وغاية البذل مشمراً عن ساعد الجد،صاعداً درج المعالي.

إن من أدركوا هذه الحقيقة قاموا فلم يقعدوا، وتيقظوا فلم يناموا، وكان لهم بين كل عمل وعمل عمل، ومع كل درجة يبلغونها أخرى يرتقونها، فهل جاءك- أخي الداعية- خبر أبي الوفاء بن عقيل وقوله:" إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعلت فكري في حال راحتي وأنا نستطرح فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين"[المنتظم 9/214].

وهل مر بك ذكر إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وقد مرّ في ترجمته أنه" كان لا ينام إلا مغلوباً " إنه طاقة متحركة بلا توقف حتى يبلغ الأمر مداه فيغلبه النوم فإذا أخذ منه حظاً يسيراً عاد إلى العمل مستأنفاً دون نظر إلى ليل أو نهار.
وهكذا ستعلم نبأ وقد كان له أكثر من اثني عشر درساً في اليوم والليلة، وإن أردت المزيد فهناك الكثير وحسبي وحسبك أن ندرك أن طلب الأجر مولد لطاقة جبارة تحقق الكثير مما قد يعده البعض بعبد المنال، أو مستحيل الوقوع.

وأعيد لك الكرّة مرة أخرى في شأن الأثر الذي تريد أن تخلفه وراءك، ومرة أخرى أقول : ليس هناك من أثر إلا بالعمل .. (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، وأنّى لك ذلك، وأنت لم تعمل ليكون لك مال تتصدق به، وأنى يكون لك علم وأنت لم تطلبه، ولم تثن الركب في تحصيله، ولم تسهر الليالي في مراجعته، وكيف لك ولد صالح وأنت لم تعلمه ولم تبذل في تربيته .
والحق أنه" إذا علم الإنسان – وإن بالغ في الجد – بأن الموت يقطعه عن العمل عَمِلَ في حياته ما يدوم بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً وغرس غرساً وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده فيكون له الأجر،أو أن يصنف كتاباً" [صيد الخاطر ص20].

هذه ركائز ثلاثة أقتصر عليها وأكتفي بها، وإن كان للإيجابية روافد غيرها، فالله الله في العمل وإتقانه ، والله الله في استمراره ودوامه، والله الله في حبه والتعلق به .

 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية