اطبع هذه الصفحة


المعاهد العلمية لغير الناطقين بالعربية.. مراحل وضوابط

إسلام علي

 
تعتبر المعاهد العلمية الإسلامية في الدول غير الناطقة بالعربية من أكثر الأعمال ثمرة وأبرزها وضوحًا. ومن أتيح له مقابلة الطلاب المتخرجين في هذه المعاهد يلحظ الفرق بينهم وبين أقرانهم ممن لم تتح لهم فرصة الدراسة، فهم متميزون فكرًا وخلقًا وعلمًا وعملاً.
ورغم هذه الثمار الطيبة لهذه المعاهد فإن الكثير منها لو توافرت له القوى البشرية المؤهلة، وكذلك الوسائل التقنية والإدارية لتضاعف إنتاجه.

وفي الكلمات التالية سنحاول إلقاء الضوء على الشكل المطلوب - وليس المثالي - لإقامة هذه المعاهد بهدفين أساسيين:
1 - استفادة العاملين في مجال الدعوة في البلاد غير الناطقة بالعربية من أجل تطبيق هذه الفكرة في أماكنهم.
2 - توجيه المؤسسات الدعوية وأهل الخير ولفت أنظارهم للعمل في هذا المجال الدعوي الخصب ودعمه.

قد يقول قائل: ولماذا نلجأ لمعالجة موضوع كهذا هنا، وبهذا الشكل، في حين أن هناك خبراء في الإدارة المدرسية؟. وأقول له: إن العمل الإسلامي في بعض المناطق يفتقد للخبرات البشرية المدرَّبة، ولا تعجب إذا سمعت أن أحد هذه المعاهد يديره أحد الحاصلين على ليسانس حقوق مثلاً! ولا تعجب إن علمت أن مدرس اللغة العربية متخرج في كلية التربية الرياضية! ولا تندهش إن قلت لك: إنهم قد يطلبون كتابًا عربيًّا في موضوع ما كمرجع، ولا يصل إليهم هذا الكتاب إلا بعد شهرين أو ثلاثة.
ومن ثَم، فمَن نوجه لهم هذه الأوراق نحسّ أنهم في حاجة إليها، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياهم بما نقول.
بداية نحن نمر في طريقنا لإنشاء هذه المعاهد أو المراكز بمراحل متعددة، تبدأ بالتخطيط الجيد، ثم تأتي كيفية تسويقها والإعلان عنها، ثم يأتي دور اختيار الطلاب الذين يلتحقون بهذه المعاهد من بين المتقدمين، وأخيرا يأتي بالتنفيذ العملي.
وفي هذا المقال نعرض لمرحلة التخطيط، ثم نعرض لباقي المراحل في مقالات لاحقة إن شاء الله.

مرحلة التخطيط
ونعني بها ما يجب أن يتم قبل بدء العمل الفعلي. ومن الجدير بالذكر أننا حتى نخطط لا بد أن نكون قد حددنا الهدف الذي سنخطط له، وأن يكون لدينا العلم بالمدى الزمني الذي سنخطط فيه، والمدى الزمني الذي سننفذ فيه العمل، كذلك لا بد أن نحدد هل ما نقوم به من تخطيط هو خطة لتنفيذ عمل محدد فحسب، أم أننا نخطط لمجموعة من المراحل، سيعقبها التخطيط لكل مرحلة على حدة؟ مع وضع الضوابط التي يحدد في ضوئها الانتقال من مرحلة لأخرى، كما أن ما يتم لا بد أن يكون في إطار الميزانية المحددة للعمل.

وتشمل عملية التخطيط لإنشاء المعهد:
1 - وضع اللوائح المحددة لمهام وصلاحيات كل مسئول وعامل في المعهد.
2 - اختيار العاملين. (الموظفين، والمدرسين، ...).
3 - وضع اللوائح لقبول الطلاب.
4 - وضع المناهج التعليمية الملائمة للدارسين.
5 - عمل دورات تأهيلية للعاملين.
6 - استكمال أثاث المعهد.
7 - استكمال متطلبات السكن الداخلي.
8 - وضع لوائح لنظام الدراسة بالمعهد.
9 - وضع لوائح السكن الداخلي.
10 - اعتماد المعهد من الجهة المسئولة في الدولة، لتوفير الغطاء القانوني للعمل.

ونعرض لبعض هذه النقاط بشيء من التفصيل:
1 - وضع اللوائح المحددة لمهامّ وصلاحيات كل مسئول وعامل في المعهد:
كثير من هذه المعاهد يكون غالبًا أحد الأنشطة التابعة لهيئات إغاثية أو دعوية، وهي بدورها تتبع المقرات الرئيسية لها في دول أخرى، ومن ثَم فبعض الهيئات تُؤْثِر المركزية في كل شيء، وبعضها قد يفوّض، والبعض الآخر يترك الأمور معلقة ما دامت هناك تقارير وصور للأنشطة. إلا أنه لنجاح العمل لا بد من وضوح موقع كل فرد في العمل ومهامه وصلاحياته، حتى لا يضيع وقت العاملين في مشكلات إدارية بعيدًا عن الاهتمام بالعمل الأصلي المنوط بهم.
ومن أهم الأمور التي تحتاج للتحديد: صلاحيات الانتقال بين أبواب الميزانية، الإذن بالإجازات التي يطلبها العاملون، المكافآت والعقوبات التي توقع على العاملين، نقل العاملين من عمل لآخر، قرارات الفصل التي تصدر تجاه الطلاب المخالفين للائحة.

2 - اختيار العاملين:
بعيدًا عن التوصيف الوظيفي لكل وظيفة، فلا بد من توافر بعض الصفات الأساسية التي لا غنى عنها في كل موظف:
- التخصص - القدوة - الصبر
ولا بد عند اختيار العاملين من وجود مواصفات واضحة، فبعض الهيئات تلجأ للأسف إلى "تسديد الخانات"، وهو ما ينتج عنه أخطاء يصعب استدراكها فيما بعد. وقد قابلت مجموعة من الطلاب درسوا العربية لأكثر من ستة أشهر متصلة، والواحد منهم إذا أراد أن يقول جملة قالها بطريقة عجيبة، فمثلاً إذا أراد أن يقول: (أريد أن أنام) قال: (أريد أفعل نوم) وقس على ذلك: (أريد أفعل وضوء)، (أريد أفعل صلاة)، وحين سألت عن السبب عرفت أن معلمهم ليس له أية علاقة باللغة العربية، وكل ما في الموضوع أنه تقدم لوظيفة لم تجد من يشغلها فشغلها!.

3 - وضع اللوائح لقبول الطلاب:
لا بد من معرفة الهدف من إقامة المعهد؛ لتحديد المواصفات المطلوبة في الطلاب، فأحيانًا تجد الهدف العام – مثلاً – تخريج طلاب مؤهلين للدراسة في الجامعات الإسلامية، ليصبحوا علماء في الدين، يُفتون ويعلمون أهل هذه البلاد، ثم تجد معظم الطلاب ممن يحصلون على درجات ضعيفة في دراستهم العادية، وتقديراتهم متدنية، وليس لديهم أي طموح، وقد التحقوا بالمعهد!. وهذا الصنف لا يتوافق إطلاقًا مع الهدف العام المحدد للمعهد.
وقد تجد الهدف العام - مثلاً - تخريج دعاة للقرى، ثم تجد شروطًا غاية في التعقيد، ومعظم المختارين من المدن الرئيسية في القُطر، ومن ذوي التقديرات العلمية المرتفعة، فهم لم يعيشوا في القرية، وطموحهم العلمي أكبر من حصره في قرية، ومن ثَم فنجاح مثل هذا المعهد في تحقيق هدفه أمر غير متوقع.

4 - وضع المناهج التعليمية الملائمة للدارسين:
قلنا إن بعض هذه المعاهد يكون أحد الأنشطة لهيئات دعوية أو إغاثية، وبعض هذه الهيئات يكون له أكثر من معهد في أكثر من دولة، ويكون له لجنة إشرافية على التعليم، تعتمد هذه اللجنة منهجًا موحدًا لجميع المعاهد التابعة للهيئة. ورغم فوائد الإشراف العلمي على العمل، فإن وجود منهج موحَّد أمر ثبت عدم ملاءمته، وذلك لاختلاف ظروف كل مجتمع عن غيره. فتدريس اللغة العربية في ماليزيا مثلاً يختلف عن تدريسها في دولة مثل ألبانيا؛ لأن ماليزيا كانت الأبجدية العربية مستخدمة فيها قبل الاستعمار، ومعظم الأطفال يتعلمون الأبجدية في المساجد، ومن ثَم فهم عند تعلمهم العربية لا يحتاجون لدراسة شكل كتابة الأبجدية، كما أن حصيلتهم من المصطلحات الدينية كبيرة، نظرًا لكون الدولة إسلامية. في حين تجد ألبانيا تستخدم الحروف اللاتينية، وغُيِّبت عن الإسلام قرابة الخمسين عامًا، فالدارس هناك يحتاج لوقت حتى يتقن الأبجدية، كما أنه عند دراسته للعربية لهدف ديني لا بد أن يتعلم المصطلحات الدينية، حيث حصيلته الدينية في غاية الفقر.
وفي إحدى الدول الأوربية صممت إدارة أحد المعاهد على مهاجمة المذهب الفقهي للدولة، والدعوة لعدم التمذهب، وهو ما دفع الإدارة الدينية في هذه الدولة لإصدار قرار بإغلاق هذا المعهد.
وأخلص في هذه النقطة إلى أنه لا بد من تطويع المناهج لتلائم البيئة التي سيتم تدريس المنهج فيها، ووفق الأهداف التي تم إنشاء المعهد من أجلها، ووفق أشهر أو سنوات الدراسة في المعهد.

5 - عمل دورات تأهيلية للعاملين:
سبق أن بينَّا أن العمل الإسلامي في بعض المناطق من العالم تنقصه الخبرة بشكل كبير؛ ولذا لا بد من تأهيل القائمين على هذا العمل، حيث لا نبالغ إذا قلنا: إنهم يرسمون مستقبل الإسلام في هذه البلاد، وعندما يتصدى بعض من لا يملكون المهارات اللازمة لتربية النشء في هذه البلدان، نجد أن نتاج تربيتهم من الشباب ينتهي طموحهم عند مجرد الحصول على عمل، كما تجد أُفقهم الدعوي لا يتجاوز القرية التي تربوا فيها، في حين أن الشكل الطبيعي والمنتظر أن يكون هؤلاء الشباب قادة للمسلمين في بلادهم في المستقبل القريب.
وإذا لم تتوفر مراكز للتدريب الإداري المناسب في بعض البلدان، فننصح بالاستفادة من البرامج التدريبية التي تقدمها مراكز التدريب الإداري في الدول العربية أو أوروبا، وبعض هذه المراكز تقدم دوراتها على شرائط فيديو.

وأقترح للمرشحين للعمل في هذه المراكز أن يُدَرَّبوا على الموضوعات الآتية:
1- إدارة الاجتماعات
2- فريق العمل
3- الاتصال
4- علم النفس التربوي
5- التخطيط الإستراتيجي

كما يفضل أن يحصل هؤلاء المرشحون على مجموعة من المحاضرات أو القراءات حول:
1. تاريخ الدولة المقام فيها المركز.
2. الوضع السياسي والاقتصادي لهذه الدولة.
3. طبيعة الشعب وأهم خصائصه.

وقد أثبتت التجارب الكثيرة أن الكثير من الخبرات يهدَر ولا يورث، حيث يبدأ كل مبعوث إلى تلك البلدان من البداية دائمًا، دون أن يبحث في خبرات مَن سبقوه، ودون أن يحاول أحد نقل هذه الخبرات إليه. ويكون تصوره عن الشعب مبنيًّا على حدْسه الخاص، أو مستقًى من القريبين منه الذين قد تنقصهم النظرة الشاملة أو الرؤية العلمية.
تجد أحدهم يقول مثلاً: هذا شعب كله حب للإسلام. بينما يرى آخر أن هذا الشعب لا يقبل أي دين. ويرى ثالث أن العمل في هذه الدولة ضرب من العبث وتضييع للوقت، وآخر يرى أن الخلافة ستخرج من هذا البلد!
وطبعًا كل هذا الكلام وليد تجارب شخصية بحتة، وليس وليد دراسات علمية معتمدة.

6 - وضع لوائح لنظام الدراسة بالمعهد:
توضح هذه اللوائح مدة الدراسة، والشهادات التي تُمنح للطلاب، والعطلات التي يحصلون عليها، ونسب الغياب المسموح بها، والحالات التي يجوز فيها للإدارة فصل المخالفين، أو معاقبتهم، ويفضَّل أن يوقِّع الطالب وولي أمره على هذه اللائحة كإجراء لقبول الطالب.

7 - وضع لوائح السكن الداخلي:
ويوضّح فيها نظام السكن.. من حيث عدد الوجبات ومواعيدها، ومواعيد إغلاق المبنى، والعقوبات التي يتعرض لها المخالفون… ويفضل أن يوقع الطالب وولي أمره على هذه اللائحة كإجراء لقبول الطالب.

8 - اعتماد المعهد من الجهة المسئولة في الدولة، لتوفير الغطاء القانوني للعمل:
اعتاد كثير من الدعاة على العمل السري أو الخفي؛ نظرًا لنشأتهم في جو من القيود السياسية، وعندما تتاح لهم فرصة العمل المنفتح فإنهم يستمرون بنفس النهج الذي تربَّوا عليه، فتجدهم يعملون ولا يريدون لأحد أن يعرف ماذا يفعلون، ويعتبرون أي مسئول حكومي شخصًا غير مرغوب فيه، وقد آن للدعاة أن يخرجوا من هذه القيود.
لذا ينبغي للمسئولين عن هذه المعاهد أن يتصلوا بالمسئولين في الدولة التي يعملون فيها، ويشاوروهم في إدارة المعهد، وكيفية توظيفه في خدمة الدولة والبيئة التي يقام فيها، بهذا ينكسر حاجز الشك بين الطرفين، ولا يشعر المسئولون في الدولة أن خلف هذا البناء يوجد أشباح يخططون لأمر ما.. لا يعلمونه.
كما أن الاعتماد الحكومي للمعهد في بعض الدول يُعَدّ شرطًا لممارسة نشاطه، وفي دول أخرى يمكن ممارسة النشاط دون اعتماد من الدولة، ولكن عدم الاعتماد يُفقد المعهد خاصية هامة، وهي شعور الطلاب أنهم يحققون شيئًا؛ لأن الطالب يقول لنفسه: ماذا سيستفيد إذا قضى عامًا أو عامين، ثم لا يحصل على أية شهادة ؟ .
وتبقى مرحلة التسويق لهذه المعاهد وذلك دور القائمين عليها .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية