اطبع هذه الصفحة


تأملات تربوية في قصة ذي القرنين

د: عثمان قدري مكانسي

 
1- السؤال أسلوب تربوي فصلت فيه الحديث في تأملاتي ذات الرقم ثلاثة ( 3 ) في سورة طه . وأضيف هنا ما يناسب الموقف ، فأقول :
قد يكون السؤال للتحدي .. " ويسألونك عن ذي القرنين " و التحدي نفسه أيضاً أسلوب تربوي يدل على صدق الدعوة والداعي ، فاليهود طلبوا من المشركين في مكة قبل الهجرة أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور ثلاثة ... عن أهل الكهف ، وعن الروح .. وعن ذي القرنين .. ولا يعرف جواب هذه الأسئلة سوى الأنبياء . وقد قبل القرآن التحدي فأنزل الله تعالى فيه خبر ذي القرنين فقال مخاطباً النبي الكريم : " قل : سأتلو عليكم منه ذكراً ... " .
وقد يكون السؤال لمجرد المعرفة فعلى الداعية قبل دخول غمار الدعوة أن يلم قدر المستطاع بدعوته والأساليب المقنعة التي تجتذب المدعوين .
2- التعظيم أسلوب يضفي هالة على الرموز الرائعة التي لها دور متميز في الدعوة إلى الله ، ويشجع المدعوين أن يتأسَّوْا بهم ويسيروا على هداهم . ولا ننسَ أنه ينبغي أن يكونوا أهلاً لهذا التشريف ، فلن ينال أحد في الإسلام إلا ما يستحق .... وقد تنبه الرسول الكريم إلى هذا الأسلوب فأسبغ على الصحابي الجليل عبد الله بن أبي قحافة رضي الله عنه لقب الصديق فعرف به ، وعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقب الفاروق ، وعرف علي بفتى الإسلام وعثمان بذي النورين وخالد بسيف الله المسلول ، وهكذا ... والقرآن الكريم لم يعرفنا اسم ذي القرنين إنما اكتفى بلقب ذي القرنين كما أننا لا نعرف عن أحد الأنبياء الكرام سوى أنه ذو الكفل . ووصف النبي الكريم " يونس بن متّى " بذي النون لأن الحوت ابتلعه ، فأراه الله تعالى عجائب قدرته في البحر – أحد مخلوقاته – وأعاده إلى قومه يدعوهم إلى الله سبحانه . أما لماذا لقّب ذا القرنين فقد تضاربت الأقوال فيه ، فمن قائل : إنه حكم الأرض غرباً وشرقاً ، ومن قائل : إنه حكم مئتي سنة أو عاش قرنين من الزمان ، ومن قائل : إن ملكه كان قوياً يرمز إليه قرنا الثور . ولن نهتم بمعنى الاسم قدر اهتمامنا بصاحبه . فالجوهرَ نريد لا العرضَ .
3- قوله تعالى " قل : سأتلو عليكم منه ذكراً ، إنا مكنا له في الأرض ، وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً " فيه فوائد تربوية عديدة ، منها :
أ- قبول التحدي : فمن كان على حق ، وكان على ثغرة يدعو إلى الإسلام وينافح عنه لا يسعه غير ذلك .
ب- العلم بالشيء قبل الدعوة إليه : وكلمة " سأتلو.. " دليل على المعرفة بالأمر والعلم به . والتلاوة أثبت في الإجابة من غيرها ، فهي القراءة.. ، والقراءة من شيء من ذاكرتك تحفظه عن ظهر غيب ، أو تقرؤه في كتاب أقوى حجة وأسطع دليلاً . كما كلمة " ذكراً " تعني القرآن لقوله تعالى " وإنه لذكر لك ولقومك " .
ت- وقوله تعالى " سأتلو عليكم " بدل لكم دليل التمكن والاستعلاء . والمؤمن هكذا دائماً .
ث- وقوله تعالى " سأتلو عليكم منه ذكراً " هذه البعضية التي دلت عليها منه توضح أن على الإنسان أن يقتصر في حديثه على ما يفي بالغرض . وهذا ما نجده في قوله تعالى " إنا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً ، فأتبع سبباً " .
4- الإيجاز والإطناب : وهذه البلاغة بعينها . فقد جاء الإيجاز في مكانه ، والإطناب في مكانه . فلا داعي لذكر التفاصيل في التمكين لأنه يكون في كثرة العدد والعُدّة ، والمال الوفير والعدل وبذل الجهد ، واستفراغ الهمة والتحضير لكل أمر ... ولم يكن القرآن ليهتم بهذه التفاصيل . ويكفي أن يقول : " ... مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً " ليدل على عظمة أمره ، وسعة الستعداده . وهذا هو الإيجاز الذي رأيناه كذلك في الحديث عن " مطلع الشمس " بعد الإطناب في الحديث عن مغرب الشمس لأن التكرار ممل فيما ليس له لزوم . لكن قبل أن نتحدث عن الإطناب نلقي الضوء على ورود كلمة " سبباً " مرتين في هذه الآية ، وإيحاءات كل منهما :
أما الأولى في الآية الكريمة فالعلم بالشيء والطريق الموصل إليه . وهذا يعني أن الله جل شأنه لم يكلفه بشيء دون أن يعلمه الطريقة التي يسلكها إليه ، بل أمدّه بأسباب النجاح . وعلى الرغم أن ذا القرنين مكن الله تعالى له ، وآتاه الحكمة بدليل " إنا مكنا له " فأنا لست مع الذي يقول :
إذا كنت في حاجة مرسلاً فأرسل حكيماً ولا توصِهِ
بل أقول :
إذا كنت في حاجة مرسلاً فأرسل حكيماً كذا أوصِهِ
لقوله تعالى " فذكّر إن نفعتِ الذكرى " ولقوله تعالى " وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين .." فإذا وصى الله تعالى أنبياءه فمَن دونهم أحق أن يوصى .
وأما الثانية فسلوك هذا الطريق واستعماله . إنّ من عرف الطريق الصحيح سلكه فوصل إلى مبتغاه ، وإلا ضل وتاه . وهل رأيت عاقلاً يعرف السبيل فيحيد عنه إلى غيره ؟!.. وفي كل يوم نقرأ عشرات المرات قوله تعالى : " اهدنا الصراط المستقيم .." لماذا نسأل الله صراطه المستقيم إذا كنا نتنكبه بعد أن نعرفه؟! كما فعلت النصارى فتاهوا . وحادت عنه بنو إسرائيل ، فغضب الله تعالى عليهم ! .
وجاء الإطناب في وصف أهل مغرب الشمس الذين كانوا قسمين حين دعاهم ذو القرنين إلى الإسلام ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر . فأكرم المؤمنين وعنّف الكافرين ، وهددهم بعذاب الآخرة . وجاء كذلك في وصف الضعفاء من أهل السد الذين كان أبناء قبيلتي يأجوج ومأجوج يسلبونهم أموالهم ويقتلون أبناءهم ويسومونهم الخسف كلما جاءوهم . فسألوه أن يبني سدّاً يقيهم أذاهم ويدفع عنهم غائلتهم . .. ولو اختصر القرآن حديثهم ما فهمنا المراد من أخبارهم . فالبلاغة إذاً مراعاة مقتضى الحال.... . الاختصار حين يكون الختصار مفيداً ....والإسهاب حين يكون التفصيل لازماً ... وهذا ما ينبغي للمعلم أن ينتبه إليه .
5- الجزاء من جنس العمل : قال تعالى : " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً "
" وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا "
وقال تعالى " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ،فحبطت فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ، ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً "
" أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نُزُلاً ، خالدين فيها لا يبغون عنها حِوَلاً "
" فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً . "
6- وجوب المساعدة : لما بلغ ذو القرنين بين السدين وجد قوما اجتمع عليهم الظلم والجهل وهاتان الصفتان إن اجتمعتا في أمة – وهما غالباً ما تجتمعان – أصابتهم نوائب الدهر وعصفت بهم حدَثانه ، فنالهم الذل وطوّح بهم الفساد . .. فلما وصل إليهم الملك الصالح ذو القرنين طلبوا مساعدته ... فولد السد الذي أبعد الله به عنهم ظلم الظالمين وعدوان المتجبرين .
ولم يطلب الملك الصالح مالاً منهم ، ولا أجرة ، وهذا من سمات الحاكم الذي يبذل في سبيل شعبه كل ما يستطيع ، ولا يكلفهم شططاً . بل طلب إليهم أن يعينوه بقوةف فالقضية تهمه أولاً، والحاكم خادم لشعبه ، استرعاه الله إياه ،وجعله أمانة بين يديه ، وعليه أن يؤدي الأمانة .
كان الملك عنواناً للجد والإخلاص ، أعان شعبه على التخلص من المفسدين . وهذا واجب كل مسلم يستطيع أن يقدم النفع لإخوانه . ولم ينسب الفضل لنفسه بل عزاه لله سبحانه " قال : هذا رحمة من ربي " وأكد ذلك حين قال :" ما مكنّي فيه ربي خير " فالله تعالى هو الذي مكنه من فعل ذلك وأعانه عليه .. ثم بين أن الله قادر على أن يسوّيه بالأرض إذا شاء ، وقت يشاء " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ، وكان وعد ربي حقاً " .
باحثة مصرية تكتشف كيف بنى ذو القرنين حاجز يأجوج ومأجوج
المجتمع 13/5/2005 :
توصلت الباحثة المصرية المهندسة ليلى عبدالمنعم عبدالعزيز الخبيرة بإحدى الموسوعات الأمريكية إلى تركيبة جديدة من "الخرسانة المسلحة" تقول عنها إنها استخدمت فيها نفس المواد التي اعتمد عليها ذو القرنين في إقامة الحاجز الذي يفصل بيننا وبين يأجوج ومأجوج ولا يعرف أحد مكانه حتى الآن.
وهذه الخرسانة التي توصلت إليها الباحثة تتكون من أحد منتجات البترول مضافاً إليه الحديد المنصهر مع الإسفلت فتنتج خلطة شديدة التماسك ، لها قدرة على مقاومة الزلازل وعوامل التعرية وغيرها من القوى المؤثرة على المباني مهما بلغت شدتها. وأوضحت أنه لإقامة المباني بهذه الخرسانة المبتكرة فإن الأمر يقتضي الاستعانة بالبوتامين والحديد المنصهر، مشيرة إلى أن المصانع المختصة يمكنها بناء هذه الحوائط ثم نقلها بعد ذلك إلى مكان البناء.
واستلهمت الباحثة دراستها من الآيتين الكريمتين في سورة الكهف اللتين نزلتا في ذي القرنين " آتوني زبر الحديد حتى" إذا ساوى" بين الصدفين قال انفخوا حتى" إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا ، فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا " .
توقفت الباحثة أمام هاتين الآيتين وتدبرت موقف نزولهما جيداً. وبعد عدة تجارب توصلت إلى هذه التركيبة.
وفيما يتعلق برأي الإسلام في الآيات التي استندت إليها الباحثة يقول المفكر الإسلامي د. زغلول النجار : إن ما توصلت إليه الباحثة هو لمحة من لمحات الإعجاز القرآني في العلم الذي يتكشف لنا يوماً بعد يوم. وأضاف : إن الباحثة استمدت سر تركيبتها من قصة ذي القرنين الذي ألهمه الله استخدام مادة القطران التي اختلف الفقهاء حول تعريفها، فقال عنها البعض إنها من النحاس المنصهر، بينما عرَّفها البعض الآخر بأنها أحدى مشتقات البترول. وأضاف عليها ذو القرنين قطع الحديد المنصهر لتكوين مادة صلبة يستحيل طرقها ثم بنى فوقها السد لحماية القوم من يأجوج ومأجوج.
وأكد د.النجار أن السد من علامات الساعة وسيظل قائماً حتى قيام الساعة ومكانه مجهول ولن يُعرف حتى يظهر يأجوج ومأجوج، وقيل إنه ببلاد ما وراء البحار أو بلاد التركستان. وتمنى د. النجار أن تستفيد الجهات المعنية من هذه التركيبة الجديدة وتطبقها في عمليات البناء في عصرنا الحالي.
7- أدوات التنبيه : متعددة في هذه القصة كما تتعدد في القرآن الكريم منها :
التكرار : " فأتبع سبباً " مرة واحدة ." ثم أتبع سبباً " مرتين . " حتى إذا بلغ... " ثلاث مرات . " حتى إذا ساوى بين الصدفين .." " حتى إذا جعله ناراً .. " ومهمتها وصل المنقطع وقطع الموصول . وذلك بالانتقال من مشهد إلى مشهد ضمن سياق واحد .
أداة الاستفهام " هل " التي لا تحتاج للجواب " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً " فقد جاء الجواب بعد ذلك مباشرة " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً "
" قل " فهي تقرع الأسماع ، وتنشط الذاكرة
" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً "
" قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر ......"
" قل إنما أنا بشر مثلكم ، يوحى إليّ ..... " .
 

زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية